Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما تخفيه السرديات عن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية

قراءة تاريخية في أوراق خفية عن دعم واشنطن لوعد بلفور وفكرة الوطن القومي وتبني مجلسي الكونغرس لها عام 1922

يهود أوروبيون في طريقهم إلى الولايات المتحدة الأميركية (غيتي)

ملخص

قراءة تاريخية في أوراق خفية عن دعم واشنطن لوعد بلفور وفكرة الوطن القومي وتبني مجلسي الكونغرس لها عام 1922

منذ اندلاع الحرب في غزة بات التساؤل عن الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل مثيراً للقلق والحيرة، لا سيما بعد أن أقدم الرئيس بايدن على ما لم يقدم عليه أي رئيس أميركي سابق، أي زيارة إسرائيل في وقت الحرب.

لماذا تؤيد واشنطن تل أبيب على هذا النحو، وهي تدرك أن مثل هذا التأييد يمكن وعند لحظة بعينها أن يفقدها تحالفاتها الإقليمية؟

للوهلة الأولى تبدو الأسباب السياسية واللوجيستية هي الحاكمة، بمعنى أن دولة إسرائيل تلعب دوراً عملياتياً في خدمة القطبية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي مواجهة الاتحاد السوفياتي وحلف وراسو.

لاحقاً وبعد انهيار الستار الحديدي، وجد البعض تبريرات لأهمية الدولة العبرية، كالقول إنها قائمة هناك تتصدى وتتحدى الإرهاب الإسلاموي القائم، وربما القادم.

والمؤكد أنه بين هذا وذاك، كان الحديث عن أهمية إسرائيل كموطئ قدم في مسارات تدفق النفط العربي، وعدم السماح للسوفيات بالاقتراب من المياه الدافئة، حيث سائل الحضارة كامن هناك في طبقات الأرض. تبدو هذه المبررات مقبولة، وقد أضاف لها قبل أيام قلائل المرشح الرئاسي الأميركي، روبرت كيندي جونيور، مبرراً عقلانياً بدوره، حين قال "إنه إذا اختفت إسرائيل فإن روسيا والصين ودول البريكس ستسيطر على 90 في المئة من النفط في العالم، وسيكون ذلك كارثياً على أمن الولايات المتحدة الأميركية".

شبه كيندي الابن إسرائيل بأنها حاملة طائرات وحصن حصين لأميركا، قائم على الأرض في الشرق الأوسط، وأنه حال السماح بضياعها ستتأثر القطبية الأميركية.

والشاهد أن قصة العلاقات الأميركية - الإسرائيلية تتجاوز في حقيقة الأمر مجرد العلاقات الدبلوماسية القائمة بين واشنطن وأي دولة أخرى.

ما الأسباب والملابسات التاريخية لتلك العلاقة؟

عن أميركا أرض كنعان الجديدة

يمكن القطع بداية بالقول إن أميركا اعتبرت منذ بدايات اكتشافها أرض كنعان الجديدة، في تشابه يصل إلى حد التماثل أو التطابق، مع فكرة خروج بني إسرائيل من أرض مصر، إلى أرض كنعان، باعتبارها أرض الموعد.

وبعيداً من حقيقة المفاهيم من النواحي العقدية، بدت الأراضي الأميركية المكتشفة حديثاً من قبل الأوروبيين، نظيراً لأرض كنعان، فقد كانت مهرباً ومفراً من القسوة والخشونة الدينية، التي سادت أوروبا في العصور الوسطى، مما حدا بكثير من الجماعات الدينية المسيحية وليس اليهودية للهجرة إلى أميركا.

أطلق على هؤلاء "البيوريتانيون" أو "الطهرانيون"، وهو مصطلح يعني الأبرار الأنقياء، المؤمنين الهاربين من وهدة الاضطهاد الديني في أوروبا.

في هذه الأوقات كانت أوروبا قد شهدت ما عرف بالإصلاح الديني، ولو كان مغشوشاً، وقد جاء به "مارتن لوثر" (1438- 1546).

اعتبر لوثر أن المسيحية مدينة لليهودية، وقد أصدر كتابه "عيسى ولد يهودياً"، بعد أن انشق عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وقد وجد دعماً من يهود أوروبا لحركته الانشقاقية الوليدة.

من هنا بدا واضحاً أن لوثر قد أوجد رابطاً عقائدياً بين المسيحيين أنصاره، الذين أطلق عليهم لفظة "المحتجين" أو "البروتستانت"، واليهود الأوروبيين واليهودية القديمة.

حين هاجر هؤلاء ليمثلوا النواة الأولى للمستوطنين الأوروبيين في الأراضي الأميركية كانوا قد حملوا معهم هذا الفكر، وعليه فقد كانت الروح اليهودية قائمة في الأراضي الأميركية منذ اليوم الأول لحضورهم من أوروبا، مما تجلى في السماح لهم بممارسة عباداتهم وشعائرهم بحرية كاملة، بل تم النظر إليهم على أنهم المثال والقدوة، فكما هرب موسى وشعب إسرائيل من عسف المصريين القدماء واضطهاد الفراعنة لهم، هكذا يجيء الهرب الجديد ليهود أوروبا والبروتستانت إلى الأرض الأميركية الجديدة.

خذ إليك على سبيل المثال ما حدث في مدينة بوسطن بولاية ماساشوستس، وقد كانت في مقدم المدن الكبرى التي ارتحل إليها المتطهرون الجدد، حيث تم تأسيس مركز جديد لهم في تلك الأرض فكان بمثابة النواة التي عليها ستقوم لاحقاً "مملكة الله على الأرض" بحسب فهم هؤلاء المهاجرين.

عبر عن ذلك القس جون كوتون في موعظته لتأسيس المستعمرة حين قال "إن الرب حين خلقنا ونفخ فينا روح الحياة أعطانا أرض الميعاد أميركا، وما دمنا هنا الآن في أرض جديدة فلنبدأ بداية جديدة للحياة، نعمل فيها من أجل مجد بني إسرائيل، هذا الشعب المختار".

حدث ذلك عام 1628 أي قبل وعد بلفور تقريباً بنحو 300 عام، وقبل قيام دولة إسرائيل بأزيد قليلاً.

هل ساعدت هذه المنطلقات المفاهيمية على الأراضي الأميركية في دعم وعد بلفور أول الأمر، ودعم قرار التقسيم عام 1947 تالياً، وصولاً إلى مولد دولة إسرائيل عام 1948؟

بلفور - ويلسون... سباق لدعم إسرائيل

لم تكن هناك أرضية أخصب من إنجلترا التي ضربت البيوريتانية جذورها فيها، والولايات المتحدة الأميركية أرض الموعد الجديدة، لتشهدا تسابقاً بينهما يكرس ويعزز الحضور اليهودي في فلسطين كمدخل لقيام دولة إسرائيل هناك.

في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 صدر وعد بلفور، والحقيقة أن وجهات نظر المؤرخين حول السبب الذي دفع الحكومة البريطانية برئاسة لويد جورج إلى إصدار هذا الوعد اختلفت وتفاوتت، بين حب البريطانيين لليهود والاهتمام بمصلحة الدولة واستراتيجيات الحرب.

إلا أن الحقيقة الأكثر عمقاً كانت متمثلة في أن لويد جورج وآرثر بلفور وزير خارجيته لم يكونا الوحيدين المؤيدين أهداف الحركة الصهيونية التي ولدت في بازل بسويسرا، والساعية إلى التحرك نحو فلسطين، ولكنهما كانا على رأس جيل كامل من الداعمين لهذه الحركة من المؤمنين بفكرة تحول أرض فلسطين إلى وطن قومي لليهود، وقد كانت لكل منهم شخصيته المتميزة في الحياة العامة وفي الحكومة، غير أن جميعهم كان يجمعهم اتجاه واحد وهو مناصرة الفكرة التي ولدت في بازل بسويسرا.

هل كانت الولايات المتحدة بعيدة عن وعد بلفور أم إنها دعمته بصورة تستدعي الدهشة؟

في الـ31 من شهر أغسطس (آب) عام 1918 بعث الرئيس ودرو ويلسون إلى زعيم الحركة الصهيونية الأميركية الحاخام ستيفن وانير، مصادقاً بشكل رسمي على وعد بلفور وقائلاً "راقبت باهتمام مخلص وعميق العمل البناء الذي قامت به لجنة وايزمان في فلسطين، بناءً على طلب الحكومة البريطانية، وأغتنم هذه الفرصة لأعبر عن الارتياح الذي أحسست به نتيجة تقدم الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة منذ إعلان السيد بلفور باسم حكومته موافقتها على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ووعده بأن تبذل الحكومة البريطانية قصارى جهدها لتسهيل وتحقيق ذلك الهدف، مع الحرص على عدم القيام بأي عمل يلحق الأذى بالحقوق المدنية والدينية لغير اليهود في فلسطين، أو حقوق اليهود ووضعهم السياسي في دول أخرى".

والمؤكد أنه لم تكن هناك موافقة وشيكة من الحكومة الأميركية على وعد بلفور، وعلى رغم معارضة وزير الخارجية روبرت لانسنغ موقف رئيس بلاده، فإن ذلك لم يفت في عضد ويلسون لجهة المسارعة بإقرار ومباركة وعد بلفور.

إسرائيل وأفكار ويلسون المشيخية

 يعن لنا أن نتساءل: لماذا اعترض لانسنغ على الموافقة على وعد بلفور، ولماذا ضرب ويلسون عرض الحائط برأي وزير خارجيته؟

في مذكرة اعتراضية كتبها لانسنغ بتاريخ الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) 1917، يقول

"إن هناك ضغطاً كبيراً لإصدار بيان حول الموقف الذي ستقفه هذه الحكومة تجاه فلسطين، وهذا نابع من العنصر الصهيوني لليهود (الجماعة التابعة لهرتزل)".

ويكمل لانسنغ "أرى أن علينا أن نتلكأ في إعلان سياستنا لثلاثة أسباب:

أولها: أننا لسنا في حالة حرب مع تركيا، ولذا فعلينا أن نتحاشى كل ما من شأنه أن يظهر أننا نؤيد أخذ أراض بالقوة.

وثانيها: أن اليهود ليسوا جميعاً راغبين في إعادة جنسهم كشعب مستقل، ومن غير الحكمة تفضيل فريق على آخر.

وثالثها: أن كثيراً من الفرق المسيحية والمسيحيين سيغضبون حتماً إذا وضعت الأرض المقدسة تحت السيطرة المطلقة للجنس الذي يعزى إليه (موت المسيح) بحسب المفهوم الإيماني المسيحي.

 من هنا ولأسباب عملية لا أرى ضرورة للذهاب إلى أبعد من السبب الأول، فهو كاف لتجنب إعلان سياسة حول وضع فلسطين النهائي".

لم يقتنع الرئيس ويلسون (1856-1924) بما قاله لانسنغ، ولم يأبه له، فهو المنحدر من أبوين ينتميان إلى التيار المشيخي، أحد إفرازات البروتستانتية، والمؤيد لفكر عودة الشعب المختار إلى الأرض الموعودة، وقد نشأ ويلسون على تعاليم وفرت له رصيداً وافراً، ولو بطريق غير مباشر لكثير من مشاعر وأفكار تركت أثراً في موقفه المستقبلي من الحركة الصهيونية وأهدافها.

أظهر ويلسون سعادته في أن يكون له دور في إعادة اليهود إلى أرضهم الموعودة بحسب القراءات الأصولية اليمينية المسيحية، ويعد اعترافه بأنه، وهو ربيب بيت القسيس، بأن يكون قادراً على المساعدة على إعادة الأرض المقدسة لأهلها أمر ذا مغزى.

كان ويلسون مأخوذاً بالفكرة الصهيونية، ولعل هذه اللفظة تحتاج إلى توضيح، حتى يستقيم المعنى، ولا تحمل على معنى أي معنى سلبي.

الصهيونية (بالعبرية: ציונות) (بالإنجليزية: Zionism)‏، هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن الـ19 ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد (إيريتس يسرائيل) ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات.

بعد فترة طالب قادة الحركة الصهيونية بإنشاء دولة منشودة في فلسطين التي كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية، وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمسوي تيودور هرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث، الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم.

كان ويلسون مأخوذاً بالحركة الصهيونية، وكانت تصريحاته العلنية والسرية متناسقة مع أبجديات الحركة، فقد كانت قراراته نابعة من مشاعره الذاتية لا من اعتبارات السياسة الواقعية.

والحاصل أن جميع تصريحات وقرارات ويلسون عن فلسطين والصهيونية توضح أنه لم يكن مؤيداً سياسياً فقط لوعد بلفور، أو غيره من محاولات إقامة وطن لليهود في فلسطين، بل كانت صهيونيته نابعة من قناعة إيمانية لها جذور دينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الكونغرس موافقة أولية داعمة لإسرائيل

السؤال هنا عن شكل هذه العلاقات، وهل الأمر فقط وليد قيام الاتحاد السوفياتي وحاجة أميركا إلى قاعدة عبر عنها روبرت كيندي جونيور بأنها حاملة طائرات أميركية ثابتة، ولتأمين منابع النفط، ولاحقاً لمواجهة ما اصطلح عليه زوراً "الإرهاب الإسلامي" بمطلقية المفهوم، أم أن هذا الدعم سابق لكل هذه المبررات؟

نعود لمراجعة أضابير تاريخ الجناح السياسي الثاني داخل الولايات المتحدة، أي الكونغرس، في وقت كان الرئيس ويلسون أخذ على عاتقه أن يحمل مؤسسة الرئاسة مسؤولية تشجيع بلفور، والدفع إلى الأمام لإقامة دولة إسرائيل.

نقرأ في مؤلف الكاتب الأميركي روبرت فنك، المنشور عام 1919 في نيويورك والمعنون "حرب الكونغرس الأميركي الصهيوني"، عن إحصاءات قامت بها المنظمة الصهيونية في يونيو (حزيران) 1918، حول موقف الكونغرس من الوعد، وجاءت النتيجة موافقة كاسحة من الغرفتين الأعلى الشيوخ، والأدنى النواب، على دعم وعد بلفور، ولم يكن هناك أي خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين.

ولعل الأمر اللافت للنظر وقتها هو أن تلك الموافقات لم تكن تحت أي ضغط مالي أو دعائي انتخابي، مما يعني أنها قيم راسخة متجذرة في نفوس من وافق على قيام وطن يهودي في فلسطين، راسخة بشكل مطلق عقدي، لا بشكل نسبي سياسي.

في كتاب فنك نجد إجابات أعضاء الكونغرس تتسق مع توجهات الحركة الصهيونية في مظهرها ومخبرها، فقد كانت صهيونية في أسلوبها ومضمونها، لا سيما أن جميعهم تقريباً استشهدوا بآيات توراتية تشير إلى حتمية عودة اليهود إلى فلسطين كأمة وشعب ورسالة، بحسب المفهوم الكتابي للعهد القديم.

أما الأكثر إثارة فإن أعضاء الكونغرس غالوا في طلباتهم، ولم يتوقفوا فقط عند حدود الموافقة على وعد بلفور، بل توجهوا بطلب لرئيس الولايات المتحدة للقيام بعمل ينسجم مع الوعد عينه.

ينشر فنك هذا النص في كتابه ليدلل على التوافق الأميركي في الكونغرس، مع مقررات حركة هرتزل، وفيه يقول أعضاء الكونغرس في رسالتهم للرئيس ويلسون: "إنه كما خلص موسى الإسرائيليين من العبودية فإن الحلفاء الآن يخلصون يهوذا من أيدي الأتراك القبيحين، وهي الخاتمة الملائمة لهذه الحرب العالمية".

كانت الحرب العالمية الأولى لم تحط رحالها بعد، كما أن الدولة العثمانية كانت بدورها هي من يضع يده على فلسطين قبل الانتداب البريطاني، وبين ثنايا الكلمات تظهر توجهات لا تغيب عن ناظري من يقرأ.

النص المتقدم مغرق في راديكاليته، وهو ما يتبدى في بقيته حين نقرأ "إن يهوذا (كناية عن دولة إسرائيل) يجب أن تقوم كأمة مستقلة، وتكون لها القوة لتحكم نفسها وتتقدم وتكمل مثاليتها في الحياة".

والثابت أنه من عام 1918 حتى عام 1922 كان السباق على أشده بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب لتأييد قيام دولة إسرائيل.

على سبيل المثال في يونيو من عام 1922 قرر مجلس الشيوخ الأميركي "إن الولايات المتحدة الأميركية تحبذ إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، طبقاً للشروط التي يتضمنها وعد بلفور".

في ذلك التوقيت كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية المعروف السيناتور الجهوري هنري كابوت لودج، من ولاية ماساشوستس، معقل الفكر الأصولي اليميني الصهيوني، هو القوة الدافعة لهذا القرار، وهي قوة تحمل بذور العداء الديني أيضاً لسكان البلاد الفلسطينيين الأصليين بوصفهم "محمديين" على حد قوله، أي مسلمين، وهو ما اتضح من ملاحظات له يقول فيها في خطاب ألقاه في بوسطن من ذات العام ما يلي:
"يبدو لي أنه أمر مناسب وجدير بالثناء أن يرغب الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم أن يكون هناك وطن قومي لأفراد جنسه الراغبين في العودة إلى الأرض التي كانت مهداً لهم، والتي عاشوا وجهدوا فيها آلاف السنوات".

ويكمل "إنني لم أحتمل أبداً فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين، إن بقاء القدس وفلسطين بالنسبة إلى اليهود، والأرض المقدسة بالنسبة إلى كل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب في أيدي الأتراك، كان يبدو لي لسنوات طويلة كأنه لطخة في جبين الحضارة ومن الواجب إزالتها".

وفي الـ30 من يونيو 1922 حذا مجلس النواب حذو مجلس الشيوخ، فأصدر بدوره قراراً مشابهاً تبناه عضو الكونغرس هاملتون فشر جاء فيه "حيث إن الشعب اليهودي كان يعتقد لقرون طويلة ويتشوق لإعادة بناء وطنه القديم، وبسبب ما تمخضت عنه الحرب العالمية، ودور اليهود فيها، فيجب أن يمكن الشعب اليهودي من إعادة إنشاء وتنظيم وطن قومي في أرض آبائه، مما يتيح لبيت إسرائيل فرصته التي حرم منها لفترة طويلة، وهي إعادة تأسيس حياة يهودية وثقافة مثمرة في أرض اليهودية القديمة".

رؤساء أميركا ودعم متواصل لإسرائيل

على هامش حرب غزة تكلم الرئيس بايدن بالقول "ليس شرطاً أن يكون المرء يهودياً لكي يضحى صهيونياً"، في إشارة إلى لا توارى أو تدارى عن ميوله وتوجهاته الداعمة للدولة العبرية.

هنا يطفو على السطح تساؤل مهم: هل كان بايدن استثناءً من بين رؤساء أميركا، في دعمه لإسرائيل، أم أنه حلقة ضمن سلسلة طويلة وقفوا مناصرين دولة يهوذا؟

يحتاج الجواب إلى قراءة قائمة بذاتها، غير أنه من دون اختصار مخل نشير إلى أنه منذ موافقة ويلسون على وعد بلفور عام 1918، حتى ظهور روزفلت عام 1939، نهج رؤساء أميركا بشكل أو بآخر نهجاً واحداً داعماً لقيام الدولة اليهودية على الأرض الفلسطينية، وإن اختلف الأمر تبعاً لمدى إحساس الرئيس شخصياً بالتزامه الصهيونية... هل من أمثلة؟

 خذ إليك عينة على سبيل المثال لا الحصر:

 ** في الأول من يونيو 1921 عبر الرئيس الأميركي وارن هاردنغ عن موقفه بقوله "يستحيل على من يدرس خدمات الشعب اليهودي ألا يعتقد أنهم سيعادون يوماً إلى وطنهم القومي التاريخي، حيث يبدأون مرحلة جديدة بل مرحلة أكبر من مساهماتهم في تقدم الإنسانية".

 ** في 13 يونيو 1924 أشار الرئيس الأميركي كالفن كولدج وإن بصورة أقل وضوحاً لكنها تعبر عن إيمانه الأساس بفلسطين وطناً قومياً يهودياً في قوله "لقد كررت مرات عدة اهتمامي بهذه الحركة العظيمة، بحيث إن أي شيء أضيفه يعتبر تكراراً للبيانات السابقة، ولكنني مع ذلك سعيد بأن تتاح لي هذه الفرصة لأعبر ثانية عن تعاطفي مع الحنين العميق الشديد الذي يجد تعبيراً له في الوطن القومي لليهود في فلسطين".

** وبالوصول إلى الرئيس هربرت هوفر، نجده في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 1928 يهنئ الحركة الصهيونية على ما اعتبره "إنجازها العظيم" في فلسطين، مردداً فكرة إعادة بعث الحياة فيها بقوله "لقد راقبت بإعجاب حقيقي، التقدم الثابت الواضح الذي تم من أجل إعادة تأهيل فلسطين التي كانت قاحلة لعدة قرون، ولكنها الآن تجدد شبابها وحيويتها من خلال حماس وجد وتضحية الرواد اليهود الذين يكدحون هناك بروح السلام والعدل الاجتماعي، وإنه لمما يبعث على الرضا، أن نرى كثيراً من اليهود الأميركيين المؤيدين حركة هرتزل، أو من غيرهم، قدموا خدمات رائعة لهذه القضية التي تستحق من الجميع العطف والتشجيع الأدبي".

والمؤكد أن السطور السابقة هي غيض من فيض، يبدأ من عند جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وغيرهما من الآباء المؤسسين، ويصل بهم إلى ليندن جونسون ودونالد ترمب ثم جو بايدن.

لا جديد تحت شمس السماوات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، فدائماً بقيت النظرة إلى الحركة الصهيونية كأداة تتجلى من خلالها معالم وملامح "ثيولوجيات" يلوى فيها ذراع النص، وتفسر على حسب هوى البعض دون البعض الآخر، مما يجعل من العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية قصة أخرى حول العالم.

المزيد من تقارير