Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"داي فالكوري" الأوبرا التي صنعت مكانة مباغتة لتوم كروز

يوم استعارت السينما عنوان واحدة من أجمل أوبرات فاغنر فاكتشف الهواة إبداعه صدفة

توم كروز في مشهد من فيلم "فالكيري" (موقع الفيلم)

ملخص

يوم استعارت السينما عنوان واحدة من أجمل أوبرات فاغنر فاكتشف الهواة إبداعه صدفة

لعلها المرة الوحيدة التي تمكن فيها النجم الهوليوودي توم كروز من أن يلعب في فيلم من أفلامه دوراً كبيراً كان من المتوقع لأدائه فيه أن يوصله إلى واحد من أحلام حياته، أن ينال جائزة أوسكار أفضل ممثل. بيد أن الجائزة مرت إلى جانبه ولم تصل إلى يديه. ومع هذا كان قد تولى تمويل الفيلم بنفسه وربما انطلاقاً من إعجابه بعنوان الفيلم بأكثر من إعجابه بموضوعه، أو كونه فيلماً يحكي عن فصل من فصول الحرب العالمية الثانية من دون أن يكون للعنوان علاقة بالبعد النخبوي الذي ينم عنه. وهنا، كي لا يبدو كلامنا نوعاً من ألغاز تحتاج إلى من يفك طلاسمها، سنوضح الأمر لأنه أبسط مما قد يعتقد قارئ هذه السطور. فالفيلم هو "فالكيري" من إخراج بريان سينغر. ولم يتم اختيار هذا العنوان له – وهو على أية حال عنوان واحدة من أجمل أوبرات ريتشارد فاغنر – للانطلاق في موضوعه من أوبرا الموسيقي الألماني الكبير التي تحمل العنوان نفسه، بل تحديداً لأن اختيار العنوان تم في الأصل من قبل القيادة العسكرية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية كاسم مشفر لتدخل القوات العسكرية النازية الخاصة إن طرأ حدث أمني جلل. والحقيقة أن تلكم كانت العلاقة الوحيدة بين الأوبرا الفاغنرية من ناحية، ومن ناحية أخرى خطة الانتشار النازية والفيلم الذي يروي حكاية المحاولة التي قام بها عدد من الضباط الألمان لاغتيال هتلر، لكن الذي حدث هو أن ارتباطاً ما كان لا بد له أن يقوم بين الأوبرا من ناحية وجمهور النجم الهوليوودي من ناحية ثانية.

من الفيلم إلى الأوبرا

والحقيقة أن تلك "العلاقة" أدت إلى عودة الأوبرا الفاغنرية نفسها إلى الواجهة حينها، فتهافت على شراء تسجيلاتها مئات الألوف من هواة... السينما من الذين كان بعضهم لا يعرف شيئاً عن وجود تلك الأوبرا حتى ذلك الحين. لكنه كان سحر السينما وسحر النجومية بالتأكيد. وهو السحر الذي جعل من ناحية أخرى توم كروز يذكر مرات ومرات في أحاديثه فن فاغنر وموسيقاه متمنياً لو كان له صوت أوبرالي يصدح به على "ألحان ذلك الموسيقي الكبير". ومهما يكن، بالنسبة إلينا هنا، تتوقف حكاية الفيلم عند هذه النقطة، لننتقل إلى حكاية الأوبرا وهي تلك التي أنجز فاغنر (1813 – 1883) تلحينها ونشرها في عام 1856، لتقدم للمرة الأولى فقط في عام 1870 في ميونيخ بوصفها "حكاية اليوم الثاني" من رباعيته الضخمة "خاتم النيبولونغن" التي تعد واحدة من أشهر أعماله. ولم يتوقف تقديمها بعد ذلك مستقلة في حكايتها وموضوعها وإن كانت تستعيد شخصيات سبق أن قابلناها في الجزء الأول لتضيف شخصيات سوف تعود إلى الظهور في الأوبراتين التاليتين المكملتين للرباعية.

أساطير بجوهر عائلي

ونعرف على أية حال أن "الأيام" الأربعة التي يضمها "خاتم النيبولنغن" تعود في جذورها إلى الأساطير الجرمانية، ولكن كما أعاد فاغنر كشاعر هذه المرة كتابتها ونظم أشعارها بنفسه بلغة ومعان سوف يستند إليهما عدد من الباحثين للحديث عن كون فاغنر "نازياً" حتى وإن كان هو قد رحل عن عالمنا قبل ولادة النازية وولادة هتلر نفسه بسنوات. لكن هذا ليس أهم ما في الأمر هنا. المهم أن هذا العمل، أي "الفالكوري" حتى وإن كان يرتبط بالأساطير المؤسسة للنزعة القومجية الجرمانية، فإنه يبدو من أقلها أسطورية، بل إنه في موضوعه على الأقل، عمل حميم يكاد يدور في أجواء عائلية ويتحلق من حول عواطف بشرية من النوع الشديد العادية، الحب والغيرة والموت وصراعات الأشقاء... وما إلى ذلك. ففي نهاية الأمر قد لا يبرز مما ترويه الحكاية أكثر من الغرام الذي يعيشه وكل من جانبه الشقيقان التوأم سيغموندي وسيغليندي ابن وابنة فالزي الذي يجهل ولداه هذان على أية حال كينونته الألوهية وكونه قد هبط من عليائه في السماء إلى الأرض متخفياً تحت ملامح بشرية مخفياً عن الجميع أن اسمه الحقيقي فوتان، وهو بالطبع اسمه الألوهي الذي لا يريد أن يدركه أحد. والذي يحدث هنا هو أن سيغموندي يطرد ذات يوم من الديار التي كان يقطنها جاهلاً كل شيء عن جذوره، ويلتجئ إلى دار ترحب به، ربتها هي أخته سيغليندي زوجة رب البيت المتوحش والعنيف، هوندينغ المعتبر العدو اللدود لآل وولسونغ، وهم بالطبع العائلة التي ينتمي التوأمان لها دون أن يكونا عارفين بذلك، بل حتى بكونهما شقيقاً وشقيقته افترقا منذ زمن وتسلط هوندونغ على الفتاة من بينهما ليتزوجها مرغماً إياها على العيش معه. وهكذا إذ تقود الأقدار سغموندي إلى ديار هوندنغ يجد نفسه مغرماً بربة البيت دون أن يعرف من تكون! أما الأحداث التي تحرك الأوبرا فتبدأ مباشرة بعد احتفالات زواج هوندونغ وسيغليندي.

الصراعات على صوت الموسيقى

وتتتابع الأحداث المعروفة من صراعات سرعان ما يخوضها سيغموندي ينتصر عليه فيها هوندونغ على رغم استخدامه سيفاً تقول الحكاية إن من يستخدمه لا يمكن لقوة في الكون أن تهزمه. بالتالي لا تكون هزيمته إلا لتخلي فوتان عنه، ليس في محاولة منه لمعاقبته على غرامه بأخته، وإنما استجابة لما تمليه الغيرة على امرأة فوتان فريسكا فتوغر صدره ضد توأميه الذي هو الوحيد الذي يعرف حقيقتهما، لكنه يعرف في الوقت نفسه أن تلك المخلوقات "الخرافية" (الفالكوري) هي الوحيدة، ومن بينها برونهيلدي بشكل خاص القادرة على إنقاذ سيغموندي من هزيمته ومصيره، لكن برونهيلدي تبدو مختفية الآن في برية جبلية وقد أغفت، تعباً أو لمنعها من إنقاذ الفتى، ومن هنا يحتاج الأمر إلى البحث عن برونهيلدي لإنقاذها ودفعها إلى إنقاذ سيغموندي. وتتشابك هنا أحداث الأوربرا تشابك الموسيقى التي كتبها لها ولأشعاره فاغنر في مرحلة من أبرز مراحل نضوجه الفني وهو النضوج الذي دفعه هنا إلى افتتاح الأوبرا موسيقياً بألحان صاخبة عنيفة ترافق تجوال سيغموندي بحثاً عن مكان يؤويه... وهنا بعد تلك الموسيقى العاصفة التي تبدو وكأنها تأخذ الجمهور على حين غرة. وفيما يستكين بطل المستقبل إلى شيء من الدعة تبدأ حدة الموسيقى بالانخفاض تدريجاً حتى يحل نوع من هدوء روحي شامل، إنما بطيء في رنته كما هي العادة من أربعة أجزاء "الرباعية"، ما يخلق ذلك التناقض الحاد في موسيقى الفصل الأول بين ألحان البداية العاصفة والنغمات الوترية العذبة التالية. ومن الواضح أن فاغنر جعل دور الموسيقى هنا يتأرجح بين التعبير عن جوانية بطله ممهداً لموسيقى ستتواصل على مجرى الأوبرا كلها وتتواصل معها، مهمتهاً في التعبير عن تلك الجوانية، بشكل يبدو معه وكأن الملحن الكبير لم يهتم بأية شخصية أخرى من الشخصيات التي جعلها لهذه الأوبرا قدر اهتمامه بالبطل، وربما في نوع من رغبة، ولو مواربة، في جعله أناً/ آخر له، ما يضفي على "الوالكوري"، طابعاً يتسم بذاتية ندر أن طالعتنا في أي عمل آخر من أعمال فاغنر، بل نادراً ما طالعتنا في فن الأوبرا بشكل عام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأوبرا غير المسرح

ولعل هذا ما يعطي هذه الأوبرا تلك الفرادة التي تجعلنا نتكلم منذ الفقرات الأولى هنا، عن الحميمية التي تكاد تجعل من تلك الحكاية حكاية عائلية، لو جردناها من التفخيم الأوبرالي والبهرجة التزيينية التي قد تبدو في نهاية الأمر، مقحمة على موضوع بالغ البساطة، لوجدنا أنفسنا أمام عمل إبداعي قد يليق بمسرح تنيسي ويليامز، لكن نعرف أن فاغنر كان هكذا دائماً، مبدع يحيط مواضيعه البسيطة والعميقة بأجواء تبدو زائدة عما تحتاجه تلك المواضيع، ولكن النتيجة غالباً ما تكون أن المتفرج ينسى جوانية المواضيع و"عادية" الشخصيات التي تعيشه، لتصبح الأدوات التزيينية هي همه الأساسي. ففي نهاية الأمر، حتى وإن كان فاغنر قد عرف كممارس لما يمكننا اعتباره الفن الشامل، كان دائماً بخاصة في "الوالكوري" فنان الموسيقى التزيينية الأكبر. ففي نهاية الأمر ليست الأوبرا في منطق فاغنر سوى فن الضخامة والصخب. أما عمق المواضيع فنتركه للمسرح الدرامي والاجتماعي الذي نعرف أن فاغنر لم يكن من كبار البارعين فيه!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة