في خضم الحرب القائمة في غزة بدا الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله، الغائب الأكبر عن الشاشات والتصريحات المباشرة، وذلك على غير عادته، إذ في المعتاد يغدق من إطلالاته الإعلامية في مسائل أقل أهمية مما يحصل في غزة منذ 25 يوماً.
ولتعويض بعض الإحراج الذي ولده صمته نُشرت له رسالة يطلب فيها من مؤسسات حزبه الإعلامية تسمية قتلى الحزب بـ "الشهداء على طريق القدس"، مما أثار سخرية بعض الناشطين على وسائل التواصل الذين اعتمدوا وسم "شهداء على طريق العمود"، والعمود المقصود هو عمود اتصالات إسرائيلي على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وتدور معلومات بأن الحزب يحاول إسقاطه منذ بداية الحرب، وذهب ضحيته عدد من العناصر.
ومن ثم نشرت صورة لنصرالله تجمعه مع الأمين العام للـ "الجهاد الإسلامي" في فلسطين زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" صالح العاروري في أول إطلالة إعلامية له، وقال بيان الحزب إن نصرالله ليس غائباً عما يجري في غزة، بل هو حاضر في قلب المعركة ويشارك في إدارتها، وأكثر من هذا ذهب بعض المسؤولين في الحزب إلى القول بأن عدم إطلالة نصرالله على الإعلام لمخاطبة الرأي العام "هو جزء من إدارته لهذه المعركة".
لكن ذلك لم يسكت المنتقدين والمشككين في نيات الحزب تجاه ما يحصل من حرب ودمار وخسائر في الأرواح تطاول الغزاويين، فانتشر فيديو لثوان يظهر نصرالله ماراً أمام علم الحزب.
مواقف سابقة عالية السقف
وفي عام 2019 أطل نصرالله في مقابلة تلفزيونية لمناسبة ذكرى حرب يوليو (تموز) 2006، عارضاً لخريطة قال إنها تحدد المنطقة التي سيتركز عليها القصف الصاروخي، وهي المنطقة الأهم في إسرائيل، حيث توجد فيها المناطق والمصانع والكهرباء ومرفأ حيفا ومطار بن غوريون ومدينة تل أبيب ووزارة الدفاع الأسرائيلية، وقال إننا سنركز قصفنا على هذه المساحة التي تتألف من 1200 كيلومتر مربع وهي ليست كبيرة، ولدينا الصواريخ الدقيقة التي ستصيبها إصابات قاتلة.
وتابع إذا كانت إسرائيل تعتبر أنها تهدد بإعادة لبنان للعصر الحجري فإن الكيان الصهيوني واهم، وهو الذي سيكون أضعف من خيوط العنكبوت، وسنضرب المنطقة الحساسة فيه، وهي وسط إسرائيل في الشريط البحري من نهاريا إلى أشدود مروراً بحيفا وتل أبيب، وكافة المناطق حيث المستوطنات والمعامل وشركات الكهرباء، ومخازن الأمونيا التي سيكون انفجارها رهيباً ولا يعود يسمح للإسرائيليين بالسكن في كامل المنطقة.
وعند سؤاله إذا كان يعتقد أنه سيصلي في المسجد الأقصى أو نجله أو حفيده أجاب الأعمار في يد الله، لكن أنا الذي سيصلي في المسجد الأقصى، وفقاً لما نقلت صحف لبنانية حينها.
وكان قبل هذا الحديث بشهر واحد في يونيو (حزيران) هدد قائلاً إن المصالح الأميركية والسعودية ستكون مهددة في حال اندلاع حرب على إيران.
وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه وبعد خروج التظاهرات الشعبية المعيشية في العاصمة بيروت، أطل نصرالله ليتهم جهات لم يُسمها بالتحريض على الاحتجاجات والدفع بالبلاد نحو حرب أهلية، وقال إن "الحراك الاحتجاجي لم يعد حركة شعبية عفوية بل حالاً تقودها أحزاب معينة وتجمعات معلوم من ورائها، وثمة أموال طائلة تنفق في ساحات الاحتجاج".
وتابع، "لا تصدقوا ما تقوله السفارات ووسائل الإعلام الخليجي، وأخشى أن يكون ثمة من يريد تأجيج التوترات ليصل بلبنان إلى الحرب الأهلية"، ودعا "جمهور المقاومة" لترك الساحات والميادين لمن هم مقتنعون بها.
وقبل ذلك، وفي شهر أغسطس (آب) ورداً على غارة إسرائيلية قالت إسرائيل إنها استهدفت موقعاً إيرانياً في سوريا، رد نصرالله قائلاً "إنه بيت وليس موقعاً إيرانياً والمكان المستهدف في سوريا لا يوجد فيه إلا شباب لبنانيون من ’حزب الله‘ وارتقى فيه شهيدان هما ياسر ضاهر وحسن زبيب، وسأعيد تذكير العالم بهذا الالتزام، إذا قتلت إسرائيل أياً من إخواننا في سوريا فسنرد في لبنان وليس في مزارع شبعا".
100 ألف مقاتل
وفي أكتوبر 2021 وبعد أحداث الطيونة التي اندلعت إثر خروج محتجين تابعين لـ "حزب الله" وحركة "أمل" اعتراضاً على رد دعوى قضائية لاستبعاد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت عن القضية طارق بيطار، توجه نصرالله إلى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بالقول "لا تخطئوا الحساب، اقعدوا عاقلين وتأدبوا وخذوا عبرة من حروبكم ومن حروبنا، خذ علماً بأن الهيكل العسكري لحزب الله وحده يضم 100 ألف مقاتل".
العين على إسرائيل يجب أن تبقى مفتوحة
أما في مايو (أيار) 2013 فأعلن نصرالله أن "ثلة من مقاتلي الحزب يشاركون في القتال في سوريا"، وتعهد بالنصر في معركة سوريا قائلاً "نحن صناع انتصارات معركة سوريا ونحن أهل ورجال معركة القصير وصناع انتصاراتها"، مضيفاً "كما وعدتكم بالنصر سابقاً أعدكم اليوم".
وفي خطاب لاحق ومتوجهاً إلى الإسرائيلي قال "إذا كنت تعتبر سوريا ممراً للسلاح إلى المقاومة فإن سوريا ستعطي السلاح للمقاومة، هذا قرار استراتيجي كبير"، مضيفاً أن هذا الرد "أكبر من أن يقصفوا (السوريون) صاروخاً أو غارة على فلسطين المحتلة". وتابع، "الإسرائيلي يقول إنه يريد إخراج سوريا من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، والرد الاستراتيجي الثاني هو جبهة الجولان المفتوحة، أي إعلان فتح باب الجهاد أمام المقاومين من الجولان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 وفي ذكرى "عاشوراء" قال حسن نصرالله إن الهزيمة ستلحق بالمتشددين الإسلاميين في سوريا، وتعهد ببقاء حزبه على تمام الاستعداد لأي حرب مع إسرائيل في المستقبل، مشدداً على أن "الذي يمنعهم من العدوان على لبنان والذي يمنعهم من استغلال فرصة الأحداث في سوريا وانشغال جزء عزيز منا من مجاهدينا في سوريا، هو معرفتهم أن المقاومة في لبنان عينها لم تغفل لحظة واحدة عن الحدود مع شمال فلسطين المحتلة، وإن المقاومة في الجنوب وعلى امتداد الجنوب حاضرة وقوية وجاهزة وساهرة وفاعلة وفي أعلى درجات الجهوزية"، متابعاً أن "العين على إسرائيل يجب أن تبقى مفتوحة، وأنا أؤكد للجميع بأن المقاومة اليوم ونتيجة الأحداث والتطورات هي أشد عزماً وأقوى وأكثر يقيناً، وأعلى تجربة وخبرة في مواجهة كل الأخطار والحروب، وهنا يجب أن نكون على درجة عالية من الاطمئنان والثقة بما أعده وجهزه إخواننا على كل صعيد". وقُدر عدد مقاتلي "حزب الله" بين عامي 2013 و2014 بـ 5 آلاف عنصر، وكانت "وكالة الصحافة الفرنسية" أشارت في تقرير إلى أن عناصر "الحزب" يتلقون قبل ذهابهم إلى الميدان دورات تدريبية في لبنان خلال مرحلة أولى ثم في إيران، وفي يناير (كانون الثاني) 2019 قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إنه 1630 عنصراً من "حزب الله" سقطوا في المعارك السورية.
وكثرت التحليلات بعد صدور بيان للحزب أشار فيه إلى أن نصرالله سيتحدث الجمعة المقبلة، وكان صحافيون قريبون من "حزب الله" تحدثوا بأن الحزب وجّه رسالة إلى إسرائيل مفادها أن أي تصعيد كبير في غزة قد يعني فتح الجبهة مع لبنان.