Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا بعد؟

لقد اصاب الانتقالي نفسه بانتكاسة شديدة ستصيبه بعجز معيق لن يقوى على النهوض من أضرارها إلا اذا قبل العودة الى العمل السياسي

عنصر من الجيش الحكومي وعربة مدرعة داخل مقر المجلس الانتقالي في عتق بعد السيطرة عليه (رويترز)

كتبت في 26 مارس (آذار) 2019 مقالا في صحيفة عكاظ بعنوان (معضلة المجلس الانتقالي) وقلت (إن القول بأن «المجلس» هو الذي يمثل «كل» الإرادة الجنوبية لا يمثل كل الحقيقة، وليس ذلك تشكيكا في رغبة الجنوب في تقرير مصيره، لكن لأن الأمر ليس مجرد أمنيات، بل تعامل مع الواقع المجرد بعيدا عن المزايدات والبلاغة ورفع سقف الضجيج الإعلامي والطموحات دون وجود ما يسندها على الأرض بصلابة).

لم يكن ما فعله المجلس الانتقالي في عدن مفاجئا لمن يتابع الأوضاع بدون تشنج وتعصب، ولم يكن الانهيار في صفوف "الوية الحماية الرئاسية" صادما، فغياب المؤسسات الخدمية وانهيار المعنويات بسبب الأوضاع المعيشية، اضافة الى حملات التعبئة الإعلامية ضد كل ما هو شمالي، أدت مجتمعة لإعطاء شعور زائف بأن "الانتقالي" صار وحيدا في الساحة، لكنها وضعته في مرمى نيران خصومه.

عند اندفاع انصار "الانتقالي" في اتجاه شبوة، اتصلت بصديق من كبار مشايخ شبوة وكان قريبا عليما بما يدور، وأخبرني بمرارة انه فضل الابتعاد عن المشهد من أشهر لأنه لم يقتنع بالطريقة التي تدار بها الأمور وتوقع حينها انهيارا سريعا يعكس هشاشة تكوين "المجلس" وتضارب الأهواء والمصالح التي توقع هو أنها ستعصف به، وأكد أن التركيبة والروابط القبلية المتينة ستحسم الأمر لغير صالح المجلس الانتقالي.

لقد أفلت "الانتقالي" فرصته حين رفض التحول الى حزب سياسي يتواجد جنوب اليمن، أعود مرة أخرى الى مقال قارنت فيه بين مساعي الانفصال في كردستان وكاتالونيا وجنوب اليمن، كتبت حينها (30 سبتمبر (أيلول) 2017) ان (النموذج الانفصالي الثالث هو ما يرغبه المجلس الانتقالي في جنوب اليمن الذي أتعاطف مع أغلب مطالبه السياسية إلا أن أسلوب إدارته يشير إلى عشوائية في الأداء انعكست في أسلوب إدارة القلق لدى المواطنين، ومن السذاجة السياسية تصور أن مجرد إبداء الرغبة  في الانفصال سيتبعه قبول إقليمي ودولي، ورغم اعترافي بنزاهة المقصد لكن (الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة)، ومن غير المستحسن أن يتوهم المجلس أنه يمثل الجنوب، بل هو في الواقع يعبر عن جزء كبير منه، لكن لا أحد يدري ما هي نسبة المؤيدين والمعارضين لتوجهاته، وقد تكون نقطة قوته الكبرى هي يأس الناس من أداء الحكومة وعدم قدرتها على تقديم نموذج مثالي، وهكذا صار المواطنون يتمسكون بأي قشة يدركون انها لن تنجدهم من الغرق.)

لقد اصاب الانتقالي نفسه بانتكاسة شديدة ستصيبه بعجز معيق لن يقوى على النهوض من أضرارها، إلا اذا قبل العودة الى العمل السياسي بعيدا عن الاستقواء بالسلاح، ويمكنه أن يرفع سقف مطالبه سلميا دون إقصاء ولا عداوة وإنما من خلال نشاط مدني، وبغير هذا فإن الجماهير التي ساندته تحت أوهام شعاراته ستبحث لها عن مسار آخر لا أدري من سيقودها عبره.

اليوم نحن أمام واقع جديد في الجنوب مختلف عن مشاهد ما بعد 1967 و1994 و2012...

إذ صارت قوى الأرض المحلية هي صاحبة القول الفصل في تحديد المسار، والمال هو الأقوى تأثيراً في توجيه الدفة.. هنا يجب التنبه إلى أن إسقاط نفوذ الانتقالي هناك اعتمد على التركيبة القبلية أولا وكانت هي الحاسمة في نهايات المشهد.. كما ستظل لفترات طويلة قادمة متحكمة في موجهات المستقبل القريب على الأقل.

سيظل العمل مع ومن خلال المجتمعات المحلية القبلية المسلحة هو الأنسب لإحداث استقرار يسمح بعودة الحياة الطبيعية اليها، ولن تتمكن "الشرعية" من خلال تركيبتها الهشة ورخاوتها من فرض تواجدها بما يتجاوز البيانات والصور والتغريدات.

شبوة صارت عنوانا يتنازع كثيرون حق تصدر تحولاتها المتسارعة، لكنها في واقع الحال ستصبح مفترق طرق لمشاريع كثيرة متناقضة ومتتافرة، وأمام هذا الغموض الذي يكتنف المشهد اليمني، يلح ويتكرر السؤال: وماذا بعد؟

لقد كانت أحداث عدن وما تلاها، جرس إنذار صاعق لليمنيين والإقليم وكادت تؤدي إلى إحداث قلق شديد حول تماسك التحالف بين الرياض وأبو ظبي، ولابد أنها ستلقي بظلالها على المشهد اليمني في حال عدم تدارك الأمر بسرعة فائقة.

إذا كان بالإمكان الاستفادة من الأحداث السلبية التي مرت على اليمن خلال هذه الفترة الماضية، فلعلي أكرر النداء بأن الدعوة الى حوار بلا شروط بين اليمنيين هي الحل الوحيد، ولا يتوهم أحد أن القوة ستمنحه فرصاً أفضل، ومن ظن بغير ذلك فليقرأ تاريخ اليمن مرة جديدة.

(وكيل وزارة الخارجية اليمنية سابقا)

المزيد من آراء