Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إشكالية حول مفهوم الجندر أو "النوع الاجتماعي" في العراق

بين التهديد الأخلاقي وتقويض العائلة والمجتمع وبين الحريات والعدالة الاجتماعية

سيدات عراقيات على متن دراجات هوائية في أحد منتزهات العاصمة بغداد (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون عراقيون أن "بعض المنظمات تثير الشك من خلال طرحها، وخصوصاً عند التمسك بمفردات فضفاضة باتت في الغرب غطاء لأشكال الانحراف وتفتيت المجتمع"

دعت مؤسسات رسمية عراقية إلى رفع مصطلح "النوع الاجتماعي" من وثائقها ومنع القيام بأي أنشطة أو فعاليات مرتبطة بالمفهوم، كما أصدرت قوى نافذة في الدولة العراقية بيانات أكدت منع استخدام مصطلح "الجندر"، وطالبت بأن ينسحب العراق من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، التي سبق له المصادقة عليها. وشهدت البلاد حملة قدمت "الجندر" بوصفه تهديداً أخلاقياً خطراً للمجتمع وتقويضاً حقيقياً لمعنى العائلة وهدماً للدين، وذلك عبر ربط هذا المفهوم، بالمثلية والإلحاد والتحول الجنسي.

ابتزاز سياسي

وصرح رئيس "مشروع المواطنة العراقية" غيث التميمي، "بتصوري خضع مصطلح (الجندر) لعملية ابتزاز سياسي من أطراف إسلامية متشددة تعمل على إنهاء الحياة الدستورية للدولة العراقية الضامنة للتعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير". وأضاف "هي عملية ابتزاز للقيم الإنسانية والمدنية والعلمية والأكاديمية والثقافية تهدف إلى فرض مفاهيم وفتاوى دينية بدلاً عنها، الأمر الذي يرسخ لحاكمية الشريعة الإسلامية كما يتطلعون إليها".
وينحدر مصطلح الجندر من الكلمة الإنجليزية Gender التي تنحدر من أصل لاتيني تعني في الإطار اللغوي جينس Genus أي الجنس (ذكورة أو انوثة). وأدخلت آني أوكلي (Annie Oakley) المصطلح، إلى علم الاجتماع في سبعينيات القرن الـ20.

شيطنة المصطلح

وقالت الأمينة العامة للحركة المدنية الوطنية شروق العبايجي، "جاء التضييق على مصطلح ومفهوم الجندر من جهات تدعي حرصها على الدين والمجتمع والقيم والأخلاق المجتمعية بطريقة مدروسة ولأسباب معروفة، نحن نتعامل مع قوى تحاول باستمرار أن تضع المجتمع في قضايا ظلامية متخلفة تضغط على قضية المرأة. ففي المقام الأول هذه الحملة مبنية على مواقف سابقة وجاء استخدام مصطلح الجندر بطريقة مشوهة لترسيخ هذه المحاولات والنهج المتعلق بإضعاف دور المرأة في المجتمع، وهي ذات الجهات التي كانت تعمل على التصدي لإقرار القوانين التي تصب في مصلحة المرأة وإضعاف الحريات وأيضاً حرية التعبير. وضغطت هذه الحملة بشكل كبير على كل عمل فكري أو مجتمعي وحكومي فعمدت إلى التضييق على الدوائر الرسمية التي تعمل لصالح المرأة من خلال مصطلح الجندر، بعد أن تمت شيطنته بالكامل على اعتبار أنه يدعو للمثلية أو الشذوذ، كما يدعون، وليس إلى المساواة أو العدالة بين الجنسين. فارتبط هذا الموضوع بالنهج الذي اتبعته هذه القوى السياسية لمحاربة كل ما له علاقة بمصلحة المرأة العراقية ومن ضمنها منظمات المجتمع المدني التي تعمل عادة على تسليط الضوء على قضايا المرأة وحقوقها وتطالب بتطبيق القوانين العراقية والاتفاقيات الدولية والالتزامات التي أخذها العراق كدولة على عاتقه في هذا المجال". وأضافت العبايجي، "تتسبب الاتهامات التي تدعي أن الجندر هو التشجيع على المثلية بإحراج كبير للمنظمات المتخصصة في مجال الدفاع عن قضايا المرأة. نحن وهذه المنظمات نعمل على هذه القضايا وكل برامجها والتزاماتها مع الدول والجهات المانحة منذ عشرات السنين. وبعد تشويه المصطلح حرم استخدامه إلى حد كبير وما زالت الحملات قائمة وهذا بالتأكيد سيؤثر على عمل المنظمات التي تعنى بحقوق المرأة والمساواة الجندرية وبرامج الجندرية في مجالات الصحة والتعليم وما إلى ذلك".

وتابعت العبايجي، "مع أننا نشهد الآن إعادة استخدام مصطلحات ومفاهيم تؤدي نفس الغرض لكنها تتجنب ذكر مصطلح الجندر مما يسبب إرباكاً، مثل بعض الدول أو المنظمات التي يصعب عليها التكيف على وفق هذه المحاولات أو التضييقات، والتي اضطرت لوقف عملها كما حدث في المؤسسات الدولية. ومن جانب آخر هناك من يحاول التكيف بشكل وقتي مع هذه الهجمة ليتجنب تأثيراتها وإساءاتها".

زوبعة في فنجان

في السياق، اعتبرت الصحافية منى سعيد "أنه سوء فهم كبير وتشويه يقصد منه إثارة زوبعة في فنجان كما يقال، وما يشاع الآن من بعض الجهات التي تُدعى الإسلام السياسي. وتهدف هذه الجهات إلى تشويه المصطلح في الوقت الذي أقر من المنظمات العالمية، ويعني بالدرجة الأولى مساواة الرجل بالمرأة وأخذ المرأة حقوقها، ولا يعنى بموضوع المثلية سواء من قريب أو بعيد. وبرأيي هذا الربط هو فذلكة، فلا علاقة بين الجندر والمثلية أبداً. وحتى في المجتمعات الغربية يقصد بالمثلية إشراك هذه الفئة وعدم نبذها من المجتمع لئلا يحصل تمييز بينهم وبين الآخرين".
وأوضحت سعيد سبب ربط الإسلام السياسي في المجتمع العراقي هذا الموضوع بالمرأة، قائلة إن "الهدف هو إبعادها وتكريس تبعيتها للرجل لإبراز المجتمع الذكوري لا أكثر ولا أقل".

تصورات مسبقة للمجتمعات

من جهتها، قالت الطبيبة العراقية ندى الجبوري إن "الجنس يشير إلى السمات البيولوجية والفيسيولوجية التي تميز الرجال والنساء عادة، أما الجندر فيتجذر في الأعراف الاجتماعية لا في البيولوجيا، ذلك أنه ينبع من التصورات المسبقة للمجتمعات المتعاقبة ومما يحدث عند مقارنة الرجال بالنساء وما ينتج عن ذلك". وأضافت "كطبيبة أخصائية، لدى مراجعة المريض لنا، اعتدنا أن نذكر النوع، فنكتب ذكراً أو أنثى ونكتب العمر والاسم وهكذا. وما حصل من تغييرات سوسيولوجية في المجتمعات الغربية لوصف حرية الفرد بأوصاف مختلفة وتحت تسميات مختلفة فأصبحت القوانين في الغرب تطلق على حرية الفرد تعريفات مختلفة وتغيرت القوانين تبعاً لذلك بالتالي هذه القوانين تخصهم. أما في الأوساط السياسية العراقية فحصل رد فعل بخصوص هذا الموضوع ونحن كنساء غير معنيات به، ووجهت حملة شديدة اللهجة ضد منظمات المجتمع المدني النسوية في العراق".

هجمة غير مبررة

وتابعت الجبوري "الدستور العراقي لعام 2005 واضح وصريح ويمنع أي حكم يخالف أحكام الدين الإسلامي ولا يحد من حرية الفرد، وينص على حماية الديمقراطية في حياتنا، لكن لا تنطبق علينا القوانين المتبعة في الولايات المتحدة بالتالي فالهجمة التي تعرضت لها المنظمات كانت غير مبررة ولا توجد منظمة عراقية تتبنى هذه الموضوعات وعلى حد علمي، خلط الأوراق في تفسير مصطلح الجندر الذي اعتمدته دوائر كثيرة ومنها دوائر تمكين المرأة ووزارة التخطيط وما وقع عليه العراق وصادق على النوع الاجتماعي، لا يحتاج إلى كل هذه الضجة. وكان من المفترض أن يكتفى بالإشارة إلى دستور العراق والقوانين الوضعية. ونحن نعيش داخل العراق فببساطة يمكن أن تراعى البحوث والإحصاءات ونشاطات منظمات المجتمع المدني والمقصود بها الرجال أو النساء". وبررت ذلك قائلة "يبدو أنه كان هدفاً سياسياً بحتاً لبعض الجهات التي تدعي انضمامها تحت مظلة معينة باسم الدين غير أنها تجافي الحقيقة، والأهداف ليست من يتبنى النوع الاجتماعي، فالتقارير الحكومية تبنت النوع الاجتماعي قبل عمل منظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأمم المتحدة جميعها تتكلم عن النوع الاجتماعي والمقصود به الفئات المختلفة التي تعيش داخل المجتمع بأدوار مختلفة وما يقصد به في منظمات المجتمع المدني هن النساء اللاتي يقمن بأعمال كبيرة وشاقة عندما يفقدن الرجل ويقمن بدور الرجل والمرأة داخل البيت وخارجه".

لماذا ارتبط مصطلح المثلية بالجندر؟

من جهة أخرى، تعتبر ناشطة عراقية أن "المثلية من ناحية كونها سلوكاً جنسياً شاذاً هي تسمية لا يمكن أن تطلق على الجندر". وتتساءل "لماذا ارتبط تسمية المثلية بالجندر؟ ولماذا رضخ المتعلمون لهذا الربط غير المنطقي؟ فالمثلية ظاهرة موجودة في مجتمعنا ويجب التصدي لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أداة لنشر فكر الدول المتحكمة

من جهته، يعتقد الباحث الإسلامي حامد الكعبي أنه "قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع فلا بد من مقدمة نبني عليها استنتاجات، ذلك أن المنظمات التي تدعو وتبشر بالقيم الغربية التي تسيطر على العالم، هي بالأصل متهمة بأنها أداة لنشر الفكر والثقافة للدول المتحكمة أو مرتبطة بالقوى التي تحكم العالم. فكل ما يصدر عن هذه المنظمات ينظر له بعين الريبة والشك وعدم اليقين. وتقبع خلف هذه المنظمات مؤسسة تدير هذا التوجه العالمي، بالتالي هنالك انعكاس لصدى ورؤية هذه المنظمات في عيون الجماهير في البلاد العربية والإسلامية، من هذه الانعكاسات دور هذه المنظمات في تفكيك الأسرة واتجاهاتها من ناحية الميول والرغبات الجنسية على وفق توجه عالمي. وكثير مما نشاهده من حالات الشذوذ السلوكي ينشأ عادة في هكذا بيئات (بيئات منظمات مدنية)".

وتابع الكعبي "لذا من منطق الاشياء أن نجد من يدعو إلى التضييق على هذه المنظمات ومحاولة إبعادها عن بيئة المجتمع العراقي. والنهي عن المنكر، الذي من أوضح أوجهه هي السلوكيات الجنسية غير المعتادة في الثقافة العربية الإسلامية. وأعتقد أن موجة المنادين بالتضييق على المنظمات النسويه ستستمر، في ظل الاستنكار العالمي للجندر والميول الشاذة. وكلما زاد رفض الشعوب للثقافة الوافدة ازداد التضييق على المنظمات النسوية".
وعن اختلاط المفاهيم بين المثلية والجندر وارتباطها بالمنظمات النسوية، بين الكعبي أن "الارتباط واضح جداً من خلال تسويق النماذج ذات الميول الشاذة في سلوكها الجنسي، وأصبح هنالك تلازم لا يمكن تفكيكه بسهولة".

مشكلتنا التطرف

في السياق، اعتبر الكاتب والإعلامي سالم مشكور أن "مشكلة مجتمعاتنا هي التطرف سواء سلباً أو إيجاباً. نحن نحتاج إلى نشاط منظمات ببرامج حقيقية تنهض بالمجتمع وترفع من شأن المرأة ولكن ضمن حدود القيم الأخلاقية والتعاليم الدينية للمجتمع، وليس منظمات تقود المرأة إلى التمرد على الأسرة أو المجتمع بما يأخذها إلى عالم التيه والتفاهة. ومن جانب آخر، يصعب أحياناً على الناس التمييز بين المنظمات الجادة والأخرى غامضة الأهداف، فتدفعهم الشبهات المثارة حول بعض المنظمات إلى أخذ موقف سلبي من كل المنظمات دون تمييز". وأضاف مشكوراً "لا شك في أن بعض المنظمات تثير الشك من خلال طرحها، وبخاصة عند التمسك بمفردات فضفاضة باتت في الغرب غطاء لأشكال الانحراف وتفتيت المجتمع، حتى وصل الأمر إلى التلاعب بطبيعة جسم الإنسان وتركيبته تحت تسميات حرية الاختيار والإحساس. كمفردة الجندر أو النوع الاجتماعي التي تثير كل هذه الشكوك بعد أن تجاوزت تطبيقاتها في الغرب موضوع المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة. فتسببت بعض المنظمات في إثارة الرأي العام ضد كل المنظمات الاجتماعية دون تمييز، حتى شكت بعضها من التهديد وأوقفت الكثير منها برامجها. علينا أن نفهم أن هناك حالة استنفار مجتمعي سببته شبهات يثيرها أداء بعض المنظمات وتناغمها مع نشاطات منظمات خارجية تتعارض مع قيم المجتمع العراقي".

الدستور العراقي

يذكر أن المادة 14 من الدستور العراقي نصت على أن "العراقيين متساوون أمام القانون من دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو المركز الاجتماعي".
أما المادة 15 من الدستور، فنصت على أن "لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية متخصصة".

المزيد من تقارير