Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تهدد الثقة المطلقة بالتكنولوجيا اجتياح إسرائيل البري لغزة؟

تكرر تل أبيب فشلها الاستراتيجي في 7 أكتوبر بإيمانها المستمر بالتفوق العسكري النوعي

يقوم الجيش الإسرائيلي حالياً بتطوير مفهوم تشغيلي جديد يسمى "النصر الحاسم" (أ ف ب)

ملخص

في السابع من أكتوبر أثبت جدار السيليكون التكنولوجي الباهظ الثمن أنه عديم الفائدة تماماً عندما تغلب عليه في غضون دقائق مقاتلو "حماس" الذين لم يواجهوا أي مقاومة.

يبدو أن الخطأ الاستراتيجي الإسرائيلي الذي جعل شعور الجيش بالتفوق التكنولوجي العسكري يسهم في فشل توقعه هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر، يثير مخاوف بعض الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين بأنه قد يكون عائقاً تكتيكياً في الحملة البرية الحالية على قطاع غزة، إذ يشير هؤلاء إلى أن الثقة في التطور التكنولوجي للجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية جعل إسرائيل وحكومة نتنياهو تشعر بأنها قادرة على احتواء "حماس" وحلفاء إيران والاستمرار في سياسة متعنتة على اعتبار أنه لم تعد هناك خيارات استراتيجية صعبة، لكن مع استمرار هذا الاعتقاد حتى الآن يصبح استمرار الاجتياح البري محفوفاً بالأخطار.

سياج إسرائيل الأعجوبة

على مدى السنوات القليلة الماضية أنفقت إسرائيل أكثر من 1.1 مليار دولار لبناء حاجز أمني مترامي الأطراف على طول حدودها مع غزة أي 40 ميلاً (65.6 كيلومتر) وكانت تزعم أن هذا هو السياج الذي سيلغي الاحتياج إلى كل الأسوار، إضافة إلى الحواجز السلكية والفولاذية والخرسانية متعددة الطبقات التي يبلغ ارتفاعها 20 قدماً (ستة أمتار)، ولكي يصبح السياج ذكياً، تم دمج شبكة واسعة من الكاميرات وأجهزة استشعار الحركة وغيرها من أجهزة الاستشعار والرادارات وأنظمة الأسلحة التي يتم التحكم فيها عن بعد، وكلها تراقبها العشرات من أجهزة الاستشعار والأبراج التي كانت بمثابة مراكز بيانات ومراقبة واستماع عالية التقنية.

كما تم مد جدار تحت الأرض على طول الحدود بأكملها وتزويده بنظام استشعار، مصمم لمنع التسلل عبر الأنفاق، بكلفة كبيرة، وفي الوقت نفسه كان نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المتقدم والمكلف للغاية "القبة الحديدية" يحمي السماء. واعتبر الإسرائيليون بمزيد من الثقة العمياء أن هذا السياج يغير الواقع، وأن ما حدث من تسلل في الماضي لن يحدث مرة أخرى، بحسب ما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك أفيف كوخافي في حفل لمناسبة بنائه عام 2019.

وشهد بعض الأعضاء السابقين في الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي أن السياج كان في الواقع أعجوبة تكنولوجية، إذ لا يمكن لقطط ضالة أن تصل إلى أي مكان قرب الحدود من دون إطلاق أجهزة الإنذار، ومن المؤكد وفقاً للخبير الاستراتيجي الأميركي أس ليونز أن الحكومة والجيش الإسرائيليين كانا يعتقدان أن هذا الحاجز غير قابل للاختراق، وهو ما يفسر جزئياً السبب وراء قيامهما، بحلول بداية هذا الشهر، بإعادة نشر معظم قواتهما العسكرية النظامية في الضفة الغربية والحدود الشمالية لإسرائيل.

عواقب الثقة المفرطة

لكن في السابع من أكتوبر أثبت جدار السيليكون التكنولوجي الباهظ الثمن أنه عديم الفائدة تماماً عندما تغلب عليه في غضون دقائق مقاتلو "حماس"، الذين لم يواجهوا أي مقاومة تقريباً مما أدى إلى مقتل 1400 إسرائيلي، وذلك نتيجة ثقة الجيش الإسرائيلي المفرطة في دفاعاته والتقليل من شأن خصمه، فقد بدا السياج والهالة التي خلقتها إسرائيل حوله كأنه لا يقهر، ولن يتمكن أي شيء من تجاوزه، وذلك على حد تعبير الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي قائد القوات البرية في الجنوب الجنرال يسرائيل زيف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن الجيش الإسرائيلي أصبح جامداً من الناحية الاستراتيجية ولم يكن مستعداً للتكيف بمرونة عندما تسوء الأمور، إذ حذر بعض العسكريين من أن ضخ الموارد في هذا السياج إلى جانب القبة الحديدية كان خطأ، لأنه سيؤدي في النهاية إلى إضعاف قدرة الجيش على المناورة الهجومية وتحييد قدرة الأعداء على شن هجمات وقائية، لأن عدم عبور السياج، يجعل الجانب الآخر أقوى ويمنحه المبادرة العملياتية من الناحية الاستراتيجية، كما أن السياج يخلق وهماً زائفاً بالأمان.

ويشير موقع "أبهيفال" الأميركي إلى أحد أشهر استراتيجي القوات الجوية الأميركية الكولونيل جون بويد، الذي ساعد في تطوير حرب المناورة الحديثة، حينما قال إن أجهزة الحرب كانت ولا تزال مهمة، مثلها مثل العقائد والتكتيكات والحيل، لكنها جميعاً أقل أهمية من الأشخاص الذين يقومون بالقتال والتخطيط والتنظيم، فضلاً عن كون الأجهزة والتكنولوجيا أقل قدرة على التكيف وأقل موثوقية، مؤكداً أن الآلات لا تخوض الحروب وإنما البشر.

التكنولوجيا وفشل الاستخبارات

وعلاوة على ذلك، كانت هناك ثلاث مجموعات أساسية من الفشل الاستخباراتي ترتبط بالتكنولوجيا، بحسب نائبة مدير برنامج الأمن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إميلي هاردينغ، أولها الفشل في جمع وتحصيل المعلومات، إذ لم تكن العناصر التي كانت الاستخبارات الإسرائيلية تجمعها كافية لإعطائها إشارة إلى أن هذا الهجوم الضخم كان جارياً، كما أن الاستخبارات الإسرائيلية سمحت في ظل اعتمادها أكثر على التكنولوجيا الحديثة لبعض شبكاتها البشرية في غزة بالضمور على مر السنين، وأدى ذلك إلى إصابتهم بالعمى.

وثانياً، كان هناك فشل تحليلي، لأنه لو كانت هناك أجزاء صغيرة هنا وهناك تشير إلى حدوث شيء ما ولم تقم الاستخبارات بتجميع هذه القطع معاً، فهذا فشل في التحليل، وهو أمر مألوف في مجتمع الاستخبارات الأميركي من تجارب الماضي وفقاً لإيميلي هاردينغ التي تحاضر أيضاً في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن.

وثالثاً، هناك فشل تحذيري تكتيكي، إذ تشير بعض الدلائل إلى أنه في يوم الهجوم كانت هناك أجهزة استشعار تلتقط الحركة وأن "حماس" استغلت نقطة فشل واحدة في النظام الإسرائيلي لتدمير أبراج الاتصالات الخلوية، بحيث كانت إسرائيل عمياء عما يجري على طول السياج الحدودي مباشرة، ثم لم يتمكنوا أيضاً من الرد ببعض الأسلحة التي يتم التحكم فيها عن بعد والموجودة على الحدود، ومن ثم لم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم للرد السريع، وهذه الأشياء الثلاثة مجتمعة التي يرتبط معظمها بالتكنولوجيا أدت إلى هذه الكارثة لإسرائيل.

عبادة التكنولوجيا

ويعتبر خبير شؤون الدفاع في مركز الأمن الأميركي الجديد فرانز ستيفان غادي أن تركيز إسرائيل على التكنولوجيا خلق وهماً بالأمان، وكان بمثابة ذريعة لتجنب الاختيارات الصعبة، إذ سعى الجيش الإسرائيلي إلى التفوق في مجال التكنولوجيا الفائقة على خصومه من ذوي التكنولوجيا المنخفضة مثل "حماس"، وخيم هذا على رؤيته، ولم يسهم شعوره بالتفوق التكنولوجي في فشل توقع هجوم متطور بالأسلحة في السابع من أكتوبر فحسب، بل قد يكون أيضاً عائقاً تكتيكياً في الحملة البرية في غزة، ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها هذه المشكلة، فقد أشار محللون إلى أن "عبادة التكنولوجيا" أسهمت في الأداء الضعيف للجيش الإسرائيلي في حرب لبنان عام 2006.

ويبدو أن الأسباب التي تؤدي إلى نتائج عكسية لتركيز الجيش الإسرائيلي على التكنولوجيا العالية هي أسباب مترابطة، فعلى مستوى الاستراتيجية والسياسة ساعدت ثقة إسرائيل في التفوق التكنولوجي صناع السياسات وكبار الضباط العسكريين على الوقوع ضحية للوهم القائل بأنه لا توجد خيارات صعبة يمكن اتخاذها في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، كما أسهم الاعتماد المفرط لهذه التكنولوجيا على المستوى التكتيكي في عقلية دفاعية داخل الجيش الإسرائيلي سمحت بضمور مهارات مهمة، مثل القدرة على إجراء عمليات أسلحة مشتركة معقدة عند الهجوم، ولهذا فإن هذه العملية غير المكتملة تجعل توقيت الهجوم البري الإسرائيلي على غزة دون المستوى الأمثل، في أقل تقدير وفقاً لمقال ستيفان غادي في موقع "فورين بوليسي".

قصر نظر وغطرسة

ويعد قصر النظر الاستراتيجي الذي يعانيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانب غطرسته، السبب في صدمة السابع من أكتوبر، بفضل الثقة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الأخرى في تطورها التكنولوجي عبر خلق شعور بأن إسرائيل يمكن أن تحصل على مكاسب من دون الحاجة إلى مقايضات مع احتواء حركة "حماس"، وتجنب أي حاجة إلى التعامل مع التهديدات العسكرية المباشرة التي يشكلها خصومها غير الحكوميين ذوي الدوافع العالية والانضباط والمتطورين تكنولوجياً بشكل متزايد في غزة وجنوب لبنان.

وتفاقم هذا الشعور الزائف بالأمان بسبب الاعتقاد أن نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي، الذي تم تقديمه لأول مرة في عام 2011 والمصمم لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى والمدفعية، سيوفر حماية كافية ضد الهجمات الصاروخية والمدفعية من غزة وجنوب لبنان في حالة حدوث ذلك، ومما يعزز الاعتقاد أنه لم تعد هناك خيارات استراتيجية صعبة هو قدرات إسرائيل المتطورة في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والتي تجعل من غزة وجنوب لبنان والضفة الغربية من أكثر مساحات الأراضي مراقبة في العالم، وهو ما اعتقد الإسرائيليون أن هذا سيوفر وقتاً كافياً للتحذير للرد على أي تهديد عسكري ناشئ.

عواقب عسكرية

وعلى المستوى الاستراتيجي لصنع القرار السياسي والعسكري، كان للتركيز على التكنولوجيا المتقدمة عواقب مباشرة على طبيعة عمليات الجيش الإسرائيلي، فمن ناحية، ساعد ذلك في تشكيل عقيدة تكتيكية أكثر توجهاً نحو الدفاع وتعتمد على القوة النارية (الضربات الصاروخية من الجو في المقام الأول) بدلاً من مناورة القوات البرية لتحقيق أهداف عسكرية، وأفضل تعبير عن هذا المبدأ هو استراتيجية يسميها الجيش الإسرائيلي "جز العشب" التي تعني مهاجمة قيادة "حماس" وبعض بنيتها التحتية العسكرية بدلاً من القضاء عليها.

ولم تتطلب هذه الاستراتيجية سوى عمليات توغل برية محدودة في غزة، كان آخرها في عام 2014، وكانت إحدى نتائج استراتيجية "جز العشب" أن الجيش الإسرائيلي رأى حاجة أقل للاستعداد لعمليات برية واسعة النطاق، ونتيجة لذلك تراجعت مهارات الأسلحة المشتركة لوحداتها الميدانية على الأرض في السنوات الأخيرة.

فخ تكنولوجي

وفي محاولة معالجة اعتماده المفرط على التكتيكات الدفاعية والهجمات المحدودة، يقوم الجيش الإسرائيلي حالياً بتطوير مفهوم تشغيلي جديد يسمى "النصر الحاسم" الذي يخاطر بالوقوع في الفخ التكنولوجي مرة أخرى، فقد بني "النصر الحاسم" على مقدمات مثل عمليات الأسلحة المشتركة متعددة المجالات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إذ تطلق القوات قوة نيران دقيقة لهزيمة الخصم بسرعة عبر مجموعة من الضربات الجوية الدقيقة، ووحدات برية أصغر حجماً وأكثر مرونة وقابلة للانتشار بسرعة أكبر، واستخدام التعلم الآلي للمساعدة في تحديد الأهداف وتتبعها والتفاعل معها.

ويعتمد هذا النصر الحاسم على فرضية أن قدرات الاستطلاع والرقابة والتجسس المتفوقة المقترنة بالذكاء الاصطناعي والذخائر الذكية ستزيد من الفاعلية القتالية للجيش الإسرائيلي مع تقليل حجم القوات اللازمة لإجراء العمليات العسكرية بشكل فعال، ومع ذلك أظهر هجوم السابع من أكتوبر أنه إذا تم تدمير التقنيات التي تطغى على مفهوم إسرائيل للحرب، وكان الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى القوات على الأرض، فإن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا يخلق نقطة فشل واحدة، ومن دون معدات وقوات عسكرية تقليدية مثل قوات واسعة النطاق وقابلة للانتشار بسرعة فإن جيش إسرائيل يخاطر بعدم وجود خطة بديلة للرد بسرعة على هجوم ديناميكي أو مواقف عسكرية أخرى سريعة التطور.

عوائق تكتيكية

وعلى المستوى التكتيكي، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن الخسائر البشرية في كلا الجانبين يمكن أن تكون خطرة وقد يطول الاجتياح البري، على رغم تفضيله عمليات قصيرة وحاسمة، كما يمكن أن يتفاقم الوضع بسبب عدم وجود تدريب مشترك على الأسلحة لكل من الوحدات النشطة والاحتياطية، باستثناء عدد من تشكيلات النخبة، وحتى لو أظهر الجيش الإسرائيلي أنه قادر على التكيف بشكل كبير مع المواقف التكتيكية المتغيرة بسرعة في الماضي، فإن الاجتياح البري قد يكون محفوفاً بالأخطار، لأن القوات الإسرائيلية في منتصف التكيف العقائدي والتكنولوجي القائم على الإيمان بالقدرات التكنولوجية الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي.

ومن الناحية العملية فإن التخلي عن نصف العقيدة القائمة يمكن أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الاحتكاك أثناء عمليات الجيش الإسرائيلي، وقد يؤدي هذا إلى تقليص الهجوم البري الضخم إلى ما هو أكثر قليلاً من مجرد تكتيك "جز العشب" المألوف، ولكن على نطاق أوسع وأطول أمداً قد يكون النصر الشامل وهمياً.

وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي، فإن الإيمان المستمر بالتفوق العسكري النوعي القائم على التكنولوجيا يمكن أن يدفع الإسرائيليين إلى الإفراط في التفاؤل مقارنة بواقع الحرب، وهذا من شأنه أن يسمح لحكومة نتنياهو بالمضي قدماً على رغم الفشل المحتمل، في الأقل لفترة من الوقت.

المزيد من تقارير