Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحيل بهاء الدين الطود روائي الاغتراب والهجرة السرية

عاش في طنجة وقدّم شكري روايته الأولى ولمع اسمه بين كبار الروائيين المغاربة

الروائي المغربي بهاء الدين الطود (صفحة الكاتب - فيسبوك)

لم ينتبه معظم الكتّاب والمثقفين المغاربة إلى بهاء الدين الطود على مدار عام وأكثر، فقد نسيه معظمهم، وهو الرجل النشط الذي كان يتجمع حوله الكثيرون من أهل الثقافة والفن، سواء في دارته الفخمة في مدينة طنجة، أو في الملتقيات والتظاهرات التي يحلّ بها.

دخل الروائي المغربي، الذي غادرنا صباح أمس الثلاثاء عن 77 سنة، في عزلة ثقافية واجتماعية منذ منتصف العام الماضي، سببها بالأساس حالته الصحية، إذ عاش طوال الفترة الأخيرة يقاوم السرطان الذي استبد به، تزامناً مع عوامل صحية سابقة.

كان الطود صديقاً لكبار الكتّاب العرب والمغاربة، يتوافدون باستمرار على دارته التي خصص الحيز الأكبر منها لاستقبال ضيوفه، يتجاذبون معه أطراف الحديث والصداقة، هو المولع بالنقاشات الثقافية، وبتقاسم تجاربه وخبرته في الحياة مع جلّاسه. كان صاحب رواية "البعيدون"، التي شكّلت حدثاً ثقافياً خلال صدورها، رمزاً في طنجة، يشارك في الحياة الثقافية ويستشار في تفاصيلها ويحتفي بزوار المدينة القادمين إليها من أبواب الفن والثقافة والمعرفة.

ولد الروائي الراحل في مدينة القصر الكبير شمال المغرب، وبعد رحيل والده انتقل إلى مدينة أصيلة، وهو في العاشرة من عمره، ليعيش مع جدته، وبعد المرحلة الثانوية سافر إلى أسبانيا من أجل دراسة الصحافة، ثم تخصص في القانون بعد ذلك، وكانت دراساته العليا في هذا المجال موزعة بين الرباط وباريس.

صدام الثقافات

استطاع بهاء الدين الطود بأعمال روائية قليلة أن ينتزع مكانه بين كبار الروائيين المغاربة. ثم إنه دخل عالم الكتابة الأدبية متأخراً، قياساً مع مجايليه من الكتّاب. فعمله الروائي الأول "البعيدون" لم يكتبه إلا بعد أن تجاوز الأربعين. غير أن هذه الرواية بالذات حظيت بتقدير كبير من لدن النقاد، وتمت برمجتها في المدارس المغربية، تزامناً مع وضعها ضمن البرنامج الدراسي للثانويات في مصر، باعتبارها نموذجاً للروايات المغربية المعاصرة. فضلاً عن ذلك حققت رواية "البعيدون" بعد ترجمتها إلى الإسبانية رقماً مهماً في المبيعات، وحضوراً لافتاً في أسبانيا وبعض دول أميركا اللاتينية.

حين قرأ جابر عصفور مخطوط الرواية، قبل صدورها عن دار الهلال، قال لبهاء الدين الطود: "أنت كتبت رواية لم يكتب المغاربة مثلها"، وأشاد محمد شكري بهذا العمل، بل كتب مقدمته التي جاء فيها: "أجاد في صناعة الدهشة الحضارية بين الشرق والغرب، بقدر ما أجاد في تكثيف الصدام بين ثقافة الأنا والآخر في سرد روائي ليّن وراق، وبأسلوب أخاذ شاعري وشفاف، لا يقوى عليه إلا من يجيد حبكة القبض على جمرة الخيط الروائي".

تناقش الرواية تيمة الهجرة والاغتراب والتصادم الحضاري ونظرة الآخر. وتدور أحداثها في معظمها بين مدريد ومدينة القصر الكبير، بطلها شاب عربي يدرس في أسبانيا خلال مرحلة حكم الديكتاتور فرانكو. وانتظر الطود عشر سنوات ليصدر روايته الثانية "أبو حيان التوحيدي في طنجة"، وفيها عمد إلى استدعاء هذه الشخصية التراثية وزج بها في مأزق الحياة الراهنة، إذ ألقت الشرطة الإسبانية القبض على أبي حيان التوحيدي بتهمة الهجرة السرية، هو القادم إليها من زمن آخر للقاء حبيبته نهاوند في مدينة كان يظن أنها لا تزال حاضرة إسلامية. وبعد هاتين الروايتين أصدر عمله الثالث "كدتُ أعترف"، وهو عبارة عن محكيات مستمدة من حياة الكاتب.

التريث في الكتابة والنشر

يعترف الطود بأن الكتابة الأدبية لم تكن لتطاوعه دائماً. لذلك كان خلال فترات النضوب والانقطاع يلجأ إلى القراءة المكثفة، وكتابة مقالات في الشأن العام دأب على تحريرها لسنوات طويلة في الصحافة العربية والإسبانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان يرى أن الكاتب غير مجبر على الالتزام بالعمل اليومي المستمر في ورشة الأدب، وعليه أن ينشغل أكثر بالحياة، باعتبارها منبع الكتابة. فالتجارب التي يعيشها الإنسان هي، بالنسبة إليه، منهل لكتابة عمل أدبي عميق. لذلك رأى بأن الكاتب عليه ألا يكتب إلا حين تحين ساعة الكتابة.

يستشهد الطود في خياره هذا بتجربة إرنست همنغواي، الذي خلق حالة أدبية فريدة في العالم بنصوص روائية قليلة جداً، قياساً مع عمره الأدبي. ويقف عند روايته "وداعاً للسلاح" التي أعاد كتابتها 39 مرة، ليؤكد أن رواية تراهن على الحضور والتأثير ينبغي أن تأخذ وقتها في التشكل وأن تنضج على نار هادئة، وانتقد في المقابل الروائيين الذين يفكرون في الحضور الدائم عبر إصدار روايات سنوية.

يعترف الطود ببطء إيقاعه في الكتابة، مبرراً ذلك بانشغاله الدائم بالتنقيح والتجويد والمراجعة. غير أن مهنة المحاماة ربما كانت هي الأخرى عاملاً في هدر الوقت والجهد وإلهائه عن الكتابة. خصوصاً أن تأليف الروايات يحتاج حيزاً زمنياً كبيراً، فضلاً عن التركيز. لكنّ اللافت أن الطود الذي كان من كبار المحامين في المغرب وحاول جرّ مهنته إلى حقل الثقافة، فقد كان محامياً لاتحاد كتّاب المغرب وللروائي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي.

أخيراً نلفت عناية الناشرين والمعنيين بالشأن الثقافي إلى عمليه اللذين كان يشتغل عليهما في سنواته الأخيرة، سيرته الذاتية "رسائل بيلار"، وكتابه الرحلي "سارق الأسفار"، وذلك من أجل العمل على نشرهما، فهما يكشفان الكثير من خبايا رجل عاش تجارب حياتية ثرية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة