Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 جان مارك نحاس يجسّد القلق الإنساني في لوحات تعبيرية

شخوص وحيدة تبدو كأنها تنتظر في معرض "صمود"

لوحة في معرض الرسام جان مارك نحاس (خدمة المعرض)

ملخص

شخوص وحيدة تبدو كأنها تنتظر في معرض "صمود"

تحت عنوان "صمود" يعرض الرسام اللبناني جان ماك نحاس عدداً من أعماله المشغولة في السنتين الأخيرتين.  قرابة 25 عملاً بأحجام متوسطة وصغيرة، تقدمها غاليري "إل تي" في شارع مار مخايل البيروتي. تشكل هذه الأعمال استمراراً ورافداً لما بدأه الفنان في معرضه السابق "بيروت حتى الجنون"، إذ يكمل رحلته في تبسيط اللوحة وإفراغها حتى تكاد تخلو سوى من الشخوص التي تحتضنها والتي هي بطلتها، واللون الزهري المرافق كخلفية واحدة لغالبية اللوحات.

تظهر الشخوص في لوحة نحاس وكأنها تنتظر شيئاً. هي شخوص منتظرة ووحيدة، خلافاً لكائنات معرضه السابق التي كانت تدور في فلك العائلة. بعد رحلة طويلة من الأسود والأبيض تنتقل اللوحة اليوم إلى الألوان. إلى جسم الإنسان بوصفه معبراً للحكاية، وأداة للحديث عن مشاعر وأحاسيس نفسية مختلطة ومتشابكة.

يمكن أن يحيلنا العنوان "صمود" إلى اقتراحات عناوين عديدة وتآويل أيضاً، لكنّ المؤدى واحد والمعنى فضفاضٌ ويحتمل. يكمل جان مارك نحاس من خلال شخوصه حفلة الاحتفاء باللوحة وعناصرها، ذلك الإحتفاء الواقعيّ، المُستنِدُ حاليّاً إلى التّفاصيل. ما هو جديد أمامنا، هما التّقنيّة والرغبة في ترك اللوحة تسبح في مساحات الفراغ. المتفرج يقع أمام تطوير لما هو موجود، بأدوات لونيّة كانت موجودة أساساً ولكنّها باتت الآن غارقة في مساحات متآكلة باللّون، وفارغة.

تتوزع اللوحة على أربعة زوايا. تنفرد ثيماتها على الأمكنة والشخوص والعري والقطة الوحيدة الظاهرة في لوحة. ومع الأمكنة تمشي الألوان بخطّ موازٍ، نرى الخلفية الزهرية والأصفر، ألوان شمسيّة ساطعة وبارقة.

يشعر المتفرج وكأنه أمام مشاهد أكثر حميميّة. هي لوحات فانتازيّة. المشاهد متلاصقة ومتباعدة في ٱن واحد، بحيث تقترن المرأة بمزهرية والقطة بوجهها الملتبس والمحير. يقف المشاهد أمام سؤال واحد ومحوري، أين يكمن العري: حين تخلع الكائنات ملابسها أم حين تفقد ملامحها؟ معظم كائنات اللوحة بلا ملامح تبقى في اللوحة بعد زوالها وثباتها. بمعنى أنها تبقى في حالتها منتظرة بعيداً من أي تغيير أو تعطيل. ما يمكن الإشارة إليه هو قدرة نحاس على إحالة هذه الأجساد إلى مادة فنية حيّة. كأن يغدو الجسد المقدم ها هنا عنصراً مضيئاً مند دخوله اللوحة وحتى زوالها.

الإمتلاء باللّون هو فعلاً ما يمكنُ نسبه إلى لوحة نحاس. اللون أساس لوحته وليس الضربة. الضربة غدت تفصيلاً أو مجرّد تمرين. كل لوحة تبدو أمامنا لها طابعها، ولكن الخلفية تأتي صبة واحدة، ملوّنة واحدة. لا يهتم الفنان بأن يملأ اللوحة بالعناصر أو الشخوص بحيث تبدو نهاياتها وكأنها استراحة بين أعمال.

يمكن الحديث بإسهاب عن لوحات تعبيرية تصويرية تقدم أشخاصاً بريين لا تدل علاماتهم أو وجوههم على وقت أو تاريخ. أشخاص لا يستطيعون الخروج من بوتقة الحالة التي نسبها إليهم الفنان. هذه الشخوص تصنع زمنها وحاشيتها بالألوان والانطباعات الفردية التي تتركها، وبقدرتها الفائقة على التكيف معنا والإيحاء لنا أو الإدعاء بتقديم لوحة ذات خصوصية قوامها البساطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد معاينة الأعمال يمكن القول إننا أمام أوتوبورتريه بمعنى من المعاني. أوتوبورتريهات حاضرة بلا زخرفة أو جهد، في خلفيتها عناصر محفزة على البقاء. نتف لونية مرمية بسخرية كبيرة في وجه هذا العالم. الخلاصات هذه التي أمامنا، في داخلها قوة خلاقة تكمل رحلة عيشها بالضحك. الضحك المستتر خلف تلك النظرات المستوحشة والحائرة وغير المفهومة.

سلسلة أخرى من الأعمال تبرز لنا أبطالها عبر وجوههم وأجسادهم. أجساد موحدة ترتدي ثياباً شبه موحدة، حمراء وزرقاء. رحلة مع أبطال مستنسخين تدفع المشاهد إلى حيّز فجائعي غير معلن. حيّز واحد يخص عناصر اللوحة فقط. كل ذلك يرتبط بالعنوان "الصمود" ولا إجوبة كافية في طياته، إنما سلسلة من الأسئلة.

في أحدث أعمال جان مارك نحاس الموضوعة أمامنا، نجد أنّ الخشونة تتحول مع الوقت إلى نعومة وهدوء. وبالعودة إلى العناوين نجد أن ليس لها علاقة بالمتن، ولا حتى أهمية، فهي مستقاة من عناوين أفلام فرنسية موزّعة عشوائياً. اللوحة تحكي عنها عناصرها، والكتابة تحكي عنها الكتابة، وهكذا دواليك. نحن أمام لوحة سهلة، خالية من الوعورة ومن الغضب. لوحة تفسِّر نفسها بنفسها، كلّ شخص يسلّمكَ إلى آخر ويحيلكَ إليه. ولك أنتَ أنْ تتخيّل ما تُريد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة