Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستؤثر فوضى الكونغرس في الولايات المتحدة؟

تسيء للديمقراطيين وتضر الجمهوريين وقد تؤدي للإغلاق الحكومي وتعطل عزل بايدن

إطاحة رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي  في سابقة تاريخية   (أ ف ب)

ملخص

تعيش واشنطن حالة من الفوضى عقب الإطاحة الأولى من نوعها في التاريخ برئيس مجلس النواب الأميركي

الإطاحة الأولى من نوعها في التاريخ برئيس مجلس النواب الأميركي من منصبه التي دفع بها اليمين المتشدد في الحزب الجمهوري بمؤازرة الديمقراطيين في المجلس، تركت واشنطن في حالة من الفوضى والتساؤلات المقلقة حول مدى تأثير ذلك في الحزب الجمهوري وإمكان العمل المشترك بين الحزبين والإغلاق الحكومي المحتمل بعد شهر ونصف وجهود عزل بايدن، غير أن الغموض الذي يخيم على المشهد السياسي يضاعف من التكهنات ويعقد الحسابات حول التأثيرات المتعددة لما يجري على الولايات المتحدة.

حسابات مربكة

ربما لم يتصور سوى قليل من المراقبين وأعضاء الكونغرس أن التمرد ضد كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الذي قاده النائب مات غايتز ومجموعة صغيرة من الجمهوريين اليمينيين المتشددين الذين اشتكوا أن الرئيس الجمهوري للمجلس يعمل مع الديمقراطيين، سيحقق مراده، لكن التصويت بأغلبية 216 صوتاً (ثمانية جمهوريين متشددين و208 ديمقراطيين) مقابل 210 جمهوريين وأدى لإطاحة مكارثي، لم يشكل فقط صدمة لكثيرين، بل كشف أيضاً عن سوء تقديرات مكارثي وزيف ثقته المفرطة في قدرته على تخطي الامتحان الصعب.

كما سلطت هزيمة مكارثي الضوء على الانقسامات الواسعة داخل الحزب الجمهوري، وأوضحت أن الجناح اليميني في الحزب لن يتسامح مع القادة الذين يقدمون تنازلات للرئيس جو بايدن وحلفائه الديمقراطيين مثلما حدث أخيراً حينما صوت الديمقراطيون مع غالبية الجمهوريين لتجنب إغلاق الحكومة وإعطاء مهلة 45 يوماً للمفاوضات بين الجانبين.

أزمة عميقة

أدت هذه النتيجة إلى ما كان متوقعاً وهو إغراق مجلس النواب في أزمة عميقة، مع عدم وجود إشارة واضحة إلى من يمكنه حشد ما يكفي من الأصوات ليصبح الرئيس المقبل لمجلس النواب تحت تهديد الجناح اليميني نفسه في الحزب، خصوصا أنه من المحتمل بدرجة كبيرة أن يطالب غايتس وحلفاؤه بتنازلات كبيرة مقابل دعمهم لأي رئيس جمهوري جديد للمجلس، وإذا لم يحدث ذلك فقد يمكن للديمقراطيين أيضاً أن يحاولوا انتزاع تنازلات مقابل دعم رئيس جديد للمجلس يحظى بالإجماع، على رغم أن مثل هذه الصفقة ستكون غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث بحسب صحيفة "لوس أنغلوس تايمز".

لكن الأهم بالنسبة إلى الجمهوريين أن هذا التصويت يترك مجلس النواب والجمهوريين من دون قيادة بعدما فشل مكارثي في إدارة صراع مرير على السلطة داخل الحزب الجمهوري، الأمر الذي دعا النائب الجمهوري دون بيكون إلى المطالبة بطرد غايتس من المؤتمر الجمهوري، واصفاً إقالة مكارثي بأنها تصويت للفوضى من شأنه أن يضر بالكونغرس وبالولايات المتحدة، كما حذر من أن الجمهوريين سيكونون أضعف مما هم عليه الآن في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) العام المقبل.

لكن في المقابل تساءل الرئيس السابق ترمب، الذي أوضح أنه يؤيد إغلاق الحكومة، عن السبب الذي جعل الجمهوريين يتقاتلون في ما بينهم، وطالبهم بمقاتلة الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين الذين يدمرون الولايات المتحدة بحسب وصفه على موقع التواصل الاجتماعي المحافظ "تروث سوشيال".

هل يتأثر الجمهوريون؟

وفيما يحذر بعض أعضاء مجلس النواب الجمهوريين من الرسالة السلبية التي تحملها إقالة مكارثي وتأثيرها المحتمل في قرارات الناخبين في الانتخابات المقبلة، يرى مراقبون أن المعركة المطولة لتسوية مسألة أي جمهوري سيمسك بمطرقة رئيس مجلس النواب من شأنها أن تزيد من مشكلة الاقتتال الداخلي بالنسبة إلى الحزب، الذي أثبت خلال العقود الثلاثة الأخيرة أنه غير متماسك سياسياً بما يشكك في قدرته على قيادة البلاد وفقاً للمحلل السياسي في صحيفة "واشنطن بوست" أرون بليك، بخاصة أن اقتراحات إخلاء منصب رئيس مجلس النواب هددت الرؤساء السابقين للمجلس في الحزب الجمهوري، ويبدو أنها أسهمت في استقالة نيوت غينغريتش عام 1998، وجون بوينر عام 2015، إلا أنها لم تقد إلى أي عملية تصويت لإقصاء أي منهما مثلما فعلت مع مكارثي.

ومع ذلك فإن ذاكرة الأميركيين تبدو قصيرة نسبياً، وكثيراً ما يكون اهتمامهم ضئيلاً بالعمل الداخلي المعقد للكونغرس، وإلى جانب الاستقطاب المتزايد في المجتمع الأميركي، فإن هذا يجعل من الصعب التأكد من أي تأثير سياسي محتمل على رغم أن انتخاب مكارثي رئيساً للمجلس في المرة الأولى بعد 45 محاولة فاشلة للتصويت، خلقت انطباعات سلبية لدى أغلبية الأميركيين الذين كانوا غير راضين في استطلاعات الرأي عن الطريقة التي تعامل بها الجمهوريون مع العملية.

دروس التاريخ

غير أن استمرار الانقسام الداخلي بين الجمهوريين يهدد مستقبلهم السياسي، حسبما تشير تجارب التاريخ، ففي عام 1910، واجه الرئيس الجمهوري لمجلس النواب جوزيف كانون ثورة داخل الحزب أدت على رغم فشلها، إلى تعميق الانقسامات التي مهدت الطريق لصعود الديمقراطيين إلى السلطة، وعلى عكس مكارثي، الذي يوصف من كلا الحزبين بأنه ضعيف، فقد اتهم كانون بأنه طاغية، ولقبه زملاؤه بالقيصر حين تولى توزيع رؤساء اللجان على الأصدقاء وتحكم في التشريعات وتعديلاتها، وغير قواعد مجلس النواب في صالحه.

لكن في 19 مارس (آذار) 1910، صوت مجلس النواب على تجريده من سلطته المتعلقة بالقواعد بأغلبية 191 صوتاً مقابل 156 صوتاً بعدما تحالف ضده الديمقراطيون مع 30 جمهورياً الذين كانوا محبطين من سلوكه، غير أن كانون قال للمشرعين إنه على رغم إذلال خسارة التصويت، فإنه لن يستقيل ما لم يتم تمرير اقتراح لإخلاء منصب رئيس مجلس النواب، لكن خصومه فقدوا شهية التحدي والمواجهة، واستمر كانون في منصبه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وظل الجمهوريون منقسمين مما ساعد الديمقراطيين على السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي بعد بضعة أشهر، ثم في عام 1912، خاض الرئيس الجمهوري ثيودور روزفلت الانتخابات الرئاسية كمرشح رئاسي من حزب ثالث لإطاحة خليفته هوارد تافت، مما أدى إلى تقسيم أصوات الجمهوريين ومنح الديمقراطيين البيت الأبيض أيضاً.

وعلى رغم الفارق الزمني الكبير الذي يمتد إلى أكثر من قرن، إلا أن المخاوف لا تزال تنتاب الجمهوريين من خسارة ثقة الناخبين نتيجة لانقسام الجمهوريين.

 الإغلاق الحكومي

وفي حين لا يزال هناك ستة أسابيع قبل أن يطل شبح الإغلاق الحكومي مجدداً في 17 نوفمبر المقبل، ما يستدعي التوافق بين الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب والديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ، إلا أن التأثير الطاغي لليمينيين المتشددين الذين أطاحوا مكارثي يتوقع أن يستمر مع الرئيس الجديد لمجلس النواب، الأمر الذي يعني التشدد مع إدارة بايدن والديمقراطيين لتنفيذ مطالبات الجمهوريين حول تمويل أوكرانيا وقضايا الحدود والهجرة غير الشرعية، ولن يكون من المستغرب أن تغلق الحكومة إذا واصل الطرفان سياستهما بعدم تقديم تنازلات.

 لكن هذه السياسة قد تأتي بنتائج عكسية، بعدما ألقى الأميركيون اللوم على الجمهوريين أكثر بكثير من الديمقراطيين في الإغلاقات والمواجهات بشأن سقف الديون والميزانية في الأعوام 1995 و2011 و2013 و2019، وفي كل حالة تقريباً، أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية طفيفة ألقت باللوم على الجمهوريين، بينما ألقى حوالى 30 في المئة أو أقل باللوم على الديمقراطيين.

ويعتقد عديد من الجمهوريين أن الإغلاق الذي حدث في الفترة 1995-1996 أسهم في إعادة انتخاب الرئيس السابق بيل كلينتون بسهولة عام 1996، كما خسر الجمهوريون الانتخابات الرئاسية بعد معارك مماثلة في عامي 2011 و2019، وأدت أزمة سقف الديون في عامي 2011 و2013 إلى تراجع شعبية الحزب الجمهوري إلى أدنى مستوياتها، وكما قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أخيراً بأن عمليات الإغلاق لم تنتج قط تغييراً في السياسة، وكانت دائماً خاسرة سياسياً بالنسبة إلى الجمهوريين، فإن تكرار الإغلاق الحكومي قد يأتي بنتيجة مشابهة الآن.

الديمقراطيون قوضوا المؤسسة

غير أن الديمقراطيين أيضاً قد يضطرون إلى دفع ثمن عدم التوافق مع مكارثي، إذ يظهر تعاونهم مع التيار المتشدد من الجمهوريين أنهم لا يهتمون بالشراكة بين الحزبين التي طالما تعهدوا بها، إذ تتمثل فرضيتهم الأساسية في أن ما تحتاجه الولايات المتحدة هو تحييد العناصر المتطرفة في كلا المعسكرين السياسيين حتى تتمكن الأغلبية الصامتة المفترضة من الأميركيين من إعادة تشكيل نفسها وإرساء العقلانية في الحكومة، بحسب مايك مولفاني، عضو الكونغرس الجمهوري السابق، ورئيس هيئة موظفي البيت الأبيض بالإنابة في عهد الرئيس دونالد ترمب.

ولهذا السبب فإن تصويت الديمقراطيين لإقالة مكارثي كان مدمراً ومحبطاً للغاية بعدما انتقد الديمقراطيون رئيس مجلس النواب بسبب خنوعه لما يسمى اليمين المتطرف في حزبه، خصوصا أن مكارثي فاجأ كثيراً من الناس عندما طرح مشروع قانون تمويل مؤقت بدعم من الحزبين، لدرجة أنه حصل في النهاية على أصوات ديمقراطية أكثر من أصوات الجمهوريين، وكان متوقعاً أن يؤدي مشروع القانون إلى اقتراح بإقالة مكارثي الذي كان يعلم أن ذلك سيحدث وقال ذلك بالفعل، ومع ذلك تعاون الديمقراطيون بمن فيهم أصحاب شعارات التعاون والشراكة الحزبية في مؤامرة لإسقاط مكارثي الذي فعل بالضبط ما يريدون منه أن يفعله.

وعلى رغم تفهم مولفاني السياسة والمعارك الحزبية والانقسامات، إلا أنه كان من الممكن أن يقسم الديمقراطيون أصواتهم بسهولة بما يكفي لإنقاذ مكارثي، لكن ما فعله الديمقراطيون هو تقويض المؤسسة التشريعية والسياسية نفسها، إذ من الصعب تصور أن رئيس مجلس النواب المقبل، قد يفكر ولو لدقيقة واحدة في طرح مشروع قانون من الحزبين على مجلس النواب بعد ما فعله الديمقراطيون، ولهذا فقد أثبت الديمقراطيون أن رغبتهم في الشراكة بين الحزبين هي مجرد عملية إلهاء عما يريدونه حقاً، وهو السيطرة مرة أخرى.

التأثير في جهود عزل بايدن

وبصرف النظر عما انتهى إليه التصويت، فإن تداعيات ذلك لن تقتصر على الحزبين والإغلاق الحكومي، بل يمكن أن تمتد إلى التحقيق في قضية عزل الرئيس بايدن الذي يقوده الجمهوريون في مجلس النواب، إذ ظهرت تقييمات متضاربة من الجمهوريين حول كيفية تأثير التصويت الذي أطاح بمكارثي في تحقيقهم المترامي الأطراف، وبالنسبة لرئيس لجنة الرقابة جيمس كومر (جمهوري من ولاية كنتاكي) فإن التصويت لا يغير شيئاً، بينما وصف رئيس لجنة الطرق والوسائل بمجلس النواب جيسون سميث القرار بأنه انتكاسة للجهود الرامية إلى عزل بايدن، في حين لم يقل رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، جيم جوردان، الذي يراجع تحقيق وزارة العدل بشأن هانتر بايدن، الكثير عندما سئل عن مستقبل التحقيق، وقال فقط سنواصل القيام بعملنا.

وتعكس هذه التعليقات المتباينة حالة الفوضى التي شهدها مؤتمر الجمهوريين في مجلس النواب، إذ يسعى الحزب الجمهوري لاستبدال مكارثي، الذي تراجع الشهر الماضي عن موقفه بشأن فتح تحقيق رسمي لعزل بايدن تحت ضغط من أعضاء الحزب اليمينيين، وأعلن عن إجراء تحقيق قال إنه لا ينبغي أن يكون سياسياً.

لكن مكارثي فعل ذلك دون الدعوة إلى تصويت رسمي، مما دفع كثيرين إلى التكهن بأن الأمر لن يمرر في مجلس النواب، نظراً لمقاومة بعض أعضاء الحزب الجمهوري لهذا التحقيق، ويشير حلفاء مكارثي إلى أن الإطاحة به قد تؤثر في قدرة التحقيقات على الاستمرار وسط انقسام أوسع في التجمع الحزبي الجمهوري ولهذا السبب عبرت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، التي رعت مشاريع القوانين الرامية إلى عزل عديد من المسؤولين، عن قلقها من خطوة إقالة مكارثي.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات