Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطين على الشاشة... امتحان الوعي والخيال والهوية

حضورها داخل المنجز السينمائي في العالم العربي لا يضاهيه ذيوعاً وانتشاراً إلا التراجيديا السورية الأخيرة

لم تغب فلسطين عن الممارسات الفنية العربية كونها ظلت دائماً مختبراً بصرياً يؤجج فعل الإبداع والابتكار (مواقع التواصل)

ملخص

نسجت عبر تاريخها الجريح صورة الجسد المقاوم لكل أشكال التسلط والتنكيل اللذين تعانيهما الشعوب العربية

تحتل فلسطين مكانة بارزة داخل المشهد السينمائي العربي. مكانة رمزية لا يضاهيها شيء. فمنذ نهاية ستينيات القرن الـ20 أصبح لها حضور كبير في يوميات الثقافة العربية المعاصرة. وسواء تعلق الأمر بالسينما أو التشكيل أو الفوتوغرافيا أو الأدب، فهي تحضر دائماً وفق مستويات متنوعة من التخييل، بل وبحسب السياق التاريخي الذي تنتمي إليه الفكرة موضوع العمل الفني.

بدأت فكرة فلسطين شعراً قبل أن تتسرب إلى أجناس أدبية أخرى ووسائط فنية بصرية القاسم المشترك بينها يتمثل في حب فلسطين. غير أن الأعمال في عموميتها تختلف في طريقة التعبير، سواء بالكتابة أو اللون أو الصورة. وعلى مدار هذه السنوات ظلت فلسطين تعيش في كل وجدان الشعوب العربية، بل إنها نسجت عبر مسارها الكفاحي الطويل سلسلة من الدروس في التضحية والمقاومة.

 

 

انتقل الوعي بفلسطين من كونها بلداً عربياً إلى قضية وطنية تحتل مقدمات الأجندات السياسية والثقافية والفنية بالعالم العربي، قبل أن تغدو لاحقاً بمثابة دفاع وجودي كامل عن الهوية العربية ككل. لم تغب فلسطين عن الممارسات الفنية العربية لكونها ظلت دائماً مختبراً بصرياً يؤجج فعل الإبداع والابتكار. وعلى الرغم من المكانة الكبيرة التي حظيت بها فلسطين داخل الفنون البصرية مثل الفوتوغرافيا والتشكيل، تبقى السينما هي الفن الأكثر تأثيراً في وجدان العربي، إذ ثمة حضور كبير لفلسطين داخل المنجز السينمائي في العالم العربي. حضور لا يضاهيه ذيوعاً وانتشاراً في السنوات الأخيرة إلا التراجيديا السورية. لقد نسجت فلسطين عبر تاريخها الجريح صورة الجسد المقاوم لكل أشكال التسلط والتنكيل اللذين تعانيهما الشعوب العربية، هذا الجرح يبدو واضحاً وجلياً في عدد من الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية وحاولت عبرها أن تنسج قصصاً وحكايات من الواقع الفلسطيني بجميع تحولاته وحمولاته.

قضية وجودية

تعتبر السينما اللبنانية أكثر السينمات بالعالم العربي عناية وتخييلاً لفلسطين، إذ إن هناك تراكماً كمياً ونوعياً في آن واحد حول فلسطين. فالسينما البديلة التي ظهرت في لبنان مع جان شمعون ومارون بغدادي وبرهان علوية وجوسلين صعب وامتد تأثيرها صوب المشرق العربي، بدت في لحظة ما وكأن مشروعها البصري يقوم على القضية الفلسطينية وتحولاتها. سيما في مرحلة عرفت تاريخياً بالصراع المرير مع إسرائيل. صور باقية في الذاكرة والوجدان يستحيل اليوم أمام الطوفان البصري (الذي يعتمد في صوره فلسطين) أن يطمس نماذج من أفلام هذه "الحركة" في تصاديها الجمالي مع فلسطين، سياسة واجتماعاً ومتخيلاً. ويفسر البعض أسباب اعتناء السينما اللبنانية بفلسطين إلى القرب الجغرافي وتشابه المشكلات السياسية والاجتماعية التي يمران منها معاً، في حين أن الحقيقة تكمن في قدرة هذه الأسماء الفنية وغيرها في فهم معنى فلسطين وكيف يمكن للجرح الفلسطيني أن يغدو جرحاً لبنانياً وعربياً بصفة عامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الناقد السينمائي بشار إبراهيم، "بعد النكبة الكبرى التي لحقت بالشعب الفلسطيني عام 1948، تحولت الذاكرة إلى إحدى أهم وسائل الفلسطينيين للتمسك بالوطن المستلب، والأيام التي انطوت على ذاكرة البلاد. ومع مرور أيام النكبة، وتواليها، جعل الفلسطينيون من الذاكرة أحد المفردات التي تدخل في إعادة تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية التي أرادت إسرائيل تدميرها ومحوها، مما جعل الحفاظ على الذاكرة وتسجيلها وحمايتها مهمة وطنية وقومية، واستخدموا في هذا السبيل كل ما يمكنهم من وسائل التعبير والاتصال، ومن ثم تستطيع السينما أن توثق الأماكن الفلسطينية، وتسهم في المحافظة على الخصوصية الفلسطينية، وطناً وقضية وشعباً، وإبقاء القضية حية، وتعميق أسس استمراريتها وحياتها، إضافة إلى إيجاد أرشيف سينمائي للزمان والمكان والناس ولأبرز الأحداث. وحينذاك تتحول السينما إلى جزء لا يتجزأ من الذاكرة الفلسطينية".

لقد آمن جان شمعون ومي المصري وبرهان علوية أن قضية فلسطين تعني فكرياً قضية الأمة العربية هو القائل "فلسطين هي التي أدخلتني إلى السينما". معنى ذلك أن صورة فلسطين لا يمكن النظر إليها دائماً كقضية نضالية بل كمختبر لتعلم كل شيء. في السينما أصبحت فلسطين بمثابة وطن ثان يرنو إليه السينمائيون من خلال استلهام قصص وإعادة تخييلها على عرش الصورة السينمائية، بل واختار عدد من الفنانين السينما مقارنة بفنون أخرى من القول الأدبي والتعبير الفني، بحكم السحر الذي يمارسه الفن السابع على المشاهد ويدفعه إلى نسج حوار مبتكر مع إنتاجاته.

صور فلسطين

إن السينما حين تنقل لنا فلسطين فهي لا تنطلق من آلية ميكانيكية، بقدر ما تضع الفكرة/ القضية/ الوطن في قالب فني، ثم تعيدها على شكل صور سينمائية يحكمها منطق التخييل. ومهما يدعي بعض المخرجين في أمانتهم على مستوى نقل الواقع الفلسطيني، فإن آلة الكاميرا تتيح دوماً للخيال أن يتسلل إلى مسامها. فالصورة على الرغم من احتكاكها بالواقع، لا تستطيع أن تخترقه لدرجة نقله بكل تفاصيله ونتوءاته. لأن الصورة عبارة عن براديغم فكري يأخذ بعداً فنياً على مستوى تفاعله مع الواقع، بالتالي فإن فلسطين التي تظهر في السينما العربية، هي فلسطين الواقعية/ المتخيلة. إنها فلسطين الجرح التي تعبر عن الهوية العربية ككل.

 

 

تحضر فلسطين في السينما العربية وفق مستويات مختلفة ومتباينة من المقاربة البصرية. الصورة الأولى تأتي في جعل فلسطين موضوع الفيلم بشكل كامل. وعادة ما يعتمد المخرج على حكاية تدور عوالمها في فلسطين. وعلى الرغم من أن هذه الأفلام قليلة على مستوى الإنتاج فإنها مؤثرة، لأنها تضع القضية وفق مركز الإنتاجات المحلية وتعيد عبرها نسج أفق متخيل يكون عبارة عن جسر بصري لفهم تحولات الواقع من وجهة نظر خارجية.

أما النوع الثاني من الأفلام، فتحضر فيه فلسطين عبارة عن أكسسوار بصري يتمثل في تظاهرات أو مشاهد من الحروب أو مقتطفات من روايات فلسطينية شهيرة. وهذا النوع هو الأكثر حضوراً في السينما العربية، إذ لا توجد سينما إلا وتتضمن مشاهد تحضر فيها فلسطين بشكل باطني مؤثر. وتلقى هذه الأفلام تفاعلاً كبيراً وعادة ما تسمى داخل الأدبيات النقدية بسينما الالتزام، أي سينما تدرك ذاتها من خلال القضية الفلسطينية.

المزيد من سينما