Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توتر سياسي جديد بين تونس والاتحاد الأوروبي يعرقل التعاون الاقتصادي

محللون يرون أن العلاقات التجارية والاستثمارية قد تتأثر على المدى البعيد

تونس لم تتلق مساعدات أو هبات مالية أوروبية حتى نهاية يونيو 2023 (أ ف ب)

ملخص

سجلت الصادرات التونسية مع الاتحاد الأوروبي نحو 71 في المئة من إجمالي قيمة الصادرات العام الماضي

خيم التوتر من جديد على العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي بعد تجدد أزمة المهاجرين غير النظاميين من تونس وليبيا باتجاه السواحل، إذ رفضت تونس استقبال وفد من الاتحاد الأوروبي كان سيزور البلاد في الأسابيع الماضية ليدخل الطرفان في أزمة سياسية جديدة.

وقال الرئيس التونسي قيس سعيد في 18 سبتمبر (أيلول) الجاري، خلال اجتماعه مع كل من رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزير الداخلية كمال الفقي، إن "من سيأتينا من الخارج ليراقبنا، غير مرغوب فيه، ولن يدخل أرضنا"، مضيفاً "لن نقبل أن يتدخل أي أحد في سيادتنا، وليكفوا عن التدخل في شؤوننا"، مؤكداً "نحن نعمل في نطاق الشفافية أكثر منهم بكثير".

وكان البرلمان الأوروبي قد أعلن، الأربعاء الماضي، عن زيارة لجنة الشؤون الخارجية تونس للنظر في الوضع السياسي، إضافة إلى دعم حوار وطني شامل بعد الانتخابات الأخيرة وتقييم مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وتونس الموقعة في الآونة الأخيرة.

إلى ذلك، أوضحت الخارجية التونسية في تصريحات إعلامية أن "تونس ترفض زيارة وفد برلماني أوروبي لتجاوزه الأعراف الدبلوماسية".

في غضون ذلك، قالت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، عن إلغاء الزيارة إن "الجانب الأوروبي أعلن زيارة وفد عن لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان في الفترة من 14 حتى 16 سبتمبر الجاري من دون التنسيق المسبق في شأنها كما تقتضي الأعراف المعمول عند تنظيم زيارات الوفود الأجنبية إلى البلاد". وأوضحت أن "مثل هذه المهام تنسق دائماً ومسبقاً مع السلطات الرسمية للدول المستضيفة تتضمن موعد الزيارة وتركيبة الوفد وبرنامج العمل"، مؤكدة أن "تونس لم ترسل أبداً بعثات برلمانية لتفقد أو تقييم الوضع في أي بلد آخر"، معتبرة أن "تلك الطريقة في التعامل غير مقبولة البتة وتتعارض مع جميع الأعراف، قائلة إنها "عملية استفزازية غير مبررة ومرفوضة"، وإن "تونس غير مستعدة أن تكون أرضاً لتصفية الحسابات بين مختلف أطراف الأحزاب السياسية الأجنبية بخصوص أجندات تخصها".

أضافت وزارة الشؤون الخارجية "على إثر تلقي السلطات التونسية للتركيبة المقترحة للوفد البرلماني، تبين أنها تضم برلمانيين عرفوا بمواقفهم المناوئة والسلبية وبتصريحاتهم المتكررة المنحازة وغير الموضوعية تجاه تونس وخيارات الشعب التونسي ومؤسساته"، وقالت إن "السلطات التونسية عبرت عن رفضها لهذه الزيارة بالتركيبة المقترحة"، لذا سعت سواء لدى بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس أو من طريق سفارة تونس ببروكسل، إلى إقناع الجانب الأوروبي بتغييرها حتى تضم برلمانيين أكثر موضوعية.

وأشارت الوزارة التونسية إلى أنها "لاحظت أن عدداً من أعضاء هذا الوفد المقترح، عبروا عن مواقفهم السلبية تجاه تونس قبل يومين من موعد هذه الزيارة، خلال جلسة بالبرلمان الأوروبي، وهو ما يؤكد أن الهدف من هذه الزيارة لا علاقة له بزعمهم الوقوف على حقيقة الوضع في البلاد".

شريك اقتصاد متميز ولكن

وتربط تونس بالاتحاد الأوروبي علاقات اقتصادية ومالية ضاربة في التاريخ تعود إلى سبعينيات القرن الماضي توجت في سنة 1995 بتوقيع اتفاق للتبادل التجاري الحر بين الطرفين انتفعت من خلالها تونس بتمويلات عدة لمساعدة نسيجها الصناعي وتأهيله لرفع صادرات البلاد الصناعية، ونتج من هذه الاتفاقات توسع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين وتدشين مئات المؤسسات الأوروبية في تونس، خصوصاً في صناعة النسيج والملابس ومكونات السيارات والأسلاك والمكونات الكهربائية، وسجلت الصادرات التونسية مع الاتحاد الأوروبي نحو 71 في المئة من إجمالي قيمة الصادرات، وشهدت تطوراً إيجابياً إلى نهاية أغسطس (آب) الماضي، وارتفعت الصادرات مع عديد من الشركاء الأوروبيين خلال العام الحالي منها فرنسا بنسبة 9.3 في المئة، وإيطاليا بنسبة 21 في المئة، وألمانيا بزيادة بنسبة 14.2 في المئة، وإسبانيا بنحو 33.6 في المئة.

وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري والاقتصادي الأول لتونس، فإن عدداً من المحللين يرون أن المساعدات المالية الأوروبية إلى تونس تظل ضئيلة، إن لم تكن ضعيفة مقابل ما يضخه الاتحاد لدول أخرى في أوروبا الشرقية والوسطى على رغم أن العملاق الاقتصادي الأوروبي وعد في وقت سابق تونس بمرتبة الشريك المتميز.

وتعثر مسار وصول تونس إلى تلك المرتبة التي تمنحها مزايا عدة، خصوصاً تسهيل حرية تنقل الأشخاص (فئة رجال الأعمال والطلبة والمستثمرين) بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد في العقد الأخير وتعطل نجاح الانتقال الديمقراطي.

لا تأثير في المدى القصير

من جانبه، قال المتخصص في القطاع المالي بسام النيفر إن "الموقف السياسي لتونس على علاقة بملفات عدة مع الاتحاد الأوروبي قد لا تروق للأخير"، معتبراً أن هناك شبه انسداد بين الطرفين، لافتاً إلى أن "الاتحاد الأوروبي لم يتعود على هذا الموقف التونسي".

وأشار النيفر إلى أنه "على المدى القصير من الصعب ملاحظة تغير العلاقات الاقتصادية بين تونس وأوروبا، خصوصاً التجارية منها"، مرجعاً ذلك إلى أن الصادرات التونسية تصل إلى أوروبا من خلال شركات أوروبية قائمة في تونس، قائلاً "تتمتع تلك النوعية من الصادرات بالمتانة"، مستشهداً بالعقوبات الأوروبية ضد روسيا بعد عدة أشهر من اندلاع النزاع الروسي - الأوكراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال النيفر إنه "على المدى الطويل وفي ظل استمرار التوتر السياسي بين تونس والاتحاد الأوروبي قد تتأثر العلاقات الاقتصادية والمالية والاستثمارية من خلال تفادي صناع القرار وكبار المستثمرين الأوروبي توجيه الاستثمارات إلى تونس بسبب مواقفها السياسية"، مضيفاً أن "الاتحاد الأوروبي له وزن وثقل كبيران في المؤسسات المالية العالمية، على رغم أن تونس لم تعد تكترث بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي بسبب رفض الرئيس قيس سعيد إملاءات الصندوق، علاوة على دور الاتحاد الأوروبي في البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية اللذين يعدان من أهم ممولي تونس".

وعود وإعلان نوايا

في الأثناء، تكشف أرقام وبنود الموازنة التونسية حتى منتصف العام الحالي عن أنها لم تحصل على هبات ومساعدات مالية من أية جهة، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، إذ إن الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية تشير إلى أن تونس حصلت على "صفر هبات" مقابل تقديرات سابقة حددت قيمة الهبات بـ 354 مليون دينار (118 مليون دولار) خلال العام الحالي، في حين أنها توقعت تعبئة منح وهبات ومساعدات سنة 2022 بقيمة 1378 مليون دينار (459.3 مليون دولار).

إلى ذلك، تعكس هذه الأرقام أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم أية مساعدات لتونس، حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إذ ظلت تصريحات كبار مسؤولي رؤساء الحكومات الأوروبية مجرد إعلان نوايا فحسب، فالاتفاق الموقع بين الطرفين، في الـ17 من يوليو (تموز) في شأن ملف الهجرة غير النظامية إلى سواحل إيطاليا لم ينفذ الاتحاد الأوروبي الوعود المالية التي جاءت ضمن بنود هذا الاتفاق حتى الآن.

وتضمن الاتفاق الأوروبي منح تونس مساعدة مالية طويلة الأمد بقيمة 990 مليون دولار، إضافة إلى مساعدة بقيمة 240 مليون دولار تصرف فوراً للميزانية التونسية، على جانب حزمة بقيمة 195 مليون دولار لإدارة الهجرة في 2023.

الاتحاد في حاجة إلى تونس

وأكد بسام النيفر أنه "من الناحية الاستراتيجية والجيوسياسية ليس من صالح الاتحاد الأوروبي أن يكون طرفاً في أزمة اقتصادية ومالية لتونس، موضحاً أن "الوضع في ليبيا متأزم والعلاقات مع الجزائر ليست على ما يرام على رغم أهمية العلاقة الاقتصادية بين الجزائر وإيطاليا في ملف النفط والغاز، إلى جانب أن العلاقة مع المغرب يشوبها البرود، فليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي أن تتراجع علاقته مع تونس"، وعزز النيفر تحليله، في هذا الإطار، أن "الاتحاد الأوروبي في حال أنه اتخذ موقفاً من تونس نجم عنه تعثر التعاون المالي والاقتصادي فإن هذه المسألة قد تخلق أزمة اجتماعية في تونس قد تعمق أزمة المهاجرين غير النظاميين باتجاه السواحل الإيطالية".

اقرأ المزيد