Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأ "خريف العلاقات" بين حكومة العراق وواشنطن؟

استهداف القواعد الأميركية في البلاد يضع السوداني بين فكي الالتزامات الخارجية والقرار الإيراني

الرئيس الإيراني يصافح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحفي في طهران، 6 نوفمبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

تبدو حكومة السوداني في أكثر اللحظات حرجاً مع واشنطن وسط عدم استطاعتها الحد من الاستهداف المتكرر للقواعد العسكرية الأميركية

بعد نحو عام على هدوء نسبي ساد الأجواء العراقية نتيجة إعادة تطبيع العلاقة بين واشنطن والميليشيات الموالية لإيران والتي تكللت بتشكيل حكومة "الإطار التنسيقي" برئاسة محمد شياع السوداني، يواجه الأخير التحدي الأول مع واشنطن بعد توسع كبير لدائرة الهجمات الصاروخية التي تشنها جماعات مسلحة مدعومة من طهران على القواعد العسكرية التي تضم عسكريين أميركيين في البلاد.

وعادت هذه الهجمات بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وزادت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بغداد من حدة تعقيد المشهد بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة، خصوصاً مع استمرار الهجمات الصاروخية حتى بعد تلك الزيارة.

وساطة لم تنجح

تشير تسريبات إلى أن زيارة بلينكن لبغداد حملت رسالة تحذيرية من الإدارة الأميركية إلى الحكومة العراقية في حال استمرار الهجمات التي تطاول القوات الأميركية في البلاد.

وكان بلينكن قال خلالها إن واشنطن "لا تريد أية مواجهة مع إيران، لكننا سنتخذ كل الإجراءات لحماية قواتنا ومواطنينا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد ساعات على زيارة بلينكن إلى بغداد، توجه رئيس الوزراء العراقي إلى طهران، مما يراه مراقبون محاولة لدفع صانعي القرار في إيران للضغط على الجماعات المسلحة لإيقاف استهداف القواعد الأميركية.

في المقابل، قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي خلال لقائه السوداني إن "إيران والعراق يمكنهما عبر التنسيق المشترك الاضطلاع بدور بناء لزيادة الضغط السياسي على واشنطن وإسرائيل بغية إيقاف العدوان".

ولا يبدو أن تلك الزيارة حققت أياً من أهدافها، خصوصاً بعدما أعلنت جماعة تطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق" في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري تنفيذ ثلاث عمليات استهداف لقواعد أميركية في العراق وسوريا، وهي قاعدة "حرير" في إقليم كردستان ومطار أربيل وقاعدة "القرية الخضراء" في سوريا.

وبعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الأميركي أعلنت الجماعة قصفها أربعة مواقع تابعة للقوات الأميركية في العراق وسوريا بست هجمات.

مأزق السوداني

ويعتقد مراقبون بأن الحكومة العراقية باتت في أكثر اللحظات إحراجاً أمام واشنطن، كونها انبثقت من خلال "الإطار التنسيقي" ولكنها لم تتمكن من الإيفاء بالتزاماتها، خصوصاً ما يتعلق بإيقاف الهجمات على المصالح الأميركية في البلاد، مما يشي باحتمالية تعقيد العلاقة بين واشنطن وبغداد بعد نحو عام على الهدوء النسبي.

في هذا السياق، يرى رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري أن زيارة بلينكن لبغداد "تؤشر بصورة واضحة إلى القلق الأميركي المتزايد من احتمالية توسع دائرة الصراع في الشرق الأوسط لتشمل العراق وسوريا"، مبيناً أن واشنطن تبدو "قلقة جداً ليس فقط من تصاعد الهجمات على قواعدها، بل من احتمالية أن يرتفع منسوب الاستهداف إلى عمليات قتل لجنودها في البلاد".

ويبدو أن إمكان أن تؤدي العمليات التي تشنها الجماعات المسلحة إلى قتل عسكريين أميركيين ستمثل "نقطة تحول كبرى في الصراع الدائر"، وفق الشمري الذي يعتقد بأنها "ستنعكس بصورة مباشرة على الأجواء السياسية العراقية".

ويتابع أن واشنطن لا تنظر إلى تعقيدات الأجواء السياسية في البلاد وتشعب مصادر القرار داخل السلطة، وهذا الأمر ربما يؤدي في النهاية إلى "كسر ربيع العلاقة بين حكومة السوداني والإدارة الأميركية، خصوصاً أن واشنطن تفرض على السوداني شروط إقناع شركائه بالتوقف عن الاستهدافات، كونه القائد العام للقوات المسلحة".

ويوضح أن ذهاب السوداني إلى طهران عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي يعطي انطباعاً واضحاً للإدارة الأميركية بأنه "غير قادر على كبح جماح تلك الجماعات"، مما اضطره في النهاية إلى "الحديث مع صانعي القرار في إيران بصورة مباشرة للضغط عليهم".

ويختم الشمري أن استمرار الصراع الدائر في البلاد من دون حلول سيدفع واشنطن في النهاية إلى "اتخاذ خطوات لا تتوقف عند حدود الردع العسكري، بل ستشمل إجراءات أخرى ربما تؤثر في معادلة وجود الإطار الشيعي في السلطة".

وبلغت الهجمات على القواعد الأميركية في العراق وسوريا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نحو 38 هجوماً بالطائرات المسيّرة والصواريخ، مخلفة نحو 45 إصابة طفيفة لجنود وموظفين، بحسب "البنتاغون".

التزام سياسي وأهداف استراتيجية

ولا تتوقف تأثيرات عودة أنشطة الجماعات المسلحة الموالية لإيران على واشنطن فحسب، إذ يرى مراقبون أن ما يجري يعرقل كل مساعي السوداني للانفتاح على المحيط الإقليمي والعربي.

ويعرب الباحث في الشأن السياسي حميد حبيب عن اعتقاده بأن الضربات التي تنفذها الفصائل العراقية الموالية لطهران محدودة وليست مؤثرة في واشنطن، لكنها تأتي ضمن دافعين، الأول "الالتزام السياسي الذي يفرضه تبني إيران وحلفائها توجه المقاومة في المنطقة"، أما الآخر فتلخصه محاولة الفصائل العراقية استغلال الفرصة لتحقيق هدفها الاستراتيجي بإخراج القواعد الأميركية من البلاد، إذ تعتقد بأن هدفها الرئيس تهديد إيران.

ويقول حبيب لـ"اندبندنت عربية" إن استمرار استهداف القواعد الأميركية بات يمثل "حرجاً إضافياً لحكومة السوداني التي تعهدت عند تشكيلها بالحد من تلك الهجمات"، مبيناً أن "عدم صدور أية مواقف من الحكومة إزاء الميليشيات سيعرض السوداني لحرج إقليمي ودولي واحتمالية تغيير في المواقف تجاه العراق خلال الفترة المقبلة".

ويبدو أن عودة الأنشطة العسكرية للجماعات المسلحة الموالية لإيران في هذا التوقيت "سيفقد العراق خطواته باتجاه استعادة ثقة أطراف إقليمية ودولية"، كما يعبر حبيب، لافتاً إلى أن "تحرك السوداني تجاه صانعي القرار في طهران يأتي ضمن مساعي إنقاذ الموقف ودفعها إلى التدخل بالضغط على حلفائها وأذرعها في البلاد لوقف الهجمات التي تحرج الحكومة كثيراً".

وعلى رغم مساعي رئيس الحكومة لدفع طهران إلى كبح جماح الجماعات المسلحة الموالية لها، "لا تبدو دوائر صنع القرار في إيران متجاوبة مع تلك المطالب"، بحسب حبيب الذي يوضح أن طهران تحاول إرسال رسائل متعددة من خلال تلك الهجمات، تتمثل في  "فرض تصور بأنها زعيمة لمحور المقاومة في المنطقة، فضلاً عن كونها ورقة تفاوضية تحصل من خلالها على تنازلات في أماكن أخرى".


هجمات لن تتوقف

وتعاني الحكومة العراقية خلال الفترة الأخيرة ضغوطاً كبيرة من قبل واشنطن في ما يتعلق بإمدادات الدولار الأميركي، مما يشكل عبئاً اقتصادياً إضافياً للحكومة ويجعل أية إجراءات أميركية إضافية إزاء بغداد تمثل مأزقاً كبيراً لحكومة السوداني.

في السياق، يعتقد أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي بأن ما يجري على الساحة العراقية يمثل "مبالغة أميركية في إعطاء رئيس الوزراء مساحة سياسية وتصويره على أنه قادر على كبح جماح الجماعات المسلحة الموالية لإيران".

ويضيف أن واشنطن تحاول غض الطرف عن حقيقة ما يجري في العراق وهو أن "الميليشيات المسلحة الموالية لطهران هي من وضعت السوداني على رأس السلطة لرعاية مصالحها"، وهذا الأمر يشير إلى أن مطالبة السوداني بممارسة أية سلطة على تلك الجماعات المسلحة يدلل على سوء تقدير أميركي في فهم الواقع العراقي".

ويستبعد الهيتي أن يتراجع منسوب الهجمات على القوات الأميركية في البلاد، خصوصاً أنها تمثل "محاولة من الجماعات التي تنفذها لفرض الهيمنة الكلية على العراق مستغلة ما يحدث في غزة لتبرير تلك الهجمات".

المزيد من تقارير