Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مطاردة الهدف المنشود للطاقة النظيفة المخبأة تحت الأرض

باتت تقنيات الشمس والرياح أشياء مألوفة لكن الطبقات الجيولوجية قد تكتنز أشياء بعضها خطر لكنها قد تؤدي إلى تحول عالمي جذري

مشهد جوي لأعمال الحفر التي تنهض بها شركة "ناتشرال هيدروجين إنيرجي" في ولاية نبراسكا (ناتشرال هيدروجين إنيرجي/ اندبندنت)

ملخص

بواطن الأرض مكتظة بكميات ضخمة من الهيدروجين يسهل استخراجها وتوظيفها كطاقة نظيفة مما قد يحدث تغييراً عالمياً فيها

في عام 1974 استرجع "الجوهرة" غلين مكارثي ذكرياته عن الارتفاعات والانخفاضات في عالم النفط، والثروات التي جمعها وفقدها "المنقبون الجريئون" في صناعة النفط الأميركية.

ووفق مكارثي، تلك الشخصية الاجتماعية المحبة للمغامرة واشتهر بلقب "ملك المنقبين الجريئين"، في حديث مع مجلة تكساس الشهرية، "كانوا يخاطرون وأحياناً يربحون". وفي بدايات القرن الـ20 راهن مكارثي بكل ثقله على عمليات الحفر في مناطق مهملة أو تعد غير مثمرة من قبل الشركات الكبرى للنفط. ومع حلول الأربعينيات من القرن الماضي، أصبح لديه 400 بئر نفط وثروة تقدر بـ200 مليون دولار، ما يعادل اليوم نحو 2.5 مليار دولار.

اليوم، نشهد ثورة جديدة في مجال الطاقة قوامها اندفاع غير مسبوق نحو الطاقة المتجددة بمليارات الدولارات، والابتعاد عن استخدام النفط والغاز اللذين أسهما في ارتفاع درجة حرارة الكوكب، مما تسبب في تحوله إلى بيئة من الظروف المناخية القاسية.

وفي وقت أصبحت فيه تقنيات الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح أمراً مألوفاً، ثمة مجالات أخرى أصغر وأكثر خطورة في قطاع الطاقة النظيفة. يعتقد المتخصصون أن أحد هذه المجالات، إذا أثبت نجاحه، قد يكون له تأثير كبير في المستوى العالمي.

مرحباً بكم في النسخة الثانية من عصر المنقبين الجريئين الذي يرسمه السباق نحو استخراج الهيدروجين الطبيعي.

في أفريقيا وأوروبا وأستراليا والولايات المتحدة يتزايد عدد الشركات الناشئة التي تخاطر بثرواتها وسمعتها من أجل اكتشاف مخزونات ضخمة من الهيدروجين تحت سطح الأرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى غرار الحال مع الوقود الأحفوري يعد الهيدروجين الطبيعي مصدراً رئيساً للطاقة، لكن الفارق يتمثل في أن هذا الغاز لا ينتج أي انبعاثات كربونية. ويزيد من تميز ذلك الأمر أن الهيدروجين يتجدد بشكل مستمر تحت الأرض نتيجة التفاعل بين المياه والمعادن الحديدية عند درجات حرارة عالية. وتشير الدراسات الأولية إلى إمكانية توفر كميات كافية من الهيدروجين الطبيعي يمكن الوصول إليها لتلبية حاجات الكوكب من الطاقة النظيفة لأجيال عدة.

"هناك نوع من التنقيب الجريء وتحمل الأخطار"، هكذا علق الدكتور مايكل ويبر أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة تكساس في أوستن، خلال تصريح لصحيفة "اندبندنت". وأضاف "لكن العمل الآن أصبح يعتمد على العلم والتطور الفائق".

حتى وقت قريب، كان الاعتقاد السائد أن الهيدروجين الطبيعي (المعروف أيضاً باسم الهيدروجين الجيولوجي أو الأبيض أو الذهبي) غير موجود على الأرض، أو في الأقل لم يكن متاحاً في أماكن يمكن للإنسان الوصول إليها أو بكميات كبيرة.

لكن، في عام 2007، حدث اكتشاف مهم في "بوراكيبوغو" بدولة مالي في غرب أفريقيا. وآنذاك، مول رجل الأعمال المالي عليو ديالو قد اختبارات لبئر مياه في هذه القرية التي أغلقت في أواخر الثمانينيات بعد حادثة تعرض لها أحد العمال بحروق شديدة حينما دخن سيجارة قرب البئر. وأظهرت الاختبارات أن البئر تنفث غازاً يتكون من الهيدروجين الطبيعي بـ98 في المئة. وبذلك، أصبحت بوراكيبوغو أول مكان في العالم يستخدم الهيدروجين الطبيعي كمصدر للطاقة الكهربائية، وذلك من خلال استخدام محرك فورد معدل.

وقد شكل هذا تغييراً جذرياً بالنسبة إلى سكان القرية، إذ أضيئت منازلهم والأماكن العامة للمرة الأولى، وأدى ذلك إلى تحسن ملحوظ في أداء الأطفال الدراسي بفضل إمكانية الدراسة ليلاً.

"في بعض المؤتمرات التي حضرناها اعتبرنا البعض مجانين"، بحسب تصريح أدلت به إلى "اندبندنت" أسماء ديالو، ابنة عليو ديالو ومديرة التطوير في شركة "هيدروما"، التي تأسست في مونتـريـال عقب هذا الاكتشاف. وأضافت، "لكننا قررنا أن هذا الاكتشاف يستحق الاهتمام وأردنا استكشاف ما يمكن تحقيقه".

تحت سطح مالي تقع طبقة صخرية غير نافذة تحبس الهيدروجين في تركيزات مرتفعة وكميات وافرة قريبة من السطح. وخلال العقد الأخير، حفرت شركة "هيدروما" 30 بئراً في منطقة تماثل حجم سويسرا، وأظهرت كلها نتائج مرتفعة لجهة تركيز الهيدروجين تحتها، بحسب ديالو.

تقدر الشركة وجود نحو 630 مليار متر مكعب من الهيدروجين الطبيعي (ما يقارب 60 مليون طن) في حقل مالي، وتسعى الشركة حالياً إلى تطوير أعمالها كي تصبح تجارية، بحسب ديالو. وستتمثل الخطوة الأولى بتوفير الكهرباء لتحسين شبكة الطاقة المتذبذبة في مالي. وعلى المدى البعيد، تخطط [هيدروما] لنقل الهيدروجين الطبيعي إلى الدول المجاورة، وربما تصديره إلى أوروبا.

ومع ذلك، يواجه هذا التطور تحديات بسبب الوضع السياسي المضطرب في البلاد، فقد شهدت مالي ثلاثة انقلابات خلال العقد الماضي وأضحى نحو 30 ألف شخص في عداد المشردين.

ووفق كلمات ديالو، "في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة، تصبح الأمور صعبة، لكن من الناحية الجيولوجية والعلمية، يبدو الأمر كسيناريو مثالي لإثبات أهمية الهيدروجين الطبيعي".

وقد وجد البعض أن الأمر لا يحتاج إلى إقناع.

وبالاسترجاع، لقد أثار الهيدروجين الطبيعي اهتمام فياتشيسلاف زغونيك للمرة الأولى خلال دراسته الجامعية في أوكرانيا. وخلف ذلك التعلم تأثيراً بالغاً دفع زغونيك إلى تحويل تخصصه في الدراسات العليا من الكيمياء إلى الكيمياء الجيولوجية. وفي حديثه مع "اندبندنت"، ذكر زغونيك، "حدث اكتشاف [الهيدروجين في] مالي خلال فترة دراستي العليا. لقد كان الأمر محفزاً للغاية بالنسبة إليَّ".

قبل نحو 10 سنوات، أسس زغونيك شركة "طاقة الهيدروجين الطبيعي" [اختصاراً أن أتش 2 إي" NH2E] في الولايات المتحدة. وفي عام 2019، أنشأت الشركة أولى آبار الهيدروجين قرب بلدة جنيفا الصغيرة في نبراسكا. وتعلن الآن عن سعيها إلى البدء في الإنتاج التجاري.

يقدر زغونيك أنه قبل خمس سنوات، لم يوجد سوى عدد قليل من الشركات المتخصصة بالهيدروجين الطبيعي. وأشار إلى أن "هذا العام، وصل العدد إلى نحو 50 شركة. وأعتقد أن هذا النمو سيتسارع في العام المقبل وسنشهد مئات الشركات".

في إطار صورة واسعة، يمثل الهيدروجين الذي ينتج فقط الماء والحرارة عند حرقه، صناعة تقدر قيمتها الآن بـ150 مليار دولار، ولكن يجب فصل الهيدروجين عن عناصر أخرى كالأوكسجين في [حالة الهيدوجين الموجود داخل] الماء، وهذا يستهلك كميات ضخمة من الطاقة التي لا تزال تعتمد بشكل رئيس على الوقود الأحفوري. كذلك توجد طرق أكثر استدامة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لكن كلفتها ما زالت باهظة.

على رغم ذلك، استثمرت الحكومات مليارات الدولارات في إنتاج وتخزين الهيدروجين، خصوصاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا، الحدث الذي كشف عن خطر الاعتماد على توريدات الغاز الطبيعي من نظام استبدادي لدعم الاقتصادات.

واستكمالاً، تتوقع إحدى الشركات التكنولوجية أن يصل حجم صناعة الهيدروجين الطبيعي إلى 75 مليار دولار مع حلول عام 2030، على رغم أنه لا يزال من غير المؤكد مدى إمكانية تحقيق ذلك على المستوى التجاري.

وتتسابق شركات في دول كإسبانيا والمملكة المتحدة وأستراليا لإثبات جدوى هذا المسعى. ويتهافت المستثمرون الفاحشي الثراء والراغبين في الأخطارة، إذ تمتلك شركة "هايتيرا" Hyterra الاستثمارية الأسترالية حصة في شركة "طاقة الهيدروجين الطبيعي". وحصلت "كولوما" Koloma، شركة الهيدروجين الطبيعي في كولورادو أخيراً على استثمار بقيمة 91 مليون دولار من مجموعة تشمل شركة يملكها بيل غيتس، وتسمى "مشاريع الابتكار في الطاقة" Breakthrough Energy Ventures.

حتى الآن، يقتصر الاستثمار في الغالب على صناديق رأس المال الاستثماري والأفراد الأثرياء. وحول ذلك، يشير زغونيك إلى أن "هناك أموراً لا نعلمها تتعلق بالاستكشاف. وما زالت الشركات الكبرى تنتظر. وتبدو الشركات الصغيرة أكثر مرونة واستعداداً للمخاطرة في اكتشاف الطرق الأمثل للحفر وتحديد المواقع المناسبة. حينما تتمكن هذه الشركات من تحديد المواقع الأكثر جدوى، أعتقد حينها أن الشركات الكبرى ستستثمر مبالغ ضخمة، مما سيعجل بتطور هذه الصناعة بصورة كبيرة".

كذلك تتحدث بعض الشركات الناشئة عن وجود إمكانية لإنتاج الهيدروجين الطبيعي بكلفة أقل بكثير من أشكال الهيدروجين الأخرى. وتصل تلك الكلفة إلى دولار واحد للكيلوغرام، وربما تنخفض إلى 50 سنتاً، مما يجعله أقل كلفة من الهيدروجين الأخضر حاضراً، ومماثلاً للهيدروجين الرمادي الذي يخلف بصمة كربونية كبيرة.

 

من الأفضل أن نكون منسجمين مع الطبيعة

 

في الشهر الماضي ذكرت "الوكالة الدولية للطاقة" أن التطور "غير المسبوق" في مجال الطاقة النظيفة يتولى الحفاظ على إمكانية تحقيق هدف "اتفاق باريس" [عن المناخ، الموقع في 2105] المتعلق بتحديد الزيادة في درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، في الأقل حاضراً، بغية مواجهة الانبعاثات الناتجة من النفط والغاز التي لا تزال مستوياتها تشهد ازدياداً.

ولكن حتى في ظل تزايد الخيارات المتاحة في مجال الطاقة النظيفة، يظل الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية عالمياً بحلول عام 2050 محفوفاً بالأخطار، بل تكتنفه تحديات جدية، خصوصاً فيما يتعلق بإزالة الكربون من قطاعات مهمة على غرار الشحن البحري، والطيران، والنقل بالشاحنات لمسافات طويلة المسافة وصناعة الصلب.

وفي ظل الكوارث المناخية المتتالية، يأتي وصول الهيدروجين الطبيعي بمثابة تطور دراماتيكي على طريقة سيناريوهات أفلام هوليوود.

وفي ذلك الإطار، يوضح ويبر الذي كتب مئات المقالات والكتب حول الطاقة ويقدم الاستشارات للحكومة الأميركية، "أميل إلى التفكير الفلسفي، فأعذروني، لكن من الأفضل بالتأكيد الانسجام والتعاون مع الطبيعة. علينا فقط أن نعرف أين نبحث. أنا مهندس، لكن ليس من الضروري دائماً أن نجد حلولاً هندسية. لقد صح ذلك بالنسبة إلى الفحم والنفط والغاز والخشب والرياح والطاقة الشمسية والماء، وكل ما يخطر في البال. فلماذا لا تكون الأرض قادرة على إنتاج الهيدروجين أيضاً؟".

وبالاستعادة، اطلع ويبر على الهيدروجين الطبيعي حينما انضم إلى شركة "إنجي" Engie الفرنسية للطاقة كي يشغل منصب كبير العلماء وضابط التكنولوجيا في عام 2018. هناك، التقى عالمة الجيولوجيا إيزابيلا موريتي، كبيرة العلماء، التي أطلق عليها لقب "العرابة" للهيدروجين الطبيعي.

أعرب ويبر عن دهشته الشديدة بما تعلمه من موريتي، وهي واحدة من مجموعة صغيرة من علماء كرسوا عشرات السنين لدراسة الهيدروجين الطبيعي.

ووفق ويبر، "بدلاً من استنزاف الطبيعة لاستخراج الهيدروجين من الماء أو الميثان، يمكننا البحث عنه. هناك كميات كبيرة منه، ويوجد في أماكن عدة. حينما تبحث أكثر وأكثر، تكتشف أننا كنا نتعثر بالهيدروجين طوال عقود، لكننا اعتبرناه عائقاً. ماذا لو غيرنا طريقة تفكيرنا؟ قد يكون ذلك لحظة فارقة وتحويلية بالنسبة إلى الكرة الأرضية".

في عالم تعد فيه الهندسة المناخية "جيوإنجنيرينغ" geoengineering في الغلاف الجوي على غرار التحكم في كمية ضوء الشمس التي تصل إلى الأرض، حلاً لمشكلة المناخ، لا يزال من الصعب تصديق أننا شرعنا الآن في استكشاف الكميات [من الهيدروجين] القابعة تحت الأرض. [يشير مصطلح الهندسة المناخية geoengineering إلى الوسائل التي تشمل مسألتي إزالة ثاني أكسيد الكربون والتحكم بكمية الضوء التي تصل الأرض من الشمس].

في ذلك الصدد، طرح الدكتور جيفري إليس، الاختصاصي الجيولوجي في "هيئة المسح الجيولوجي الأميركي" بولاية كولورادو، نظرية مفادها أن الهيدروجين لا يوجد في المواقع نفسها التي يوجد فيها النفط والغاز، ولأنه يوجد بشكل مشتت وتفاعلي، ساد اعتقاد أن تجمعه بكميات كبيرة أمر مستحيل.

وفي حديث إلى "اندبندنت"، أوضح إليس "لم تكن الشركات تسعى وراءه [الهيدروجين الطبيعي الموجود في طبقات الأرض]، أو ربما صادفته، لكنه لم يكن محور بحثها، لذا تجاهلت تلك المواقع".

وخلال فترة الجائحة تسنى له وقت إضافي، وأعاد الدكتور إليس قراءة دراسة وضعها عليو ديالو وزملاؤه حول اكتشاف بوراكيبوغو. منذ ذلك الحين، ركز أليس وفريقه في "هيئة المسح الجيولوجي الأميركي" جهودهم على استكشاف إمكانات الهيدروجين الطبيعي.

 

حينما تبحث أكثر وأكثر، تكتشف أننا كنا نتعثر بالهيدروجين طوال عقود، لكننا اعتبرناه عائقاً. الدكتور مايكل ويبر، أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة تكساس في أوستن

 

قدر في نموذج محاكاة تابع لـ"هيئة المسح الجيولوجي الأميركي" وجود ما يراوح بين عشرات الملايين وعشرات مليارات ميغا/طن من الهيدروجين في قشرة الأرض، لكن هناك تحفظًا مهماً يتبدى في أن كثيراً منه قد يكون غير متاح للبشر، إما لأنه يوجد في أعماق سحيقة أو على مسافات بعيدة جداً من الشواطئ، أو يتوفر كميات صغيرة لا تصلح للاستغلال، وفق إليس.

في المقابل، حتى لو يجري استراداد سوى واحد في المئة منه، فسيكون ذلك كافياً لتزويد العالم بالهيدروجين لمدة لا تقل عن 200 عام، حتى في ظل زيادة الطلب على الهيدروجين.

وأوضح إليس، "ما زلنا في حاجة إلى كثير من العلم لفهم هذا الأمر بشكل أفضل، لكنني أعتقد أننا قادرون على ذلك. نحتاج إلى إجراء الأبحاث واكتشاف الطرق".

على رغم تزايد الحماس في شأنه، فإن التحديات المحيطة بالهيدروجين الطبيعي ضخمة، وفق اعتراف حتى أولئك الذين استثمروا بصورة كبيرة فيه. إذ لا يزال هناك كثير لنتعلمه حول كيفية تكون الهيدروجين وتراكمه تحت الأرض. وفي رسالة إلكترونية وصلت إلى "اندبندنت" من رود ديفيس، المسؤول عن الهيدروجين في شركة "ماراكون" للاستشارات الخاصة بالصفر الصافي، ورد أن "هنالك إمكانية لمصدر جديد وقيم للطاقة الأولية وحتى المتجددة، ولكن، بغية تحقيق النجاح على المدى الطويل، ستحتاج الصناعة إلى تقنيات تصوير جديدة للأعماق وتقنيات جديدة في معالجة البيانات بغية التعرف بكفاءة على تجمعات الهيدروجين". وأشار أيضاً إلى إمكانية وجود "معارضة شعبية لنوع جديد من الطاقة يعتمد على استخراج الموارد من الأرض".

وأوضحت موريتي في مقابلة أجريت معها أخيراً أنه سيكون من الضروري تعديل قوانين التعدين في الدول التي لا ينضوي الهيدروجين تحت أية فئة فيها [القوانين] كي يتاح طلب تراخيص للاستكشاف أو الإنتاج.

وحتى إذا أمكن استخلاص كميات كبيرة من الهيدروجين من باطن الأرض، فسيتجسد التحدي التالي في كيفية تخزينه ونقله لمسافات طويلة، إذ يعد الهيدروجين الذرة الأخف ويميل إلى التسرب باتجاه الغلاف الجوي، مما يجعل الهدر مشكلة. كذلك ويحتاج إلى حيز تخزيني كبير ما لم يتم ضغطه أو تحويله إلى الحالة السائلة، مع ملاحظة أن تلك عمليات تكلف مبالغ باهظة.

في ملمح متصل، يشير الدكتور إمري غينسر، الباحث الرئيس في "مبادرة الطاقة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، يوجد "تباين" بين مواقع اكتشاف الهيدروجين الطبيعي والأماكن التي يمكن استخدامه فيها، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة في بنى تحتية جديدة كلياً.

وفي حديث مع "اندبندنت"، أورد غينسر، "أعتقد أنه سيكون جزءاً من الحل، لكن يجب التعامل معه بحذر".

حتى الآن، ما زالت صناعة النفط والغاز تترقب من بعيد. وبحسب ويبر، "ليس الأمر أنهم لا يؤمنون به [الهيدروجين الموجود في باطن الأرض]، بل يتعلق الأمر بمرحلة التطور والنضج. إذا تمكن الناس من إيجاد حلول له، فسيشتروه. ولا يمانع المنقبون في ذلك، فهكذا يمكن تحقيق الثراء".

استطراداً، يقترح زغونيك أن الهيدروجين الطبيعي يعد "هدية" لصناعة الوقود الأحفوري، ويمكن أن يوفر فرص عمل جديدة. ويرى أنه "يقدم فرصة للابتعاد من الوقود الأحفوري باستخدام خبراتهم [صناعة ذلك الوقود] والبنية التحتية الحالية وأدواتهم. التحول إلى الطاقة المتجددة يتطلب بناء بنى تحتية جديدة، وهذا يكلف كثيراً ويستغرق وقتاً. نحتاج إلى تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة واستغلال البنى التحتية الموجودة للنقل والتوزيع إلى المستهلكين النهائيين".

في المقابل، تكمن المشكلة الأولى في العثور على الهيدروجين. إن أضخم تراكم معروف للهيدروجين الأبيض [الطبيعي] حتى الآن جرى اكتشافه هذا الصيف من قبل علماء كانوا يدرسون الميثان في حوض للتعدين في فرنسا.

تعد "دوائر الجنيات" التي تظهر في المناطق الطبيعية، حيث يوجد الهيدروجين، بمثابة منحة. لكن، في مئات المواقع الأخرى، تسرب الهيدروجين من الأرض دون أن ينتبه أحد طوال عقود من الزمان.

وفي مسار متصل، تعتزم "هيئة المسح الجيولوجي الأميركي نشر خريطة في العام المقبل تظهر المواقع المبشرة في الولايات المتحدة عن وجود الهيدروجين الطبيعي. وتضم قائمة المواقع المحتملة السواحل الشرقية والغربية، إضافة إلى الصدع القاري الأوسط الذي يمتد من مينيسوتا عبر آيوا وصولاً إلى كانساس.

في المقابل، لا تتسرعوا بحمل مجرفة التنقيب بعد. فبحسب إليس، "تظهر الخريطة النطاق الوطني بدقة محدودة. لن تستطيع النظر إلى الخريطة وتحديد موقع محدد لشراء عقد إيجار وإقامة بئر هناك مباشرة".

إذاً، مهما بدت طبيعة التحديات، تبقى الإمكانات كبيرة وجذابة بالنسبة إلى من هم في طليعة هذا المجال التجريبي. ووفق زغونيك، "لم نحدد بعد مدى كفاءتها، أو السرعة التي سنتمكن فيها من التوسع. لكن بما أن احتياط الهيدروجين على الأرض قد يوفر كل ما نحتاج إليه للانتقال إلى الطاقة النظيفة وأكثر، فإنه يستحق المحاولة في الأقل".

ومن الصعب تجاهل أهمية الهيدروجين الطبيعي في بلد مثل مالي، حيث لا يمتلك أكثر من نصف السكان الكهرباء. وحتى بالنسبة إلى أولئك الذين يمتلكونها، يمكن أن ينقطع التيار لمدة تصل إلى ثماني ساعات في اليوم. وهذا لا يجعل الحياة اليومية للمواطنين أصعب فحسب، بل يعوق أيضاً التقدم الاقتصادي للبلاد.

وتعبر أسماء ديالو عن قناعة مفادها أنه "إذا عشت في العالم الغربي وحاولت تخيل الحياة من دون كهرباء، لن تتمكن من تصور ما يعنيه ذلك لجودة الحياة". وقد انضمت ديالو حديثاً إلى شركة "هيدروما" Hydroma بعد عملها في مجال الهيدروجين الأخضر في فرنسا.

ووفق كلماتها، "رأيت في الهيدروجين إمكانية حقيقية للتنمية الاقتصادية في القارة الأفريقية. إنه مشروع أفريقي بادر إليه شخص أفريقي، ولديه القدرة على تغيير مزيج الطاقة في المنطقة بصورة جذرية. إنه أمر مثير ومحفز للغاية".

© The Independent

المزيد من بيئة