Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اكتشاف لغة قديمة في الشرق الأوسط لم تكن معروفة

الاكتشاف يساعد في فهم طريقة استخدام إمبراطورية مفقودة منذ زمن طويل، التعددية الثقافية لتحقيق الاستقرار السياسي على أراضيها

جزء من أحد النصوص الخاصة بتقليد حثي مكتوبة بالخط المسماري عثر عليه في العاصمة الحثية، حاتوشا/ بوغازكوي (أرشيف بعثة بوغازكوي/دانيال شويمر)

ملخص

وثائق قديمة مكتشفة حديثاً من عهد الإمبراطورية الحثية يمكن أن توسع نطاق معرفتنا بطريقة عمل تلك الإمبراطوريات في مرحلة مبكرة من التاريخ

كشفت أبحاث أثرية في الشرق الأوسط، كيف قامت حضارة قديمة منسية منذ فترة طويلة، باستخدام لغويات غير معروفة سابقاً لتعزيز التعددية الثقافية والاستقرار السياسي في أرجائها. وتسلط هذه الاكتشافات الرائدة أيضاً ضوءاً جديداً على طريقة عمل تلك الإمبراطوريات في مرحلة مبكرة من التاريخ.

وتظهر الحفريات الجارية في تركيا، في أنقاض العاصمة القديمة للإمبراطورية الحثية، أدلة دامغة على أن القطاع العام في الإمبراطورية كان يتألف من أقسام كاملة أو جزئية مخصصة، ركزت في أبحاثها على ديانات الشعوب الخاضعة للإمبراطورية.

وتبين الأدلة أنه في الألفية الثانية ما قبل الميلاد، طلب القادة الحثيون من موظفيهم الحكوميين توثيق طقوسهم الدينية والتقاليد الأخرى، من طريق كتابتها بلغاتهم المحلية (لكن بالخط الحثي)، وذلك بهدف الحفاظ على تلك التقاليد ودمجها في النظام الديني متعدد الثقافات، والشامل للغاية لتلك الإمبراطورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واكتشف خبراء معاصرون في اللغات القديمة حتى الآن، أن موظفي الدولة الحثيين، عملوا على تسجيل وحفظ الوثائق الدينية الخاصة بخمس مجموعات عرقية في الأقل كانت خاضعة للإمبراطورية.

وعثر على أحدث مثال عن تلك الوثائق قبل نحو شهرين فقط. وتبين أنها مكتوبة بلغة شرق أوسطية لم تكن معروفة من قبل، وظلت مفقودة لمدة تصل إلى ثلاثة آلاف عام.

وجرى على مر العقود العثور على نحو 30 ألف وثيقة كاملة ومجزأة، على شكل ألواح طينية، في أنقاض العاصمة الحثية القديمة - حاتوشا (المعروفة الآن باسم بوغازكوي) -التي تقع على بعد نحو 100 ميل (161 كيلومتراً) شرق العاصمة التركية الحديثة، أنقرة.

يشار إلى أن الغالبية العظمى من الألواح مدونة باللغة الرئيسة للإمبراطورية -وهي الحثية. لكن نحو خمسة في المئة منها كانت مدونة إما كلياً أو جزئياً بلغات الأقليات العرقية التي عاشت على أراضيها كـــاللوفيين Luwians (في جنوب شرقي الأناضول)، والباليين Palaians (من أحد أجزاء شمال غربي الأناضول)، والحاثيين Hattians (من منطقة الأناضول الوسطى)، والحوريين Hurrians (من سوريا وشمال بلاد ما بين النهرين).

أما أحدث لغة لأقلية فاكتشفت، أخيراً، سجلها كتبة الحكومة الحثية (ولم تكن معروفة سابقاً بالنسبة إلى العلماء المعاصرين)، فتسمى الكلاسمايكية Kalasmaic، لأنه كان يتحدث بها أشخاص تابعون للإمبراطورية الحثية في منطقة تسمى كالاسما Kalasma على الحدود الشمالية الغربية للإمبراطورية.

ويبين هذا الاكتشاف أنه، حتى أكثر اللغات غموضاً في الإمبراطورية، جرى تدوينها ودرسها وحفظها في شكل مكتوب. وهذا بدوره يثير احتمال اكتشاف لغات شرق أوسطية صغيرة أخرى لم تكن معروفة من قبل، ومسجلة على ألواح طين الإمبراطورية الحثية، ضمن النصوص القديمة المحددة التي يقوم علماء الآثار بالتنقيب عنها في الوقت الراهن، في قرية في بوغازكوي في تركيا.

وقام كتبة قطاع الخدمة المدنية في الإمبراطورية بتدوين جميع مخطوطاتهم بالتعديل الحثي للخط المسماري، وهو نظام كتابة موجود مسبقاً نشأ من بلاد ما بين النهرين، ويعرف بأنه أقدم نظام كتابة على مستوى العالم. وتتضمن الكتابة المسمارية خطوطاً على شكل إسفين، مرتبة في مجموعات تمثل مقاطع لفظية.

يشار إلى أن تلك المنطقة من الشرق الأوسط، التي تعرف الآن باسم تركيا، كانت في العصور القديمة غنية باللغات بشكل خاص.

ويرتبط التنوع اللغوي في كثير من الأحيان بالتضاريس الجغرافية ويتأثر بها. وكلما زاد عدد الجبال وأنظمة الأودية المعزولة، زاد في المقابل احتمال تطور اللغات فيها وإمكانية استمرارها.

ولا يعرف في الوقت الراهن، سوى عن خمس لغات أقليات من الإمبراطورية الحثية في العصر البرونزي، لكن في الحقيقة ربما كانت هناك، نظراً إلى التضاريس الجبلية، ما لا يقل عن 30 لغة من هذا القبيل.

في الواقع، على مقربة من الإمبراطورية الحثية القديمة توجد منطقة جبال القوقاز، التي ما زالت حتى يومنا هذا، تشكل موطناً لنحو 40 لغة.

وتعد اللغة الحثية أقدم لغة هندو-أوروبية موثقة في العالم. وتعود أقدم النقوش فيها إلى القرن الـ16 قبل الميلاد. وبما أنها لغة هندو-أوروبية، فهي ترتبط بمعظم اللغات الأوروبية الحديثة (بما فيها الإنجليزية)، إضافة إلى عدد من اللغات الآسيوية (بما فيها الإيرانية وكثير من اللغات الهندية). ومن اللافت للنظر أنه على رغم الفجوة الزمنية التي تبلغ ثلاثة آلاف عام، فإن اللغة الحثية القديمة والإنجليزية الحديثة، تتشاركان عشرات الكلمات.

على سبيل المثال، كان مصطلح "واتار" Watar في اللغة الحثية يعني "الماء" (ووتر) Water، فيما "دتار" Duttar يشكل الجزء الرئيس من الكلمة الحثية التي تعني "ابنة" (دوتار) Daughter. أما مرادف كلمة "نبيذ" (واين) Wine، فهو "ويانا" Wiyana، في حين أن مصطلح "كارد" Card يشير إلى معان متصلة بـ"القلب" ونعوته (كاردياك) Heart/ Cardiac، ومصطلح "نيوا" Newa يعني "جديد" (نيو) New.

وستتيح عمليات التنقيب في النصوص القديمة في بوغازكوي لخبراء اللغويات، الفهم بشكل أفضل لمسار تطور اللغات الهندو-أوروبية القديمة في العصر البرونزي، التي ترتبط بها اللغة الإنجليزية بشكل بعيد.

يتولى الإشراف على أعمال التنقيب الراهنة البروفيسور أندرياس شاشنر من "معهد الآثار الألماني" German Archaeological Institute في إسطنبول، بينما يقوم بدرس النصوص المحفورة على الألواح الطينية، علماء لغات قديمة من جامعتي فورتسبورغ (ألمانيا) وإسطنبول (تركيا).

دانييل شويمر المتخصص في الكتابات المسمارية والأستاذ في "جامعة فورتسبورغ"، الذي يقود التحقيق في النصوص المكتشفة حديثاً قال إن "تاريخ الشرق الأوسط في العصر البرونزي، لا يزال مفهوماً جزئياً فقط. ومن شأن اكتشاف وثائق إضافية من الألواح الطينية، أن يمكن من توسيع نطاق معرفتنا بذلك التاريخ بشكل كبير".

وتسهم الحفريات الجارية في بوغازكوي في استخراج ما بين 30 و40 لوحاً جديداً بكتابة مسمارية أو أجزاء من الألواح، كل سنة. وتحظى بلدة بوغازكوي (حاتوشا القديمة) بأهمية خاصة باعتبارها مركز الإمبراطورية الحثية (ما بين العام 1650 قبل الميلاد والعام 1200 قبل الميلاد)، وكانت عاصمة لإحدى أقدم الأنظمة السياسية الإمبراطورية وأكثرها توسعاً في العالم. وكان لديها أحد أقدم قطاعات الخدمة العامة وأكبرها حقاً في مجال إنتاج الوثائق في العالم.

وامتدت الإمبراطورية الحثية من بحر إيجه في الغرب إلى ما تعرف الآن بمنطقة شمال العراق في الشرق، ومن البحر الأسود في الشمال إلى لبنان في الجنوب.

وأسهمت تلك الحضارة في تغيير تاريخ البشرية بشكل جذري -لجهة ابتكاراتها التكنولوجية (لا سيما منها استخدام الحديد، وتطوير المركبات الحربية المتقدمة خفيفة الوزن للغاية، وإنشاء قطاع خدمة مدنية واسع)- وتمكنت من توسيع نطاق الحروب، وإقامة حكومات، وإنشاء إمبراطوريات أكبر من أي وقت مضى.

وتسلط الأبحاث الأثرية الجارية في بوغازكوي ضوءاً جديداً بارزاً على نهج عمل الحضارة الحثية -من ثم على الطريقة التي أسهمت من خلالها في تحويل تاريخ البشرية.

© The Independent

المزيد من علوم