ملخص
استخدمت إسرائيل القنابل الفوسفورية مراراً في القصف على غزة وجنوب لبنان. لماذا حرمت الاتفاقات الدولية استخدام هذه الأسلحة الحارقة على المدنيين؟
يستخدم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر القنابل الفوسفورية في غزة وفي المناطق الحدودية بجنوب لبنان، منذ بداية الحرب في غزة. وأثبتت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ذلك مستندة إلى مقاطع مصورة وروايات شهود تؤكد استخدامه في العمليات العسكرية على رغم أن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. فهذا السلاح السام يستخدم في مناطق مكتظة بالسكان، فيما يعتبر الفوسفور الأبيض المتفجر جواً فوق مناطق مأهولة من الأسلحة المحرمة بموجب القانون الدولي كونه يعرض حياة المدنيين لأخطار عديدة. وأكدت منظمة العفو الدولية أيضاً استخدامه، إذ أعلنت أن مختبر أدلة الأزمات جمع أدلة توثق لجوء الوحدات العسكرية الإسرائيلية لقذائف الفوسفور في قصف قطاع غزة.
حروب عدة
ثمة اعتقاد بأن الفوسفور الأبيض استخدم للمرة الأولى في القرن الـ19. كان آنذاك في صورة محلول من الفوسفور الأبيض مع مادة ثنائي كبريتيد الكربون. واستخدمت القوات الأميركية الصواريخ التي تحتوي على الفوسفور الأبيض في حرب فيتنام في غاراتها على المحاربين الفيتناميين في الأدغال، وأيضاً استخدمه الجيش الأميركي في مدينة الفلوجة العراقية في عام 2004. ولاحقاً، استخدمت إسرائيل هذا السلاح على قطاع غزة في عام 2009 ثم في قصف غزة في عام 2021، وصولاً إلى الحرب الحالية الدائرة، إذ تستخدمه في قصف غزة وجنوب لبنان. وفي عام 2017 اعتمدت قوات التحالف القنابل الفوسفورية لتضرب مدينة الموصل العراقية في الحرب. ثم عاد الجيش السوري واستخدم هذا النوع من السلاح أيضاً في الغوطة الشرقية في عام 2018.
في عام 2013، كانت إسرائيل قد تعهدت بالتخلص تدريجاً من ذخائرها من الفوسفور الأبيض التي استخدمتها سابقاً في الهجوم على غزة بين عامي 2008 و2009، وعدم استخدامه في المناطق المأهولة بالسكان، على أثر عريضة قدمت إلى محكمة العدل العليا آنذاك. إلا أنها لم تلتزم ذلك وكررت استخدامه منذ بداية حرب غزة، مما دعا جماعات ومنظمات حقوق الإنسان إلى اتهامها بالقيام بجرائم حرب، بما أن استخدام قنابل الفوسفور الأبيض محظور بموجب الاتفاقات والمعاهدات الدولية.
سلاح محرم
تخضع الأسلحة الحارقة مثل القنابل الفوسفورية إلى البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية التي انضمت إليها كل من فلسطين ولبنان، فيما لم تنضم إليها إسرائيل. ويحظر هذا البروتوكول استخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جواً على تجمعات المدنيين. وتحظر المادة الثالثة من اتفاقية جنيف لعام 1980 التي تتعلق بأسلحة تقليدية معينة، استخدام تلك الأسلحة الحارقة ضد الأهداف المدنية. كما تدعو إلى عدم استخدامها ضد أهداف عسكرية مجاورة لمواقع يوجد فيها المدنيون. وللفوسفور الأبيض استخدامات يحددها القانون، فهو غير محظور كسلاح كيماوي بموجب الاتفاقات والمعاهدات الدولية لكن يمنع استخدامه على المدنيين حصراً، نظراً إلى الأخطار الكبرى التي قد يتعرضون لها بسببه. لذلك، ويسمح باستخدامه في الحروب وفي ساحات القتال ضد أهداف عسكرية حصراً، أو لغايات معينة مثل إنشاء حاجز دخان كثيف أو تحديد أهداف في الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوضح المتخصصة في الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حفظ البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت، نجاة عون صليبا، في حديثها مع "اندبندنت عربية"، أن الفوسفور الأبيض من المعادن الموجودة في الصخور، التي تستخدم في صناعة المبيدات الكيماوية في الزراعة، تماماً كما بالنسبة إلى نترات الأمونيوم. وعندما يكون في صورة بودرة، لا يسبب أي أذى. في المقابل، يتحول إلى مادة حارقة خطرة عند استخدامه في القنابل نتيجة الضغط الزائد، والاحتراق عند التعرض لشرارات النار وهو يتفجر جواً، إذ يشتعل الفوسفور الأبيض عندها مع التعرض للأوكسجين الموجود في الهواء ويولد حرارة عالية تصل إلى 815 درجة مئوية. فالفوسفور كعنصر كيميائي رمزه P عند تعرضه للأوكسجين يتحول إلى P4010 كونه يتفاعل مع الأوكسجين بنسبة عالية مسبباً الانفجار الناتج عنه. وهذا ما يفسر قابليته الكبرى للاشتعال في الهواء بوجود الأوكسجين.
في المقابل، توضح صليبا أنه عند الاحتكاك بالماء يتحول الفوسفور الأبيض إلى H3P04 ويصبح عندها "أسيد" يمكن إبطال مفعوله بالصابون. لذلك يمنع منعاً باتاً استخدام الماء لغسل الفوسفور الأبيض عند التعرض له مباشرة، لأنه يتحول إلى "أسيد" في هذه الحالة مما يزيد من خطورته ويؤدي إلى احتراق الجلد بشكل تام، ولا يستخدم الماء أيضاً للفوسفور المشتعل بتركيبة P4010.
وتضيف "عند استخدام الفوسفور الأبيض في القنابل واحتكاكه بالأوكسجين يتحول إلى مادة شمعية، وتكمن هنا خطورته الأساسية. وتصبح تركيبته دهنية، مما يؤدي إلى ذوبان الجلد عند التعرض له. يصل الحريق الناتج عن التعرض له عندها إلى العظام مباشرة مع ذوبان الجلد، بما أن الحروق التي يسببها تصل إلى العمق وقد تصل إلى مختلف الأعضاء في الجسم وتؤدي إلى احتراقها كالكبد والكلى. لهذه الأسباب يموت المصاب خلال يومين على أثر ما تتعرض له أعضاء الجسم من أضرار. ويجب عدم الاقتراب من أي موقع موجود فيه. حتى إن استنشاق هذا الغاز يؤدي إلى ذوبان القصبة الهوائية والرئتين. ويسبب الدخان الناتج منه للأشخاص الموجودين في محيطه القريب حروقاً قوية في الوجه والعينين والشفتين".
أضرار مباشرة
بعكس الأفكار الشائعة حوله، لا يسبب الفوسفور الأبيض السرطان في المدى البعيد، لأن الضرر الناتج منه مباشر ولا أضرار طويلة المدى له، فالخطر الأساسي الناتج منه هو أنواع الحروق من الدرجتين الثانية والثالثة والحروق التي تصل إلى الأعضاء وتقضي عليها فتؤدي إلى الوفاة المباشرة. هو يؤدي إلى تآكل الجلد وصولاً إلى العظام والأعضاء الداخلية، وهنا تكمن خطورته الأساسية. أما إذا بقي في الهواء فقد تبقى رواسب منه، لكنها تزول خلال يومين أو ثلاثة. كذلك إذا بقيت رواسب منه في التراب فالأذى الكبير ينتج منه مباشرة وليس بعيد المدى.
مع استمرار القصف الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية بالقنابل الفوسفورية، ونظراً إلى الأخطار الكبرى الناتجة من الفوسفور الأبيض، أصدرت وزارة الصحة العامة مجموعة من الإرشادات حول طرق التصرف في حال التعرض له، ومنها تلك الخاصة بالمسعفين المعرضين له:
- ارتداء ملابس واقية ليحمي المسعف نفسه.
- إبعاد المصاب من مكان التعرض للفوسفور الأبيض بعكس اتجاه الريح.
- نزع الثياب الملوثة بالفوسفور الأبيض عن المصاب.
- استخدام فوطة مبللة بالمياه على الفم والأنف والتنفس من خلالها.
- عند بلوغ مكان آمن يجب وضع الملابس الملوثة في أكياس خاصة مزدوجة مغلقة بإحكام.
- يعتمد العلاج التخفيفي بالدرجة الأولى، لأنه ما من دواء خاص للتسمم بالفوسفور الأبيض. ويجب التعامل مع كل حالة بحسب طريقة تعرض المصاب للفوسفور الأبيض.