Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جيوش" إيديولوجية مذهبية في ملعب الجيوش الوطنية

بغداد وبيروت تسلمان بأن الواقع مختلف عملياً وتتخوفان من مخاطر الصدام الأمني والعسكري

جنود عراقيون يتفقدون منزلاً خلال عملية عسكرية لنزع سلاح الميليشيات المحلية في مدينة البصرة جنوب العراق يوم 3 يناير 2016 (أ.ف.ب)

بغداد محرجة، مثل بيروت، في الموقف من الصراع بين أميركا وإيران. وهما تحتميان رسمياً بشعار "النأي بالنفس" وبقاء الطرفين المتصارعين ضمن الخطوط الحمراء، وتسلمان بأن الواقع مختلف عملياً، وتتخوفان من مخاطر الصدام الأمني والعسكري. ففي العراق نفوذ سياسي وشعبي إيراني له ذراع عسكرية اسمها الحشد الشعبي المعترف به ونفوذ سياسي أميركي مدعوم بوجود عسكري متفق عليه. وفي لبنان نفوذ سياسي وشعبي إيراني له قوة عسكرية وسياسية تلعب أدواراً أقليمية هي "حزب الله"، ونفوذ سياسي واقتصادي - مالي أميركي من دون وجود عسكري على الأرض. وفي البلدين يدرك أنصار طهران الذين يضعون أميركا في خانة "العدو الإمبريالي" ضرورات الحاجة الرسمية إلى واشنطن. فالعراق يحتاج إلى أميركا لحماية أجوائه واستكمال محاربة "داعش" وتقديم تسهيلات ائتمانية لوزارة الدفاع وتدريب القوات العسكرية واستخدام نفوذها في صندوق النقد والبنك الدوليين لمساعدته اقتصادياً ومالياً. ولبنان يحتاج إلى أميركا لتسليح الجيش وتقديم المساعدات الأمنية ورعاية القطاع المصرفي والدعم في الحصول على القروض الدولية والعربية والمساعدة على ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل.

وليس في لبنان من يدعو إلى حل الجيش، كما فعل يوسف الناصري من ميليشيا "النجباء" في المطالبة بحل الجيش العراقي ليكون الحشد الشعبي محله. ولا يبدل في الأمر أن يدين كثيرون الدعوة ويعلن قادة "النجباء" أنها رأي شخصي. فالتظاهرات الشعبية في بغداد والمحافظات دفاعاً عن الجيش هي، مثل الحاجة أحياناً إلى الدفاع عن الجيش في بيروت، إشارة إيجابية إلى واقع سلبي: مخالفة منطق الدول القائم على كون "الدولة محتكرة العنف الشرعي" بحسب ماكس ڤيبر، بإقامة "جيش إيديولوجي مذهبي" إلى جانب جيش الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واللعبة واحدة على المدى البعيد. الإمام الخميني أنشأ الحرس الثوري إلى جانب إعادة بناء الجيش. والدستور الإيراني أعطاهما مهمة تتجاوز "حماية الحدود" إلى "الجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم"، وبالتالي الوصول إلى "الأمة الواحدة وحكومة المستضعفين في الأرض". وهكذا كان "حزب الله" في لبنان من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومشروع الحاكمية. والميليشيات العراقية التي مولّها وسلّحها ودرّبها "فيلق القدس" بقيادة الجنرال قاسم سليماني، كانت جاهزة قبل بروز خطر داعش وفتوى "الجهاد الكفائي" التي أصدرها آية الله السيستاني، وصارت تعمل تحت اسم "الحشد الشعبي". وهذه حال "أنصار الله" الحوثيين في اليمن. وحال "المقاومة الوطنية" في سوريا ومعها ميلشيات عراقية و"الزينبيون" و"الفاطميون" الذين جندهم الحرس الثوري من الأفغانيين والباكستانيين.

رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور حيدر العبادي عمل على "تشريع" "الحشد الشعبي" والسعي إلى تنظيمه في إطار قانون خاص. لكن التنفيذ تعثر. وهو اعترف في الفترة الأخيرة، بأن المفتش العام لهيئة الحشد قال له: "في الحشد 60 ألفاً، وعلى الورق 150 ألفاً". وهذه ظاهرة شملت كل القوى المسلحة بعد الغزو الأميركي، فكان ما يسمى "العسكريون الفضائيون". ويُقال إن من بين أسباب انهيار الفرق العسكرية العراقية المدججة بالسلاح الأميركي المتطور أمام عشرات من مقاتلي داعش في غزو الموصل، إن "الفضائيين" الوهميين كانوا أكثر عدداً من العسكريين العاملين في تلك الفرق.

ورئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي أصدر "أمراً ديوانياً" بإعادة هيكلة "الحشد الشعبي" الذي هو نظرياً خاضع لسلطة القائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء. وبحسب الأمر، فإن على ألوية الحشد الشعبي "فك الارتباط السياسي" بالأحزاب والمنظمات التي ترتبط بها. فضلاً عن إقامة "هيئة أركان خاصة" منفصلة عن هيئة الأركان في الجيش. وهذا ما رفضه العبادي عندما طلبه أبو مهدي المهندس، وهو الرقم 2 في قيادة الحشد.

ولا أحد يعرف إلى أي حد يصل تنفيذ الأمر الديواني لعبد المهدي. فاللعبة كانت ولا تزال "التّمسكن حتى التمكّن". وفي الشكل، تحمس رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض للأمر الذي لم يلق اعتراضاً من طهران ورجالها في العراق. وفي الأساس، فإن ما اصطدم به العبادي مرشح لأن يصطدم به عبد المهدي. فبين ألوية الحشد الشعبي من عبّر عن موقفها الفعلي أبو مهدي المهندس بالقول "الحشد مشروع أمة، مشروع مرجعية". ولا مجال للخطأ في فهم معنى مشروع أمة. ولا الزمن مر على قول لأحد قادة الحشد "أوامر رئيس الوزراء لا تعنينا، فنحن خاضعون لأوامر ولي الفقيه من خلال الجنرال سليماني. وهذا كله قبل حدوث صدام عسكري أميركي – إيراني. فكيف إذا حدث الصدام؟".

مبرر دور الحشد الشعبي هو قتال "داعش" الذي اقترب من بغداد وقت صدور فتوى السيستاني. والحشد لعب دوراً مهماً في قتال "داعش" تحت مظلة الحلفاء الجوية بقيادة أميركا. لكن ما يفعله رجال الحشد بالناس والحياة في نينوى وصلاح الدين والأنبار بعد طرد الإرهابيين من "أرض دولة الخلافة" الداعشية، هو وصفة لعودة داعش بشكل أو آخر. فالتنظيمات الإيديولوجية المذهبية تقوي بعضها بعضاً، ولو من باب العداء. وليس في العالم شيء اسمه مقاومة دائمة، كما هي الحال في لبنان والعراق وأماكن أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء