Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تبني تل أبيب مقاربة جديدة مع واشنطن بعد لقاء بايدن نتنياهو؟

رئيس الدولة حذر من تبعات ما يجري ونبه للخطر الأكبر الذي يواجه إسرائيل في ظل انسداد الأفق السياسي والحزبي

نتنياهو حقق مكاسب حقيقية من لقائه أخيراً مع الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب)

ملخص

واقع إسرائيل مترد ويحتاج إلى حنكة وخبرة في التعامل، وفي ظل ما يجري من تطورات مفصلية، فإن السؤال: ماذا عن البدائل والخيارات؟

مع استمرار التطورات الإسرائيلية السلبية وحال عدم الاستقرار، فإن السؤال المطروح: إلى أي مسار ستمضي الأوضاع في الداخل الإسرائيلي مع التحذير مرة أخرى من احتمالات دخول تل أبيب في مواجهة مفتوحة وسقوط ضحايا جدد بالمواجهات، بخاصة مع استمرار التحريض من المعارضة من مغبة ما يجري وتأثيره الاقتصادي، وتضرر الشركات الدولية العاملة في إسرائيل، وبدء الخروج العاجل من السوق، لاسيما الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا والنانو تكنولوجي والمعلوماتية وغيرها.

خيارات محددة

تتحدث المعارضة عن خيارات مكررة منذ أسابيع عدة في شأن رفض برنامج الإصلاح القضائي، وليس فقط تمرير القانون من واقع جلستين في الكنيست، وهو ما تناور المعارضة الإسرائيلية على تجميده، أو في الأقل عدم العمل به، ويحتاج هذا الأمر إلى مراجعة من لجنة الدستور البرلمانية والغريب أن اللجنة ورئيسها هما من صاغ الخطة بل ويفاوض باسمها في المفاوضات الحزبية.

بالتالي فإن المراجعة تمت في ظل تشبث كل طرف بموقفه حتى الآن، وعدم وجود قوى تستطيع مراجعة موقف رئيس الوزراء نتنياهو في هذا الإطار، بخاصة أن الرجل حقق مكاسب حقيقية من لقائه أخيراً مع الرئيس الأميركي جو بايدن بصرف النظر عن عقد اللقاء على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في البيت الأبيض. المهم أن اللقاء تم في سياق ما أكد عليه الرئيس جو بايدن من أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة فولاذية، أي لن تتأثر بأية أزمات أو مشكلات، ومن ثم فإن نتنياهو لديه خيارات عدة.

الأول: الاستمرار في إدارة المشهد الراهن، كما هو مع اتباع استراتيجية المراوغة، وتغيير الخطاب من مكان إلى آخر وبالحديث باللغة الإنجليزية إلى الحديث بالعبرية، مما يؤكد أنه القابض على الخيارات الراهنة والمحتملة مع العمل على تهدئة كل الأطراف المعنية، بما في ذلك الليكود وجمهور اليمين الداعم والولايات المتحدة، لكن هذا الأمر سيكون مطروحاً لبعض الوقت، بخاصة أنه أمام استحقاق التنفيذ والمتابعة، ومن ثم سيصطدم حتماً باتخاذ إجراء في حال الوصول إلى حائط صد.

الثاني: القبول بخيارات وسط مع العمل من داخل حزب الليكود الذي بات يعاني حالاً من الانقسام جراء ما يجري، وهناك تخوفات حقيقية من استمرار المشهد الراهن، وتأثيره في الأوضاع السياسية والاقتصادية في إسرائيل، وكشف الاجتماع الموسع الذي تم في غياب نتنياهو، وقاده القائم بأعمال رئيس الوزراء وزير القضاء ياريف لفين، عن أن هناك حرصاً على بناء موقف موحد ومتكامل داخل الائتلاف وعدم تغيير المواقف والتوجهات، وهو ما تعمل عليه مكونات الائتلاف الراهن بهدف تمرير التشريعات القضائية وإتمام برنامج الإصلاح كما خطط له، والواقع أن مكونات الائتلاف لها موقف متماسك بالفعل ولا تريد الدخول في أي تنازلات.

موقف محدد

في مقابل ذلك فإن تصعيد المعارضة الإسرائيلية محكوم بضوابط عدة مهمة، أبرزها الفشل في تحريك المشهد الراهن في ظل قوة الحكومة وتماسك بنيانها وهو ما يؤكد رمزية ما يجري، وأن التعويل الحقيقي على موقف الولايات المتحدة سقط أو قل بعد لقاء بايدن ونتنياهو، ومن ثم فإن الأمر سيكون مرتبطاً بالداخل الإسرائيلي وبتصعيد إطار المواجهة الراهنة وتغير استراتيجيتها بدلاً من استمرار المشهد الراهن.

ويكفي هنا مراجعة شعارات التظاهرات بعد أسابيع عدة مطولة، منها "بايدن لا تبيض خطة نتنياهو الانقلابية" و"نتنياهو يحرق البيت" و"تخريب البيت من الداخل" وغيرها، في إشارة إلى أن المعارضة فعلياً لا تملك بدائل كثيرة باستثناء الاستمرار في التظاهرات التي قد تؤدي إلى حال من الخسائر الاقتصادية، مع فشل رئيس الدولة إسحق هرتسوغ ومن خلال جلسات عدة للحوار الوطني في التوصل لحل توافقي، بخاصة أن ما طرح لم يلق قبولاً من أي طرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستمرار حال التظاهرات يعني استمرار المشهد الراهن على ما هو عليه، بخاصة أن المعارضة الإسرائيلية عولت كثيراً على موقف أجهزة المعلومات وتقييمات جهاز الأمن الداخلي شاباك بأن المضي في تنفيذ برنامج الإصلاح القضائي سيكون مكلفاً، وله تأثيراته السلبية في أمن إسرائيل القومي، مما يشير إلى أن المعارضة سلمت بالاستمرار في المشهد الراهن، وعدم وجود حلول حقيقية يمكن التوصل إليها، لاسيما أن مكونات الائتلاف تعمل معاً، ولا توجد أية مناكفات أو صراعات في شأن برنامج الإصلاح القضائي، أو على المستوى الفلسطيني حيث يستمر الائتلاف الحاكم في تنفيذ خططه وبرامجه من دون توقف سواء في القدس، أو مناطق الاستهداف الاستيطاني التي جدد مجلس المستوطنات القومي خريطتها أخيراً في إشارة إلى الاستمرار في تنفيذ برنامج الائتلاف.

سيناريوهات واردة

بصرف النظر عن قرار المحكمة العليا (مؤجل إلى حين) وقد يأخذ وقتاً طويلاً للحكم بين ممثلين من الحكومة وممثلي الحركات القانونية المعارضة، فإن عقد المحكمة جلساتها للمرة الأولى في تاريخ الدولة منذ إنشاء إسرائيل، بكامل أعضائها، 15 قاضياً، يؤكد أن الأمر يتجاوز البعد القانوني إلى السياسي، على رغم تحذير قضاة المحكمة من أنها ستنظر في الأمر وفق مقاربة قانونية وليست سياسية، وهو ما رفضه ممثلو الحكومة بما في ذلك مسؤولون كبار في لجنة القانون والدستور في الكنيست، وقيادات الأحزاب المؤيدة لقرار رئيس الوزراء والقوى الداعمة له.

وأياً كان قرار المحكمة، فإن الداعمين لقانون الإصلاح القضائي سيرونه ماساً بمكانة الكنيست، وصلاحياته في شطب قوانين، أو عزل رئيس الوزراء أو غيرها من القرارات المتوقعة مما يعني اتهام المحكمة العليا بأنها فوق الحكومة والكنيست والشعب، بخاصة أن الاتهام المثار حالياً بأن الحكومة ضد الحكومة، وأن سبعة قضاة منهم يعتبرون ليبراليين وأربعة محافظين، وأربعة في الوسط، في إشارة إلى أن البعد السياسي قائم وموجود، وهو ما سيلقي بتبعاته على ما يجري قبل نظر حكم المحكمة العليا في موعد أقصاه الـ15 من يناير (كانون الثاني) المقبل، مما قد يعطي الفرصة للقوى السياسية للتوافق العام الشامل أو التدريجي، ومن ثم لن تكون المحكمة في حاجة إلى قرار، أو حكم نهائي يمكن أن يحدد بوصلة الحكومة المقبلة في المدى المتوسط.

تجاذبات قائمة

المشكلة التي تواجه إسرائيل ليس فقط في إمكان التوصل إلى اتفاق حاسم من خلال أي قرار للمحكمة العليا، بخاصة أن قضاة المحكمة يؤكدون أن الأمر مرتبط بالفعل بصيغة عدم المعقولية. أما الاستمرار في تنفيذ قانون الإصلاح بكل تعديلاته سيعني أن إسرائيل قد تذهب إلى مزيد من الانقسام لن يصلح معه أية تهدئة، أو توافقات في توقيت معين، بخاصة أن المجتمع بأكمله بات منقسماً بصورة كبيرة ويحتاج إلى ترميم كامل وإجراءات وتدابير حقيقية وليست مجرد مسكنات، أو توافقات شكلية لتمرير الأزمة.

إن كل ما جرى ويحدث في الداخل الإسرائيلي أدى إلى ارتدادات كبيرة على استقرار المجتمع وبنية الأحزاب المتصارعة، وعلى الجمهور الإسرائيلي بأكمله، إضافة إلى أجهزة المعلومات وضباطها، سواء في جهاز الأمن الداخلي "شاباك"، أو الاستخبارات العسكرية "أمان"، إضافة إلى وحدات وتشكيلات داخل الجيش الإسرائيلي بأكمله، مما يؤكد أن الأمر يتجاوز بالفعل تحذيرات قد تعصف بالاستقرار الأمني والاستراتيجي، ويهدد إسرائيل حال دخولها مواجهة مرتقبة على أية جبهة من جبهات المواجهة الراهنة سواء مع "حزب الله"، أو في الضفة الغربية ومع قطاع غزة، مما يعني أن الدولة في حاجة إلى تهدئة واستقرار حقيقي بخاصة مع التغيرات العاصفة التي تهدد الإقليم وإسرائيل جزء منه، ومن المؤكد أن أي تطورات جارية أو أي ترتيبات أمنية أو استراتيجية ستلقي بتبعاتها على الداخل الإسرائيلي.

إلى حين التوصل إلى إجراءات التهدئة فإن نتنياهو قد يدخل في صفقة شاملة ويعيد تشكيل الحكومة الراهنة مستعيناً بالمعارضة، وهي هشة وضعيفة ورموزها لا تحظى بتقدير الجمهور الإسرائيلي، وليس لها حضور حقيقي في خريطة القوى السياسية المؤثرة، لكن هذا الوضع قد يؤدي إلى بناء شراكة حزبية حقيقية ومؤثرة ومهمة بهدف تجميد وضع الراهن بما يوقف قانون الإصلاح القضائي بالكامل، وعدم تفعيل بنوده وإلا فإن البديل الحقيقي والمباشر الذهاب إلى التصعيد، ومن دون انتظار حكم المحكمة العليا، وإنزال الجمهور الإسرائيلي الداعم والمؤيد، ومن ثم قد تحدث مواجهات حقيقية ما بين المؤيدين والمعارضين، وبالتالي سنكون أمام احتمالات المواجهة الشاملة، أو الذهاب إلى حرب أهلية أو انقسام مجتمعي كبير يؤدي إلى تغيرات في البنية الحزبية والسياسية، كما يمكن أن يشجع فصائل المقاومة في جبهتي الجنوب والشمال للتحرك وشن هجوم على إسرائيل واستثمار ما يجري، كما سيؤدي إلى تآكل منظومة المناعة الوطنية للدولة ويقلل من فرص تفعيلها الحقيقي.

الخلاصات الأخيرة

في حال استمرار تمسك قوى المحتجين على المضي إلى نهاية الطريق فإن الدولة، وليست الحكومة، هي من ستدفع الثمن باهظاً، سواء في المؤسسة العسكرية أو الجيش. ومن ثم فإن رئيس الدولة إسحق هرتسوغ حذر من تبعات ما يجري ونبه للخطر الأكبر الذي يواجه الدولة العبرية في ظل انسداد الأفق السياسي والحزبي وتعرض الدولة لخطر حقيقي منذ إنشائها، مما يتطلب بالفعل العمل على مسارات مباشرة، وإتمام المصالحة داخل المجتمع لأن استمرار الأمر بهذه الصورة سيظل مكلفاً وستدفع إسرائيل كلفته الاقتصادية، مما يتطلب وقف ما يجري أو تدخل الجهات الضابطة لحركة المجتمع التي تعمل من وراء ستار، وتدفع لتماسك الدولة وانضباط أجهزتها، وهي القوى التي لا تزال تؤدي دورها في مساحات محددة إلى حين اتضاح الرؤية لما سيجري من تطورات، وفي توقيت محدد ستدخل على الخط لإنهاء ما يجري، وإعادة الأمور لنصابها السياسي والأمني والاقتصادي، وعدم تمدد ما يجري، بخاصة أن البديل - في حال عدم تدخلها - مزيد من الصراع المفتوح والمكلف على كل المستويات السياسية والأمنية والاستراتيجية.

إن واقع إسرائيل بالفعل مترد ويحتاج إلى حنكة وخبرة في التعامل، وفي ظل ما يجري من تطورات مفصلية، فإن السؤال الجدير بالتناول وماذا عن البدائل والخيارات، وهل يمكن أن يحسم الأمر بتدخل عسكري على غرار ما يجري في بلدان الإقليم، وبعد أن يكون الجمهور الإسرائيلي سئم ما يجري من مهاترات الحكومة الراهنة، وارتباك المشهد السياسي والحزبي، وعلى رغم التأكيد أن النموذج الديمقراطي الليبرالي للدولة العبرية هو الوحيد كما تسوق الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية، فإن حدوث تغيير دراماتيكي في نمط السلطة الإسرائيلية وارد ومطروح وبصرف النظر عن استبعاد خيار التغيير بالقوة في ظل تماسك العلاقات المدنية العسكرية في إسرائيل، ووجود قوى ضابطة لحركة المجتمع، التي لن تقبل بأي تغيير من أعلى في ظل وجود نخب مدنية وعسكرية واقتصادية تحذر من استمرار الوضع الراهن.

المزيد من تحلیل