Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخيمات الفلسطينية... أو لانهائية الوضع الموقت

تضاعف عدد المقيمين بها منذ النكبة نحو 10 مرات ويقدر اليوم بنحو 14 مليوناً و300 ألف نصفهم لاجئون

ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر وأبرز رموز المعاناة لدى الفلسطينيين إذ تزداد الأوضاع سوءاً يوماً بعد يوم (اندبندنت عربية)

ملخص

هكذا الأمر بالنسبة إلى شعب كل شيء في حياته يبدأ موقتاً ثم لا ينتهي قط

وفق تعريف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، فإن المخيم هو" قطعة من الأرض جرى وضعها تحت تصرف الوكالة من قبل الحكومة المستضيفة بهدف إسكان اللاجئين الفلسطينيين وبناء المنشآت للاعتناء بحاجاتهم"، لكنه وفقاً لتعريف صابر سوالمة (87 سنة) الذي يعيش في مخيم "بلاطة" للاجئين الفلسطينيين (أكبر المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية) منذ سبعة عقود، فهو قطعة من الألم والمعاناة تعلوها منازل متهالكة مثل فسيفساء رمادية متراصة، بينها أزقة مظلمة يتشارك مع المارين فيها حلم العودة لفلسطين التي هجرها في الـ10 من عمره.

وعلى رغم زحمة التجاعيد التي ترتسم على ملامح وجه سوالمة، فإنه يتشبث بذكريات منزله في يافا الذي تظلله أشجار البرتقال وتطل شبابيكه على البحر الذي لا يعرف الحدود مثل أحلام الفلسطينيين، كما يقول.

أنشئت "أونروا" عام 1949 بقرار من الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتبنـت الجمعيـة العامـة للأمــم المتحـدة فــي دورتهـا الثالثـة بتاريخ 11 ديسمبر (كانون الأول) عـام 1948 القـرار رقـم "194" الذي تنـص الفقـرة 11 منه صراحة على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين لبيوتهم وقراهم الأصلية التي هجروا منها جراء الحرب، ونص على "وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة لديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة، بحيث يعود الشيء لأصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة".

10 أضعاف

يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى "أونروا" الذين هجروا من أراضيهم قسراً إبان نكبة عام 1948، قرابة 6 ملايين و400 ألف فلسطيني، يعيش ثلثهم تقريباً في 58 مخيماً رسمياً تابعاً لها تحت إشراف الوكالة الأممية في مناطق عملياتها الخمس التي تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن وتسعة في سوريا و12 في لبنان و19 في الضفة الغربية وثمانية في قطاع غزة، ووفقاً لموقع دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينية، يشكل الفلسطينيون اللاجئون في الأردن أعلى نسبة من مجموع اللاجئين المسجلين في مناطق عمليات "أونروا" الخمس.

 

 

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن "أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير، شكلا مأساة كبرى للشعب الفلسطيني لما مثلاه وما زالا من عملية تطهير عرقي، إذ تم تشريد ما يربو على 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية".

 وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الفلسطينيين منذ أحداث النكبة تضاعف بنحو 10 مرات، فوصل الإجمالي إلى 14 مليوناً و300 ألف نسمة في العالم بنهاية 2022، في حين أكد موقع وزارة الخارجية الفلسطينية أن 70 في المئة من الشعب الفلسطيني في العالم من اللاجئين، ويمثل الفلسطينيون واحداً من كل ثلاثة لاجئين حول العالم، ونصف هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين لا يحملون جنسية.

منذ أحداث النكبة عام 1948 وما تلاها بعد حرب يونيو (حزيران) عام 1967 وتشريد أكثر من 200 ألف فلسطيني آخرين، ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر وأبرز رموز المعاناة لدى الفلسطينيين، إذ تزداد الأوضاع سوءاً يوماً بعد يوم نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة، إلى جانب تناقص الخدمات المقدمة من الجهات الرسمية التي لا تكترث للأوضاع المتردية للاجئين داخل المخيمات، إذ يعاني قطاع كبير من سكانها التكدس وضيق المساحة ونقص الوحدات السكانية، إلى جانب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فيها، إضافة إلى عقبات تتعلق بالحاجات الأساسية والبنية التحتية، وتعتبر مشكلة الفقر أخطر ما يفتك بسكان المخيمات وترجع إلى ارتفاع خطر في معدلات البطالة وكبر حجم الأسر داخل المخيمات.

واقع مرير

بحسب الأرقام الأممية، فإن 26 في المئة من اللاجئين داخل مخيمات الضفة الغربية و71 في المئة من اللاجئين في قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، فيما أظهرت نتائج "أونروا" أن 64 في المئة من اللاجئين في مخيمات القطاع يعانون انعدام الأمن الغذائي، وبلغ معدل بطالة الشباب الإجمالي هناك 64 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وداخل المخيمات الفلسطينية في لبنان تحديداً، حذرت الوكالة من تدهور الأوضاع المعيشية بسبب تفاقم حالات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع الصحية والمعيشية، ووفقاً لأحدث تقرير رصد الأزمات في شأن الحال الاجتماعية والاقتصادية للاجئي فلسطين في لبنان، فإن نحو 93 في المئة منهم يعيشون في حال فقر. ويؤكد اللاجئون الفلسطينيون أن وكالة "أونروا" تتبع على المستويات كافة سياسة ممنهجة لتقليص خدماتها المقدمة إلى اللاجئين تدريجاً، مما انعكس سلباً على أوضاعهم وتسبب في زيادة معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى تدهور الوضع الإنساني في المخيمات بشكل كبير.

رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد أبو هولي أشار إلى أن "أونروا" مستمرة في عملها ما دام الحل السياسي لقضية اللاجئين غائباً"، مضيفاً "على رغم العبث بالمؤسسة الدولية من خلال التآمر عليها عبر تجفيف مواردها المالية تمهيداً لتصفيتها وإنهاء دورها ونقل صلاحياتها إلى الحكومات المستضيفة والمنظمات الدولية، ستبقى ’أونروا‘ الشاهد السياسي الحي على ما لحق بشعبنا الفلسطيني من مؤامرة تهجيره واغتصاب أرضه، وتجسد في الوقت نفسه المسؤولية الدولية تجاه تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس".

تقليص ممنهج

منذ أن اتخذت الولايات المتحدة في أغسطس (آب) عام 2018 قراراً بوقف الدعم المالي الذي كان مخصصاً لـ"أونروا" والذي يقدر بنحو 300 مليون دولار سنوياً، (تراجعت عنه في ما بعد)، تعيش الوكالة ضائقة مالية ملحة وباتت عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية المقدمة للاجئين الفلسطينيين مثل الرعاية الصحية والتعليم، وسرع ذلك من انحدارها نحو واقع مرير ومرعب، ففي قطاع غزة الذي يعد من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان حول العالم، يعتمد 80 في المئة من اللاجئين البالغ عددهم نحو 1.4 مليون من مجموع السكان وعددهم 2.6 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية في عيشهم اليومي.

 

 

وفي الأردن كذلك، تلاشت برامج "أونروا" المجتمعية في المخيمات الفلسطينية، وسلم ما تبقى منها بموجب عقود إلى الحكومة الأردنية ومنظمات دولية أخرى تعهدت بتقديم برامج للمرأة والشباب وبرامج للتأهيل المجتمعي وذوي الإعاقات وغيرها.

وعلى رغم إعلان الولايات المتحدة مطلع يونيو الماضي عن تبرع بقيمة 153.7 مليون دولار لـ"أونروا" لدعم المساعدات الإنسانية والتنمية البشرية والحماية للاجئي فلسطين، أعرب المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني في الـ18 من سبتمبر (أيلول) الماضي عن أسفه للحاجات المالية المزمنة والعاجلة للوكالة، موصياً بمسار بديل يضع لاجئي فلسطين في الجوهر لحماية حقوقهم.

وقال لازاريني "تحتاج ’أونروا‘ بشكل عاجل إلى ما بين 170 لـ190 مليون دولار للحفاظ على خدمات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الحيوية، و75 مليون دولار لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية المنقذة للحياة في قطاع غزة"، مؤكداً أن "خدمات التعليم والصحة المقدمة للاجئي فلسطين معرضة لخطر الانتكاس".

وأكد ذلك أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بضمان التزام الدول المانحة إزاء "أونروا" في يونيو الماضي، حين قال إن الوكالة "على شفا الانهيار المالي"، داعياً الدول المانحة إلى تحمل مسؤولياتها ومساعدتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.

 

 

وتعتمد "أونروا" في 94 في المئة من موازنتها على تمويل ومساعدات تقدمها الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، بينما يقدم برنامج هيئة الأمم المتحدة أربعة في المئة وما تبقى تحصل عليه الوكالة من تبرعات خاصة، وتعتمد "أونروا" على 170 مساعداً دولياً وتشغل نحو 27500 من الموظفين المحليين، 25000 منهم من اللاجئين الفلسطينيين (ما يقرب من 12 ألفاً في قطاع غزة و6000 في الأردن)، ويقتصر دورها في المخيمات التي تقع ضمن مسؤوليتها في المناطق الخمس على توفير الخدمات وإدارة منشآتها فيما يقع حفظ الأمن داخل المخيمات على عاتق السلطات المستضيفة أو اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية.

الموقت الدائم

وفي ظل غياب حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، تظل "أونروا" في رأي كثير من المسؤولين ضرورية للاجئين ومستقبلهم وللمجتمع الدولي، ما دام أنه لم يتم التوصل إلى حل عادل ومنصف وواقعي ودائم لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في إطار اتفاق سلام.

يقول الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله إن اللجوء في 1948 كان موقتاً إلى حين العودة، لكن المخيمات أصبحت جزءاً من الواقع، كما تحول "اتفاق أوسلو" الموقت والمسقوف بخمسة أعوام إلى دائم، والسلطة الفلسطينية التي صممت لإدارة شؤون الفلسطينيين لفترة موقتة تحولت إلى دائمة، والأمر هكذا بالنسبة إلى شعب كل شيء في حياته يبدأ موقتاً ولا ينتهي.

 

في المقابل، تتهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بأنها "معادية لإسرائيل"، وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في وقت سابق إن استمرار وجود هذه الوكالة "يديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وما يسمى حق العودة هدفه الحقيقي تدمير دولة إسرائيل"، وطالب بتفكيكها ودمج أنشطتها بأنشطة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

من جانبه، يرى الباحث في معهد "مسغاف" للأمن القومي والاستراتيجيات الصهيونية في القدس عيدي شفارتس أن استمرار وجود "أونروا" يشكل "تهديداً للأمن القومي لدولة إسرائيل"، معتبراً أنها "منظمة تتبنى المطالبة الفلسطينية بعودة اللاجئين، وهي تحظى بدعم دولي وأممي، لكنها في جوهرها وهيكليتها وأهدافها وعشرات الآلاف من موظفيها منظمة فلسطينية معادية لإسرائيل، وهي تنجح في إخفاء هويتها السياسية تحت غطاء إنساني يطمس حقيقة أن الفلسطينيين لم يتراجعوا قط عن مطالبتهم بالعودة الكاملة لفلسطين والقضاء على السيادة الإسرائيلية".

وأضاف شفارتس في مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أخيراً، أن "الإغلاق التدريجي لـ’أونروا‘ سيركز الانتباه على حقيقة أن الصراع بيننا وبين الفلسطينيين يدور حول جوهر وجود دولة إسرائيل وليس على الانسحاب من المناطق التى احتلتها، وسيساعد على تماسك المجتمع الإسرائيلي المنقسم إزاء حجم مسؤوليته عن استمرار النزاع".

وأردف أن "إغلاق ’أونروا‘ يمكن أن يثير في المدى البعيد أصواتاً داخل المجتمع الفلسطيني تقوض أسطورة العودة، وتبدأ بالتفكير في علاقات سلمية والعيش إلى جانب دولة إسرائيل بدلاً من العيش مكانها".

المزيد من تقارير