ملخص
وزير الخارجية التونسي قال إن "الاتحاد الأوروبي لا يزال يعاني عقدة التفوق، إذ يعد نفسه نموذجاً يحتذى على رغم أنه أقلية في العالم"
في مؤشر إلى حجم التوتر بين الطرفين، شن وزير الخارجية التونسي نبيل عمار هجوماً حاداً على الاتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك التاريخي الأول لبلاده، وهو توتر تغذيه انتقادات أوروبية للوضع السياسي في تونس وتعثر إنجاز مذكرة تفاهم في شأن الهجرة وقعت بين الطرفين في يوليو (تموز) الماضي.
وقال عمار في تصريحات بثتها وكالة الأنباء الإسبانية إن "الاتحاد الأوروبي لا يزال يعاني عقدة التفوق، إذ يعد نفسه نموذجاً يحتذى على رغم أنه أقلية في العالم"، منتقداً تدخلات النواب في البرلمان الأوروبي في الشأن التونسي.
وجاءت تصريحات عمار في وقت تشهد فيه العلاقات مع أوروبا جفاءً بسبب ملفات الهجرة والأزمة السياسية التي تعرفها تونس في ظل القطيعة بين السلطة والمعارضة التي تلاشى حضورها بصورة كبيرة بعد توقيفات طاولت معظم رموزها مثل زعيمة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي وزعيم "حركة النهضة الإسلامية" راشد الغنوشي والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، وغيرهم.
وفيما تزدهر علاقاتها مع روما فإن تونس تبتعد أكثر عن بقية شركائها التقليديين الأوروبيين مثل فرنسا على رغم أن رئيسها إيمانويل ماكرون سبق أن أشاد بتحرك الرئيس سعيد في 25 يوليو (تموز) 2021، عندما أطاح البرلمان والحكومة المنتخبين مدشناً حقبة سياسية جديدة.
تقييم للعلاقة
على رغم الانتقادات اللاذعة التي وجهها إلى الاتحاد الأوروبي أكد وزير الخارجية التونسي أن بلاده لا تزال ملتزمة بنود مذكرة التفاهم التي وقعت في يوليو الماضي وتهدف إلى الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية في بلد يتكدس فيه آلاف المهاجرين الذين يتحدرون من جنسيات أفريقية ويحدوهم الأمل للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
ووفقاً لمراقبين فإن من أسباب التوتر الحاصل في العلاقات التونسية – الأوروبية عدم تنفيذ هذا البروتوكول الذي يقضي بمنح تونس التي تعاني ضائقة مالية حادة مبلغاً قيمته 900 مليون دولار سيمكنها من أوجه جديدة للتعاون مقابل صد المهاجرين غير النظاميين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس إن "هناك تقييماً جديداً للعلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي عبر عنه وزير الخارجية في تصريحاته، وهو تقييم ينبني على مرجعية بديلة، لكن الغموض يلف هذه المرجعية، هل هي مرجعية في الإطار العربي؟ أو الأفريقي؟ أو ببديل آخر بالنسبة إلى الأقطاب العالمية مثل روسيا والصين؟ لا نعرف حتى الآن ملامح هذه المرجعية".
واعتبر ونيس في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" أنه "مع ذلك تونس لا تزال تحتفظ بالمسافة نفسها مع كل الأطراف ولا يوجد تركيز على قوة أو دولة معينة، هذا النقد للاتحاد الأوروبي يعني تقييم للشراكة معه، وهو تقييم نقدي سيشمل تموقع تونس تجاه التكتل الأوروبي وغيره".
تدخلات غير مقبولة
ومنذ وصول الرئيس قيس سعيد إلى دفة الحكم في عام 2019 تبنت الدبلوماسية التونسية نهجاً جديداً يعكس توجهات الرجل، وهو نهج يرتكز على خطاب سيادي تجسده مفردات تصعيدية تجاه ملفات حساسة في البلاد وخارجها مثل الهجرة غير النظامية وحقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي الذي عرفته تونس.
وتخامر الشكوك الأوروبيين في شأن تراجع تونس عن الديمقراطية التي حاولوا دعمها طوال السنوات الماضية التالية لسقوط الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وذلك بعد الانعطافة التي شهدتها على يد الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021.
وقال عمار في تصريحاته منتقداً هذه الشكوك، إن "هناك تدخلات غير مقبولة من قبل بعض النواب الأوروبيين ورغبتهم في أداء زيارة تقييم لتونس مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي" متسائلاً "هل ترغب الدول الأوروبية في أن ترسل تونس ملاحظين للديمقراطية في دول ذات سيادة في الاتحاد الأوروبي؟".
ومنذ نجاح احتجاجات يناير (كانون الثاني) 2011 في إسقاط بن علي رمت دول الاتحاد الأوروبي بثقلها من أجل إنجاح تجربة "الانتقال الديمقراطي في تونس"، لكن هذه التجربة تعثرت، وهو ما شجع الرئيس سعيد على وضع حد لها عندما أعاد البلاد إلى نظام الحكم الرئاسي المعزز بعد استفتاء على الدستور في 25 يوليو 2022.
وانتقد نواب أوروبيون خطوات الرئيس سعيد، مما دفع السلطات التونسية إلى منع زيارة كان ينوي وفد برلماني أوروبي القيام بها إلى البلاد في وقت سابق في تطور يعكس حجم الهوة بين الجانبين. ويقول الرئيس سعيد إن ما يحدث في تونس الآن "تصحيح مسار، وهو الديمقراطية الحقيقية"، لكن المعارضة ترفض ذلك وتتهمه بمحاولة العودة "إلى مربع الديكتاتورية".
تلويح بالاتجاه شرقاً
وتصعيد وزير الخارجية التونسي يأتي بعد شهرين على زيارته روسيا التي رأى فيها كثر تلويحاً بالاتجاه شرقاً في خضم مشهد عالمي متأزم ومتخم بالصراعات في كل من أوكرانيا وغزة والسودان ودول الساحل الأفريقي وغيرها.
ولم تفصح تونس علناً عن تغيير لشركائها التقليديين ممثلين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن مواقف عدة باتت تتبناها تثير تساؤلات حول مستقبل هذه الشراكات على غرار موقفها من الحرب التي تدور رحاها في غزة.
وقال المحلل السياسي التونسي نزار مقني إن "تونس تلوح بالاتجاه شرقاً، لكنها ستتجه شرقاً وغرباً، وهذا أمر تفرضه طبيعة الصراع الحالي على الساحة العالمية، فتونس تلوح بالفعل بالاتجاه للشرق، وهذا تلويح تفهمه أوروبا جيداً، خصوصاً أن منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط قد تصبح خارج سيطرة القارة العجوز التي تعد هذه المناطق مناطق أطراف، بينما هي المركز".
وأردف مقني في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" أن "تونس تمارس الضغط على أوروبا من طريق أوراق معينة لأن بروكسل تتعامل مع تونس على أنها ملف أمني يسبب خطراً على الأمن الأوروبي وليس كبلد يمكن أن تكون معه شراكات متعددة"، لافتاً إلى أن "الذهاب شرقاً يربك أوروبا، وهو ما يجعل دولاً أوروبية تسعى إلى تعديل البوصلة في ما يخص التعامل مع تونس مثل إيطاليا".
وأكد المتحدث أن "روما تحاول إيجاد حلول واقعية لمشكلات الهجرة غير النظامية من خلال استيعاب سوق عمل وتوفير سبل هجرة نظامية، وقبل شهر وقع اتفاق ينص على توظيف 4000 تونسي، ورأينا حتى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تدافع عن السياسات الخارجية التونسية، وهناك دول أخرى مثل اليونان تتبنى هذا النهج".