Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل هناك أجسام تتحمل الألم أكثر من غيرها؟

الحساسية تجاه الأوجاع متوارثة بين العائلات من خلال خصائص جينية تماماً مثل الصفات الأخرى كلون العينين والشعر

لكل إنسان عتبة ألم خاصة به تختلف من فرد لآخر (بيكسلز)

ملخص

ما الألم؟ وما عتبته؟ وهل هناك من يتحمل الألم أكثر من غيره؟ ومتى يصبح عدم الشعور به خطراً على حياة الإنسان؟

الألم سر من أسرار الحياة البشرية وتركيبة جسم الإنسان بالغ الدقة، ولا أحد ينفلت من الألم في لحظة أو أخرى، لأن حياة بلا ألم أمر مستحيل، فهو يتسلط على المرء بشكل عابر أو مزمن بحسب الظروف، بيد أنه في غالب الوقت لا يكون سوى وعكة تدوم بضع ساعات لا يلبث المصاب أن ينساها حين يمر الأمر أو قد يكون ألماً مزمناً.

فمن المستحيل في الحياة الجارية أن ينفلت المرء يوماً من وجع في الظهر أو من صداع في الرأس أو من ألم أسنان أو خدش أو احتراق أو اصطدام بباب أو سقطة، فلائحة الآلام الصغيرة لا تنتهي، وهي تخترق حياتنا.

فما الألم؟ وما عتبته؟ وهل هناك من يتحمل الألم أكثر من غيره؟ ومتى يصبح عدم الشعور به خطراً على حياة الإنسان؟

إدراك الألم

يعرف عادل صادق في كتابه الألم النفسي والعضوي الألم بأنه "إحساس صادر من منطقة معينة في الجسم ظاهرة أو باطنة، كاليد أو الكتف أو الرأس أو المعدة أو الحلق، وإحساس صادر عن الجلد أو العضلات أو العظام الداخلية، والمخ هو الذي يدرك الألم الصادر عن أي مكان في الجسم، أي أن المخ هو الذي يجعلنا نشعر بالألم، وإذا فصلنا الرأس عن الجسم فإن الإنسان يفقد إحساسه بالألم".

ويتابع "الألم هو إحساس تصاحبه استجابات غير مستحبة، فخبرة الألم هي خبره معاناة، والمعاناة حالة نفسية، وعليه فالألم خبرة نفسية".

ويتابع "إذا تخيلنا جرحاً أصاب اليد، فهذا الجرح سينبه نهايات عصبية دقيقة عارية بسيطة، وهذه النهايات منتشرة على كل جلد الإنسان وهي تنقل أحاسيس الألم أو تنقل إحساساً ينتج منه استجابة غير سارة أو غير مريحة، وقد تكون هذه الاستجابة غير محتملة، أي لا يقوى الإنسان على استمرارها".

كل سنتيمتر مربع من الجلد يحتوي على هذه الأعصاب العارية، وحينما يتعرض الجلد للإصابة فإن هذا المؤثر يتسبب في إفراز مادة كيماوية تثير هذه النهايات العصبية، وهذه المادة غير معروفه حتى الآن، ربما هي البوتاسيوم أو الهيستامين أو مادة "ب". ثم ينتقل هذا التأثير بعد ذلك إلى مسارات الإحساس الصاعدة في الحبل الشوكي، وتظل في صعودها حتى تصل إلى منطقة في الرأس تعرف باسم المهاد الثلاموس حيث يدرك الألم.

عتبة الألم

ولكل إنسان عتبة ألم خاصة به، وهي ظاهرة ذاتية تختلف من فرد لآخر، وحتى تختلف عند الفرد نفسه مع مرور الزمن وباختلاف الحالة النفسية والعصبية، فهي ما يعرف بالحد الأدنى من شدة التحفيز الذي يمكنه إثارة الإحساس بالألم، أو النقطة التي يبدأ عندها الشعور بالألم.

وهناك مرحلتان للإحساس بالألم، الأولى بيولوجية كالجروح أو ألم الرأس، إذ تصل هذه الإحساسات إلى الدماغ وتخبره بأن هناك مشكلة أو خطباً ما، أما المرحلة الثانية فهي كيفية تفاعل الدماغ مع الألم، وتلعب التجارب والحوادث التي خاضها الفرد دوراً أساسياً في رد فعله على الألم وحساسيته تجاهها، إذ يمكن للدماغ أن يخفف أو يضخم الألم وفقاً للأحاسيس.

كما تلعب ما يسمى بـ"جينات الألم" دوراً في جعل بعض الأشخاص يشعرون بالألم أكثر من غيرهم، وتشير بعض الدراسات إلى أن حوالى 60 في المئة من اختلافات الشعور بالألم بين الأشخاص هي نتيجة لخصائص جينية وراثية، مما يعني أن الحساسية تجاه الأوجاع متوارثة داخل العائلات من خلال وراثة الخصائص الجينية، تماماً مثل الصفات الأخرى كلون العينين والشعر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قدرة التحمل

كما تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر بحسب الحالة الجسدية والذهنية، والتجارب المؤلمة والقاسية السابقة، والمحيط الذي يعيش فيه وما ينتج منه من تفاعلات معقدة بين العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية.

إضافة إلى أن الاكتئاب والقلق مثلاً يزيدان من حساسية الشخص للألم أو يفاقمان الشعور به، كذلك التدخين والبدانة. ويحدد نوع الجنس قدرة الفرد على التحمل، إذ يعتقد أن المرأة تتحمل الألم أكثر من الرجل وذلك لربطه بقدرتها على تحمل آلام المخاض المتكررة.

ولكن عام 2012 اكتشف الباحثون في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأميركية وبعد مراجعة 11 ألف حالة بأن المرأة تميل لتشعر بالألم بشكل أكثر شدة، فهي تأخذ نقطة أعلى في مقياس تصنيف الألم مقارنة بالرجل، وهذا يطابق دراسة سابقة أجريت عام 2009 في جامعة فلوريدا أظهرت أن المرأة تبدي حساسية أكبر تجاه معظم أشكال الألم، فمن خلال التجارب تبين أن للرجال عتبة ألم أعلى من النساء، وعزوا ذلك إلى أن أجسام الرجال تفرز مواد كيماوية حيوية لتخفيف الألم مثل هرمون "البيتا إندروفين".

بلا إحساس

وعلى رغم أن الألم قد يتجاوز قدرة البشر أحياناً، مما قد يضطر المرء إلى أن يتوقف عما يفعله ويعيره انتباهاً، إلا أن الألم هو نعمة للجسد الإنساني، وهذا ما قد يتوصل إليه الإنسان عند معرفة أن هناك أشخاصاً لديهم تشوه خلقي نتيجة وجود طفرات وفراغات في جينات محددة، إذ يصبح الشخص غير قادر على الإحساس بأي ألم، وهذا الشخص بحسب دافيد لوبورتون في كتابه "تجربة الألم"، "شخص مهدد في حياته على الدوام، فهو يجهل العدوان الذي يتعرض له جسده ولا ينتبه لآثاره، إذ يتعرض للجرح أو الكسر أو الحرق في أي عضو من أعضائه من دون أن يشعر بشيء، وهؤلاء يموتون باكراً".

ويتحدث الطبيب الجراح ريشارد سيلزيت عن قصة امرأة خضعت لجراحة، وكانت ترقد في المستشفى حين جاء لمعاينتها، إذ وجدها في المرحاض وهناك سائل يتسلل من تحت الباب، واكتشف بعدها أنها كانت منبطحة على الأرض ويدها محشورة في صدرها فصدم لما رآه وسألها، فأجابت "هل كان يجب أن أشعر بالألم، لكني لم أشعر بشيء".

وعن هذا يقول لوبورتون، "تكمن مفارقة الألم في كونها تمنحنا الإحساس بأننا أحياء وتقيم الحدود الفاصلة بين الذات والعالم، فالفرد يوجد حيثما يمسه الألم، وإذا لم يوجد الألم فقد يشعر بأنه لا شيء".

وهم أم حقيقة

هي ذاتها نتيجة التجربة في عدم الإحساس بالألم التي دفعت بول براند ليكتب كتاباً بعنوان "هبة الألم"، وفيه يقول "لقد أصبحت أقدر لطائف الألم بمعالجة من لا يشعر بها"، كما تحدث عن متلازمة العضو الوهمي، إذ حينما يفقد أحدهم ساقه عبر بترها فإنه يظل يشعر بألم وجودها، ويقول "على رغم أن الأطباء قد يعودون لبتر وقص الأورام العصبية، ولكن الدماغ يسعى إلى إحياء نسق الذكريات المتعلق بالعضو المفقود".

وهذا يشبه ما تحدث عنه عادل صادق، إذ يقول "إن الألم قد لا يكون فقط استجابة، فقد يكون هناك وجود للألم من دون استثارة النهايات العصبية، أو من دون أن يكون هناك مصدر للألم"، ويتساءل "هل يمكن أن تشعر بالألم فقط في جسدك من دون أن تتحرك مشاعرك وأفكارك بالألم أيضاً؟"، ويجيب "الألم ليس فقط ظاهرة حسية مجردة، بل لا بد أن تصاحبه حالة وجدانية إما سارة أو غير سارة، لذلك فهو يكتسب معنى لكل إنسان".

ويتابع "لكل ألم رداء يرتديه وتخلعه عليه عواطفنا، وهي التي ترسم آلامنا وتحركها وأحياناً تصنعها، فعواطفنا هي التي تسيطر على النهايات العصبية والمسارات الحسية والثلاموس وليس العكس. فالبداية تبدو وكأنها انطلقت من الجزء المتألم من الجسم إلى الأعصاب فالعقل، ولكن المسار الحقيقي هو من العقل إلى الجسم، من الوجدان أو الفكر إلى مصدر الألم في الجسم، الذي قد يكون حقيقة أو وهماً".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات