Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

70 وعدا لحكومة العراق... ماذا تحقق منها؟

مراقبون: بعد عام على إعلان "برنامج السوداني" لا يزال الاقتصاد منهاراً والدينار متراجعاً وملف الخدمات في أسوأ حالاته

السوداني يتحدث بجوار أكوام من النقود قيل إنها جزء من أموال حكومية مستردة بقيمة 2.5 مليار دولار (أ ف ب)

ملخص

بعد عام من ولايته... هل تمكن السوداني من مكافحة فعالة للفساد المستشري في العراق؟

توصف مهمة محمد شياع السوداني في رئاسة الحكومة العراقية شعبياً بأنها "رطبة بين سلايتين"، بمعنى أنه محاصر بين رغبات وحاجات الشعب الساخط والعيش في واقع الأزمات المتلاحقة، وبين الطبقة السياسية التي تعتمد على أسلوب المحاصصة في الاستحواذ على المال والسلطة والنفوذ والتوسع في مراكز القوى، وهي الأمور التي تؤمن استمرار الواقع الحالي وتضمن الثراء غير المسبوق لفئات طالعة في عراق ما بعد 2003.

زعامة شيعية

وكان تولي السوداني منصب رئاسة وزراء العراق في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وتنصيبه بتوافقات سياسية صعبة قادها تكتل "الإطار التنسيقي الشيعي" بعد الانسحاب الدراماتيكي للكتلة الصدرية من البرلمان على رغم تحقيقها الأغلبية بـ73 نائباً من أصل 329، من دون تفسير منطقي أو سياسي، فتح المجال لمجموعة "الإطار الشيعي" للحكم، ومكن السوداني من تولي رئاسة السلطة التنفيذية بعد أن تمكن من تشكيل حكومة ما يسمى "تحالف إدارة الدولة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد شهر ونصف الشهر من توليه مقاليد الأمور، أقرت الحكومة "البرنامج الحكومي" الذي وصفه السوداني بأنه "يمثل الرؤية المستقبلية للحكومة، ويترجم خطط وبرامج الوزارات التي تنوي تنفيذها للمرحلة المقبلة"، وقد أمهل المديرين العامين مدة ثلاثة أشهر لتقييم أدائهم، وسمح للوزراء والوكلاء والمحافظين والمستشارين بمهلة ستة أشهر يقيم بعدها عملهم، إضافة إلى إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وبناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيل الحكومة، فضلاً عن إعادة النازحين إلى مناطقهم خلال ستة أشهر من تاريخ تشكيل الحكومة، مع التعهد بإلغاء التصريحات الأمنية للمواطنين في المناطق المحررة والمستعادة من سيطرة "داعش"، والعمل على كشف مصير المفقودين وإطلاق حملة وطنية شاملة لمكافحة المخدرات.

وفي المحور التشريعي تضمن البرنامج تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا، وتعديل قانون الانتخابات خلال ثلاثة أشهر، وإجراء الانتخابات النيابية المبكرة خلال عام، إضافة إلى تشريع قانون "مجلس الأمن الوطني"، واعتماده مرجعاً للقرارات الاستراتيجية للبلاد".

مهام صعبة

هذه المهام الصعبة والمعقدة وسواها كثير تعهدت الحكومة بتحقيقها أمام الشعب بعد أن صادق عليها البرلمان، وها هي المدة القانونية تنفد، وهناك كثير لم يتحقق من وجهة نظر المتخصصين في الشأن العراقي، فما التحديات التي رافقت البرنامج الحكومي؟ وماذا تحقق من وعود السوداني التي قدرت بـ70 وعداً وردت في منهاجه الحكومي وخطاباته وقرارته التي أقرها خلال عام، ومن بينها تقديم مشاريع قوانين وملفات سياسية وأخرى أمنية واقتصادية وخدمية؟

الكاتب السياسي الباحث في مركز "حلول" للدراسات المستقبلية مازن صاحب الشمري يقول، إن "أي مسعى لتقييم أعمال هذه الحكومة إنما يرتبط كلياً بمعيارين أساسيين: الأول الالتزام بالمنهاج الوزاري الذي أقره مجلس النواب عند الموافقة البرلمانية على كابينة السوداني، أما الثاني فهو الالتزام بالجودة الشاملة في الخدمات العامة.

ويضيف، "يظهر كلا الالتزامين نوع الجودة في الأداء الوظيفي للجهاز الحكومي عند محاولة تقدير الموقف وتشخيص الفرص المتاحة والتحديات المقابلة، عندها يمكن الخروج من طرفي معادلة الالتزام بما يلي: هناك مساع مهمة في تحويل فقرات المنهاج الوزاري إلى (حكومة خدمة)، لكن هذه المساعي تتصادم بمقاربة تلك الجهود مع نوع الخدمات التي تقدم في القطاعات الخدمية والاقتصادية، وأبرز مثال على ذلك الخدمات الصحية، وقطاع التربية والتعليم، والخدمات البلدية، وجودة مواد ومواعيد توزيع فقرات البطاقة التموينية، على سبيل الحصر لا الجمع".

ويتابع، "تواجه كل هذه الخدمات تحديات حقيقية في مفهوم (حكومة الخدمة)، فلم تقدم الحكومة خلال عام كامل أي تقدم يلمسه المواطن خلال مراجعته للمشافي الحكومية أو المدارس، فضلاً عن ازدحام الشوارع وتكسرها، وقلة الخدمات البلدية، ناهيك بفقرات البطاقة التموينية التي ما زالت تتعثر في مواعيد التسليم".

محاربة الفساد

يؤكد الشمري أن الحكومة أظهرت مساعي لمحاربة الفساد، لكنها حتى الساعة لم تباشر أي تطبيق رادع أو مانع في هذا الصدد، لا سيما مع ما يتداوله الإعلام عن "سرقة القرن" وأسلوب التعاطي مع الملف، في ما شكلت الحكومة لجنة عليا لمكافحة الفساد من دون إجراءات رادعة تمتثل لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتتمثل في كشف الذمة المالية لقيادات الأحزاب المتصدية للحكم، وموظفي الدرجات الخاصة ما قبل عام 2003 وما بعده، كخطوة إجرائية تمنع وجود متصدين للمناصب الخاصة في قيادة الجهاز الحكومي، أو متصدين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية أو مجالس المحافظات تضخمت أموالهم بعد 2003، وهناك نصوص قانونية موجودة في قانوني الأحزاب وهيئة النزاهة، وكان الأجدر بهذه الحكومة الامتثال لما يحقق التقدم المنشود في تقارير مدركات الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية.

وفي بعد آخر يؤكد الشمري، "مع كل الاعتبارات التنظيمية لتثبيت سعر صرف الدينار مقابل الدولار، فإن ثمة معوقات واضحة لكل الجهد الحكومي مصدره اللجان الاقتصادية لأحزاب سلاطين الحكم في مفاسد المحاصصة لإبقاء مزاد العملة مصدراً مدراراً للأموال في تمويل الماكينة الحزبية وجماعات اللادولة، لذلك لم تفلح ولن تفلح كل إجراءات حكومة السوداني في هذا المجال من دون موقف صريح من هذا النموذج في توظيف المال العام لخدمة الأحزاب، الأمر الذي يتطلب موقفاً أكثر وضوحاً من تحالف إدارة الدولة الذي شكل حكومة السوداني".

في البعد السياسي المرفق مع المنهاج الوزاري، يرى الباحث السياسي أن "كل الاتفاقات السياسية عند تشكيل الحكومات في الدورات البرلمانية المتعاقبة لم تنجح في وضع حلول موضوعية للعلاقة مع إقليم كردستان، بوصفه سلطة إدارية مكلفة من السلطة الاتحادية، بسبب تضارب المصالح الحزبية والتمسك بالهوية الفرعية على حساب مصلحة عراق واحد وطن الجميع، كما لم تنجح في عودة المرحلين من منطقة (جرف الصخر)، كلا النموذجين يؤكدان أن الاتفاق السياسي عند تشكيل الحكومات لا يساوي في التطبيق الحبر الذي كتب به".

فقدان البوصلة

يرى الباحث نديم الجابري، عميد كلية العلوم السياسية السابق، أنه "بعد مرور عام على حكومة السوداني يمكن القول إنها فقدت البوصلة وبدأت ملامح فشلها تظهر لأسباب عدة، منها أن السوداني بدأ يحكم بعقلية عراقيي الخارج على رغم أنه من الداخل، وعقلية الخارج لم تكن موفقة في إدارة البلاد، لأنها تعاني الاغتراب وعدم تفهم حاجات المواطن ومتطلباته، وهو لا يمتلك رؤية واضحة المعالم لإدارة البلد، وإنما قام باجترار أساليب الحكم التي درجت عليها العملية السياسية منذ ولادتها عام 2003، لأنه لا يمتلك المعادل البشري المؤهل للاضطلاع بمشروع الإصلاح والتغيير المنشود، إذ إن اغلب عناصره الساندة والحكومية قد فرضت من أحزاب السلطة، كما أنه وضع برنامجاً حكومياً أكبر من قدرات الحكومة وأدواتها".

إضافة إلى ذلك، يتابع الجابري، أنه "لم يوفق في ضبط إيقاعات علاقات العراق الدولية والإقليمية بالشكل الذي يحقق مصالح البلاد، بل إن هذا الإخفاق قد يضرب الاقتصاد العراقي في الصميم من طريق حرب الدولار. كما أنه لم يوفق في صياغة مشروع الجماعة الوطنية كبديل للقوى القائمة ليضطلع بمشروع الإصلاح".

يصف الشمري المنهاج الحكومي بالقول، إن "السوداني جاء بحزمة وعود كبيرة جداً ترجمها من خلال برنامجه الحكومي الطموح في ما يرتبط بالملف السياسي وإصلاح النظام، وأيضاً الجانب الاقتصادي وإصلاح هذا القطاع المهم والحيوي، وكذا الجانب الخدماتي، وغيرها من القطاعات الأخرى، سيما ملف الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والصناعة، لكن بمرور الوقت لم تكن هناك قدرة على تحقيق تقدم في بعض الملفات المهمة، ويلاحظ أنه في مجال الإصلاح السياسي لم يستطع أن يقدم تعديلاً دستورياً بحسب ما نص البرنامج الحكومي، ولم يذهب إلى الانتخابات المبكرة التي وعد بها وصوت عليها البرلمان، وأيضاً في ما يرتبط ببعض القوانين الخلافية التي جاءت وفق ورقة الاتفاق السياسي، هذه جميعها قادت إلى أن اتهم البعض (الإطار التنسيقي)، على اعتبار أن السوداني هو رئيس وزراء (الإطار)، بأنه تمرد على هذه الاتفاقات السياسية".

ويشير الشمري إلى أن "هناك إخفاقاً كبيراً في الوعود السياسية التي ثبتت في الاتفاق السياسي، منها ما هو مرتبط بالمغيبين، والمادة 140 الدستورية، وقانون النفط والغاز، وغيرها، وإلى الآن هناك خلل بنيوي في النظام السياسي، إذ كان من المفترض منذ اللحظات الأولى أن يذهب السوداني لتقديم شيء سريع بهذا الجانب، الاقتصاد انهار والآن نتحدث عن خلل كبير في سعر صرف الدينار العراقي وتراجع قيمته مقابل الدولار الأميركي، على رغم وعوده منذ أشهر بأن هناك قدرة ستكون على ضبط هذا التراجع، لكن لم يحدث شيء ملموس، وملف الكهرباء في أسوأ حالاته، وملف المياه لم يحسم مع تركيا وإيران، وهناك هجرة من الريف إلى المدن جراء الجفاف الذي تتعرض له الأراضي، وانعكاس ذلك على القطاع الزراعي والثروة الحيوانية".

أرض الاشتباك

يرى إحسان الشمري أن رئيس الحكومة ركز على الجانب الخدمي بإعلانه أن حكومته "حكومة خدمات"، لكن حتى في هذا الموضوع هناك تراجع، فالقطاع الخدمي لا يعني فقط القيام ببعض المهام الخاضعة للبلديات وتبليط الشوارع، على رغم وجود وزير كفء للإسكان هو من القلائل في الكابينة الحكومية الذين أحرزوا تقدماً في برنامجه الوزاري، لكن القطاعات الأخرى كالصحة والكهرباء والصناعة والتربية والتعليم تسجل تراجعاً واضحاً ولم يحدث أي تقدم، لذلك فإن السوداني استشعر موضوع التراجع، وتحدث عن ضرورات إجراء تعديلات في الكابينة الحكومية، لكن حتى هذه التعديلات التي ذكرها منذ ستة أشهر لم تذهب باتجاه التعديل الوزاري، وهو ما فاقم  عمليتي العجز والفشل، وإذا ما نظرنا حتى على مستوى السياسة الخارجية فإنها لم تحرز تقدماً كبيراً أو فارقاً، فقد طرح موضوع "الدبلوماسية المنتجة" لكنها لم تنتج للعراق أي شيء، بل على العكس عاد العراق مرة أخرى ليتحول إلى أرض اشتباك، وهو مهدد بعزلة نتيجة صعود جماعات مسلحة تستهدف المصالح الغربية، لذلك أعتقد أن التقييم النهائي لحكومة السوداني هو دون المتوقع ودون الطموح، ولا يمكن الذهاب إلى أن هناك نجاحات، سيما القطاعات الرئيسة، لكنه أحرز تقدماً في عدد من الملفات الضيقة في البلديات".

وعلى رغم أن نوايا البرنامج الحكومي تهدف إلى إحداث النقلة النوعية في الحياة السياسية في العراق بعد فراغ في الزعامة سبق حكومة السوداني، لكنه يواجه صعوبات وتحديات كبيرة جراء تنمر قوى اللادولة المهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي، والمصالح النفعية التي تغلب على أي مشروع للدولة الراشدة التي تتبنى مشروعاً حكومياً معلناً تسعى لتحقيقه بمؤازرة الشعب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير