Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متى يكون الوقت مبكراً جداً لزيارة وجهة سياحية شهدت كارثة؟

عندما تضرب كارثة طبيعية منطقة سياحية كنتم تخططون لزيارتها، قد تتلقون رسائل متضاربة. هل عليكم إلغاء الرحلة أم أن السكان المحليين بأمس الحاجة اليوم إلى النقود أكثر من أي وقت مضى؟

خرجت رسائل متضاربة عن حرائق الغابات في هاواي خلال الصيف (أسوشيتد برس)

ملخص

بحث في التصرفات السليمة في حال كانت الوجهة السياحية منطقة تعرضت لكارثة أخيراً. 

عندما اجتاحت النيران بلدة لاهاينا الساحلية الهادئة، الواقعة في جزيرة ماوي في هاواي خلال أغسطس (آب) الماضي، وُجهت إلى العالم فوراً رسالة بغاية الوضوح: لا تقربوا المكان. نشر نجم فيلم أكوامان، الممثل جيسون موموا كما ممثلة فيلم موانا آولي كرافايو هذه الرسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كتب موموا "ليست ماوي المكان المناسب لقضاء إجازتكم في الوقت الحالي. لا تسافروا إلى ماوي". فيما أطلقت إحدى أعضاء بلدية منطقة لاهاينا في غرب ماوي رسالة واضحة في هذا الإطار. وقالت تامارا بالتين في بث حي عبر "فيسبوك" "لا نريد أن نرى أشخاصاً يقضون إجازتهم فيما نحاول نحن لملمة شتات حياتنا. لا يهمني إن كانت لديكم حجوزات مسبقة، فالوقت غير مناسب".

في عالم تسود فيه أخبار بحجم مربع صغير على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمكن أن تنتشر صورة أرض محروقة أو منازل تحولت إلى ركام في كل أرجاء العالم خلال دقائق معدودة، من السهل أن تضيع التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالموضوع. ويخبرني أحد المسؤولين عن السياحة في هاواي أن هاواي (لا سيما ماوي) ما زالت بحاجة إلى السياح، لكن المسألة تتعلق بالمكان الذي يقصدونه وبسلوكهم. فرد الفعل الآني الذي صدر عن السكان المحليين جاء بسبب دخول السياح إلى منطقة مطوقة في لاهاينا في الوقت الذي حُظر على السكان أنفسهم العودة لتفحص الدمار أو تفقد المنازل التي خسروها. فيما يعيش كثيرون فترة حداد بعد تأكيد مصرع 97 شخصاً. ولا يزال البعض في عداد المفقودين.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول إيليهيا جيونسون من هيئة السياحة في هاواي إنه لكي تفهم رسالة "لا تقربوا المكان"، عليك أن تفهم مدى وضوح وجود السياح في ماوي. ويقول لي "في أي يوم من الأيام قبل النيران، كان نحو 70 ألف شخص يزورون هذه الجزيرة التي يقطنها 160 ألفاً. إن ماوي مجتمع صغير، حيث أثرت النيران في جميع سكان الجزيرة تقريباً". كان من الحيوي أن تركز السلطات كامل طاقتها ومواردها على السيطرة على الحرائق، وإنقاذ ونقل السكان النازحين من منازلهم.

لكن إلى جانب هذه المرحلة من الحداد والتعافي، تظهر المخاوف بشأن الاقتصاد والشركات المحلية. بعض المواقع وأماكن الإقامة في غرب ماوي، التي تعد منطقة ممنوعاً التجول فيها لمدة شهر بعد الحرائق، مستعدة لفتح أبوابها لكن لا زبائن فيها. يدرس بعض أصحاب الشركات مسألة تخفيض ساعات العمل أو تسريح بعض الموظفين، أو حتى الأمرين معاً. وتضم هذه المنطقة نحو نصف وحدات الإقامة في كل الجزيرة، أي ما يعادل 11 ألف غرفة. ويقول جيونسون "تخيل أن تفقد منزلك، ثم أن تفقد وظيفتك بعد بضعة أسابيع من ذلك". 

وفي هذه الأثناء، كان المغرب يعيش حركة سياحية مزدهرة عندما ضربه زلزال بقوة 6.8 درجات في الثامن من سبتمبر (أيلول) من العام الجاري. وتقول زينا بن شيخ، المديرة المغربية لشركة "إنتربيد ترافل" السياحية "إنها قصة نجاح مذهلة بعد الجائحة". حتى مع ارتفاع حصيلة الوفيات وتخطيها 2800، وانتشار الصور المأسوية للسكان المفجوعين وأكوام الركام، لم تصل الحال بهيئة السياحة حد نشر رسالة "عدم الاقتراب" من المكان. وفي الواقع، اكتفت شركة "إنتربيد" بوقف استقبال سياح جدد مؤقتاً في مراكش، على مدى أربعة أيام تلت الحدث فيما استمرت بقية الجولات السياحية في المغرب وفق مواعيدها المقررة مسبقاً.

وهذا ما قام به أيضاً سام بروس من شركة "مغامرات أفضل" أو Much Better Adventures. ويشرح "إنه من السهل أن تنسى إلى أي مدى المغرب بلد كبير. استمرت بعض الرحلات من تنظيمنا بعد الحدث، لأن ذلك اعتبر آمناً. كانت بعضها تنطلق من مسافة 300 كيلومتر عن مركز الزلزال". تقع منطقة الكارثة الرئيسة في أعالي جبال الأطلس، على بعد 70 كيلومتراً من مراكش- مع أن المدينة تضررت بعض الشيء في محيط الحي اليهودي، الملاح. وكانت بعض الرياض، أو الدور التقليدية، والفنادق، ما تزال تخضع لأعمال التفقد لرصد وجود أي أضرار في هيكليتها. 

ويقول بروس "أتفهم عدم ارتياح البعض من العودة إلى المكان بعد وقوع حادثة كهذه مباشرة، لكن من أفضل ما يمكننا أن نفعله للسكان المحليين هو أن نحافظ على ذلك الدخل المستدام". وتوافق بن شيخ على هذه الفكرة، فتقول "في الواقع، لم تتأثر معظم البلاد والأضرار محلية. والتصرف المناسب بالنسبة إلى المغرب هو مواصلة الذهاب إلى هناك. يجب أن يتأكدوا من توجيهات السفر- التي تصدرها وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث ووزارة التنمية الدولية أو شركات الجولات السياحية- وإن جاء فيها أن السفر آمن فعليهم الوثوق بهذا الإرشادات".

وفيما هناك "نافذة أزمة" يمكن للسياح أن يشكلوا عائقاً للتحرك خلالها، فهي أقصر بكثير مما قد نعتقد، بحسب رأي الخبراء في القطاع: أي إنها تمتد أياماً وليس أشهراً. والأولية المباشرة هي وصول المستجيبين الأوائل إلى أكثر الأماكن تضرراً- وفي هاتين الحالتين، غرب ماوي وقرى أعالي الأطلس- ولهذا يمكن أن يسد الزوار الوافدون إلى المكان الطرقات الحيوية. لكن الجميع يقول إنه فور إنشاء مناطق آمنة، يمكن للسياحة أن تسهم في تمويل جهود الانتعاش.

وبالنسبة إلى وجهات سياحية مثل ماوي والمغرب، تلعب السياحة دوراً محورياً في الاقتصاد. وتقول غرفة التجارة في ماوي إن 40 في المئة من الوظائف هناك قائمة على إنفاق الزوار، ففي المغرب، يقدر عدد العاملين في قطاع السياحة بمليوني شخص ونصف، يمثلون نحو 25 في المئة من إجمالي القوى العاملة.

يعرف راهول أغاروال جيداً قوائم الأمور التي على المسؤول عن الرحلات السياحية أن يتأكد منها عند وقوع كارثة. كانت شركته، "سافر إلى المجهول" Travel the Unknown، تدير رحلات في جنوب شرقي تركيا عند وقوع زلزال فبراير (شباط) 2023 هناك، مما تسبب بأكثر من 50 ألف وفاة. كما أشرف على رحلات إلى لبنان بعد انفجار عام 2020 (المفتعل) وأخرى إلى المغرب بعد الزلزال. 

ويقول "عندما تذاع الأخبار، تتوالى التغطية المستمرة وتشمل الإحصاءات والصور القاسية". أولى وظائفه هي التواصل مع المرشدين والموردين المحليين لتحصيل المعلومات حول البنية التحتية والمناطق الآمنة وغير الآمنة ومزاج سكان المنطقة. وبعد التقييم الكامل للوضع، توفر الشركة تقريراً موجزاً للمسافرين حول وجهة سفرهم، وتمنحهم فرصة تأجيل الرحلة أو إلغائها، مع أنه يشدد دائماً على الوقع الإيجابي للمضي قدماً بالزيارة. "من الضروري أن نشرح للعملاء بأن هذه المناطق تلقت ضربة قاسية ونخبرهم أي المناطق غير ممكن أو غير مناسب زيارتها. لكن في حال تركيا، فالرسالة التي وصلتنا من شركائنا المحليين هي أن الابتعاد من المنطقة يتسبب بضرر أكبر".

عندما زارت أولى الفرق من Travel the Unknown المنطقة، عبر لها مضيفوها والباعة في الشوارع عن امتنانهم القلبي لمجيئها. ويقول أغاروال "لا شك في أن وظيفة الإعلام هي تغطية هذه الأحداث، لكنني لا أظنهم يدركون سهولة محوهم مدينة أو منطقة كاملة بسبب تغطيتهم".  ومن الأمثال مدنية غازي عنتاب التي ركزت معظم وسائل الإعلام عليها في تغطيتها لزلزال تركيا (في الواقع، كان مركز الزلزال جنوب شرقي إكينوزو التي تبعد أكثر من ثلاث ساعات بالسيارة).  ويضيف "في إحدى أولى رحلاتنا بعد ذلك، وصلنا إلى غازي عنتاب وكانت مستعدة لاستقبال الزوار إجمالاً. تضم المنطقة بعض أجمل متاحف الفسيفساء في العالم". لكن كثيرين أصبحوا يعتبرون 'غازي عنتاب' الوجهة التي عليهم ألا يقصدوها، فيما ألغى سياح رحلات إلى مناطق تبعد مئات الكيلومترات، من قبيل إسطنبول أو أنطاليا. 

كما يمكن لمنشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي يكتبها مشاهير ومؤثرون أن تفتقد إلى السياق الضروري للسياح الذين يحاولون اتخاذ قرار واع. فالعديد يرون تحذير "لا تسافروا" بعد أسبوع من الكارثة، فينتهي بهم الأمر إلى إقصاء هذه الوجهة من رحلاتهم في المستقبل المنظور. لدى جيونسون آراء متضاربة تجاه تحول المشاهير الموجودين في البر الرئيس للولايات المتحدة إلى صوت كارثة ماوي. ويقول "بعض الذين قالوا للناس 'لا تقتربوا' كانوا مشاهير معروفين جداً وليسوا بالضرورة من هاواي. وفي الأسابيع التي تلت الحدث، زار بعضهم المنطقة وتحدثوا إلى الأشخاص على الأرض وغيروا رسالتهم، لكن رسالة 'لا تقتربوا' تنتشر بسرعة أقرب من 'تعالوا لو سمحتم'".    

طرحت المصادر المطلعة على القطاع رأياً موحداً بشأن آداب الزيارة: ابتعدوا عن أي منطقة متضررة بشكل مباشر خلال الأسابيع التالية، وابقوا على اطلاع دائم بتوجيهات السلطات المحلية بشأن الأماكن التي يمكنكم زيارتها (يخصص موقع gohawaii.com صفحة للتحديثات بشأن ماوي). فكروا في زيارة مناطق أخرى من أجل مساعدة اقتصاد البلاد وجهود الانتعاش. لو كنتم تشعرون بانزعاج حقيقي من زيارة المكان في أعقاب الحدث، أجلوا رحلتكم لكن لا تتخلوا عن الذهاب إلى تلك الوجهة في المستقبل.

ويمكن لأماكن الاستراحة والرحلات والإقامة التي تختارونها أن تساعد كثيراً. فالإقامة في فنادق محلية وبيوت ضيافة واللجوء إلى دليل سياحي محلي وتناول الطعام في مطاعم صغيرة كلها أمور تدعم السكان مباشرة، أكثر من الإقامة في فندق من سلسلة الفنادق العالمية. تفضل كل من Intrepid Travel وTravel the Unknown هذا النوع من المسارات. والأهم برأي أغاروال، هو "ألا تفترضوا بأنكم تعرفون مصلحة السكان المحليين. لا شك في أنهم بحاجة إلى وقت للحزن لكن تأجيل السفر لأشعر عدة أو سنة أمر متطرف. استمعوا إلى ما يقوله السكان المحليون". خلال تعاملاته مع تركيا والمغرب، كان الخوف الأكبر هو أن تعد البلاد بأكملها "غير آمنة" مما يؤدي إلى تراجع طويل المدى في السياحة.

ولهذا الخوف ما يبرره. بعد التظاهرات التي أفضت إليها الأزمة السياسية في سريلانكا في ربيع عام 2022، لم يصل إلى الجزيرة سوى 194506 سائحين على امتداد الموسم الرئيس الممتد بين ديسمبر (كانون الأول) 2022 ويناير (كانون الثاني 2023) - أي أقل من نصف الوافدين إلى البلاد بين ديسمبر 2019 ويناير 2020، البالغ عددهم 470097 نسمة. وعديد من هذه الوجهات استعادت توازنها منذ فترة قريبة فقط بعد توقف حركة السياحة بسبب "كوفيد". حتى السياح الذين يقصدون خيراً بتحويل رحلاتهم من مراكش إلى شمال المغرب يفوتون على أنفسهم فرصة مساعدة الضحايا، كما يقول بلاب الحمومي من شركة Inclusive Morocco السياحية. ويشرح بأن نحو شخصين من بين كل ثلاثة أشخاص في مراكش لديهم في جبال الأطلس شخص يعتمد على دخلهم". ويساعد إنفاق المال هناك بشكل مباشر القرى التي لا يمكن للسياح زيارتها في الوقت الحالي.  

لكن ماذا عن الشعور البغيض بأننا نلتقط صور السلفي على بعد أميال قليلة من المناطق التي ما تزال ترزح تحت وطأة الكارثة؟ يقول إيليهيا حيونسون إن السياح الذين يزورون المناطق بوعي وتعاطف سيلقون ترحيباً. عندما نسافر، علينا أن نتحلى دائماً بحساسية تجاه كوننا ضيوفاً في منزل أحدهم، كما يقول، لكن في أعقاب الكارثة، يجب أن نضاعف هذه الحساسية ثلاث مرات. ما يزال الجو العام في جزيرة ماوي قاسياً بعد مرور ستة أسابيع على الحرائق. لكن في المقابل، يقول الحمومي إنه رأى كيف "ارتفعت معنويات" السكان المحليين في مراكش بعد وصول الزوار الأوائل إلى المدينة.

ويعتبر جيونسون أن مستويات التعاطف والصبر التي يتحلى بها السياح أهم بكثير من توقيت وصولهم. ويقول "من الآراء التي سمعتها مرات عدة 'افسحوا المجال للناس'. أي مثلاً كأن تمتنعوا عن سؤال كل شخص تلتقونه إن خسر شخصاً أو إن كان يعرف شخصاً فقد أحدهم". وأن تعرفوا بأن الشخص التالي الذي تلتقون به ربما خسر منزله أو شركته. ويشعر بضرورة أن يوضح أن "أموراً مثل التوقف عند حافة الطريق لالتقاط صورة المنطقة المحترقة من فوق؟ هذا مهين".    

إذاً، أرجوكم أن تذهبوا، لكن اذهبوا بأعين مفتوحة وواعية- وسيروا بحذر وهدوء عندما تدخلون منزل شخص آخر. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات