Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقود الانتخابات المحلية التونسية إلى تغيير ملموس؟

سيكون هذا الاستحقاق آخر محطة في مسار سياسي مثير للجدل دشنه الرئيس قيس سعيد

الرئيس قيس سعيد دعا التونسيين إلى انتخاب المجالس المحلية (أ ب)

ملخص

كرس رئيس الجمهورية قانوناً انتخابياً جديداً يحدد آلية الاقتراع على الأفراد بدل القوائم

تتأهب تونس لإجراء الانتخابات المحلية بعد حسم الرئيس قيس سعيد موعدها ما فجّر سجالات بين الأوساط السياسية حول التقسيم الترابي الجديد للبلاد، لكن هذا الاستحقاق أثار تساؤلات حول ما إذا كان سيقود إلى تغيير ملموس في حياة التونسيين الذين يئنون تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة أفقدت أسواقهم العديد من السلع الأساسية وغيرها؟

وسيكون الاستحقاق المحلي آخر محطة انتخابية في مسار سياسي مثير للجدل دشنه الرئيس سعيد، في الـ 25 من يوليو (تموز)، عندما أطاح بالحكومة والبرلمان المنتخبين، ويسبق بأشهر عدة الانتخابات الرئاسية التي ستضع سنوات حكمه وبرامج ووحدة معارضيه أمام اختبار جدي.

 

وفيما لا يزال سعيد يصرّ على رمي الكرة في ملعب خصومه متهماً إياهم بافتعال أزمات والتآمر على أمن البلاد، فإن كثيرين، حتى من داخل المعسكر الموالي للرئيس، يرون ضرورة العمل على تغيير الوضع لا سيما أن الأزمة طاولت موادّ لا غنى عليها بالنسبة إلى التونسيين على غرار الخبز والسكر والرز والحليب.

لا تغيير في الأفق

وفي وقت ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بين ساخر ومتهكم ومُرحب بالتقسيم الترابي الجديد لتونس، فإن الأنظار تتجه إلى قدرة المجالس المحلية على إحداث التغيير الذي ينشده التونسيون على مستوى التنمية والبنى التحتية وغيرهما خصوصاً أن الانتخابات المحلية ستعبد الطريق لتركيز المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان) الذي يعمل مع مجلس النواب على المصادقة على القوانين والمشاريع المتعلقة بالموازنة وأيضاً التنمية المحلية والجهوية.

وكرس رئيس الجمهورية، الذي أصدر أمراً لدعوة التونسيين لانتخاب المجالس المحلية، قانوناً انتخابياً جديداً يحدد آلية الاقتراع على الأفراد بدل القوائم بعد أن اعتبر أن القديم يخدم مصالح الأحزاب ولا يعبر عن إرادة الوطن، وفق قوله.

واعتبر منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي أن "هذا الاستحقاق لن يغير في واقع التونسيين، لأن إجراءه بهذه السرعة يعكس غياب تصور أو رؤية جديدة من أجل منوال تنموي جديد، بل هو يعكس الحاجة إلى إجراء انتخابات محلية ثم المجلس الوطني للجهات والأقاليم في إطار المشروع السياسي لرئيس الجمهورية الذي ينفذه عبر مراحل من دون تفسير أو توضيح للشعب التونسي"، وأضاف الحامي "اليوم، التونسيون لا يعلمون عن هذه المجالس المحلية شيئاً على رغم أن انتخاباتها ستجرى، في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ولا أحد يعلم صلاحياتها ولا مصادر تمويلها وما إذا سيكون دورها تنموياً أم سياسياً، لا نعرف أيضاً مقرات هذه المجالس التي يبلغ عددها 274 مقراً". وشدد على أنه "في الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه البلاد، كان من الأجدى الذهاب نحو إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية لإخراجها من أزمتها الخانقة التي تتجسد في ندرة العديد من المواد الأساسية وارتفاع الأسعار والتضخم، المواطن همه اليومي البحث عن هذه المواد الأساسية، وبالتالي، الانتخابات تصبّ في إطار مشروع رئيس الجمهورية ولن يكون لها جدوى"، ولفت الحامي إلى أن "في هذا الاستحقاق سيتم منع الأحزاب من المشاركة إذ يصعب أصلاً أن تتواجد في كل العمادات مهما كانت قوتها، لأننا نتحدث عن 2155 عمادة وكل مرشح يجب أن يكون قاطناً في هذه العمادة، وبالتالي، قانون الترشح يستهدف إقصاء الأحزاب السياسية من العملية الانتخابية ومن دورها كقوى تقدم رؤى وبدائل وتصورات في صياغة السياسات العامة للدولة والسياسات المحلية".

تأثير مرتقب

في المقابل، ترى أوساط سياسية تونسية أن هذه الانتخابات ستقود إلى تغيير لا سيما أن الوضع لم يعد يحتمل، لكنها لا تخفي، في المقابل، خشيتها من مقاطعة محتملة لهذا الاستحقاق في سيناريو إذا حدث سيكون مماثلاً لانتخابات مجلس النواب التي أجريت قبل أشهر عندما شارك فيها حوالى 11 في المئة فقط من مجموع الناخبين في انتكاسة قوية لمسار 25 يوليو (تموز).

وقال الناطق باسم حزب التيار الشعبي محسن الناتبي إن "هذه الاستحقاقات السياسية هي ضرورة وليس خياراً في دولة تحترم نفسها، أي مؤسسة دستورية يجب أن يتم انتخابها، بخاصة المجالس المحلية التي باتت مرتبطة بالغرفة الثانية للبرلمان، والمجلس الأعلى للجهات والأقاليم، هي ضرورة دستورية مثلها مثل المحكمة الدستورية وبقية مؤسسات الدولة التي نص عليها الدستور بصرف النظر عن المناخ العام للانتخابات". وتابع "منذ فترة طالبنا بإجراء الاستحقاق المذكور لكن بوضع اجتماعي أفضل، لأن الأمرين مرتبطان، تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي لديه تأثير على نسب المشاركة في الانتخابات"، مضيفاً "في اعتقادي، الانتخابات المحلية ستؤثر على حياة المواطنين لكن عليها أن تقنعهم أولاً بأن التغيير لا يتم إلا بالصندوق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وينص أمر دعوة الناخبين، وهو مرسوم أصدره الرئيس سعيد، على أن البلاد تنقسم إلى خمسة أقاليم، وأن كل عمادة، وهي أصغر تقسيم إداري تعتبر دائرة انتخابية، تنتخب ممثلاً عنها، ويتم لاحقاً انتخاب المجلس الجهوي للولاية (المحافظة) بالقرعة بين أعضاء المجلس المحلي، وسيقوم كل مجلس جهوي بانتخاب ممثل عنه في مجلس الإقليم. وتتألف تونس حالياً بمقتضى التقسيم الجديد من خمسة أقاليم، وهي أقاليم سينتخب مجالسها أعضاءها لتمثيل الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وسيكون دور هذا المجلس تمرير مشاريع قوانين وقرارات تهم الموازنة وأيضاً المنوال التنموي في بلد منهك اقتصادياً.

وقال النابتي إن "هذه المحطة ستفرز منوالاً تنموياً جديداً، لكن هذا المنوال يجب أن يكون هدفه خلق الثروة، لأن تونس، منذ سنوات، لم تعد تخلق الثروة، وكل المؤشرات السلبية تؤكد ذلك سواء تعلّق الأمر بالناتج الداخلي الخام أو دخل الفرد مقارنة بدول أخرى ليست حتى نفطية".

اندماج اقتصادي مرتقب

وعلى رغم أن التقسيم الجديد أثار ردود فعل مستغربة لا سيما عندما تم إلحاق بعض المدن النائية بأخرى ساحلية تبعد عنها مئات الكيلومترات، إلا أن هناك من يرى أن هذا سيساعد على تحقيق الاندماج الاقتصادي بين الجهات التونسية.

وقال الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن أن "التقسيم الإداري الجديد، بشكل أفقي، إلى خمسة أقاليم منفتحة على واجهات بحرية هدفه اقتصادي بحت لتحقيق الاندماج بين الجهات من خلال ربط الولايات والجهات الأقل نمواً بالولايات الأكثر نمواً". وأبرز حسن في تصريحات عبر إذاعة "موزاييك أف أم" المحلية أن "التقسيم الجديد للبلاد سيؤدي إلى وضع سياسات قطاعية وتنموية خاصة بالإقليم تكون في تناغم تام مع السياسات الوطنية وتأخذ في الاعتبار الميزات التفاضلية لكل المناطق المكونة له". وشدد على أن "التخطيط التنموي الإقليمي يعد الانتظار الأكثر إيجابية لهذا التقسيم الجديد باعتباره سينطلق من العمادات والمعتمديات والولايات وصولاً إلى الأقاليم، يعقبه التنسيق مع الوزارات والإدارة المركزية بالعاصمة".

وفي ظل المتاعب التي يواجهها التونسيون، فإن نسب المشاركة قد تشكل صداعاً برأس السلطة لا سيما بعد النتائج المخيبة للآمال في الانتخابات التشريعية التي استغلتها المعارضة كسلاح للطعن في مسار 25 يوليو.

المزيد من العالم العربي