Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا حل بالقضاة؟ عدد قياسي من المحاكمات المؤجلة في بريطانيا

حصري: في اتهام صادم لنظام العدالة الجنائية المتداعي في المملكة المتحدة فإن تأخير البت في قضايا اغتصاب وجرائم عنف نتيجة نقص عدد القضاة تسبب في تراكم غير مسبوق للدعاوى

جرت العادة في إنجلترا أن يمارس الأشخاص القانون لأعوام عدة قبل أن يصبحوا قضاة (غيتي)

ملخص

كشفت "اندبندنت" عن وجود عدد قياسي لحالات إرجاء في اللحظة الأخيرة للمحاكمات في المملكة المتحدة بسبب قلة عدد القضاة

 

علمت "اندبندنت" عن وجود عدد قياسي لحالات إرجاء في اللحظة الأخيرة للمحاكمات في المملكة المتحدة، بما فيها تلك المتعلقة بجرائم خطرة مثل الاغتصاب والعنف، بسبب عدم توفر قضاة يتولون الاستماع إليها والبت فيها.

وقد زاد من حدة هذه المسألة النقص في عدد المحامين المرافعين الجدد الذين يمكن أن يحلوا مكان القضاة ذوي الخبرة المحالين إلى التقاعد أو الذين يغادرون الدوائر القانونية، مما أدى إلى تفاقم التراكم غير المسبوق في نظام المحاكم البريطانية التي تعاني أزمة.

وتسببت التأجيلات التي قد يستمر بعضها أشهراً عدة في حالات انتظار لكل من الضحايا والشهود والمحامين والمتهمين الذين أحضر عدد منهم من السجون بلا داع إلى قاعات المحاكم، ليقال لهم إنه لا يوجد قاض للنظر في قضيتهم.

ويشكل هذا الواقع أحدث اتهام صادم لوضع النظام القضائي البريطاني إثر سلسلة من الوقائع كشفت عنها "اندبندنت"، بما فيها تقريرنا عن طريقة إجبار سجناء على الانتظار لنحو خمسة أعوام وراء القضبان قبل الخضوع للمحاكمة، فيما ارتفع عدد الأفراد الموجودين في الحبس الاحتياطي إلى مستوى قياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نواب بارزون وقضاة سابقون وناشطون انتقدوا التأخيرات "المثيرة للقلق"، معتبرين أنها تشكل "أزمة كارثية" مرتبطة بالنقص في التمويل القضائي نتيجة "أعوام من الإهمال"، ونبه أحدهم إلى أنه ليس من الممكن "الاستعانة بقضاة متفرغين يعملون بدوام كامل من العدم".

وفي انتقاد لعقود زمنية من النقص في التمويل قال رئيس لجنة العدالة في حزب "المحافظين" السير بوب نيل "حاولنا تحقيق العدالة الجنائية بالاعتماد على موارد محدودة، لكن ثبت أن ذلك ليس مستداماً، وأصبحت العواقب السلبية لهذه الاختيارات واضحة الآن".

أما نيك إيمرسون رئيس "الجمعية القانونية" Law Society [جمعية محامين تتولى تنظيم أعضائها وتدريبهم وتطوير مؤهلاتهم]، فعزا النقص في عدد القضاة والمحامين إلى أعوام من إهمال نظام العدالة الجنائية الذي لا يمكن إصلاحه بين ليلة وضحاها".

ورأى أحد المحامين أن "نظام العدالة الجنائية البريطاني الذي كان يتمتع بمعايير ذهبية وذاع صيته على مستوى العالم، قد أظهر بلا شك تصدعات كبيرة على نحو خطر"، وتبين من تحليل أجرته "نقابة المحامين الجنائيين" Criminal Bar Association بالتعاون مع "اندبندنت" أنه جرى إرجاء 51 محاكمة، 10 منها تتعلق بقضايا اغتصاب و19 بارتكاب عنف، وذلك بسبب النقص في عدد القضاة خلال الفترة الممتدة ما بين شهري أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) هذا العام، أي أكثر من ضعف متوسط الربع السنوي البالغ 21 محاكمة متأخرة خلال الأعوام الخمسة التي سبقت عام 2020 عندما أعاق تفشي جائحة "كوفيد" الأداء المنتظم للمحاكم.

وفي غضون ذلك خلص تحليل للأرقام الرسمية إلى أنه خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023 لم يتوافر قضاة للنظر في نحو ثلث المحاكمات الـ 100 التي رفعت إلى محاكم التاج البريطاني وكانت مرتبطة بجرائم جنسية، وهذا الرقم يشكل أكثر من ضعف المتوسط لفترة الأشهر الستة نفسها خلال الأعوام السابقة لعام 2020.

وفي محاولة لسد هذه الفجوة عمدت الحكومة البريطانية عام 2021 إلى رفع سن تقاعد القضاة للمرة الأولى منذ نحو عقود من 70 إلى 75 سنة، واستدعت قضاة من التقاعد لمعاودة العمل مع مواصلة ما يقارب 250 منهم أدوارهم اعتباراً من أبريل الماضي، وخففت في المقابل القواعد المتعلقة بأنواع القضاة الذين يمكنهم ترؤس المحاكمات الجنائية.

لكن على رغم ذلك لا يزال عدد القضاة أقل بكثير مما كان عليه في بداية العقد الماضي، وإضافة إلى ذلك فليس جميع القضاة المتاحين مؤهلين لتولي قضايا جنائية خطرة، ومن ناحية أخرى تتلقى المحاكم عدداً كبيراً من الدعاوى بما فيها تلك التي تنطوي على مزاعم معقدة مثل الجرائم الجنسية التي تستغرق محاكمتها وقتاً أطول، وتتطلب قضاة من ذوي الخبرة.

إيان بورنيت، الذي كان سابقاً كبير قضاة إنجلترا وويلز، قال أثناء شهادته أمام أعضاء البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 عن وضع المحاكم، إن السلطة القضائية اتخذت "بالتأكيد مختلف الخطوات اللازمة لمعالجة القضية الملحة المتمثلة في تراجع القدرة القضائية" التي اعتبرها "معضلة حادة" وعقبة أمام حل مشكلة الأعمال المتراكمة.

وفيما أعرب اللورد بورنيت عن الأسف لأن حملة التوظيف السنوية "المخيبة للآمال" لـ 45 قاضياً في محاكم التاج لم تسفر إلا عن 29 متقدماً ناجحاً، قال إن "عبء العمل السنوي لكل قاض والذي يبلغ نحو 200 يوم في العام له تأثير كبير في القدرة القضائية الشاملة، ويشكل أيضاً ضربة كبيرة بالنسبة إلى مجموعة القضاة ذوي الخبرة القادرين على التعامل مع القضايا الأكثر تعقيداً".

بيتر كوليير الذي يحمل صفة "مستشار الملك" KC وعمل قاضياً في "محكمة ليدز كراون" Leeds Crown Court لمدة 11 عاماً حتى عام 2018، انتقد بشدة العدد المروع لمحاكمات الاغتصاب التي تأثرت بالنقص في عدد القضاة، وأشار إلى أنه خلال فترة ولايته كان إرجاء محاكمات الاغتصاب في اليوم نفسه المقرر للنظر فيها أمراً نادراً للغاية، ولا يحدث عادة إلا في ظروف استثنائية مثل وفاة شاهد رئيس أو وقوع حدث استثنائي.

وأضاف، "أذكر أنه بعدما تأجلت قضية اغتصاب في إحدى المرات برزت أسئلة كثيرة طرحت على أعلى المستويات، وكانت "النيابة العامة الملكية" Crown Prosecution Service [وكالة عامة رئيسة لإجراء الملاحقات الجنائية في إنجلترا وويلز يترأسها مدير النيابة العامة) غاية في التشدد حيالها، لكن إرجاء محاكمات الاغتصاب أصبح الآن أمراً شائعاً".

وكتب مقالة في "اندبندنت" قال فيها "إن الكلمات تخذلني حقاً لأن المشكلة الراهنة كانت متوقعة تماماً".

وبحسب السيد كوليير فإن المشكلة تعود لعام 2010 عندما بدأت حكومة حزبي "المحافظين" و"الديمقراطيين الليبراليين" تقليص عدد أيام انعقاد المحاكم بصورة كبيرة من 110 آلاف في العام إلى 86 ألفاً فقط عام 2020.

وفي وقت تراجع فيه عدد المحامين في "نقابة المحامين الجنائيين" على رغم أن الحكومة قامت بمحاولات لزيادة عدد أيام انعقاد جلسات المحاكمة، إلا أنه لا يوجد في الوقت الراهن عدد كاف من المحامين المتاحين للتعامل مع القضايا المرفوعة، والعمل كقضاة غير متفرغين.

وتابع السيد كوليير قائلاً إن "الأمر برمته كان منطقياً بالنسبة إلى الحكومة، لكن بالنسبة إلينا لم يكن كذلك لأن المشكلة كانت على وشك الانفجار في نهاية المطاف، وها هي قد تفجرت الآن، وفي رأيي لا توجد طريقة تمكن المسؤولين من إيجاد حل سريع لهذه المعضلة التي أطلقوا شرارتها عام 2010".

ويشار إلى أن الحكومة البريطانية اتخذت عام 2021 خطوة لزيادة الحد الأدنى لعدد أيام العام التي يطلب فيها من المحامين الذين يعملون أيضاً كمسجلين قضائيين [قاض بصلاحيات مقيدة] أو الذين يشار إليهم بالقضاة غير المتفرغين ترؤس جلسات، من 15 يوماً إلى 80 فقط.

ورأى السير بوب أن "المشكلة تكمن في أن هؤلاء هم الأشخاص أنفسهم الذين نعتمد عليهم في القضايا للقيام بالادعاء والدفاع، ومع استمرار تقلص المجموعة الكاملة للمحامين الجنائيين ذوي الخبرة فإننا نجد أنفسنا وسط بيئة تضافرت فيها مجموعة من العوامل الكارثية لتلقي بثقلها على الوضع القضائي برمته".

وكما توضح "نقابة المحامين الجنائيين" فقد انخفض عدد المحامين المتخصصين في القانون الجنائي الذين يسهمون في العمل قضاة غير متفرغين إلى 207 فقط بحلول عام 2021، وهو ما يعد تراجعاً بنحو الربع على مدى ستة أعوام، وترافق ذلك مع تراجع مداخيلهم 28 في المئة في القيمة الحقيقية خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2006 و2022.

وفيما حصل المحامون أخيراً على بعض التنازلات من الحكومة ترتبط بتمويل المساعدة القانونية بعد قيامهم بإضرابات شاملة انطلقت شرارتها خريف العام الماضي، ينبه خبراء إلى أن التمويل الذي خصص أخيراً لا يزال غير كاف.

ريبيكا أبتون، محامية مرافعة تعمل منذ 23 عاماً في شركة "ماونتفورد تشيمبرز" Mountford Chambers، قالت لـ "اندبندنت" إن ثلاثاً من جلسات الاستماع الأربع التي كان مقرراً عقدها في اليوم التالي ألغيت فجأة وقت الغداء، لأن المحاكم لم يكن لديها ما يكفي من قاعات.

ومع ذلك أشارت السيدة أبتون إلى أن "قاعات المحكمة كانت متاحة، لكن المشكلة كانت في عدم وجود عدد كاف من الموظفين للتعامل مع القضايا المرفوعة".

ولفتت السيدة أبتون إلى أن إحدى المحاكم التي كانت تمارس فيها المهنة بصورة منتظمة كانت تمتلك في السابق 10 قاعات محكمة يترأس كلاً منها 10 قضاة دوائر، "ويتولى بصورة دورية أحد المحامين المرافعين المسجلين ترؤس القضايا عندما يكون أحد القضاة في إجازة".

لكن على رغم توافر 12 قاعة محكمة متاحة في الوقت الراهن "فقد سجل انخفاض في عدد قضاة الدوائر بسبب التقاعد، ولم يبق منهم سوى ستة قضاة في مناصبهم"، مما أدى إلى الاعتماد بصورة أكبر على القضاة غير المتفرغين الذين يتقاضون أجوراً يومية أعلى، وبعضهم قد لا يمتلك المؤهلات المطلوبة للبت في القضايا الأكثر خطورة.

وترى أبتون أن "نظام العدالة الجنائية صاحب المعايير الذهبية الذي ذاع صيته على مستوى العالم قد كشف من دون شك عن تصدعات كبيرة في أوصاله".

وفي تعليق على ما تقدم قال متحدث باسم وزارة العدل البريطانية إنه "على رغم أن الرقم الإجمالي للمحاكمات المعرقلة آخذ في التراجع، إلا أننا ملتزمون بمواصلة تقليص عددها عبر زيادة جهودنا لتوظيف مزيد من القضاة وتمديد سن التقاعد الإلزامية لهم"، وشدد أيضاً على أن "العمل جار على تعزيز توافر القضاة الذين يتقاضون أتعاباً من خلال زيادة عدد الأيام التي يمكنهم فيها ترؤس قضايا".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير