Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينهي الذكاء الاصطناعي حاجة العالم إلى العمل؟

تتطلب أحدث التقنيات إجابة عن أقدم الأسئلة المطروحة على الإطلاق: أين المغزى في عصر أصبح فيه الشغل أمراً عفا عليه الزمن؟

روبوت يقلي الدجاج في مطعم بكوريا الجنوبية (أ ف ب)

ملخص

هل سيؤدي تطور الذكاء الاصطناعي لتحول البشرية إلى مجتمع "فاضل" أم "بائس"؟

نحن على بعد خمس سنوات فقط من المستقبل. فقبل قرن من الزمان تقريباً، قال جون ماينارد كينز إننا بحلول عام 2028 سوف نعيش في عالم يتسم بالوفرة، يشتغل بواسطة التكنولوجيا، حتى إننا سنعمل لمدة ثلاث ساعات يومياً، ونفعل ذلك في غالب الأحيان فقط لنجد شيئاً ما نقوم به.

في مقالة له نشرت عام 1928 تحت عنوان "الاحتمالات الاقتصادية لأحفادنا" Economic Possibilities for Our Grandchildren، تنبأ كينز بأن التقدم التكنولوجي السريع سيجلب معه الكفاءة ما سيحدث تحولاً في [حجم] أسبوع العمل. ليس هناك من ينكر أن التكنولوجيا التي تكهن بها كينز باتت موجودة هنا، إلا أن أسبوع العمل لم يتغير كثيراً. ويبدو أن هذا المستقبل، الذي وعدنا أن نراه في غضون خمس سنوات، لا يزال بعيد المنال بالفعل.

وفي هذا الأسبوع، بدا أن إيلون ماسك تولى دور كينز العصر الحديث، إذ أخبر ريشي سوناك في ختام قمة الذكاء الاصطناعي التي عقدت في المملكة المتحدة أننا لن نقوم فقط بخفض حجم العمل الذي سنؤديه، بل سنتخلص من ذلك تماماً. وعندما سأله رئيس الوزراء عما سيفعله الذكاء الاصطناعي بالنسبة إلى سوق العمل في اعتقاده، رسم ماسك صورة يمكن أن تكون جنة أو جحيماً وذلك حسب الطريقة التي ينظر بها المرء إلى الأمر.

وقال إن الذكاء الاصطناعي هو "القوة الأكثر تشويشاً للنظام في التاريخ"، مضيفاً "سيكون لدينا للمرة الأولى شيء أفطن من أذكى إنسان". وفي حين أشار إلى أن وضع التنبؤات أمر صعب، إلا أنه اعتبر أن " مرحلة ستأتي لن تكون هناك حاجة إلى [قيام أحد بـ] وظيفة". وادعى أن السبب الوحيد للعمل من شأنه أن يكون "الرضا الذاتي"، لأن "الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً على فعل كل شيء".

وزاد "لا أعرف ما إذا كان هذا يجعل الناس يشعرون بالارتياح أو بعدمه". وتابع "إنه أمر جيد وسيئ على حد سواء. سيكون أحد التحديات في المستقبل هو كيف نجد معنى للحياة إذا كان لديك جني ساحر يمكنه أن يفعل كل ما تريده؟"

ومن جانبه، بدا سوناك غير مرتاح تماماً لهذا الاقتراح. ورأى أن العمل يعطي الناس مغزى لحياتهم. وأعرب عن أمله في أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تحسين عالم العمل بدلاً من القضاء عليه قضاءً مبرماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن العالم يقف على مفترق طرق بين هذين الرجلين، ومن الصعب معرفة الوجهة التي سيمضي فيها. يتعلق جزء من السؤال بالتكنولوجيا، فما هو حجم التكنولوجيا المرتبطة بالبشر، وهل ستتمكن الآلات في نهاية المطاف من السيطرة على كل جزء من أجزاء عالمنا؟ إلا أن السؤال الأكثر عمقاً وأهمية ليس تكنولوجياً على الإطلاق، بل لماذا نحن هنا، وماذا نريد أن نفعل في حياتنا؟

إنه سؤال دأبنا على طرحه على أنفسنا في الآونة الأخيرة. لقد حفزت الجائحة الأفكار بأنواعها المختلفة حول مستقبل العمل وكيف يريد الناس أن يعيشوا، واستغلها البعض كفرصة لتغيير نمط حياتهم بطرق جوهرية ودائمة. إلا أن الذكاء الاصطناعي يحمل معه نسخة جديدة وعميقة من هذا السؤال.

ربما لن نضطر إلى الإجابة عن هذا السؤال لفترة طويلة. إن الوتيرة الحالية للذكاء الاصطناعي، والهيجان الذي تتسم به مناقشته، يمكن لهما أن يسهلا على المرء الاعتقاد بأن الروبوتات قد صارت قاب قوسين أو أدنى منا، وهي مستعدة للاستيلاء على وظائفنا (وربما على حياتنا). إلا أن معظم الخبراء يشيرون إلى أن هذا تقدير مبالغ فيه بعض الشيء، وأن عديداً من الصناعات ستكون في أمان لبعض الوقت، في الأقل. ولكن ينبغي لنا أن نبدأ التفكير في الأمر منذ هذه اللحظة على وجه التحديد لأن [الذكاء الاصطناعي] لم يتطور لهذه المرحلة بعد. ولا تزال الفرصة سانحة بالنسبة إلينا لبلورة الكيفية التي نحتضن بها هذه التقنيات بطريقة لم نفعلها من قبل.

مزيد من المناقشة

إن كثيراً من النقاش حول الذكاء الاصطناعي يميل إلى التجريد وتوظيف الخيال العلمي، فالمناقشات بشأنه غالباً ما تبدو أشبه بأحاديث يتبادلها أشخاص عن حبكة لأفلام "تيرميناتور" [يصور آلة بهيئة إنسان ذي قدرات قتالية فائقة] مستقبلية أكثر من كونها مناقشات حول السياسات. ومن المهم أن نجعل تلك المناقشات المجردة منسجمة مع تفكير حقيقي ملموس حول الشكل الذي نريد للعالم - أي العمل والمعلومات وكثير من الأمور الأخرى - أن يتخذه في الواقع.

بيد أن الإجابة عن ذلك قد تعني إجراء مزيد من المناقشات الفلسفية حول الهدف والمعنى ولماذا نحن هنا بالفعل. إنها أسئلة بقي الذكاء البشري يقارعها منذ آلاف السنين، لكن الذكاء الاصطناعي على وشك أن يوفر لها صوتاً جديداً وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

وتجري هذه المناقشات في الوقت الحالي بنبرة يغلب عليها الذعر والقلق. ومن المؤكد أن سوناك ليس الوحيد الذي يشعر بالضيق من النظرة المتشائمة للأتمتة [تحويل العمل إلى آلات]، وعدد الوظائف التي ستخطفها [من البشر]. وهذا سبب آخر يدفعنا إلى مناقشة الشكل الذي قد يبدو عليه هذا المستقبل الآلي، إذ إن هناك فرصة لجعل الأمر أقل إثارة للرعب بكثير.

 

ومن المؤكد أن هذا هو الجزء الكبير غير المعلن من الذعر بشأن استيلاء الآلات وأنظمة الذكاء الاصطناعي على وظائفنا. نحن لا نخاف من الروبوتات، بل نخشى من البشر. إن الافتراض الذي يقوم عليه كل الذعر بخصوص مجتمع الذكاء الاصطناعي المرير (الديستوبي)، هو أن أياً من فوائد الوظائف التي تجري أتمتتها لن تكون من نصيب العمال البشريين الذين كانوا يقومون بهذه الوظائف في السابق. هذا القلق موجود في كل مكان. وقد لفت ريشي سوناك خلال المناقشة التي أجراها مع إيلون ماسك إلى أن الناس الذين يلتقي بهم لا يعيرون المسائل الكبرى المتعلقة بالذكاء أو حدود الحوسبة أي انتباه، ويتركز جل اهتمامهم على الوظائف.

وسيكون قلق العالم أقل كثيراً إذا شعر الناس أنهم معنيون بهذه العملية التي تهدف إلى تحسين أوضاعهم، أي إذا تصوروا أنهم سوف يستفيدون من الأتمتة. ويمكن لهذا أن يحدث بطرق عدة، ستؤدي كلها إلى السماح للناس بالمشاركة في الكفاءة التي تكتسب من خلال الأتمتة.

إن للعالم سجلاً مختلطاً في ما يتعلق بهذه المسألة. كان التغير التكنولوجي دائماً سبباً في تعطيل سوق العمل، لكن النتائج كانت متفاوتة. ففي كثير من الأحيان، انتقل الأشخاص الذين جعلتهم الآلات زائدين عن الحاجة عبر التاريخ إلى وظائف جديدة، كانت عادة تنطوي على قدر أقل من الأخطار والمشقة. سيبدو عالم الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر اليوم بالنسبة إلى معظم الناس من الحقبة الماضية، وكأنه مدينة فاضلة مقارنة بالأعمال التي اعتادوا على أدائها وهي تهدد الحياة وتستنزف الطاقة. ولا ينبغي لنا أن نغفل عن تلك المكاسب لمجرد أنها أصبحت الآن أمراً مفروغاً منه.

المدينة الفاضلة

إلا أننا لم نحظ دائماً بالمدينة الفاضلة التي وعدنا بها هؤلاء الناس في الماضي. فعندما وعد كينز عام 1928 بعالم [يقتصر فيه] العمل على بضع ساعات في اليوم، لم يكن ذلك أملاً بقدر ما كان توقعاً. ومع أنه كان [يتحدث] في خضم أزمة مالية، فقد أشار إلى المجموعة الواسعة من التقنيات التي كان يجري العمل عليها، وهي "الكهرباء، والبنزين، والصلب، والمطاط، والقطن، والصناعات الكيماوية، والآلات الأوتوماتيكية، وطرق الإنتاج الضخم". وذكر ذلك بطريقة تفوح منها بشكل ملحوظ رائحة أولئك الذين يعدون اليوم بفوائد الذكاء الاصطناعي.

لا توجد إجابة واحدة جيدة تقول لنا لماذا لم نصل إلى عالم الوفرة والاسترخاء الذي وعدنا به. إن أحد الأسباب المهمة لذلك هو أن كينز توقع أن يستخدم الناس مواردهم الإضافية لقضاء مزيد من الوقت في التمتع بحياتهم خارج فترات العمل. غير أن ما حصل هو أننا أنفقنا وقتنا على عدد آخر من الأشياء، ففي الغالب الأعم، جرى تكريس [عائدات] التقدم الاقتصادي التكنولوجي من أجل شراء مزيد من التكنولوجيا، مثل الهواتف. ولكن من المؤكد أن جزءاً من السبب يعود أيضاً إلى أنه لم يكن هناك على الإطلاق قدر كبير من المحاسبة بشأن هذه المسألة، إذ لم يسأل أحد العالم عما ينبغي لنا أن نفعله بالكفاءة المكتسبة عن طريق التكنولوجيا، وانتهى بنا الأمر إلى ما نحن عليه الآن.

وحتى عندما تكهن كينز بعالم الوفرة وكثير من وقت الفراغ، فإنه لم يختلف مع ريشي سوناك اختلافاً كلياً. وقال إنه من المستحيل "التطلع إلى عصر الفراغ والوفرة من دون خوف"، وأننا "تدربنا لفترة طويلة جداً على الكفاح وعدم الاستمتاع". يشعر الناس بالقلق من أنهم لن يجدوا ما يفعلونه – لا مواهب خاصة ولا اهتمامات - من دون عمل يؤدي إلى ترسيخ جذورهم في العالم. ليس عليك سوى أن تنظر إلى الأغنياء لترى أنه قد يكون من الصعب أن تعيش حياة من دون عمل.

ولفت إلى أنه يمكن للناس أن يعملوا ثلاث ساعات يومياً للبقاء في حالة من الرضا. وستتمحور تلك الساعات القليلة في الأغلب حول منح أنفسنا شيئاً لنفعله. كنا نعمل في المقام الأول من أجل الهدف، وليس من أجل الأجر.

كيف يجد الناس هذه الغاية؟ وما الذي يؤيده الناس؟ وكيف نجد "إيكيغاي" Ikigai الخاص بنا، وهو [مصطلح] يستخدمه اليابانيون للإشارة إلى الشعور بالتحفيز الذي يجعل الحياة تستحق أن تعاش؟ لم تكن لدينا إجابة جيدة قبل 100 عام عندما سألنا كينز. كما لم نفعل ذلك قبل آلاف السنين، حينما طرح أفلاطون نسخة مماثلة من هذا السؤال. لكن من الأفضل أن نبدأ بمحاولة التفكير في إجابة الآن. إن أحدث التقنيات تتطلب إجابة على أقدم الأسئلة.

© The Independent

المزيد من علوم