Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظرة من داخل الموجة الجديدة لموسيقى الاعتراض والمقاومة في كشمير

مجموعة صاعدة من الفنانين تحاول وسط القمع والتعتيم لفت الانتباه إلى واقع شعب عالق بين أمتين متخاصمتين. شسواتا كوندو تشودهوري يتحدث مع أشخاص شغفهم الموسيقى في مواجهة الواقع الصعب

الموسيقيون الكشميريون الذين يعبّرون عن واقع الحال في ديارهم (اندبندنت)

"ريهام كاراين"، تعبير باللغة الأوردية يعني "كن رحيماً"، وهو يستخدم بإسراف في الأفلام الهندية، خصوصاً في المشاهد التي تصور أشخاصاً ضعفاء لا حيلة لهم وجدوا أنفسهم عالقين في ورطات أوقعهم بها الأشرار. وكما في الأفلام الهندية، كذلك في كشمير، إحدى أكثر المناطق المعسكرة في العالم، كونها موضوع نزاع بين الهند وباكستان منذ سنة 1947، يتداول السكان الأصليون هذا التعبير، إلا أنه يبقى نداء مكتوماً لا يستجاب أبداً. "كن رحيماً" هو أيضاً عنوان أغنية.

كتب الأغنية المذكورة الشاعر زيشان جايبوري وغناها مغني الروك علي صاف الدين، وقد غدت "ريهام كاراين" أغنية تخاطب الوجدان وتعبر عن الحياة في وادي كشمير، وقد أطلقت دون غيرها من الأغاني في شهر فبراير (شباط) من العام الجاري. أما الشخصيات المصورة في الفيديو فهي من صلب الواقع المعيشي، أي مجموعة نساء أرامل، وأيتام، وأمهات ثكالى، ومتعاطي المخدرات، وشبان وجوههم مليئة بالأسى، كلها رازحة تحت وطأة قمع رجال الشرطة بجزماتهم العسكرية وتجهيزات مكافحة الشغب. وتأتي موسيقى الروك وفي مقدمتها نغمات الغيتار المدوية، محملةً بثقل موضوع الأغنية وسرديتها.

لا شك أن الحياة المدمرة تلك هي نتيجة مباشرة لثلاثة عقود من الاضطرابات في الوادي الذي يفصل الهند وباكستان. لكن اليوم، ثمة موجة جديدة من الموسيقيين الكشميريين الذين يتكلمون عن واقعهم الحياتي في أغانيهم، على غرار صاف الدين وأليف وراموز، الذين أتوا بموسيقى الروك إلى أرض المعركة. وكان مشهد موسيقى الهيب هوب على وجه التحديد قد شهد تطوراً لافتًا في السنتين الماضيتين مع ظهور فناني الراب أمثال "قافلة" و"أحمر" و"أس إكس آر" والثنائي "أس أو أس" (سترايت أوتا سريناغار)، الذين تعكس أغنياتهم الحياة في ظل العنف.

ومن هذا المنطلق، استوحى صاف الدين، الذي يبلغ 29 سنة، كتابة أغنيات الاحتجاج بعد أن تعرض للضرب على يد قوى الأمن بتهمة رمي الحجارة (رشق القوات الهندية وشرطة جامو وكشمير بالحجارة) عندما كان مراهقاً. وتوفق أغنياته بين الفولكلور الكشميري والأنماط الغنائية الجريئة الهادرة، المستلهمة من موسيقى الغيتار. ويظهر ذلك جلياً في أعمال ألبومه الصادر سنة 2020 بعنوان "تسجيلات بيتية"Home Recordings . أما كلمات أغانيه فتحمل رسالةً هي الأخرى قاسية. فأغنية "توم كينتي جاوان ماروغي" Tum Kitne Jawan Maroge، على سبيل المثال، التي كتبت خلال الفترة التي اندلعت فيها أعمال الشغب سنة 2016 أعقاب مقتل قائد المجاهدين برهان واني، الذي تعتبره الحكومة الهندية إرهابياً. سقط واني إثر اشتباك مسلح مع الجيش الهندي، الأمر الذي اعتبره البعض قتلاً ممنهجاً على يد الدولة، ما دفع بأعداد كبيرة من الشبان الكشميريين للنزول إلى الشارع تنديداً، وقد أدى ذلك إلى انتفاضة شعبية أودت بحياة 120 مدنياً رمياً بالرصاص، وفق تقرير "ذا دبلومات".

ويتناول صاف الدين عبثية قتل الشبان الكشميريين، فيغني باللغة الأوردية: "كم من الشبان سيقتل، من كل بيت سيخرج شاب\ والدماء التي تجري في العروق، ستفيض بالجنون".

في حديث عبر مكالمة هاتفية يقول صاف الدين من سريناغار، إحدى أكبر مدن المنطقة، إن الهوية الكشميرية باتت اليوم على المحك. فيذكر قائلاً "تواجه الثقافات المحلية الأصلية تهديداً بفعل العولمة – فالأشياء التي ورثناها من أجدادنا تتعرض باستمرار للاضمحلال نتيجة انفجارات عالم المعلومات الجديد". يتابع "أما العامل الآخر فيتمثل بالنزاع السياسي، إذ إن الهند لم تعترف بكشمير كدولة" (والحال أن الحكومة الهندية سحبت مشروع دولة جامو وكشمير من التداول في أغسطس (آب) 2019، وقامت بتقسيمهما إلى مناطق يتم حكمها فدرالياً).

كذلك، وفي الخامس من أغسطس 2019 تعرضت كشمير، التي شهدت مواجهات دامية بفعل عملية التقسيم الأولى بين الهند وباكستان، إلى تجريدها من ضمانة سلامتها، أي إبطال العمل بالمادة 370، التي ينص عليها الدستور الهندي والتي تضمن وضع كشمير الخاص، وإلغاء حكمها الذاتي على أراضيها. وعلى الأثر، إرسال آلاف الجنود (الهنود) الإضافيين إلى المنطقة، ووضع بعض القادة السياسيين الكشميريين تحت الإقامة الجبرية، وفرض منع التجول، وعزل الوادي، وحظرت حركة الاتصالات – فأوقِفت شبكتا الهاتف والإنترنت على مدى شهرين.

أما العقارات، التي كان يتعذر في السابق شراؤها على غير الكشميريين، فباتت اليوم معروضة للبيع لمن يرغب، الأمر الذي يفتح المنطقة أمام سياسات إعادة التوطين، حيث يمكن تأمين حوافز للقادمين من خارج الوادي كي يأتوا ويتملكوا ويعيشوا فيه، ما يجعل اقتصاد كشمير ومواردها الطبيعية أكثر عرضة للاستغلال. وقد وصفت الحكومة (الهندية) هذه الخطوة بالضرورية لاجتذاب الاستثمارات الخارجية، ومعها النمو الاقتصادي لوادي كشمير وشعبه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن هذه التحولات يقول فنان الراب "أحمر": "هناك أشياء تحصل كل يوم ولا يريدها الكشميريون"، مشيراً إلى الآليات والوسائل التي تعتمدها الحكومة. ويتابع قائلاً إن "الموارد تنضب". تجدر الإشارة إلى أن "أحمر" منح موسيقى المقاومة الكشميرية دفعاً كانت في أمس الحاجة إليه، وذلك مع إطلاق ألبومه الأول الصاعق سنة 2019 بعنوان "ولد صغير، أحلام كبيرة"، الذي يغني فيه معاناة عائلته.

كما أن الألبوم المذكور يعكس "صورة" فظيعة عن كشمير كما يُراد للعالم الخارجي أن يراها – فيتناول في كل أغنية تقريباً الجرائم وحوادث الاغتصاب والخطف وانتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة. ففي أغنية "إلان" Elaan ينشد في اللغة الأوردية: "من أين آتي؟ من أخطر مكان على وجه الكوكب\ العدالة، يحجبونها، الانتهاكات يفرحون بها، هنا\ إن لعقت صراميهم، نجوت، وإن دافعت في سبيل الحق، عوقبت".

وتتميز موسيقى هذا الألبوم، وهو من إنتاج ساجيل كابوور المعروف باسم Sez on the Beat، بإحساس سوداوي متنافر. وهي أيضاً موسيقى ساطعة. إذ من بين حرقة الآلام في الأغاني يكاد المرء يستشعر أشجار الشينار في كشمير، والجبال المرقطة بالثلج، والسحر الذي جذب المتصوفين منذ دهور.

السياح من جهتهم يأتون بكثافة أيضاً إلى المنطقة، وهذا أمر طبيعي. والحال أن تزايد ثقافة السياحة بعد إبطال العمل بالمادة 370 يضفي شعوراً بأن الأمور طبيعية وعلى خير ما يرام، فلا يترك المجال للقادمين إلى كشمير من الخارج تكوين فكرة عن سوء الأحوال. وفي هذا السياق، يشرح الفنان "أحمر" قائلاً: "هناك واقع بديل مصطنع، وإلا فإن أجندة الحكومة [الهادفة إلى إظهار أن الوضع طبيعي] سوف تنهار".

بيد أن الفوضى العارمة التي تسيطر على الحياة الواقعية في كشمير تعكس الخوف الذي يشعر به سكان المنطقة. فبالتوازي مع الظروف الاقتصادية البائسة وتأثير الجائحة الكارثي على الشعب، فإن الحياة الثقافية تحديداً تلقت ضربة قاضية. بالتالي، أزيحت أنماط الموسيقى الفولكلورية الكشميرية إلى الهوامش، ولم يعد لعازفي ذاك النمط الموسيقي التقليدي من مصدر عيش سوى الأعراس.

 

حتى اللغة المحلية الكشميرية بدأت تتلاشى في ظل اللغات المسيطرة، مثل الأوردية والإنجليزية. وفي هذا الإطار، يقول صاف الدين الذي يغني باللغتين الكشميرية والأوردية: "أحد أكبر مخاطر وقوع أمة تحت الاستعمار أو الاحتلال هو أن تغدو هويتها على المحك، وتكون اللغة أول من يتعرض للخطر". يتابع قائلاً، "لكي تتمكن من غرس الشعور بالاعتزاز بلغتك، ينبغي أن تتزامن مع الحقبة المعاصرة التي تعيشها، وألا تنفصل عن جذورها. أعتقد أن الموسيقى التي أنتجها تجعلنا نفتخر بكوننا كشميريين".

وكان أبناء الأجيال السابقة يعتبرون أن تربية أولادهم على التحدث باللغة الإنجليزية يؤمن لهم فرصاً أفضل للنجاة ويفتح لهم أبواباً في العالم. وهكذا، تحولت اللغة الكشميرية إلى شبه "محرمة" لاعتبارها غير "ثقافية". بيد أن النهضة الجديدة التي تشهدها الموسيقى الكشميرية تغير تدريجاً هذا الواقع.

أما مطلق موجة موسيقى المقاومة، فهو روشان إللاهي، المعروف باسم "أم سي كاش". وكان الأخير في سنة 2010 قد أطلق أغنية ضاربة بعنوان "أنا أعترض" I Protest، غدت بين ليلة وضحاها أغنية كاسحة على "يوتيوب". وجاءت الأغنية باللغة الإنجليزية كي تصل إلى الجمهور أوسع خارج كشمير، وسردت وقائع العيش المريرة في الوادي، تلك الوقائع التي لا يعرف عنها الناس خارج المنطقة سوى القليل.

تقول الأغنية: "أعترض على الأشياء التي اقترفتموها\ أعترض من أجل الأم التي فقدت ابنها\ أعترض من أجل أخي الذي مات\ أعترض في وجه الرصاصة التي اخترقت رأسه\ أعترض، وسأرمي الحجارة ولن أهرب أبداً\ أعترض لكي أنال حريتي".

على الأثر بعد إطلاق تلك الأغنية داهمت قوات الأمن الاستديو الذي تم فيه التسجيل، وجرى حذفها من "يوتيوب" – بيد أن الفيديوهات التي صنعها جمهور المعجبين ما زالت موجودة (على الإنترنت). اليوم لم يعد "أم سي كاش" يصنع الموسيقى. بيد أن ألبوم الفنان "أحمر" يضم أغنية عنوانها "روشان" تتضمن تسجيلاً لمقابلة يكشف فيها "أم سي كاش" عن كيفية قمع موسيقاه وصوته. كما أن جميع الفنانين الذين قابلتهم لكتابة هذه المقالة قالوا إن كاش واجه اعتداءات وحشية، وإن الآخرين باتوا خائفين من اعتبارهم مقربين منه، وذاك ردع الفنانين الكشميرين من صناعة موسيقى الـ "هيب هوب". إلى أن ظهر "أحمر" في قلب المشهد. وحين سألته إن كان خائفاً من مواجهة ما واجهه "كاش" نفسه، سارع "أحمر" إلى الرد قائلاً: "لو كنت خائفاً، لما كنت أقوم بما أقوم به الآن".

بموازاة هذا، بدأت فرقتان لموسيقى الروك – "بارفاز" من بانغالور، و"أليف" من بون – بإظهار اهتمام من قلب الهند بالموسيقى والأغاني باللغة الكشميرية، بالتالي بالحياة في كشمير. وجاءت أغاني هاتين الفرقتين بالأوردية والكشميرية لتشكل سابقة مستجدة، سيما أن "بارفاز" على وجه الخصوص لاقت جمهوراً عريضاً.

أما "أليف" من جهته فقد رسى عند الشعر الصوفي الكشميري، ودمجه بموسيقى روحانية من نمط الروك. لكن على الرغم من عدم ميله للمواجهة مثل أقرانه فناني الراب، إلا أن أغانيه تتناول الواقع الإنساني وتهتم بحياة الناس المستمرة على الرغم من الظروف القاسية في منطقة وادي كشمير.

وثمة أغنيتان لاقتا رواجاً كبيراً في أوساط الكشميريين، هما "جهلوموس" و"إكيبانا". الأولى تتناول عزم النساء وبقائهن قويات على الرغم من كل ما واجهنه. والثانية تتناول الثقة المطلقة بالناس والأحلام.

وعلى الرغم من صدور الأغنيتين المذكورتين من تجارب شخصية، إلا أنهما تلامسان معاني أوسع في المجتمع الكشميري، فتتناولان الموت والخسارة ومرونة الناس الذين عليهم مكابدة عواقب الموت والخسارات. بيد أن العمل الأكثر صلة بالواقع والأعمق من الناحية التنبيهية من بين أعمال فرقة "أليف" هو من دون شك "مالال كيا هوا"، الذي جاء ضمن ألبومهم الأول "صوفايد" (2017) متناولاً مسائل الاكتئاب والصحة النفسية.

في هذا السياق يقول "قافلة"، فنان الراب ابن الـ 26 سنة، إن "الاكتئاب موجود في هواء كشمير، ويتمثل خصوصاً باضطرابات ما بعد الصدمة". "قافلة" من جهته هو من المعجبين جداً بأغنية "مالال كيا هوا". كما أن هذا الفنان الشاب، الذي لم يصدر أكثر من ثلاث أغنيات حتى الآن، لا يتهاون في أعماله بالاعتراض على المظالم. في أغنيته "فرار" يردد الكورس في الخلفية: "نا مين غولام تيرى\ نا مين غدار" (أنا لست ألعوبتك\ أنا لست خائناً)، وهي رسالة واضحة لكل من في السلطة، بأنه لن يخضع. ويذكر "قافلة" "يمكنك قمع الناس لدرجة إسكاتهم، لكن لا يمكن كسرهم أو تغيير ما في قلوبهم".

لكن مقابل الوثبة الواثقة الجديدة للموسيقى الكشميرية، يبقى أولئك الموسيقيون عاجزين عن الوصول إلى جمهور يتجاوز جمهورهم الراهن. ويشرح "قافلة"، وهو عضو في مجموعة "كوشور كوليكتيف" المؤلفة من فناني راب يواجهون السلطة، فيذكر: "معظم الكشميريين لا يهتمون بأمر الفنانيين. الناس هنا يعيشون بعزلة، ويهتمون بشؤونهم الخاصة – إنها عزلة عائلية. فهنا إن نجوت بيومك، تكون قد حققت إنجازاً. لا أحد لديه وقت كاف للفن". كما يذكر أن هدفه وأصدقاءه يتمثل بنشر اللغة والثقافة الكشميرية.

غير أن الحاجز الأكبر في وجه انتشار هذه الموسيقى يبقى خفياً. في هذا السياق، قال لي بعض الفنانين إن ثمة "حظراً مقنعاً" – وهو طريقة خبيثة لحجب محتويات طرف معين على منصات الإنترنت، وذلك للحد من انتشارها المحتمل، فيما يبقى الطرف المعني غير مدرك لحجب محتوياته – تطبقه السلطات (الهندية) كي تحبط الأغنيات وتحول دون انتشارها ووصولها إلى الجماهير. ويشير تقرير لـ "ائتلاف مجتمع جامو كشمير المدني" حمل عنوان "حصار الإنترنت في كشمير" إلى أن "الحظر المقنع" هو واحد من وسائل عديدة تطبق في سياق انتهاك الحقوق الرقمية (أي حق الوصول إلى الإنترنت) في كشمير، وهذا "يؤدي إلى إسكات تعبيرات حقوق الإنسان عند الكشميريين العاديين، وإلى تقويض الفرص والتطلعات". وإلى جانب الحظر الرقمي الكامل، جرى أيضاً الحد من سرعة الإنترنت القصوى وتحجيم مقدار معلوماته في كشمير وحصر تلك السرعة بمعدل "2 جي" معظم أيام السنة الماضية في خضم الجائحة (قمنا عدة مرات في "اندبندنت" بالاتصال بالسلطات الكشميرية لسؤالهم عن مسألة [الحظر المقنع]، لكنهم رفضوا الاستجابة).

كذلك تعد مسألة ندرة أماكن الحفلات والمسارح عائقاً إضافياً آخر في طريق انتشار هذه الموسيقى والأغاني. إذ ما عدا بعض المقاهي، ليس أمام الموسيقيين أمكنة لتقديم عروضهم ونشر فنهم. ويصرح "قافلة": "القيمون على هكذا أماكن يبقون حذرين من استضافتنا بسبب مضمون موسيقانا". كما أن الصالات الكبرى التي تمتلك تجهيزات مناسبة هي في الغالب ملك للحكومة، وذاك بحد ذاته عائق كبير.

في الآونة الأخيرة، تحدثت مقالة لـ "نيويورك تايمز" عن حملة قمعية تعرض لها شعراء كشمير الذين يكتبون عن المقاومة أو يتكلمون بوضوح عن تعرضهم للتهديد. وقد ذكرت المقالة أن عدداً من الشعراء جرى استدعاؤهم من قبل الشرطة للتحقيق معهم، مشيرة إلى تكميم مظاهر حرية الكلام والتعبير، ما يعني أن أولئك الفنانين لن يكون بوسعهم التحدث لفترة طويلة عما يتعرضون له.

 

 

في هذا الإطار يشعر أفراد فرقة الروك "راموز" أن الحرب النفسية أعلنت على الفنانين الكشميريين. ويقول قائد الفرقة المذكورة، زيشان نبي: "هناك تكتيكات مختلفة. تخيل مثلاً أنني كتبت أغنية وجرى حذف تلك الأغنية من التداول – لماذا يحصل هذا؟ لأننا نحن كمجتمع وشعب نمثل شيئاً. أن نكون كشميريين ونحيا كما نحن، هما صميم الفكرة التي تكتمها المعارضة. لهذا هي فكرة تشكل تهديداً". وحين سئل نبي إن كان واجه أمراً غير متوقع بصفته الشخصية، قام بحرف السؤال وأجاب: "المراقبة هي حقيقة. جميعنا واجهنا أمراً في مرحلة ما من حياتنا". ففي بلاد يمكن للمرء فيها أن يرى سلاحاً وعساكر كلما اجتاز 20 قدماً، والشوارع محصنة ومقسمة بالأسلاك الشائكة، تمثل المراقبة حقيقة مرة. ووفق تقرير أعدته "ذا برينت" صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، كان هناك قرابة 350 ألف عنصر أمن وحرس حدود في مواقع داخل جامو وكشمير.

من جهته، يقول فنان الراب "أحمر"، إن موسيقى الراب تمثل وسيلة واضحة للكلام بصوت عال عن المظالم التي يواجهها الناس هناك يومياً. ويشرح "أود أن أخبر الناس عن الحال السائدة عندنا وما يتوجب على المرء أن يفعله كي ينجو بنفسه في هكذا ظروف. [الهيب هوب] هو أنت ممثلاً شوارعك وسارداً للناس قصصاً لم يسمعوا بها. الأشخاص العاديون [هنا] ليس لديهم واسطة يعبرون بها، لذا فإننا نحاول أن نكون صوت شعبنا ومنطقتنا".

وعلى أثر إلغاء الفقرة 370 (من الدستور الهندي)، حين كان العالم منقطعاً عما يحصل في كشمير، أصدر "أحمر" أربع أغان في شريط يحمل عنوان "انقلاب"، وتصف تلك الأغاني واقع الحال السائدة على الأرض. ونظراً لتقييد شبكة الاتصالات وتدبير حظر التجوال، كان عليه إنتاج أغانيه بنفسه على نحو كامل.

وفي الأثناء، تشجع صاف الدين للانخراط في استديو تسجيلات "أحمر"، الذي يحمل اسم "تسجيلات آزادي"، وذلك كي يتيح لموسيقاه مزيداً من الانتشار. فهنا، يقول، "يمكن أن يغلق كل شيء في أي وقت، وسوف تكون معزولاً تماماً عن باقي العالم. لذا كي تصل لجمهور أكبر ولكي تطلق أغانيك فأنت تحتاج للمساعدة من الخارج".

فرقة "راموز" في سريناغار، التي كانت في أغسطس 2019 في طور تسجيل ألبومها الأول الذي لم يطلق بعد، تعرضت أعمالها للتجميد أيضاً عندما طبق تدبير الإغلاق لمدة شهرين. عن هذا الأمر يقول نبي: "لا أحد من الموسيقيين في باقي أنحاء الهند يعيش تحت وطأة هكذا أجواء عدائية لا تنعكس فقط على إطلاق الألبومات. ثم حلت الجائحة، فصارت عملية [تسجيل الألبوم] التي قد تنجز في ستة أشهر، تتطلب سنتين".

الموسيقى بالنسبة إلى "نبي" تمثل سبيلاً لشرح الوضع القائم. ويذكر الفنان: "صناعة الموسيقى ليست شغفاً وحسب. بل هي للبعض طريقاً للنجاة – ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضاً لتجاوز الصدمات التي يواجهها كثيرون من الناس، كما أنها مصدر للأمل. إنها سبيل غريب للتنفيس والتطهر". لكنه يضيف قائلاً إنه على الرغم من الخوف من السلطات والإغلاقات وقطع الإنترنت، وعدم توفر المسارح وأماكن العرض وصعوبة الظروف الاقتصادية، فإن مشهداً صغيراً للموسيقى المستقلة تمكن من التبلور في كشمير في السنوات الخمس المنصرمة. كما يأمل نبي أن يسلك هذا المشهد طريق النمو السريع قريباً.

وفجأة ينقطع الخط. أعاود طلب الرقم، بيد أن صوت العاملة الآلية يعلمني أن خط من أطلبه بات خارج تغطية الشبكة. ربما تعرضت الشبكة للتشويش مرة أخرى. أو ربما بدأوا تطبيق حصار جديد على شبكة الاتصالات. من يعرف؟ إنها كشمير.                                            

*نُشر المقال في 2 نوفمبر 2021

© The Independent

المزيد من فنون