Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشكيك في إحصاء سكان العراق: هل نسجل زيادة مليونية كل عام؟

تساؤلات حول حقيقة بيانات وزارة التخطيط

ارتفاع نسبة السكان في العراق يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي (أ ف ب)

ملخص

الرأي العام العراقي يرى أن الأرقام غير دقيقة في ظل معدلات زواج منخفضة وزيادة حالات الطلاق

كل شيء ينتمي للفوضى في بلاد خاضت حروباً طاحنة وأودعت سكانها في علم المجهول، حتى تحولت أرض الرافدين إلى مرتع للسكان المهجرين والوافدين والمجنسين الجدد بلا ضوابط واشتراطات وإقامات نظامية... هكذا يعلق المتخصصون والمراقبون العراقيون في الداخل. قبل عام 2003، كانت السلطات تحول دون السكن في العاصمة ما لم يكن المواطن مسجلاً في إحصاء 1957 المعتمد كأفضل سجل إحصاء قامت به الدولة العراقية، الذي أعده النظام الملكي ليحصي السكان في المحافظات الـ14، وقتها بلغ عدد السكان سبعة ملايين ونصف المليون قبيل استحداث المحافظات الست الجديدة المنشطرة عن المحافظات الكبرى، ليصبح عددها 18 بعد عام 1968.

وحين حكم حزب البعث العراق لـ35 عاماً، اهتم بأمرين رئيسين، الأول الحؤول دون ترييف المجتمع البغدادي، وفرض استثناءات لمحافظة تكريت وحدها، مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين، والسماح لسكانها بالتملك والسكن في العاصمة، ما أثار نقمة الشعب واستهجانه واصفين القرار بـ"التعسفي بحق مواطنين يتساوون في دستور البلاد" (الموقت).

زيادة مليونية كل عام

المراقب لنمو السكان في العراق الحالي، يلحظ بأنهم يزيدون بمعدل مليون نسمة كل عام، على رغم كل الظروف التي تحيط بهم، حتى وصلوا إلى 41 مليون نسمة. هذا الإحصاء أعدته وزارة التخطيط العراقية الرسمية، وأثار حفيظة الرأي العام وتعجبه من تلك الأرقام التي تثير الأسئلة عند مقارنتها بالواقع الفعلي.

يشكك كاظم المقدادي الباحث والأستاذ الجامعي بصحة المعلومات التي أوردتها وزارة التخطيط العراقية، قائلاً "زيادة عدد السكان في العراق بهذا التوجه السريع يطرح كثيراً من التساؤلات الجدية، في مقدمها، هل أن وزارة التخطيط قامت فعلاً بإجراءات قانونية صحيحة في عد النفوس بشكل صحيح؟ أنا أعيش في بغداد ولم أشاهد مثل هذا التعداد لحد هذه اللحظة. من المفترض أن هناك استمارات توزع على البيوت لمعرفة عدد السكان الحقيقي فعلاً. وزارة التخطيط لا تملك خبرة تراكمية في عملها الحالي، فالوزير المعين للتخطيط شأنه شأن أي وزير من نتاج المحاصصة السياسية الذين يأتون لمدة محدودة، فليس لديه الوقت الكافي ليقوم بجهد كبيرة كتعداد السكان الذي يحتاج للجان متخصصة وأموال كبيرة، وخبراء في علوم الإحصاء، وهذا غير متوفر حالياً. لم نر منذ عام 2003 حتى الآن أي خلال السنوات الـ20 الماضية، أي وزير مهتم بالتعداد السكاني، مع الإشارة إلى أنه خلال السنتين الأخيرتين بدأ الكلام عن التعداد السكاني، ليعلن أخيراً أن نفوس العراق تخطت الـ40 مليوناً".

نسب الطلاق المرتفعة

ويتابع المقدادي "أظن أن هناك تشكيكاً في هذا الرقم (41 مليون نسمة)، بملاحظة بسيطة أن نسبة الطلاق على سبيل المثال كبيرة جداً من تاريخ 2003 لحد الآن، بمعنى أن نسبة الطلاق المرتفعة مؤشر لأسرة صغيرة يتراوح عدد أفرادها بين ثلاثة وستة في البيت الواحد. ولم يعد هناك أسر كبيرة عهدناها في الفترات السابقة، أي منذ العهد الملكي حين كان هناك استقرار يشجع الأسر على الإنجاب، لكن الأمور تبدلت منذ عام 1980 قبيل اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية وبعدها حرب الكويت في التسعينيات. ناهيك عن الذين هاجروا خارج العراق الذين يقدر عددهم بين خمسة وستة ملايين مهاجر، هؤلاء غير مشمولين بالتعداد أيضاً. والسؤال هنا، من أين تأتي الزيادة السكانية؟ أظن أن المسألة تبدو غريبة بتوقيتها، إذ نتطرق إلى مسألة زيادة عدد سكان البلاد في زمن الحروب وفي ظل تناقص أعداد العوائل الكبيرة المضطرد. هذا الموضوع يشغل الجميع ومن حق الجهات الرقابية المعنية أن تستغرب هذا العدد المتزايد في زمن اللا استقرار، فالثابت أن عدد السكان يزيد في ظروف اقتصادية واجتماعية جيدة، وفي زمن نمو التعليم والصحة والازدهار الزراعي والصناعي وسواها من المحفزات للسكان واستقرارهم. كما لا يفوتني أن ألفت النظر لمعدلات الزواج المنخفضة ومعدلات الطلاق المرتفعة بخاصة بين الشباب، في وقت يشهد العراق ارتفاعاً بعدد الوفيات، وانخفاض بأعداد الولادات، إلى جانب تفشي الأمراض وتأثير اليورانيوم جراء الحروب التي تترك تشوهات خلقية كما في البصرة ومدن الجنوب العراقي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العتابي: تهديد جدي للمجتمع

ويرى الباحث الكاتب جمال حسن العتابي أن ارتفاع نسبة السكان في العراق يشكل تهديداً خطيراً للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، ترافقه تحديات خطيرة متعددة الأوجه، في مقدمتها تردي قطاع الخدمات "هذه الزيادة في أعداد السكان يقابلها نقص حاد في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والسكن، فضلاً عن تراجع خدمات البنى التحتية في قطاعات الكهرباء والماء والنقل، فضلاً عن ارتفاع نسب البطالة وانعدام فرص العمل مما يضاعف انتشار ظاهرة العشوائيات وارتفاع منسوب الفقر، على حساب مظاهر التحرر والمدنية التي تتراجع لحساب ترييف المدن العراقية".

حاجة ماسة لتنظيم الأسرة

ويعتبر الباحث العتابي أن المشكلة الأكبر مرتبطة بغياب التخطيط والقوانين الفاعلة في تنظيم الأسر والرعاية الصحية وبرامج التنمية الشاملة، كذلك بالدراسات والبحوث المعنية بديموغرافية سكان العراق، ويضيف "أن تعطل قطاعات مهمة في الاقتصاد العراقي كالزراعة والصناعة والنقل، وعدم وجود الاستثمار الصحيح للمياه، نجم عنه تعاظم مشكلة التصحر وسوء استخدام الموارد المائية، كذلك السمة الغالبة للاقتصاد العراقي اعتماده على موارد النفط، وهو ما يعرف بالاقتصاد الريعي، من أكثر التحديات الاستراتيجية خطورة وتهديداً لسكان العراق. إضافة إلى ما شهدناه خلال العقدين الماضيين من سوء إدارة وفساد مستشر في أجهزة الدولة والحكومات المتعاقبة، أدت إلى تبديد وهدر مليارات الدولارات من دون إحداث أي تغيير، مما يتطلب محاسبة ومراجعة دولية من قبل أجهزة أممية لمعرفة مصير هذه الأموال التي لم تستثمر لصالح الشعب العراقي".

ضرورة تحديد النسل

عميد كلية الإعلام في جامعة "بغداد" السابق هاشم حسن التميمي قال "في الوقت الذي تتجه فيه البشرية منذ قرون عدة إلى تقليص عدد السكان لتتوزع الثروات بالتساوي على أعداد مناسبة ليست مليارية ومليونية، لجأت الصين ومصر ودول أخرى كثيرة إلى تحديد النسل لمواجهة التحديات السكانية الخطيرة. لذلك فإن السياسة العامة المنطقية في ضوء التغير المناخي والكوارث البيئية المقبلة تتطلب من أجل ديمومة الدول وبقاء الإنسان، أن تكون هذه الدول رشيقة وتضع سياسات لتحديد النسل. أما إكثار الولادات من دون حساب لمأوى أو طعام ودخل مادي جيد، دليل جهل. لذا أقول إن العراق يتوجه لكارثة كبرى خلال السنوات الـ 10 المقبلة، لا سيما أن موارد النفط ستكون متذبذبة، ونهري دجلة والفرات في تقلص، والجفاف قضى على قطاع الزراعة، والفساد قضى على رأس مال الدولة. وعليه لابد من وضع سياسة حكيمة وحقيقية، وإشاعة ثقافة معمقة للأسرة العراقية، وتحديد النسل هو المنقذ الوحيد".

التجنيس منفذ للزيادة

وإذا كان المتخصصون يرون أن الزيادة المعلنة للسكان التي كشفت عنها وزارة التخطيط العراقية، ببلوغ سكان البلاد 41 مليون نسمة، لا تتناسب والواقع المعقد الذي تعيشه البلاد كونها باتت طاردة لسكانها وتعيش أزمات كثيرة، فإن للباحث الأكاديمي كاظم المقدادي رأياً آخر يفسر فيه تلك الزيادة الحالية، يقول "هناك إشكالات جدية تطرح أمام عدد سكان العراق تؤشر لتراجع الأعداد عوض زيادتها، حتى لو حسبوا أولئك الوافدين إلى المدن الدينية كالنجف وكربلاء، فهناك نسبة من الوافدين الباكستانيين والإيرانيين وسواهم لديهم الجنسية العراقية. هناك أمور كثيرة تحتاج لعمل استقصائي للتأكد منها، لكن من الملاحظ لأي عراقي يعيش الآن في بغداد أو أي مدينة أخرى، أن أعداد السكان لا تتناسب والحالة التي نعيشها من النواحي التعليمية والصحية والأسرية، والزيادة المعلنة هي موضع شك لنا كباحثين".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير