Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا)... وكالة مثقلة باسمها

وجودها على قيد الحياة يتضمن "حق العودة" الذي تراه إسرائيل تدميراً لها والأزمات حولتها من مغيث لملايين إلى مستغيث يلفظ أنفاسه

تستغيث مع بداية كل عام لجمع 1.6 مليار دولار من أجل برامجها وعملياتها واستجابتها الطارئة في مناطق عملياتها الخمس (غيتي)

ملخص

كيف بات اسم "أونروا" هو نفسه مأزقها؟

يرى الفلسطينيون أن الهجمات المتكررة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) ومخططات دمجها وإضعافها وتقويضها يرمي إلى تجريدها من أي مضمون سياسي، فيما يؤكد إسرائيليون أنها كانت سبباً في تأجيج الصراع.

بعد مخاض سياسي وفشل للحلول الدولية التي طرحت بعد عام 1948 لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 بتأسيس وكالة غوث وتشغيل للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، التي أصبحت تعرف في ما بعد باسم "أونروا"، وفوضتها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين الذين فقدوا منازلهم وسبل عيشهم جراء ما فعلته العصابات اليهودية بهم من عملية تطهير عرقي وتشريد ما يربو على 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية، ولم يخطر ببال المنظمة الأممية آنذاك أن عمل الهيئة الموقتة لغوث وتشغيل الفلسطينيين إلى أن يتم إيجاد حل عادل ودائم لمحنتهم سيمتد لأكثر من 70 عاماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتبنـت الجمعيـة العامـة للأمــم المتحـدة فــي دورتهـا الثالثـة بتاريخ الـ 11من ديسمبر (كانون الأول) عـام 1948 القـرار رقـم "194" الذي تنـص الفقـرة 11 منه صراحة على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين لبيوتهم وقراهم الأصلية التي هجروا منها جراء حرب 1948. كما نص القرار على إقامة لجنة توافق خاصة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين "UNCCP" تابعة للأمم المتحدة، ومهمتها "تسهيل إعادة اللاجئين إلى وطنهم وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم اقتصادياً واجتماعاً ودفع التعويضات لهم"، فيما عرفت اللاجئ الفلسطيني بالشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من أول يونيو (حزيران) عام 1946 حتى الـ15 من مايو (أيار) 1948. وعليه فإن اللاجئين الفلسطينيين إضافة إلى أبنائهم هم الذين يحق لهم تلقي المساعدات.

إغاثة وتشغيل

وما إن باشرت الوكالة عام 1950 تقديم عملياتها الميدانية في الرعاية الصحية والتعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية والنفسية والحماية والبنى التحتية لتحسين 58 مخيماً رسمياً تابعاً لها في مناطق عملياتها الخمس، التي تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، وتسعة في سوريا، و12 في لبنان، و19 في الضفة الغربية، وثمانية في قطاع غزة، سرعان ما صارت بلسماً صحياً وخدماتياً وتربوياً لنحو 6 ملايين و400 ألف لاجئ، بعد أن كان عدد هؤلاء لا يتعدى مليوناً عام 1958، بل وفرت أيضاً على مدار عقود ماضية آلاف فرص العمل وسبل عيش كريمة وأمل لملايين اللاجئيين الفلسطينيين، وإلى جانب 170 مساعداً دولياً يعمل في "أونروا" نحو 27500 من الموظفين المحليين، نحو 25 ألفاً منهم من اللاجئين الفلسطينيين (ما يقرب من 12 ألفاً في قطاع غزة و6 آلاف في الأردن). وتقتصر مسؤوليتها في المخيمات التي تقع ضمن مسؤوليتها على توفير الخدمات وإدارة منشآتها فقط، فيما ترك حفظ الأمن على عاتق السلطات المضيفة أو اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية.

 

 

وفي خضم تحديات متعددة وغير مسبوقة في كثير من الأحيان، تعتبر "أونروا" أن لاجئي فلسطين لا يزالون من بين المجتمعات الأشد عرضة للأخطار في المنطقة وحول العالم، فغالبية اللاجئين في سوريا ولبنان وغزة يعيشون تحت خط الفقر، ولم تعد عديد من العائلات قادرة على تغطية نفاقتها التي غالباً ما تكافح من أجل الحصول على الطعام، وفي حين يعاني اللاجئون في الأردن بطالة مرتفعة، يعيش اللاجئون في مخميات الضفة الغربية تحت الأخطار اليومية جراء الزيادة الحادة في أعمال العنف.

شاهد دولي

في البداية خشي الفلسطينيون من أن تأسيس "أونروا" جاء بالأساس لتصفية قضيتهم وتذويبهم في مجتمعات أخرى لتوطينهم وترويض النضال الفلسطيني، لكنهم باتوا يربطونها على الدوام بحق العودة لديارهم، فهي بالنسبة إليهم الشاهد الحي والأكبر على التطهير العرقي والطرد الجماعي وكل ما حل بهم من مآس منذ حرب عام 1948، واستمرار وجودها إلى جابنهم مهما كانت خدماتها مقيدة ومحدودة وبموازنات متضائلة، تذكير للمجتمع الدولي بتحمل مسؤولية حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً مع تنكر إسرائيل مراراً لحق اللاجئين في العودة، وإقصاء إعلان المبادئ والاتفاقات اللاحقة له والمعروفة باتفاق "أوسلو" لقضيتهم، وتجاهل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، فيما اعتبر كثيرون أن الخطوات التي اتخذتها "أونروا" لمساعدة السلطة الفلسطينية في بناء مؤسساتها ضمن برنامج "إقرار السلام" قبل حل مشكلة اللاجئين، كشف عن الصلات المعقدة بين أهداف الوكالة الإنسانية والسياسية، كيف لا وقد أيدت "أونروا" بشكل علني مفاوضات أوسلو السياسية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وخططت آنذاك إلى "حل" نفسها في غضون خمس سنوات، وهو ما أثار اضطرابات واسعة في صفوق اللاجئين الفلسطينيين، وخلق شرخاً كبيراً بين السلطة الفلسطينية والغالبية العظمى من اللاجئين، لتجاهل السلطة حق العودة واستبداله بـ"الحق في تقرير المصير" وإنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين عند حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، الذي نسف بحسب رأيهم، حق اللاجئين في العودة الحقيقية لأراضيهم ومنازلهم التي هجروا منها عام 1948.

استغاثة دولية

على رغم أن حق اللاجئين الفلسطينيين سقط فعلياً بحكم المبادئ الناظمة لاتفاقات أوسلو 1993 و1995، استمرت "أونروا" بتقديم خدماتها، على رغم تذبذبها عبر العقود القليلة الماضية، إلى 702 مدرسة تضم 543 ألف طالب، و140 مركزاً للرعاية الصحية الأولية يقدم العلاج لأكثر من 7 ملايين مريض سنوياً.

ومع توجيه النداءات والمناشدات مع بداية كل عام لجمع 1.6 مليار دولار من أجل برامجها وعملياتها واستجابتها الطارئة في مناطق عملياتها الخمس، لا تزال "أونروا" تواجه منذ 10 سنوات نقصاً حاداً في التمويل، مما أثر بشدة في جودة بعض خدماتها. وتشهد موازنة هذه الهيئة الأممية للعام الرابع عجزاً تجاوز 70 مليون دولار، لكن ذلك لم يمنعها من المواظبة على تقديم المساعدات الغذائية الطارئة لأكثر من مليون و700 ألف لاجئ فلسطيني، وخدمات الحماية الاجتماعية لما مجموعة 398 ألف شخص من الأشد عرضة للخطر، في حين قدمت 29 ألف قرض تمويل صغير للاجئين بقيمة 25 مليون دولار.

 

 

وعلى رغم عودة المساهمة الأميركية مع الرئيس جو بايدن بعد إيقافها عام 2018، لا تزال الوكالة تعاني نقصاً كبيراً في التمويل، فهي بحاجة إلى الحصول على ما مجموعه 1.63 مليار دولار لتنفيذ أنشطتها، فالموازنة البرامجية للوكالة للأعوام بين (2023 و2028) التي تشمل الصحة والتعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية والحماية، تتطلب 848 مليون دولار، في ما تحتاج إلى تخصيص 781 مليون دولار أخرى لتمويل عمليات الطوارئ في مناطق عملياتها الخمس، وبينت "أونروا" أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والعواقب الاقتصادية المرتبطة بالحرب في أوكرانيا ضاعفت مستويات الفقر. وأشارت إلى أن 80 في المئة من أسر اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الآن يعتمدون على مساعدة الوكالة كمصدر أساسي لدخلهم فيما غالبية أسرهم تعاني انعدام الأمن الغذائي أو معرضة للخطر، بحيث إن 93 في المئة من هذه الأسر تعاني مستوى عالياً من الضعف، و46 في المئة منهم معرضون للخطر الشديد.

وحذر المفوض العام لـ"أونروا" فيليب لازاريني أخيراً من أن الوكالة تواجه "تهديداً وجودياً" بسبب فجوات الموازنة، قائلاً إن "هناك تحديات غير مسبوقة يواجهها اللاجئون الفلسطينيون الذين يعتمدون بشكل متزايد عليها للحصول على الخدمات الأساسية وفي بعض الأحيان لمجرد البقاء على قيد الحياة".

وأكد المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، خلال كلمته في مؤتمر المانحين الذي عقدته لجنة الجمعية العامة المخصصة لإعلان التبرعات لـ"أونروا" في نيويورك يونيو الماضي، أهمية التحرك بسرعة لإيقاف التدهور في التمويل الذي يهدد بتقويض أو وقف مساعدة الوكالة، مؤكداً أن الأمر ستكون له عواقب بعيدة المدى عليهم وعلى المنطقة وخارجها.

تهم وتحريض

مع اشتداد الأزمة المالية التي تعصف بـ"أونروا" عاماً بعد عام، التي كان من بين أسبابها توجيه الدعم الدولي نحو مناطق أخرى، وتراجع الدعم العربي المقدم بنسبة 90 في المئة، إلى جانب ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين بوتيرة متسارعة وارتفاع الإقبال على الخدمات المقدمة، فإن الفلسطينيين يدركون أهميتها كرمز لحقوقهم السياسية والقانونية، ويعارضون بحزم فكرة حلها حتى يحصلوا على هذه الحقوق. وأثار اقتراح "أونروا" بتفويض بعض الخدمات لمنظمات دولية أخرى تابعة للأمم المتحدة العام الماضي غضب الفلسطينيين الذين حذروا من مؤامرة "لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين"، واعتبر مدير دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية زكريا الأغا أن استمرار خدمات اللاجئين "عامل أساسي لاستقرار المنطقة"، محذراً من أن انهيار خدمات الوكالة قد يؤدي "إلى حدوث فوضى كبيرة في صفوف اللاجئين الذين لن يتحملوا إيقاف خدماتها بشكل تام".

 

 

في المقابل تتهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بأنها "معادية لإسرائيل"، وبأنها أججت الصراع جزئياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال تدريس رسائل معادية للصهيونية في مدارسها بالمخيمات. وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في وقت سابق إن استمرار وجود هذه الوكالة "يديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وما يسمى حق العودة الذي يتمثل هدفه الحقيقي في تدمير دولة إسرائيل"، وطالب بتفكيكها ودمج أنشطتها بأنشطة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ووفقاً لتحليلات مراقبين ومتخصصين على مدار عقود، فإن الهجمات المتكررة على "أونروا" ومخططات دمجها وإضعافها وتقويضها وصولاً إلى تصفيتها بالكامل، ترمي بشكل أو بآخر لتحويلها إلى مجرد مؤسسة إغاثية إنسانية مجردة بالكامل من أي مضمون سياسي قد يرى الفلسطينيون فيه بصيص أمل لعودتهم.

وحذرت الأمم المتحدة أمس الثلاثاء من نفاد المواد الأساسية الضرورية لحياة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، مع استمرار إسرائيل في شن غارات مكثفة على القطاع، وقطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية عنه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير