Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توفيق صالح يتحدث عن مشاريعه السينمائية المجهضة: لست كسولا

هل "لطش" يوسف شاهين فكرة "المصير" من مشروع لصاحب "المخدوعون" عن ابن رشد؟

توفيق صالح (1926 – 2013) ("اندبندنت عربية")

ملخص

هل "لطش" يوسف شاهين فكرة "المصير" من مشروع لصاحب "المخدوعون" عن ابن رشد؟

ذات مساء وكنا الراحلان نجيب محفوظ وتوفيق صالح وكاتب هذه السطور، في سيارة المخرج الكبير يوصلنا بعد جلسة الثلاثاء الشهيرة على العوامة "فرح بوت" إلى حيث سيكمل كل منا سهرته، ولقد احتدم النقاش حول الأسباب التي منعت صالح من تحقيق فيلم عن أية رواية لمحفوظ وهو كان من أقرب المقربين إليه، وخلال النقاش احتد توفيق صالح بل أوقف السيارة جانب الطريق ونزل منها ليتمشى قليلاً، ثم حين عاد نظر إلينا مبتسماً بود ليقول بأن غايتنا من هذا النقاش أن نستكمل اتهامه بالكسل كما اعتدنا أن يفعل، وعلى الأقل منذ عودته نهائياً إلى مصر بعد سنوات منفى كان من سوء طالعه أنه ختمها في العراق بتحقيقه فيلم "الأيام الطويلة" عن حياة صدام حسين معتبراً إياه أسوأ ما حقق بل "الفيلم الذي يريد محوه من لائحة أفلامه" مضيفاً، "في المقابل لو أنني لم أحقق في المنفى، في سوريا هذه المرة، سوى فيلمي "المخدوعون" عن قصة غسان كنفاني، لاعتبرت نفسي محظوظاً". مضيفاً "أما أن تتهموني بالكسل فأمر يصعب علي تقبله. وسأرسل إليك أنت الذي تعرفني جيداً، غداً لائحة بالمشاريع التي أردت تنفيذها وبالعقبات التي حالت دون ذلك". وهو قال هذه العبارة الأخيرة ناظراً إلي بشيء من التحدي، وبالفعل أرسل إلي في فندقي في اليوم التالي اللائحة الموعودة.

قبل المنفى وبعده

وفي تقديمه للائحة بلغته الأنيقة ذكر أنه سوف يبدأ مع "بعض الأفكار والمشروعات التي توقفت لأسباب شخصية" وتحديداً قبل سلوكه درب المنفى "هرباً من سياسات الرئيس السادات" كما قال. ويبدأ صالح حكاية تلك المشاريع بالقول إنه بعدما أنجز فيلمه "صراع الأبطال" راودته فكرة كتابة سيناريو فيلم "البوسطجي" وعمل عليه بالفعل ثلاثة أشهر، "ولكن جاءت مهمة السفر إلى المجر فأوقفت المشروع الذي أكملته دنيا البابا مع صبري موسى ليخرجه حسين كمال... علماً بأنني في منطلقي لكتابة السيناريو مع دنيا البابا، كان اهتمامي ينصب على الحفاظ على روح أدب الكاتب الكبير يحيى حقي التي تمتزج فيها الغرائز والعواطف، وفي مشهد دفن البطلة كان المشهد يدور في البر الغربي، بما يوحي بالارتباط بطقوس الموت عند المصريين القدماء". وبعد حديثه عن إجهاض مشروع "البوسطجي" ينتقل صالح إلى الحكاية الشهيرة عن فشله في تحقيق فيلمين كان يتوق إليهما عن روايتي نجيب محفوظ "بين القصرين" و"السراب"... لكن "الأستاذ" عارض ذلك لأنه كان قد عُيّن مسؤولاً عن الإنتاج السينمائي الحكومي في مصر ولم يرد أن يقال إنه يستغل اليوم نفوذه لأفلمة رواياته. وإثر ذلك تقدم توفيق صالح بمشروع يتعلق برواية "الجبل" لفتحي غانم، "لكن المشروع ذهب بعد ذلك إلى خليل شوقي الذي كان مسؤولاً عن الإنتاج في مؤسسة السينما!". وبدلاً عن ذلك اشترى توفيق صالح قصة "مشوار" من يوسف إدريس لتحويلها إلى فيلم، لكنها بقدرة قادر انتهت إلى فيلم عنوانه "العسكري شبراوي" أخرجه هنري بركات.

وإذ يضيف المخرج أن هذه المشاريع التي كانت شديدة الأهمية بالنسبة إليه لم تكن سوى "غيض من فيض" بحسب تعبيره، انتقل إلى الحديث عن المشاريع التي ستجهض بدورها، ولكن هذه المرة بعد عودته من المنفى. فـ"لقد تصور البعض أنني بعد عودتي من الغربة أصبحت كسولاً، لكن سأتحدث هنا فقط عن بعض المشاريع التي حاولت إخراجها على سبيل المثال خلال المرحلة التالية، أي تحديداً المرحلة التي لم أعد فيها للوقوف وراء الكاميرا بشكل جدي علماً بأن عدد تلك المشاريع قد لا أستطيع حصره الآن...".

وقاحة منتج

وفي البداية هنا يذكر المخرج واحداً من أول مشاريعه المجهضة بعد عودته إلى الوطن وهو يتعلق برواية "يوم قتل الزعيم" لنجيب محفوظ، التي بدأ يسعى لأفلمتها بعد عودته مباشرة، حيث كان أكثر ما لفته فيها وأراد التعبير عنه بلغته السينمائية ما يتعلق بنظرته إليها "كتسجيل فني دقيق للتحولات التي طرأت على الطبقة الوسطى في ظل الانفتاح والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي ما تزال تطحن هذه الطبقة حتى اليوم". وراح المشروع يتأرجح بين التحقق والتأجيل، في وقت كانت مفاهيم معظم المنتجين قد تحولت بدورها، "حتى إن أحدهم فاجأني بتفسيره لهذه الرواية على أنها تدور حول أزمة الإسكان!!". وفور سقوط المشروع في الماء بحسب تعبير صالح، قرأ رواية "الشبكة" للكاتب شريف حتاته، فـ"وجدتها حافلة بالتفاصيل التي قد تغري بعض المنتجين لأنهم سوف يتصورونها "توابل سينمائية". وعندما وجدت في النهاية منتجاً يوافق عليها فوجئت بأنه يعرض أجراً لا يصلح إلا لمساعد مخرج، وعندما اعترضت قال لي بصلف: أنت لم تعد لك قيمة أو سعر في سوق السينما في مصر. لقد ابتعدت من السوق مدة طويلة، وعليك الآن أن تبدأ من أول السلم.."

ابن رشد بين صالح وشاهين

إثر ذلك كتب صالح أيضاً سيناريو مستلهماً من أسطورة "سندريلا". وأطلق على السيناريو عنوان "الحلو المر" جاعلاً إياه يدور حول الحالة الراهنة من الأزمة وكيفية الخروج منها: هل ننتظر "المخلص" القادم من الضباب كما انتظرت سندريلا أمير أحلامها؟! "وإذا كانت حدوتة سندريلا الأصلية قد انتهت نهاية سعيدة، كما يذكر توفيق صالح، فهل هناك وجود لمثل هذه النهايات في الواقع السياسي والاقتصادي... أو حتى العاطفي؟!". يستطرد المخرج الكبير أنه بعد خيبته بمشروع "سندريلا"، دخل مشروعاً حول فيلم عن "ابن رشد" قطع فيه شوطاً بمساعدة الدكتور مراد وهبة أستاذ الفلسفة. لـ"أفاجأ أن يوسف شاهين بدأ الفكرة بعدي، واتفق مع هيئة "اليونسكو" لكي تقدم له دعماً مالياً لأنه تعرض لمشكلات مع التيارات المتطرفة في مصر بعد فيلمه "المهاجر". وهكذا نجح يوسف شاهين في أن يصنع فيلمه "المصير"...". وهنا قد يكون من الإنصاف أن نذكر أن ما يقوله توفيق صالح هنا يتناقض إلى حد ما مع الحكاية التي أعرفها شخصياً حول "المصير". فلحد علم كاتب هذه السطور أن يوسف شاهين كان يريد وبالاتفاق مع توفيق صالح أن يتولى إنتاج الفيلم على أن يخرجه هذا الأخير. وانتظر نحو عامين قام خلالهما باتصالات مكثفة مع اليونسكو وغيرها طارحاً اسم توفيق صالح لكن صالح لم يكتب حرفا خلال تلك الفترة، أو لعله لم يوصل أية صفحة لشاهين الذي كان لا يسمع منه حين يسأله سوى أجوبة غير واضحة، وفي النهاية لم يجد شاهين بداً إذ قطع في مداولاته مع الأوروبيين أشواطاً، من أن يتولى إخراج الفيلم بنفسه بعد أن أعلم صديقه صالح بذلك. فقال له هذا، "افعل ما تشاء... فأنا فقدت حماستي للمشروع!". والحقيقة أننا حين فاتحنا صديقنا توفيق صالح بالأمر بعد أن راح يشكو من أن شاهين قد حرمه من تحقيق ذلك الفيلم، اكتفى بضحكة عريضة لا تحمل أي جواب قاطع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين المجهض والمتحقق

وطبعاً لم تكن حكاية فيلم "المصير" آخر الحكايات في لائحة توفيق صالح، لكنها حكاية مؤسفة وذات دلالات مؤسية. ولعل أهم ما يمكن استخلاصه منها هو أنه كان يجدر بتوفيق صالح أن يتمسك بمشروعه ولا يتركه كما تركه لمجرد ما قد يبدو سوء تفاهم بين المخرجين الكبيرين، ومع ذلك لا شك أن اختيار صاحب "المخدوعون" و"يوميات نائب في الأرياف" لتحقيق هذا المشروع، حتى ولو أنه أجهض كحال عدد كبير من مشاريعه، يعيدنا مرة أخرى إلى الأهمية الفكرية التي كان هذا المخرج الكبير يعزوها إلى الجمع بين السينما والفلسفة، وهو جمع يمكن أن يستشف من معظم الأفلام السبعة التي لم يحقق غيرها طوال مساره السينمائي الطويل، ولكنه يستشف بشكل أعمق من خلال تلك المشاريع المجهضة التي تحدث عنها في السطور السابقة ولم تكن سوى قلة من أفكار سينمائية داعبت خياله، وتعيدنا إلى مقولة لطالما تحدثنا عنها فحواها، أن في السينما وربما أكثر مما في أي عمل إبداعي آخر، قد تكشف المشاريع المجهضة بأكثر مما تفعل المشاريع التي تنفذ بالفعل القيمة الحقيقية للسينمائي، ولأسباب بديهية تتعلق بكون المحققة تمر عبر مواهب وحرف كثيرة واستثمارات مالية تحد من حرية الفنان في تحقيق عمله، بينما تبقى المشاريع غير المتحققة على قيمتها المبدئية تنم عن حرية فكرية وإبداعية لا تشوبها شائبة!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة