Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانقسامات تتعمق حول مشروع قانون الهجرة الجديد في فرنسا

مراقبون يلوحون إلى سيناريو مشابه لـ"التقاعد" وآخرون يرونه ولد ميتاً

الانقسام يدب بين الأحزاب الفرنسية في شأن قانون الهجرة الجديد (رويترز)

ملخص

الانقسام يدب بين الأحزاب الفرنسية في شأن قانون الهجرة الجديد الذي تستعد الحكومة لطرحه أمام مجلس الشيوخ

يتصاعد الانقسام في فرنسا حول قانون الهجرة الجديد الذي تستعد الحكومة لطرحه أمام مجلس الشيوخ خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهو نص لم يحظ بأي غالبية عظمى في البرلمان بعد، وتم تأجيله في أغسطس (آب) 2020، وكذلك خلال مارس (آذار) 2023، لعدم توفر غالبية عظمى في البرلمان.

ولا يزال مشروع القانون محط خلاف يتسع بين اليسار في صفوف نواب النهضة (الماكرونية) واليمين، إضافة إلى انقسامات داخل اليسار بين الاشتراكيين وحزب "فرنسا الأبية"، كما يلقى معارضة شرسة من اليمين الجمهوريين وأقصى اليمين. 

غير بعيد عن حديثنا ما يجري في لامبيدوزا الإيطالية التي وصلها سبعة آلاف مهاجر الأسبوع الماضي، ليضاعف العدد من حدة خطاب اليمين وأقصى اليمين الذي يضع الهجرة عاملاً مهدداً للثقافة والهوية الوطنية. 

والسؤال المطروح اليوم هل ستشهد فرنسا هذا الخريف سيناريو مماثلاً لتمرير قانون التقاعد، والعودة إلى المادة 49.3 (التي تسمح بتبني القانون دون المرور بتصويت المجلس النيابي)؟ علماً بأن الدورة البرلمانية المقبلة تنبئ بإمكان العودة إلى المادة المذكورة لتمرير الموازنة، والقانون الجديد في شأن الهجرة، الذي تقدم به وزير الداخلية جيرالد دارمنان، وشهد عديداً من التعديلات والإضافات، كما عارضته الجمعيات المدافعة عن حقوق المهاجرين والمنظمات الحقوقية. 

مسيرة مشروع القانون الجديد

النص المقترح قدمه وزير الداخلية جيرالد دارمانان لمجلس الوزراء بداية فبراير (شباط) 2023، وتضمن 27 مادة تم تعديلها ليصل إلى مشروع نص قانون مقتضب أضيفت إليه اقتراحات مجلس النواب. 

يهدف المشروع إلى تدعيم وتسهيل اندماج المهاجرين عبر التمكن من اللغة والانخراط في العمل، وبذلك ربط الحصول على أول بطاقة إقامة لسنوات عدة بإتقان اللغة والمرور بامتحان لها، كما يقترح تسهيل عملية طرد المهاجرين غير الشرعيين خصوصاً الذين طاولتهم أحكام بالجنح أو السجن وتقليص مدة النظر في طلبات اللجوء ومدة الطعن بقرار مديرية حماية اللاجئين وفاقدي الجنسية، (أوفبرا) التي تصدر عنها قرارات منح اللجوء.

وفي حال الاستئناف يمكن أن يمثل المتقدمون بطلبات اللجوء أمام قاض واحد بدلاً من هيئة تضم مندوباً عن مجلس الدولة والهيئات الحقوقية الأخرى، لكن المنظمات الحقوقية المهتمة بشؤون اللجوء رأت أن هذه الإصلاحات تضعف حقوق اللاجئين.

مشروع القانون حظي باهتمام واسع في الصحف خلال الأسابيع الماضية، حين ألمح الرئيس ماكرون إلى إمكان توسيع حيز الاستفتاء الشعبي لاقتراح استفتاء حول مشروع قانون الهجرة الجديد.

لكن المادة 11 من دستور الجمهورية الخامسة الذي تبنته في 1958، تحصر حالات العودة إلى الاستفتاء الشعبي بالمسائل المتعلقة بتنظيم السلطات الرسمية، والاقتصادية والاجتماعية وتوقيع المعاهدات التي تؤثر في عمل المؤسسات، إذ تسمح بالعودة إلى الاستفتاء في أربع حالات لتبني مشروع قانون، أو اقتراح قانون حول تنظيم السلطات الرسمية أو حول إصلاحات تتعلق بالسياسية الاقتصادية الاجتماعية أو المناخية والدوائر العامة التي تنظمها. 

الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي ماكرون إلى اقتراح تعديل للدستور، لكن مراجعة الدستور تتطلب بدورها تصويت الغرفتين العليا (مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه غالبية اليمين)، والغرفة السفلى (البرلمان الذي لا يتمتع بغالبية عظمى)، كما يتعين الحصول على موافقة عبر الاستفتاء أو التصويت في مجلس النواب مع الحصول على غالبية 5/3. ما يعني أن اقتراح تعديل الدستور ليس مضمون النتائج. 

وتشير صحيفة "لوموند" إلى سابقة جرت عام 1984، عندما اقترح الرئيس فرنسوا ميتران ضم المدارس الخاصة إلى جانب نظيرتها الرسمية في مجلس خدمة رسمية شامل، وكانت النتيجة تظاهرات ضخمة أدت إلى سحب القانون الذي عرف بقانون سافاري. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا تجاوب حزبياً مع ماكرون 

الرئيس ماكرون، الذي التقى الأحزاب كافة على مائدة عشاء تبعه نهار مشاورات في ضاحية باريس سان دوني نهاية أغسطس الماضي، اقترح توسيع نطاق الاستفتاء ليشمل حالات أخرى، لكن لقاء الأحزاب لم يسفر عن أي توافق، وانقسمت الآراء ما بين اليمين وأقصى اليمين اللذين يطالبان بإجراء استفتاء منذ أشهر.

ويعتبر زعيم الجمهوريين وجوردان بارديلا زعيم أقصى اليمين "التجمع الوطني" إريك سيوتي، أن "ظاهرة الهجرة أحدثت تغيرات جذرية لم يشهدها المجتمع الفرنسي من قبل". لكن هذا الخيار لم يلق ترحيب زعيمة الخضر ولا رئيس مجموعة حزب النهضة الماكروني في البرلمان استيفان سيجورنيه، الذي اعتبر في تصريح لصحيفة "لوباريزيان"، "أن توسيع نطاق الاستفتاء حول الهجرة يبقى أمراً حساساً".

من جهته صرح زعيم حزب موديم (اليمين الوسط) فرانسوا بايرو، بأن الاستفتاء حول الهجرة يمكن أن يؤجج النيران في المجتمع، كذلك اعتبر رئيس المجلس الاجتماعي الاقتصادي في تصريح للصحيفة ذاتها، أن الاستفتاء قد يأتي بنتائج معاكسة.

أخذ ورد

الانقسام طاول أيضاً الغالبية، وتعارضت المواقف بين جناح اليسار في حزب النهضة الماكروني وجناح اليسار، وتبلور بشكل خاص حول الفقرة الثالثة من مشروع القانون التي تقضي بتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في قطاعات تحت الضغط، تعاني ضعف اليد العاملة، كقطاع الفنادق والمطاعم ومساعدة المسنين والبناء.

فقرة وصفها أقصى اليمين بأنها تشكل نداء لتشجيع قدوم المهاجرين، خصوصاً أن هذه القطاعات لا تتطلب تشغيل أصحاب الكفاءات والشهادات العليا.

في السياق علق زعيم التجمع الوطني جوردان بارديلا بالقول، إن "فرنسا تصدر أصحاب الشهادات العليا (بكالوريا +7) الذين يغادرون البلاد لتستبدلهم بعمالة غير مؤهلة علمياً. (بكالوريا -5) "، حسب تعبيره. وأوضح، "نحن نستقطب بكالوريا ناقص خمس سنوات، ما يعني أن هؤلاء يجدون أنفسهم في أوضاع صعبة وغير قادرين على الاندماج مما يدفعهم نحو الجريمة". 

وأزمة جزيرة لامبيدوزا، وعدم قدرة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني على الوفاء بوعودها الانتخابية والحد من الهجرة غير الشرعية تشكل حجة لليمين جاءت في موعدها، خصوصاً الخطوات التي كانت اتخذتها ميلوني ورئيسة المفوضية الأوروبية فان دير لاين مع زيارة تونس والخطة الأوروبية لتشجيع دول العبور كتونس، لعدم إفساح المجال لعبور المهاجرين إلى بلدانها مقابل مساعدات مالية لم تنجح، كون طرق العبور تتأقلم وتجد الوسيلة للالتفاف حول المعايير. 

موجة دفعت بألمانيا للامتناع عن استقبال اللاجئين بشكل عفوي، كذلك إلى وضع فرنسا وإيطاليا بعدم تطبيق معاهدة دبلين أي إعادة اللاجئين إلى بلدان الوصول، أو حيث تركوا بصماتهم. 

ولعل آخر التطورات والانقسامات الأخيرة داخل نواب الأغلبية تلك التي ظهرت قبل أسابيع بعد أن وقع نواب جناج اليسار في حزب النهضة (ماكرني)، وهم نواب من أصول اشتراكية ضمن مجموعة النهضة، على عريضة نشرتها صحيفة "ليبراسيون" في 12 سبتمبر (أيلول) الجاري اعتراضاً على سحب الفقرة الثالثة، وللمطالبة بتسوية أوضاع المهاجرين العاملين في قطاعات تفتقد إلى اليد العاملة. 

انقسام الماكرونية

التوقيع على العريضة قسم الماكرونية، فجناح اليسار اعتبر أن وزير الداخلية جيرالد دارمانان يتوجه إلى اليمين، لذا توجب إيجاد ثقل موازن عبر التوقيع على العريضة كون ذلك تطلب التفاوض مع نواب تكتل أحزاب اليسار الجديد.

من جانبه اعتبر نواب الماكرونية من جناح اليمين، أن التوقيع عليها يتعارض مع مبدأ عدم التعامل مع حزب جان لوك ميلانشون "فرنسا الأبية" الذي "يحارب الماكرونية ليل نهار". وبناء على ذلك طالب رئيس مجموعة "النهضة" في البرلمان بتوسيع الغالبية، واصفاً النص بأنه يجمع بين اقتراحات "لم ينحج اليمين يوماً بتمريرها، وأخرى لم يجرؤ اليسار على اقتراحها. نص يعكس روح الماكرونية التي تريد التوفيق بين تطلعات اليسار ومطالب اليمين". وهو ما اعتبره نواب ماكرون انعطافاً آخر نحو اليمين.

من جهته لوح رئيس مجموعة نواب الجمهوريين أوليفيه مارليكس بحجب الثقة في حال تمرير القانون بقوة المادة 49,3. فيما أعلن اليسار أنه، حتى لو أبقت الحكومة على النص حول المهن التي تحتاج إلى اليد العاملة فسيكون بالمرصاد وسيعارض مشروع القانون الجديد، وهذا ما يثير الغموض حول مصير مشروع القانون.

وسط هذه التجاذبات والتعديلات والنسخ المتتالية منذ أشهر لم يجد النص بعد طريقه إلى نسخته النهائية، وتحت ضغط اليمين الجمهوري وللحصول على تأييده ارتأت الحكومة تعديله وحذف الاقتراح من الصيغة النهائية. 

يشار إلى أنه لدى طرح النص تحت قبة البرلمان قد يعمد إلى الحذف، ما حدا ببعض المراقبين بوصفه بـ"القانون الذي ولد ميتاً"، ما يعني أنه بدلاً من تبني قانون جديد سيتم الاستعاضة عنه بتدابير عملية تترك حرية التصرف الإداري.

وحسب أحزاب المعارضة الذين التقوا اليزابت بورن في 13 و14 سبتمبر تهيأ لهم أن فكرة الاستفتاء لم تعد واردة، فيما فهم البعض الآخر أن النسخة النهائية ستكون عبارة عن نسخة ملخصة بسيطة حول تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين العاملين. 

من جانبها، أشارت مصادر وزارة الداخلية حسب ما أورد موقع "فرانس انفو" إلى أن المشاورات الرسمية لن تستأنف قبل الانتخابات في مجلس الشيوخ، وحتى طرح المشروع على مجلس الشيوخ في السادس من نوفمبر المقبل، ولن يكون أمام البرلمان قبل فبراير 2024، مما يعني أنه ما زال هناك متسع من الوقت للأخذ والرد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير