Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سر صمود الدينار التونسي أمام اقتصاد متهاو؟

تجاوز أزمة 2018 وحقق استقراراً في الأعوام الـ4 الأخيرة بدعم رفع الفائدة الرئيسة

يتداول سعر صرف الدينار بـ3.1 دينار للدولار الواحد و3.3 لليورو منذ عام 2019 (أ ف ب)

ملخص

انطلق المسار السلبي للدينار التونسي منذ عام 2011 بعد أن كان سعره لا يتجاوز 1.33 دينار مقابل الدولار في يناير 2010

لم يساير سعر صرف الدينار التونسي المؤشرات الاقتصادية السلبية للبلاد، فعلى عكس التوقعات حقق استقراراً أسهم في التخفيف من وطأة وتداعيات الأزمة المالية اللافتة، بخاصة من حيث التزامات البلاد في سداد ديونها الخارجية وعجز الميزان التجاري.

أظهرت بيانات البنك المركزي التونسي أن الدينار واصل صموده أمام الهزات المتتالية للاقتصاد المتهالك والوضعية المالية الصعبة، في الأعوام الأربعة الأخيرة بعد فترة صعبة عصفت به.

ويتداول سعر صرف الدينار، اليوم، في سوق تعاملات العملة بـ3.1 دينار للدولار الواحد و3.3 دينار لليورو وهي وضعية ظلت تقريباً منذ عام 2019.

وقال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، إن "الخفض الكبير للمخزون من العملة الأجنبية خلال عامي 2017 و2018 (من 112 إلى 70 يوم توريد) تزامن مع خفض سريع لقيمة الدينار التونسي بنسبة 40 في المئة".

وأوضح في آخر خروج إعلامي له بمناسبة مطلع الشهر الجاري، أن الارتفاع الملحوظ في حجم إعادة التمويل للسوق المالية خلال عامي 2017 و2018 من زهاء ستة مليارات دينار (1.935 مليار دولار) إلى 17 مليار دينار (5.4 مليار دولار) تزامن مع تسارع خفض مخزون العملة الأجنبية إلى أقل من 70 يوم توريد.

وفي المقابل تزامن التقليص التدريجي في حجم إعادة التمويل للسوق مع ارتفاع المخزون من العملة الأجنبية إلى مستوى 160 يوم توريد نهاية عام 2020

التقليص من حدة الوضع

وقال المحافظ، إن الترفيع في سعر الفائدة الرئيسة والتقليص من حجم إعادة التمويل هما العاملان الأساس وراء نجاح البنك المركزي في السيطرة على خفض الدينار وتأمين استقراره منذ 2019.

ولفت إلى أن الارتفاع في نسب الفائدة على الدولار واليورو منذ عام 2022 (5.50 في المئة بالنسبة إلى الدولار حالياً وأربعة في المئة على اليورو) قلص فارق نسب الفائدة مقارنة بالدينار مما يخفض في كلفة التغطية ويشجع على المضاربة في ظل تراكم التوقعات السلبية للمتعاملين الاقتصاديين.

وعلى رغم بقاء سعر صرف الدينار التونسي مستقراً في الأعوام الأربعة الأخيرة حذر محافظ البنك المركزي التونسي، من عدم زيادة الكتلة (السيولة) المالية في البلاد بما يشكل خطراً على التضخم المالي من جهة وفقدان الثقة في الدينار التونسي من جهة أخرى.

وشدد على وجوب تحسين جل المؤشرات الاقتصادية والمالية للبلاد حتى لا تكون لها تداعيات على السيولة والعملة الأجنبية وبخاصة مستوى سعر صرف الدينار التونسي.

وأردف بالتوضيح أنه على رغم الظرف الاقتصادي العالمي والصراعات الجيوسياسية الراهنة، تمكن الاقتصاد التونسي من الصمود النسبي.

مسار سلبي

وانطلق المسار السلبي للدينار التونسي منذ عام 2011، بعد أن كان سعره لا يتجاوز 1.33 دينار مقابل الدولار في يناير (كانون الثاني) 2010 وتراجع إلى 1.51 دينار في مارس (آذار) 2012، ثم إلى 1.66 دينار في ديسمبر (كانون الأول) 2013، وصولاً إلى 1.72 دينار في يوليو (تموز) 2014، ليأخذ منعرجاً لافتاً منذ عام 2015، إذ تهاوى إلى 1.93 دينار في فبراير (شباط)، ثم 2.2 دينار في أغسطس (آب) 2016، و2.42 دينار في يوليو 2017، ليصل إلى السعر الأدنى التاريخي، وهو 3.02 دينار في أبريل (نيسان) 2019، مما مثل دافعاً للمخاوف الحالية 3.1 دينار مقابل الدولار في الوقت الراهن.

وسبق للبلاد أن خضعت لضغوط من جانب المانحين بهدف تعويم الدينار من أجل تصحيح الاختلالات في ميزان المدفوعات، ويتمثل ذلك في إخضاع سعر الصرف لآليات السوق، ومنها العرض والطلب، لكن يؤدي ذلك آلياً إلى تهاوي العملة المحلية، لأن الطلب على العملة الأجنبية يفوق العرض في سوق الصرف التونسية، في حين أن عرض الدينار التونسي يفوق الطلب، مما أدى إلى خفض سعر الصرف.

استرجاع التوازن

ويرى المتخصص المالي بسام النيفر، أن الدينار التونسي عرف انحداراً لافتاً في عامي 2017 و2018 إثر تصريحات وزيرة المالية آنذاك لمياء الزريبي ببلوغ سعر الصرف مستوى ثلاثة دنانير مقابل اليورو الواحد، وفي 2019 استرجعت العملة المحلية توازنها نسبياً من خلال تراجع حجم الدين، ملاحظاً أن سياسة البنك المركزي كانت واضحة، لا سيما أن حجم دين تونس ارتفع بشكل كبير.

وقال لـ"اندبندنت عربية"، إنه على رغم الظرف الاقتصادي الصعب فقد تماسك الدينار التونسي بعد لجوء البنك المركزي إلى الرفع في نسبة الفائدة الرئيسة، باستثناء فترة جائحة "كوفيد – 19"، موضحاً أن نسبة الفائدة لها علاقة عضوية بسعر صرف العملة والحفاظ على مخزون العملة الأجنبية.

وتابع تحليله "عند الترفيع في نسب الفائدة الرئيسة فإن ما بين 60 و70 في المئة من مخزون العملة الأجنبية عبارة عن ودائع لغير المقيمين (الشركات الأجنبية غير المقيمة والتونسيين المقيمين بالخارج) وبإمكانهم تحويل المخزون في أي لحظة".

أضاف "لأجل ذلك فإن هذا المخزون يعتمد على أمرين الأول نسبة على الادخار في حدود سبعة في المئة والثاني نسبة الفائدة الرئيسة بنحو ثمانية في المئة" لافتاً إلى أن هاتين النسبتين مشجعتين لغير المقيمين بما توفرهما من عائدات مهمة.

وسيلة تقنية مهمة

وأردف النيفر "لجأ البنك المركزي إلى الوسيلة التقنية الممكنة، التي تعطي نتيجة وهي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة على رغم فرضها نوعاً من الضغوط على المستوى الداخلي للمتعامل بالدينار، لكنها في المقابل توفر هامش تحرك مريح نسبياً على المستوى الخارجي".

وعلى رغم الوضع الصعب، فإن سعر صرف الدينار التونسي حافظ على استقراره وتجاوز أزمة عام 2018 حينما وقعت مضاربة كبيرة في تلك الفترة بشراء العملة الأجنبية مقابل الدينار بعد فقدان الثقة في العملة المحلية واستباق التوقعات بإمكانية بلوغ اليورو الواحد أربعة دينارات، وفق المتخصص الاقتصادي.

وأشار إلى أن الذين اقتنوا العملة الأجنبية مقابل الدينار في عام 2018 سجلوا خسائر في العام التالي 2019 إثر تحسن سعر العملة التونسية، وأنه منذ ذلك الوقت سجل استقراراً في الدينار وصار يتمتع بنوع من الثقة في السوق المحلية.

وزاد في تحليله "بالتأكيد، الدينار التونسي يسير تقريباً في نفس مستوى اليورو والدولار، وتحسن أمام الدولار بخاصة في 2023، وطلب العملة اقتصر على العمليات الاقتصادية والمالية فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانب آخر، لفت بسام النيفر إلى أن البنك المركزي حسن من مستوى التنظيم والتعامل في سوق الصرف على مستوى التعاملات بين المصارف، موضحاً أن أداء السوق أصبح واضحاً ويتمتع بالعمق المطلوب.

ووفق مشروع قانون المالية لعام 2024، فإن أي تراجع في قيمة الدينار بنسبة واحد في المئة تجاه اليورو أو الدولار، فإن قائم الدين للدولة التونسية سيرتفع بقيمة 837 مليون دينار (270 مليون دولار)، وفق ما يضيف المتحدث.

وخلص بالدعوة إلى وجوب الحفاظ على سعر صرف العملة المحلية الذي يعد أمراً ذا أولوية، وأنه في حال تراجع نسبة التضخم فإن "المركزي" لن يراجع في نسبة الفائدة الرئيسة في إطار حرصه على سعر صرف الدينار.

أهمية عائدات السياحة وتحويلات المغتربين

وتحدث المتابعون عن صمود الدينار التونسي أمام "عواصف عاتية"، أهمها ارتفاع نسبة خدمة الدين، ومستوى المديونية المتفاقم البالغ 86 في المئة من الناتج القومي الخام، وتراجع الاستثمار وعدم استقرار نسق التصدير وغلق الآلاف من المؤسسات التونسية أبوابها.

ويضيف المتخصص في شأن الاقتصاد بالجامعة التونسية والعضو السابق في مجلس إدارة البنك المركزي، فتحي النوري، لـ"اندبندنت عربية"، "أن من بين عوامل تماسك الدينار والحفاظ النسبي على التوازنات المالية مخزون احتياط العملات، وتحويلات المغتربين التونسيين، التي تجاوزت ستة مليارات دينار (1935 مليون دولار) إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومثلت بمفردها أربعة في المئة من الناتج الإجمالي التونسي عام 2021، وأضحت المصدر الرئيس للعملات، والقطاع السياحي الذي وفر عائدات قدرها 5.8 مليار دينار (1870 مليون دولار) إلى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وأسهم القطاعان في الاستقرار الملحوظ للعملة الوطنية المتأثر بمخزون العملات، والذي لم يشهد تآكلاً على رغم الخفض الطفيف فيه".

ويشدد محافظ البنك المركزي على مواصلة نهج الإصلاحات التي يراها ضرورية وفي مقدمها الإسراع في المصادقة على مجلة الصرف الجديدة (قانون الصرف الجديد) لا سيما في مسألة فتح الحسابات بالعملة الأجنبية وكذلك مشروع قانون الاندماج المالي.

اقرأ المزيد