Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا تحتفل بمهرجان "إريتشا" للشكر والسلام

يعد احتفالاً دينياً وثقافياً للأسلاف

العيد القومي للأورومو يوازيه "عيد الشكر" في الثقافة الغربية (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

يعد "إريتشا" أحد أهم الملامح الثقافية لعرقية الأورومو

احتفل الأورومو الإثيوبيون، الأسبوع الماضي بطقس "إريتشا" التراثي في عاصمة البلاد إديس أبابا بصورة رسمية وشعبية، وتدفق عشرات الآلاف من مختلف القرى والمدن إلى بحيرة تبعد حوالى 50 كيلومتراً عن العاصمة.

ويعد "إريتشا" مهرجاناً دينياً وثقافياً للأسلاف، ويمثل أحد أهم الملامح الثقافية لعرقية الأورومو التي تشكل حوالى 40 في المئة من السكان، كما يرتبط هذا المهرجان بمطالب سياسية وقومية ظلت تكابد مصاعب عدة لفترات تاريخية طويلة، وظل الاحتفال به ممنوعاً في العاصمة أديس أبابا، حتى وصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للسلطة، وهو يتحدر من هذه العرقية، وصدر أول تصريح للاحتفال به في العاصمة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019.

 

مهرجان للشكر والسلام

ويتميز هذا العيد القومي للأورومو، الذي يوازيه "عيد الشكر" في الثقافة الغربية، بكونه يأتي متزامناً مع انتهاء فترة الأمطار وحلول موسم الحصاد، ما يكسب المناسبة بعداً اقتصادياً واجتماعياً إلى جانب كونه عيداً قومياً، وتحتفل بالعيد مختلف الفئات العمرية، وترتدي النساء ثوباً أبيض فضفاضاً، مصنوعاً في الأغلب من القطن، إضافة إلى الثياب المزينة غالباً بألوان علم الأورومو، الأسود والأحمر والأبيض، في حين يرتدي الرجال أزياء  المحاربين التي تعبر عن بطولات الأسلاف، مع ما يرافقها من رمح وقوس وعصي، وشعر مجدول، ويتصدرون المشهد سيراً على الأقدام، إلى إحدى البحيرات بغرض تقديم الشكر لـ "واكا" مصدر الحياة الإلهي للأجداد، وتقديم فروض الطاعة والشكر مرتبطة بنهاية موسم الأمطار ووصول الربيع، إذ يشكرونه على محصول العام الزراعي وعلى جمال الطبيعة التي يضفيها الربيع .

وعلى رغم أن الأورومو منقسمون بالتساوي تقريباً بين المسيحيين والمسلمين، إلا أنهم يشيرون عادة إلى الله باسم "واكا" وبعضهم لا يزال يمارس "واكفانا"، أي عبادة "واكا" بصرف النظر عن ديانته.

ولعل ما تعرض له الأوروميون من تهميش وإقصاء، من قبل الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة، خلال الحقب التاريخية المختلفة، بخاصة ما يتعلق بتعرض ثقافتهم وتقاليدهم للقمع لفترات طويلة في إثيوبيا الحديثة التي توحدت، في القرن الـ 19، من خلال فتوحات الأباطرة المسيحيين من سلالة سليمان، زاعمين أنهم ورثة الملك سليمان وملكة سبأ، كل ذلك أسهم بتمسكهم بعدد من المظاهر والطقوس المعبرة عن هويتهم القومية.

وكان تتويج الإمبراطور منليك وخلفاؤه في عام 1889، قد أدى إلى فرض تدريجي للغة والثقافة الأمهرية، كنموذج وطني إثيوبي، في حين حرم الأورومو من تقاليدهم، فيما عمد التأريخ الرسمي للدولة الإثيوبية إلى تقديم سرديات تعلي من شأن السلالة السليمانية المتخيلة على حساب القوميات الأخرى، وأهمها الأورومو.

وكان مهرجان "إريتشا" محظوراً خلال فترات الحكم التي أعقبت نظام منليك، إلا أنه عاد إلى الظهور في نهاية التسعينيات، بعد أن حل النظام الفيدرالي الجديد ضمن دستور عام 1994 الذي أقر حقوق القوميات التي تتكون منها إثيوبيا في "الترويج لثقافتها"، مع تقييد حرية التعبير إلى حد كبير، فيما بقيت هذه العودة لـ "إريتشا" محصورة في إقليم الأورومو من دون عاصمة البلاد، على رغم أنها تتبع إدارياً لإقليم الأورومو.

بين السياسي والاجتماعي

في عام 2019، عندما تم السماح بإقامة المهرجان في وسط أديس أبابا، حذر ناشطون من إمكان تحوله إلى مناسبة للانتقام من العصور السابقة، فيما اعتبر آخرون أنها محاولة لتكريس "أورومية العاصمة"، بخاصة أن المناسبة انتقلت من بعدها التراثي الاجتماعي إلى البعد السياسي، لكن بعد مرور أربعة أعوام، بدا الاحتفال بمثابة صحوة لإعادة الاعتبار لإحدى أكبر القوميات الإثيوبية، وبعث ثقافة التعايش والتعدد في إطار الدولة الإثيوبية، بل أصبح هذا المهرجان حدثاً يتم الاحتفال به عبر الحدود من قبل عشرات الآلاف من الأورومو المستقرين في عديد من البلدان حول العالم، ومن طقوس هذا المهرجان التراثي أن يحتفل به على ضفاف النهر وشواطئ البحيرات لشكر الخالق، وواهب الحياة "واكا" على  فضله، ويصلون من أجل السلام والمصالحة بين البشر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى يوسف تولا، وهو ناشط أورومي، أن الحفاوة الكبيرة التي ترافق الاحتفال ناتجة من كونه معبراً عن "أن الزمن الذي كان ينظر فيه إلى ثقافة الأورومو على أنها وثنية وبدائية، قد ولى إلى الأبد" مضيفاً "أنه يدل أيضاً إلى الانتصار على تاريخ من التشويه الثقافي"، وتابع " كما كانت الحال في الماضي، فإن "الهايوو" أي الشيوخ والحكماء والعلماء، يشكرون الله ويباركون الأمة كما فعل أسلافهم، ويستغلون هذه المناسبة لتذكير جمهورهم بالتمسك بأخلاقيات الأورومو المتمثلة في "سافوا نجا" أي الاحترام والسلام والتصالح في ما بينهم".

التصالح مع الطبيعة

وعلى رغم أن عديداً من المفاهيم والمفردات والدلالات التي يستخدمها شيوخ الأورومو قديمة، إلا أن معانيها الحكيمة تلامس واقع واحتياجات الراهن القومي والسياسي، وفي هذا السياق، لفت تولا إلى أن تراث الأورومو ينحو صوب السلام والاندماج ليس بين البشر فحسب، بل أيضاً تجاه الطبيعة وحمايتها، ويدلل إلى ذلك بإحدى المرويات، التي تعد دعاء للأسلاف في المهرجان، وتنص على الآتي، "ليكن السلام بين الجميع، السلام بين الكبار، السلام بين الشباب، السلام مع الماشية".

وثمة دعاء آخر يقول "لا يتآمر بعضكم على بعض، ولا يخون بعضكم بعضاً، وليكن الله في سلام معك، دع الأرض تكون في سلام معك".

وقال تولا إن هذا المهرجان يكشف في جانب منه، عن ارتباط التراث الأورومي بالأرض وبالسلام معها، أو ما يمكن التعبير عنه "بحماية البيئة"، فهو عيد للشكر، وفي الوقت ذاته، لتجديد العهد مع الله والأرض والإنسان.

مغزى الاحتفال

ورأى المتخصص في الشأن الأورومي جرميسا تافا أن إصرار الأورومييين على إقامة هذا المهرجان، وارتباطهم به، يعبر عن رفض الإقصاء والتهميش الذي تعرضت له ثقافتهم لأكثر من قرن من الزمن، مؤكداً أن الجيل الجديد أكثر تمسكاً بهذا التقليد، مضيفاً "عندما ترتبط المجتمعات البشرية بالرموز والطقوس والمفاهيم التي تدل إلى تجربتها الجماعية، فإنها تشترك في الرؤية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يوجد من دون درجة من هذا النوع من الرؤية التي تتقاسمها غالبية أعضائه"، وتابع "لذلك، فإن ما يراه هذا الجيل من خلال هذه الطقوس هو ثقافته ودينه الذي نقله إليه أسلافه، والذي سينقله إلى أبنائه، بمعنى آخر، ما يراه يعكس هويته وهوية الآخرين من حوله، من هنا، يكتسب إريتشا  أهميته باعتباره إحدى الطرق التي يتعرف بها مجتمع الأورومو على نفسه، أي يتخيل أو يشعر أو يختبر أو يعرف وجوده".

أضاف المتخصص في الشأن الأورومي جرميسا تافا أن من المهم أن نلاحظ أن الأورومو يحتفلون بعيدهم بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، سواء كانوا مؤمنين بـ "واكا" (الديانة التقليدية) أو مسيحيين أو مسلمين، إذ إن المشورة الأخلاقية والمثل العليا التي يسديها الشيوخ لا تتعارض مع جوهر أي من الديانات الثلاث، وأوضح أن الذين يتولون مراسم الاحتفال هم من الديانات الثلاث في معظم المناسبات، ما يؤكد أن "إريتشا يوحد الأورومو وينسق أفكارهم وأصواتهم، إنه يخلق حالة عقلية مشتركة بين أمة الأورومو بأكملها"، وختم تافا "من المهم التأكيد على حقيقة أن الهدف من مشورة الهايوو، وطقوس الاحتفال، وأغاني الفنانين ليس تعبئة المشاركين للعمل السياسي الجماعي على الفور، بل يعني تأكيد حضارة الأورومو وضمان وحدتهم على الأسس التي يقوم عليها نظامهم التقليدي".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات