ملخص
بالتزامن مع توجيهات وزير الصحة البريطاني لهيئة خدمات الصحة الوطنية بوقف توظيف مسؤولين لشؤون العرق والتنوع، ننظر إلى الحقائق المؤلمة حول نقص الرعاية التي تواجهها بعض المجتمعات كل يوم في الخدمات الصحية: كيف يعرض التحيز العرقي والجنسي بعض المرضى للإهمال الصحي؟
لم يأخذ الأطباء آلام ميريشا غوردون على محمل الجد إلا عندما اكتشفوا بالصدفة أن الزائدة الدودية لديها على وشك الانفجار. زارت السيدة طبيبها العام وقسم الطوارئ مرات عديدة وكانت تشتكي آلاماً شديدة في البطن، كانت تصل شدتها في بعض الأحيان إلى درجة أنها تتسبب في إغمائها أو تقيئها.
لكن في حين تجاهل المسعفون مراراً وتكراراً المديرة السابقة في هيئة خدمات الصحة الوطنية، التي تبلغ من العمر الآن 44 سنة، إذ كانوا ينصحونها بشرب الشاي بالنعناع أو ممارسة تمارين التنفس العميق لتهدئتها، فإن حالتها باتت تهدد حياتها. كانت الزائدة الدودية ملتهبة واحتاجت إلى جراحة طارئة لإزالتها إلى جانب سرتها وجزء من أمعائها بطول 10 سم. كانت المشكلات ناجمة عن التهاب حاد غير مشخص في بطانة الرحم، إذ كانت خلايا من بطانة الرحم تنمو في مكان آخر من الجسم، مما أدى إلى تلف الجهاز الهضمي والمثانة.
تقول "كان من الممكن أن أموت، لكنني شعرت أن أحداً لم يكن يأخذ آلامي على محمل الجد. شككت في أنهم ظنوا أنني اختلقت الأمر".
تجربة غوردون صادمة، لكنها ليست فريدة من نوعها على الإطلاق، إذ يقول أكثر من نصف النساء في المملكة المتحدة إنه تم تجاهل آلامهن، في حين ذكرت استراتيجية صحة المرأة في إنجلترا أن 84 في المئة من النساء يشعرن أن العاملين في مجال الصحة لا يستمعون إليهن دائماً. لكن بالنسبة إلى النساء السوداوات ومن جنوب آسيا والأقليات العرقية الأخرى، قد يكون إسماع أصواتهن أكثر صعوبة.
تعرض ثلثا الأشخاص السود في المملكة المتحدة لتحيز من عاملين في الرعاية الصحية، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة حقوق السود، لكن النساء السوداوات على وجه الخصوص شعرن أنه لم يستمع إلى مخاوفهن. لهذا السبب، عندما طلب وزير الصحة، ستيف باركلي، من مديري هيئة خدمات الصحة الوطنية هذا الأسبوع التوقف عن تعيين مسؤولي شؤون التنوع، واجه ضجة من موظفي الخطوط الأمامية. ومع وجود قضايا رعاية جدية تؤثر في مجتمعات بأكملها، اتهمته الكلية الملكية للتمريض بـ"محاولة خلق انقسام زائف" والانخراط في "حرب ثقافية" من خلال استرضاء وجهات النظر اليمينية.
من المفارقات أن تعليقاته جاءت قبل ساعات فقط من كشف تقرير بارز صادر عن هيئة تنظيم الرعاية عن وجود تفاوتات هائلة في نظام الرعاية الصحية، إذ يكون احتمال تلقي مجتمعات الأقليات العرقية رعاية سيئة أكبر.
تقول غوردون، التي تعمل الآن مدربة مستقلة للقيادة ومستشارة تنظيمية، إن وزير الصحة فشل في فهم حقيقة أن مستقبل الخدمة الصحية يعتمد على معالجة قضايا التنوع، موضحة "أن سكان المملكة المتحدة يتقدمون في السن ويصبحون أكثر تنوعاً، لكن الحقيقة هي أن هيئة خدمات الصحة الوطنية على وشك الانهيار في خضم أزمة التوظيف. لذا، ما لم يكلف شخص ما على وجه التحديد بقيادة التنوع، فلن يمتلك أي منهم القدرة على التعامل معه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعتقد غوردون أن تجربتها ربما كانت نتيجة مباشرة للتحيز العنصري، وتتذكر قائلة "لم يأخذني أحد على محمل الجد على الإطلاق"، وهناك عديد من النساء السوداوات اللاتي عشن تجربة مماثلة.
تعود جذور الصورة النمطية "للمرأة السوداء القوية" إلى أيام العبودية، عندما ظهرت الأسطورة القائلة إن عتبة الألم لدى السود أعلى، وفقاً للمؤرخ الاجتماعي ديفيد أولوسوغا، مؤلف مقدمة كتاب "من الهوامش" الصادر عن شركة غلياد ساينسز للتقانة الحيوية، الذي قال لـ"اندبندنت": "لا تزال هذه الفكرة في العقل الباطن لكل من السود والأطباء".
ويضيف مشيراً إلى أبحاث أميركية تظهر أن وصف مسكنات الألم يكون أقل للأشخاص السود: "نحن بحاجة إلى فهم أن الأفكار العنصرية موجودة ويمكن أن تؤثر في سلوكيات الأشخاص الطيبين حقاً. لا يفعل الأطباء ذلك لأنهم أشخاص فظيعون، فهم من بين الأفضل بيننا - لكنهم يفعلون ذلك لأن هذه الأفكار متأصلة في النسيج الثقافي لمجتمعنا".
تعتقد ساندرا إيغوي، الرئيسة التنفيذية لمجموعة الأمومة التي تقوم بحملات لتحسين تجربة الأمومة لدى النساء السوداوات، أن هذه الصورة النمطية تؤدي إلى عدم مساواة في الرعاية الصحية. وتقول إنها حرمت من مسكنات الألم أثناء ولادة ابنتها الثانية، على رغم "توسلها وتضرعها" من أجل الحصول عليها. تضيف: "سمعت عن حرمان مئات من النساء السوداوات وغيرهن ممن كن في مرحلة المخاض من مسكنات الألم في وحدات التوليد إذ تركن يواجهن عذاباً شديداً وتم تجاهلهن لأنهن بدين قويات". وجد تحقيق حول الظلم العنصري في رعاية الأمومة أجرته مؤسسة حقوق الولادة الخيرية، التي شاركت إيغوي في رئاستها، أمثلة متكررة على "تجاهل" النساء ذوات البشرة الملونة و"عدم تصديقهن" و"تجريدهن من إنسانيتهن". النساء السود في المملكة المتحدة أكثر عرضة للوفاة أثناء الحمل أو الولادة أو الأمومة المبكرة بأربعة أضعاف تقريباً من النساء البيضاوات، في حين أن النساء الآسيويات معرضات للوفاة بمقدار الضعف تقريباً.
يقول الدكتور حبيب ناكفي، الرئيس التنفيذي لمرصد العرق والصحة التابع لهيئة خدمات الصحة الوطنية: "مظاهر التفاوت في رعاية الأمومة هي من أوضح الأمثلة على عدم المساواة العرقية في مجتمعنا ككل".
في حال غوردون، كانت مشكلاتها الصحية ناجمة عن التهاب غير مشخص من الدرجة الرابعة في بطانة الرحم. وعلى رغم الاعتقاد بأن هذه الحالة تؤثر في واحدة من بين كل 10 نساء، أظهرت الأبحاث أن النساء السوداوات ينتظرن وقتاً للتشخيص أطول بكثير من المتوسط في المملكة المتحدة وهو ثماني سنوات. انتظرت غوردون 20 عاماً كانت كافية لانتشار الحالة التي أدت إلى إتلاف المثانة والأمعاء الدقيقة والغليظة، مما تسبب في تعطيل جهازها الهضمي.
ولإزالة الأذية، احتاجت للخضوع إلى خمس جراحات، بما فيها إزالة جزء من مثانتها، و10 سم من أمعائها، وسرة بطنها، وأمضت ستة أشهر في مرحلة انقطاع الطمث المحرض طبياً للمساعدة في السيطرة على الحالة.
تقول: "أتأمل في الماضي وأفكر ’ماذا لو أخذني شخص ما على محمل الجد في وقت مبكر؟‘".
في وقت سابق من هذا العام، كشفت أبحاث أجرتها مؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة وهيئة خدمات الصحة الوطنية الرقمية أن النساء السوداوات ومن جنوب آسيا اللاتي يعشن في إنجلترا كن أكثر عرضة للتشخيص في مراحل لاحقة بسرطانات شائعة، بما في ذلك سرطان الثدي والمبيض والرحم والقولون، عندما يصبح احتمال نجاح العلاج أضعف.
تقول ميشيل ميتشل، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة: "إنه أمر مقلق للغاية"، موضحة أن المحظورات الاجتماعية المتعلقة بالسرطان في بعض المجموعات العرقية، والمعتقدات الثقافية بأنه غير قابل للعلاج، قد تخلق حواجز. لكنها تحذر أيضاً من أن النساء السوداوات ومن جنوب آسيا اللواتي يطلبن المساعدة قد لا يؤخذن على محمل الجد. وتضيف: "من المرجح أن تضطر هذه المجموعات إلى زيارة الطبيب العام مرات عدة قبل إحالتها لإجراء الفحوص".
تعتقد إيغوي أن التدريب المتنوع في هذه القضايا أمر ضروري حتى يصبح العاملون في مجال الرعاية الصحية "على دراية بتحيزاتهم ويتجنبوا وضع افتراضات حول أعراض أو احتياجات أي مريض".
ويأمل الدكتور ناكفي، من مرصد العرق والصحة، أن يساعد تشجيع مزيد من الأشخاص من خلفيات متنوعة على التسجيل في التجارب السريرية في معالجة السبب الجذري لبعض أشكال التمييز الموجودة. ويستشهد بمثال مقياس التأكسج النبضي، وهو جهاز معياري لقياس مستويات الأكسجين في الدم، الذي لا يعمل بشكل جيد على البشرة الداكنة. وعلى رغم الاستخدام الواسع للجهاز في جميع مرافق هيئة خدمات الصحة الوطنية، إلا أنه لم يلاحظ الخلل إلا في ذروة وباء كورونا، لأن غالبية الأشخاص الذين اختبر الجهاز عليهم في الأصل كانوا من البيض.
كما وجدت مراجعة أجراها مرصد العرق والصحة، نشرت في وقت سابق من هذا العام، أن عمليات فحص الصحة المعتادة للأطفال حديثي الولادة كانت مبنية على الأوروبيين البيض ولم تكن "تؤدي الغرض منها بالنسبة إلى الأطفال السود والآسيويين والأقليات العرقية". لم يكن هذا مفاجئاً لـ كارينا وايت، التي شاركت تجربتها ضمن برنامج "جيريمي فاين" التلفزيوني، إذ كانت نتائج اختبار السمع لحديثي الولادة الذي خضعت له ابنتها فاشلة.
قيل لوايت حينها إن النتيجة "طبيعية بالنسبة إلى الأطفال السود"، لكن لما بدأت ابنتها تواجه صعوبات في الكلام عندما كانت طفلة صغيرة، تبين أنها تعاني بالفعل من مشكلة في السمع تتطلب إجراء جراحة لعلاجها.
تقول وايت، البالغة من العمر 38 سنة: "هذه التعليقات المهملة حول كون الأشياء ’طبيعية‘ بالنسبة إلى الأطفال السود أو النساء السوداوات - دائماً ما تكون عن شيء سلبي يتوقع منك أن تتحمله. إذا كانت نتائج الاختبار فاشلة بالنسبة إلى كثير من الأطفال السود، ربما عليك النظر مرة أخرى في الاختبار - ولا تتجاهل الأمر بحجة أنه ’طبيعي‘".
هناك دلائل على حدوث تغيير. إلى جانب العمل على تحسين التمثيل في التجارب، لدى مرصد العرق والصحة خطط لتنويع التعليم والبحث. كذلك شكلت الكلية الملكية لأطباء التوليد وأمراض النساء فريق عمل للمساواة بين الأعراق لمعالجة "التحيز العنصري والفوارق" في الرعاية الصحية للمرأة، في حين أطلقت الكلية الملكية للقابلات مجموعة أدوات لتشجيع توظيف الطلاب من خلفيات متنوعة. صحيح أن هذه الخطوات صغيرة لكنها مهمة من أجل التقدم إلى الأمام - كما كان الحال مع توظيف مسؤولي التنوع. لكن إذا نجح وزير الصحة في تحقيق ما يريد، فيمكننا أن نرى نهاية مفاجئة للتقدم الذي أحرزته هيئة خدمات الصحة الوطنية نحو مستقبل أكثر عدلاً.
© The Independent