Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تغلبت "التواصل الاجتماعي" على وسائل الإعلام التقليدية في حرب غزة؟

بايدن يواجه احتمالات خسارة الانتخابات الرئاسية جزئياً بسبب الحرب

اتهمت وسائل الإعلام التقليدية بالتحيز في نقل الأخبار المتعلقة بالحرب في غزة فبرزت أخبار وسائل التواصل الاجتماعي وطغت عليها (أ ف ب)

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً أكثر تأثيراً عن وسائل الإعلام التقليدية الأميركية التي كانت في بداية الحرب منحازة تماماً لإسرائيل، وتمكنت من تغيير نظرة الشباب تحديداً من الصراع وجعلت غالبية الشباب الديمقراطي يرفضون دعم بايدن في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مما يهدد حظوظه في الفوز بالسباق، وهو ما يشكل تغيراً نادراً في كيفية تشكيل الرأي العام الأميركي في قضية ظلت محسومة لإسرائيل منذ نشأة الدولة العبرية، فهل فقدت وسائل الإعلام والنخبة سطوتها في التأثير على الرأي العام ولم يعد بإمكانها استعادة هذا النفوذ؟

معركة الرأي العام

في أعقاب الهجوم المفاجئ غير المسبوق الذي شنته "حماس" داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دارت ولا تزال معركة في شوارع غزة استخدمت فيها مختلف الأسلحة من طائرات ومدافع ودبابات ضمن حملة قصف انتقامية إسرائيلية، بينما تواصل حركة "حماس" إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لكن في الوقت نفسه يجري صراع آخر لا يقل أهمية، وهو صراع يستخدم المنشورات والمشاركات عبر "تيك توك" و"إنستغرام" و"إكس" و"فيسبوك" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ينشر المستخدمون على جانبي الصراع عبر الإنترنت معلومات ومشاهد وآراء للفوز في حرب وسائل التواصل الاجتماعي والتأثير في الرأي العام في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في الولايات المتحدة الأميركية التي تعد الداعم الرئيس لإسرائيل في هذه الحرب، مما قد يغيّر المواقف بمرور الوقت.

ويعتبر المراسل الحربي ديفيد باتريكاراكوس الذي ألّف كتاب "الحرب في 140 شخصية: كيف تشكل وسائل التواصل الاجتماعي الصراع في القرن الحادي والعشرين"، أن المعركة العسكرية بين "حماس" وإسرائيل محددة سلفاً، لأن "حماس" لا تستطيع هزيمة الجيش الإسرائيلي ولا يستطيع الجيش الإسرائيلي القضاء على "حماس"، لذلك فإن المعركة الأوسع هي حرب المعلومات، إذ تتمتع المنشورات على وسائل التواصل بقوة عاطفية هائلة لأن من ينشروها موجودون على خط المواجهة الأمامي ويروون قصصاً شخصية عميقة، بينما المتحدثون بالزي الرسمي على وسائل الإعلام أو عبر وسائل التواصل يقدمون الإحصاءات بوجه صارم، وبالتالي لا توجد منافسة.

قوة الصور

ويتفق المؤرخ العسكري ومحلل السياسة الخارجية ماكس بوت في أن إسرائيل تخسر حرب المعلومات لأنها معركة الضحية، مشيراً إلى تحول تعاطف كثير من الناس بعيداً من إسرائيل التي يعقد مسؤولوها مؤتمرات صحافية تختلف تماماً عن رؤية المشاهدين والمتابعين عواقب الهجمات المدمرة في غزة عبر وسائل التواصل وإظهار المعاناة والتعبير عن الغضب والتي تكون أكثر عمقاً من الاستماع إلى شخص ما في مؤتمر صحافي يشرح الموقف، وإذا كنت تشرح فأنت تخسر، لكن على الإنترنت ما يتحدث بقوة هو الصور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووجدت دراسة أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" في نوفمبر الماضي أن عدد الوسوم المؤيدة للفلسطينيين والمستخدمة على منصات "تيك توك" و"إنستغرام" و"فيسبوك" قد تجاوزت بكثير الوسوم المؤيدة لإسرائيل، فقد وجدت الصحيفة أن وسم "فلسطين حرة" تم استخدامه 39 مرة أكثر من وسم "ساندوا إسرائيل" على "فيسبوك" وأكثر بمعدل 26 مرة على "إنستغرام"، وأسهم في تصاعد تأثير وسائل التواصل في أن إسرائيل لا تسمح لكثير من المراسلين الأجانب بالدخول إلى غزة بصورة مستقلة وإنما بصورة استثنائية فقط ولعدد محدود جداً يرافقون وحدات من القوات الإسرائيلية وفقاً لشروط خاصة. 

وفيما لاحظ صانعو الأفلام والطلاب والمصورون والصحافيون المواطنون والكتاب الذين ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي أن منشوراتهم ومشاركتهم تنمو مع احتدام قصف غزة، قالت كبيرة الباحثين في معهد "بروكينغز" التي تدرس تأثير التقنيات الناشئة فاليري فيرتشافتر، إن تأثير هذا هائل حيث تسلح الهواتف المحمولة الناس ليكونوا منافذ إعلامية تضفي الطابع الديمقراطي على المعلومات، وبخاصة في الأماكن التي لا يستطيع الصحافيون الوصول إليها.

لماذا خسرت وسائل الإعلام المعركة؟

وعلى مدى عقود ظلت وسائل الإعلام والأخبار تمثل أدوات قوية للغاية لمحاسبة الحكومات وتقديم المعلومات المهمة إلى الجماهير وفتح عيونهم على وجهات نظر جديدة وتشكيل كيفية رؤية الناس للعالم من حولهم وكيفية تفسيرهم للأحداث الدولية المهمة، بما في ذلك الحروب والصراعات، لكن شيئاً ما تغير خلال حرب غزة داخل الولايات المتحدة الأميركية، ولا يعود ذلك فقط للطريقة المنحازة غالباً التي غطت بها وسائل الإعلام تطور الحرب وإنما بسبب التأثير الطاغي لوسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة على فئة الشباب.

 وبحسب الأستاذة في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأميركية في واشنطن والمتخصصة في العلاقات الدولية والسياسة إليس لابوت، فإن التغطية المكثفة حول طبيعة هجوم "حماس" التي تصنفها الولايات المتحدة كمجموعة إرهابية لم تكن موضوعية غالباً، إذ مالت التغطية الأميركية للحملة العسكرية نحو روايات الحكومتين الإسرائيلية والأميركية على حساب تمثيل وجهات النظر الفلسطينية بصورة مناسبة، كما تشير هذه التغطية غالباً إلى عدد الضحايا الفلسطينيين مع تحذير من أن الأرقام تأتي من وزارة الصحة التي تديرها "حماس" في غزة، كما لو كان ذلك للتشكيك في شرعيتها.

وعلى رغم أن كثيراً من وسائل الإعلام ألقت باللوم في البداية على إسرائيل في الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي في غزة يوم الـ 17 من أكتوبر الماضي، إلا أن معظمها غيرت رأيها بسرعة عندما ألقت إسرائيل والولايات المتحدة اللوم على صاروخ فلسطيني خاطئ على رغم قلة الأدلة المقدمة إلى وسائل الإعلام، وهذا يمكن أن يترك لدى الجمهور انطباعاً بأن الصراع معقد للغاية ويصعب فهمه.

انتقادات كثيرة

ومن بين الانتقادات التي وجهت إلى وسائل الإعلام الأميركية التقليدية اللغة المستخدمة فيها، إذ يتم تجنب مصطلحات مثل "الفصل العنصري" و"التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية" في وسائل الإعلام الرئيسة بسبب طبيعتها المشحونة سياسياً، على رغم تعريفها من قبل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وكونها مصطلحات يحددها القانون الدولي.

كما وجهت انتقادات أخرى لعدم وجود إدانة واسعة النطاق في غرف الأخبار الأميركية والغربية لمقتل الصحافيين في الهجمات الإسرائيلية، فقد وقّع أكثر من 750 صحافياً من مختلف المؤسسات الإخبارية، بما في ذلك "واشنطن بوست" و"رويترز" و"لوس أنجليس تايمز" و"بوسطن غلوب" على رسالة مفتوحة تدين قتل إسرائيل للصحافيين في غزة وتنتقد تغطية الحرب في وسائل الإعلام، ودعا الموقعون إلى استخدام مصطلحات محددة مثل "الفصل العنصري" و"التطهير العرقي" لوصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين، مشيرين إلى المعايير المزدوجة في إعداد التقارير، ومع ذلك تم تغييب هذه المطالب.

وعلى رغم أن اختيار قصص أو صور معينة يجعل لوسائل الإعلام تأثيراً مهماً حول ما إذا كان الجمهور ينظر إلى إسرائيل أو الفلسطينيين بصورة أكثر تعاطفاً أو سلبية، وهو ما ظهر في تغطية الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر الماضي وسبب تعاطفاً شديداً مع الإسرائيليين، إلا أن التركيز على الضحايا المدنيين الفلسطينيين والأزمة الإنسانية المتنامية في غزة يثير ردود فعل عاطفية قوية من جانب الجمهور، بما في ذلك الدعوة إلى وقف إطلاق النار وتقديم مزيد من المساعدات الإنسانية.

تحول كبير

وأدى حذف بعض الحقائق أو الأحداث أو وجهات النظر إلى تحريف الفهم العام للصراع وتقديم وجهة نظر شبه أحادية الجانب، مما أثر في ثقة الجمهور في وسائل الإعلام وكيفية استهلاكه للأخبار والمصادر التي يعتبرها ذات صدقية.

ولهذا ولدت الحرب بين إسرائيل و"حماس" كثيراً من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، وقام المستخدمون عبر منصات مثل "إكس" و"تيك توك" و"إنستغرام" وغيرها بنشر منشورات ومقاطع فيديو تبيّن وجهات نظرهم حول الصراع، مما جعل لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيراً كبيراً في رؤية الجمهور وفهمهم وآرائهم، وتغيير وجهات نظر الأجيال الجديدة وتراجع الثقة في وسائل الإعلام الرئيسة، بحسب الأستاذة في الجامعة الأميركية إليس لابوت التي تعترف بأن الأعوام الأخيرة شهدت تحولاً في نظرة الشباب الأميركيين إلى إسرائيل وكيفية تصوير محنة المدنيين الفلسطينيين في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر أهمية بكثير مما تقدمه وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية للشباب.

ويعود ذلك لوفرة المعلومات على وسائل التواصل والتفضيلات التي تقدمها بحسب الاهتمام، ومع ذلك فهي أرض خصبة للمعلومات المضللة في ما يتعلق بالنزاع حيث ينشر الأشخاص معلومات وروايات مع القليل من المعرفة بالصراع نفسه.

رأي عام متغير

غير أن التأثير في النهاية اتضح في استطلاعات الرأي المتعددة التي أجريت بعد أسابيع من هجوم السابع من أكتوبر الماضي، فبعدما كان هناك إجماع رسمي على تعاطف الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل، وهو ما عبر عنه البيت الأبيض والكونغرس بصوت عال عبر إدانة الهجوم والمساندة غير المشروطة لإسرائيل، إذ لم تتلق الهجمات الإسرائيلية التي تلت ذلك سوى انتقادات رسمية خافتة في البداية، لكنها أدت إلى مزيد من الانتقادات من بعض شرائح المجتمع الأميركي، بما في ذلك انطلاق عدد من التظاهرات العامة في عشرات المدن، ومع اتساع نطاق الحرب في غزة ظهر مزيد من الانتقادات للرد الإسرائيلي.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "إبسوس" منتصف نوفمبر الماضي أن معظم الأميركيين يعتقدون الآن أن الولايات المتحدة يجب أن تعمل كوسيط محايد، وعلى رغم أن أكثر من 50 في المئة اتفقوا على أن إسرائيل تفعل ما كانت ستفعله أي دولة رداً على هجوم "حماس"، قال اثنان من كل ثلاثة أميركيين إن على الدولة اليهودية الدعوة إلى وقف إطلاق النار والتفاوض على عودة الرهائن.

كما وجد الاستطلاع أن الأميركيين منقسمون بالتساوي حول ما إذا كان رد إسرائيل على الهجمات الأخيرة مفرطاً، إذ وافق 50 في المئة منهم على ذلك في مقابل 50 في المئة لم يوافقوا، ومع ذلك رأى 62 في المئة من الديمقراطيين أن رد إسرائيل كان مفرطاً في مقابل 30 في المئة من الجمهوريين.

وانتقد الديمقراطيون التقدميون الأصغر سناً والأكثر يسارية بصورة خاصة طريقة تعامل الرئيس الأميركي جو بايدن مع الحرب قائلين إن دعمه للرد الإسرائيلي لم يكن مشروطاً بما فيه الكفاية، وكان ينبغي عليه فعل المزيد لمنع سقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين.

صدع مفاجئ

ويعكس هذا التعاطف المؤيد للفلسطينيين بين الديمقراطيين أن الرئيس بايدن يواجه الآن صدعاً مفاجئاً داخل حزبه في شأن الشرق الأوسط، بينما يتجه إلى حملة إعادة انتخاب صعبة، ومن المرجح أن تكون ضد الرئيس السابق دونالد ترمب، بخاصة وأن الأميركيين الشباب يدعمون بصورة صريحة الفلسطينيين أكثر من إسرائيل، بينما يدعم إسرائيل 65 في المئة ممن تزيد أعمارهم على 65 سنة.

لكن الخطر الأكبر يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة حيث يقول عدد أكبر من المشاركين (31 في المئة) إن موقف بايدن من القضية الإسرائيلية - الفلسطينية يجعلهم أقل احتمالاً للتصويت له، مقارنة بنسبة قدرها 14 في المئة قالوا إن موقفه من القضية يجعلهم أكثر احتمالاً للتصويت لمصلحته.

عوامل الخطر

وبصورة عامة فقد تكون هذه الأرقام مثيرة للقلق بالنسبة إلى بايدن إذ يرجح أن يصوت الناخبون الجمهوريون ضده بغض النظر عن مواقفه، ومن غير المرجح أن يصوت الديمقراطيون لخصوم بايدن الجمهوريين، لكن بعضهم قد يكون أقل نشاطاً وقد يغيب آخرون عن الانتخابات.

 ويكمن الخطر بالنسبة إلى بايدن في أن أي انتخابات متقاربة قد يؤدي عدم تصويت العرب والمسلمين له فيها داخل الولايات المتأرجحة مثل ميتشغان وبنسلفانيا وويسكنسون وجورجيا وأريزونا إلى خسارته الانتخابات، نظراً لأن أعداد الناخبين العرب والمسلمين تفوق الهامش الذي فاز به في انتخابات عام 2020 ضد ترمب.

وما يفاقم التخوفات حيال مستقبل بايدن في البيت الأبيض أنه كانت هناك تكهنات حول تأثير الأقلية المعارضة للحرب بين التقدميين الديمقراطيين، وبخاصة الديمقراطيين الشباب، في الانتخابات الرئاسية، وأثار الانخفاض المتزامن في شعبية الرئيس بين الديمقراطيين تساؤلات حول صلة ذلك المحتملة للحرب.

ومع احتدام الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة فمن المرجح أن يؤدي مستوى الوفيات بين المدنيين والدمار إلى إبقاء هذه القضية بارزة في الخطاب العام والسياسة الخارجية للولايات المتحدة بعض الوقت مستقبلاً، ومن المرجح أيضاً أن تستمر المواقف العامة الأميركية في التأثر.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير