Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سد "بسري" دخل حلبة "النزاع السياسي" في لبنان

أثبتت الاستراتيجية المائية فشلها على رغم الكلفة المالية العالية

السدود في لبنان مثال على فشل استراتيجية المياه والطاقة المستدامة (اندبندنت عربية)

ملخص

تثير السدود المائية نقاشات كبيرة في لبنان بين الأوساط العلمية والسياسية

في لبنان، لا يمكن الفصل بين العلم والسياسة في معظم القضايا، وهذا ما ينطبق فعلياً على ملف السدود المائية، ويعد سد "بسري" أحد الملفات الأكثر حساسية نظراً إلى الإصرار السياسي على تحدي الآراء العلمية التي تحذر من إنشاء سد على فالق "بسري" الزلزالي. وتنقسم البلاد إلى معسكرين: أحدهما مؤيد لسياسة السدود المائية يتزعمه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والفريق المؤيد له الذي يمسك وزارة الطاقة منذ 15 عاماً، مقابل تحالف كبير من القوى السياسية ومؤيدي انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، وكذلك التيار العلمي المعارض للسدود ذات الآثار الخطرة.

عودة سد "بسري"

وعاد النقاش حول سد "بسري" انطلاقاً من حديث وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض الذي قال "لن نقبل أبداً أن يبقى سد بسري معطلاً"، مشيراً إلى أن "أطماع العدو الإسرائيلي بمياهنا لا تحتاج إلى تبيان، وخير رد عليها المضي بمشاريعنا المائية وباستغلالنا آخر نقطة ماء تسقط على أرضنا أو تنبع منها، شاء من شاء وأبى من أبى".

وفي العودة إلى تاريخ توقف الأعمال في سد "بسري"، فقد واجه المشروع معارضة كبيرة من قبل الجمعيات البيئية في لبنان، فهو يقضي على مرج "بسري" وعلى التنوع البيئي في المنطقة. وشكل إسقاطه أحد مطالب الحراك الشعبي في أعقاب اندلاع انتفاضة الـ17 من أكتوبر. ومع اشتداد حملات المعارضة له، أعلن البنك الدولي الإلغاء الجزئي للقرض، ففي الخامس من سبتمبر (أيلول) 2020، تبلغت الحكومة اللبنانية من البنك الدولي "الإلغاء الجزئي للمدفوعات ضمن القرض المخصص لتمويل مشروع زيادة إمدادات المياه" أي مشروع سد "بسري". وبلغت قيمة الجزء الملغى من القرض 244 مليون دولار أميركي، من ثم إلغاء المبالغ غير المصروفة ضمن مكونات معينة من القرض. وأشار قرار الإلغاء إلى أحد آثاره العظمى إذ "لن يتمكن أكثر من 1.6 مليون شخص يعيشون في منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، من بينهم 460 ألف شخص يعيشون على أقل من أربعة دولارات للفرد في اليوم، من الحصول على إمدادات مياه نظيفة بصفة موثوقة، كما لن تتمكن الأسر من الاعتماد على شبكة المياه العامة، وستضطر إلى الاستمرار في الاعتماد على مصادر بديلة باهظة الثمن للمياه مثل الصهاريج وزجاجات المياه".

وبعد مرور سنة ونصف السنة على الإلغاء قررت الحكومة اللبنانية إعادة التفاوض مع البنك الدولي لإحياء القرض المرتبط بتنفيذ مشروع سد "بسري"، في الرابع من مارس (آذار) 2022. ومنذ ذلك الحين لم تشهد المنطقة أية خطوات تنفيذية تنعش آمال المؤيدين للمشروع الذين وضعوا إسقاطه في خانة "النكد السياسي" على حد تعبير النائب جبران باسيل، فيما كررت الجمعيات البيئية معارضتها لأن السد يهدد أجمل مروج لبنان والمنطقة بأسرها للزحل والزلازل، فضلاً عن تحميله اللبنانيين قروضاً إضافية ستصرف في غياب أي نظام محاسبة أو تدقيق لديه الحد الأدنى من الصدقية.

لمواجهة انقطاع المياه عن بيروت

واستعرض الملف التعريفي، الذي أعدته وزارة الطاقة عن مشروع تعزيز إمدادات المياه (سد بسري)، المنافع المفترضة لتنفيذ المشروع، إذ يعاني لبنان نقصاً في كمية المياه المتوافرة سنوياً لتلبية حاجات المواطنين، كما أن التغذية الحالية بالمياه لمنطقة بيروت غير كافية و"تتلقى بعض الأسر المياه لأقل من ثلاث ساعات يومياً خلال فصل الصيف، ويقدر عجز إمدادات المياه الحالية بـ90 مليون متر مكعب سنوياً من المتوقع أن يصل إلى 180 مليون متر مكعب سنوياً بحلول عام 2035".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذلك، حدد القائمون على المشروع أهدافه بـ"توفير المياه لمنطقة بيروت الكبرى"، و"أن يكون المشروع مقبولاً بيئياً واجتماعياً، وممكناً تقنياً، وذا جدوى اقتصادياً"، مذكرين بـاقتراح موقع السد في عام 1953، من قبل لجنة أميركية، واستتبع ذلك اعتماده من قبل المهندس إبراهيم عبدالعال ضمن منظومة مشاريع المياه على نهري الليطاني والأولي، بعدد من الدراسات الأولية حتى 2000ن وأشاروا إلى تنفيذ المشاريع المحلية المتنوعة ذات الطابع البيئي والاجتماعي، على غرار إعادة التحريج والتشجير، وأنظمة كهرومائية صغيرة تستفيد من مياه النهر، وإقامة مرافق لزوار مشروع سد وبحيرة "بسري"، وأنشطة لتشجيع السياحة البيئية.

تكرار تجربة "مشروع فاشل"

ويلاقي سد "بسري" معارضة كبيرة في الأوساط البيئية والعلمية، ويجزم الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي أن "سد بسري انتهى" لأنه اتضح للجميع أن "وادي بسري انهدامي وانخسافي بناء لدراسات قام بها خبراء فرنسيون. وجاءت عملية حفر أربعة آبار من قبل مجلس الإنماء والإعمار قرب منبع نهر بسري لتثبت بأن المنطقة الواقعة تحت الحفريات الصخرية، هي عبارة عن مغاور، من ثم فإن حفر تلك المناطق يؤدي إلى شفط المياه، وخسف الأراضي". من ثم فإن المنطقة ذات الطبيعة الفراغية لا تحتمل صب كميات هائلة من الباطون وإنشاءات ضخمة، ويطرح زعاطيطي علامات استفهام حول إصرار وزارة الطاقة على إنجاز المشروع وشفافية التمويل وتوزيع الاستملاكات والمنافع، مشدداً على "عدم تكرار تجربة فشل السدود الأخرى"، كما حصل في مناطق أخرى من لبنان ولا سيما في "المسيلحة وبلعا وبقعاتة كنعان وسد جنة والقيسماني"، وهي "جميعها سدود مثقوبة" بسبب الطبيعة الهيدروجيولوجية للأراضي.

تكرار تجربة "القرعون"؟

وتسود مخاوف حول تكرار تجربة بحيرة "القرعون" (البقاع الغربي)، وإيصال مياه شرب ملوثة إلى بيروت، وكذلك الآثار البيئية لإقامة السدود. فمن ناحية، هناك الخطر الزلزالي، لأن السد يقع في منطقة فالقين زلزاليين، كما أن المشروع سيقضي على مساحات زراعية واسعة وقتل الأشجار المثمرة، إذ استملكت الدولة مساحات كبيرة من الأراضي في منطقة "مرج بسري".

ويشير العدد الخاص بسد "بسري" الصادر عن "المفكرة القانونية" إلى عدم وجود كميات كافية من المياه لجرها إلى بيروت بفعل التسرب والتبخر، إضافة إلى تأثير استجرار 50 مليون متر مكعب من بحيرة "القرعون" وهي ملوثة بـ"السيانوبكتيريا" القاتلة والمسرطنة لأنها غير قابلة للعلاج، ومصادر أخرى للتلوث كالمجارير وعصارة النفايات، لأن مياه نهر "بسري" تحوي مجارير 33 بلدة، وتسرب عصارة نفايات مكب "الناعمة" (جبل لبنان) السامة إلى نفق جر المياه بحسب الخبير كمال سليم.

المياه في خطر

تتنوع الأخطار التي تتهدد مصادر المياه في لبنان ولا تقتصر على التلوث، وإنما تتجاوزها إلى غياب الخطط وضعف الشفافية والحوكمة.

وفي دراسة نشرها الخبير المالي والاقتصادي مروان إسكندر ضمن كتاب "أسباب الانتفاضة"، يلاحظ أن موارد المياه الوفيرة في لبنان لا تترجم إلى إمدادات مياه كافية، "فقط ربع الأسر اللبنانية تحصل على المياه كل يوم"، و"لو أن الأسر تستطيع الاعتماد بالكامل على شبكة المياه العامة، فيمكنها خفض نفقاتها المائية بشكل كبير".

في المقابل، يهدد الانقراض أعظم مصادر المياه في البلاد مثل "نهر الليطاني"، والكارثة البيئية التي لحقت في بحيرة "القرعون" التي من المفترض بها أن ترفد سد "بسري" ببعض الموارد المائية، فقد أصبحت البحيرة بالفعل خزاناً للنفايات السائلة والصلبة. ففي عام 2006، "بدأ التدهور البيئي عندما تغير لون البحيرة إلى الأخضر الداكن كعلامة على تكاثر نوع واحد أو أكثر من الطحالب أو البكتيريا الزرقاء"، واكتشاف نباتات سامة تتسبب بوفاة عدد كبير من الأسماك الصغيرة وموطن للعوالق النباتية والطحالب ذات الخلية الواحدة والغازات السامة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير