الأرقام الرسمية تشير إلى أن الرئيس الأميركي في أزمة صعبة، حيث تسلم دونالد ترمب إدارة الولايات المتحدة في بداية العام 2017 وديونها لا تتجاوز 19.95 تريليون دولار، لكنها في الوقت الحالي سجلت أعلى مستوى على الإطلاق عند مستوى 22 تريليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير هذه الأرقام إلى أن الرئيس الأميركي تسبب في أن ترتفع ديون بلاده خلال عامين ونصف العام بنحو 2.05 تريليون دولار بنسبة زيادة تتجاوز 10.2 في المئة، بمتوسط زيادة سنوية تقترب من 3.5 في المئة.
على صعيد العجز التجاري، فقد تفاقم بنسب مرعبة خلال الفترة الماضية، حيث سجل إجمالي العجز في أول 10 أشهر من السنة المالية الحالية نحو 867 مليار دولار مقارنة بنحو 684 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي بزيادة تتجاوز نحو 183 مليار دولار، بنسبة ارتفاع تبلغ نحو 26.75 في المئة.
فيما بلغ العجز التجاري الأميركي مع الصين نحو 419.2 مليار دولار. وترجع الإدارة الأميركية ارتفاع هذا العجز إلى خفض الدول المصدرة للسوق الأميركية من قيمة عملتها المحلية وفي مقدمها الصين، وهو ما يضيف ميزة تجارية لسلعها، وبالتالي يتدهور العجز التجاري الأميركي.
أما الرقم الثالث والأهم فيتمثل في عجز الموازنة الأميركية، حيث قدر مكتب الكونجرس عجز الميزانية السنوية لهذا العام بنحو 897 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 15.1 في المئة مقارنة بعجز ميزانية العام الماضي، والبالغ نحو 779 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يتفاقم العجز السنوي في الميزانية الأميركية عاما بعد آخر، بحيث يتجاوز عتبة تريليون دولار بحلول عام 2022، ولن يهبط إلى أقل من تريليون دولار حتى عام 2029، وفق البيانات والأرقام الرسمية.
الرئيس الأميركي وبداية الأزمة في 2016
تدهور وضع المالية العامة للحكومة الأميركية منذ عام 2016 مع تضررها من زيادة في أعمار السكان أدت إلى استفادة المزيد من الأميركيين من برنامج اتحادي للتأمين الصحي للمسنين. كما غذت زيادة في الإنفاق العسكري أيضا العجز منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني) عام 2017 واعدا بتقوية الجيش الأميركي.
وخلال الـ8 سنوات التي تولى فيها باراك أوباما إدارة الولايات المتحدة، قفزت الديون الأميركية بمعدل 9.3 تريليون دولار. وتعود تلك الزيادة الضخمة إلى برنامج التيسير الكمي الذي تبنته إداراته لفترة طويلة، لإنقاذ الاقتصاد بخاصة القطاع المالي من الانهيار، واعتمدت تلك السياسة على خفض معدلات الفائدة إلى قرابة الصفر لتشجيع الاقتراض، وعلى الرغم من ارتفاع الدين الوطني في عهد ترمب، فإنه ما زال أبطأ من وتيرة إدارة أوباما في الاقتراض.
وربما تفسر هذه الأرقام الصعبة حالة الجنون التي تمارسها الإدارة الأميركية بشأن الملف الاقتصادي وافتعال الحروب التجارية والاتجاه بعد ذلك إلى حرب العملات، في إطار مساعيها للبحث عن موارد لتمويل فوائد هذه الديون الضخمة وتقليص العجز التجاري الكبير الذي أنهك المالية الأميركية.
وتزداد مخاوف البنك المركزي الأميركي من أن تؤدي زيادة الدين القومي، وتحديداً فائدة الدين إلى تآكل المدخرات المحلية للأميركيين، وإذا تقلصت تلك المدخرات مع تراجع قدرة الولايات المتحدة على الاقتراض مستقبلا، فإن الاستثمار الرأسمالي الذي يعد أساس النمو قد يتراجع. فنحو 70 في المئة من الدين يعود للأميركيين والـ30 في المئة الباقية تعود إلى عدد من المستثمرين الأجانب.
حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن 32.5 في المئة من الدين الأميركي، أي ما يقدر بنحو 6.89 تريليون دولار ديون للمستثمرين الأميركيين، وما نسبته 11.2 في المئة، أي ما يوازي 2.38 تريليون دولار للاحتياطي الفيدرالي، و27 في المئة، أي نحو 5.73 تريليون دولار للحكومة الأميركية، بينما تبلغ الديون الأميركية للمستثمرين الأجانب نحو 6.21 تريليون دولار.
الأزمة المالية في 2008 انفجرت من السوق الأميركية
"علينا ألا ننسى أن الأزمة المالية العالمية كان مصدرها السوق الأميركية وبدأت بسبب تفاقم أزمة الرهن العقاري، أي ديون الأسر الأميركية التي عجزت عن سداد القروض العقارية"، هكذا علق الخبير الاقتصادي محمد رضا، لافتاً إلى "أن ما يحدث في السوق الأميركية حالياً وتحديداً في ملف الديون يشير إلى أن أزمة مالية جديدة تلوح في الأفق على صعيد الديون الرسمية".
وأوضح رضا لـ"اندبندنت عربية"، "أن هذه الأرقام هي التي تحرك الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الوقت الحالي، حيث يحاول تعزيز الموارد العامة لبلاده وزيادة الناتج المحلي الإجمالي حتى تتمكن الحكومة الأميركية من تمويل هذا العجز مع فوائد الديون التي تعد الأعلى في تاريخ العالم في الوقت الحالي".
وذكر "أن الأزمة المالية العالمية في 2008 انطلقت من السوق الأميركية وطالت كل دول العالم، على الرغم من أنها كانت مجرد أزمة في ديون الأفراد الذين تعثروا عن السداد وتسببت في إعلان إفلاس مصارف كبرى، لكن الوضع بالنسبة للديون الرسمية سيكون (كارثي) لأن الأرقام ضخمة وقائمة الدائنين طويلة ولن تتنازل أي دولة عن أموالها، ولذلك تلجأ الإدارة الأميركية إلى ممارسة الضغوط على الدول الدائنة وأهمها ما يحدث مع الصين التي تعد ثاني أكبر حائز لسندات الخزانة الأميركية في الوقت الحالي".
الديون الأميركية من جورج واشنطن إلى ترمب
بدأ العديد من المستثمرين في تركيز الأنظار صوب موضوع الديون الأميركية التي ارتفعت بنسب مرعبة خلال الفترة الماضية، الأمر الذي دفع موقع "ديلي ريكونينج" إلى نشر تقرير يوضح فيه الدين العام والعجز الأميركي في الوقت الحالي، كما حرص أيضاً على الحديث عن الدين القومي للولايات المتحدة منذ فترة تولي الرئيس جورج واشنطن رئاسة الحكم في أميركا.
ويقف معدل الدين الأميركي نسبة للناتج المحلي الإجمالي عند أعلى مستوى له باستثناء الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فخلال تلك الفترة كان الاقتصاد الأميركي يسيطر على الإنتاج العالمي، وكانت أميركا على استعداد لزيادة ديونها من أجل الفوز بالحرب، على عكس الفترة الحالية التي يوجد بها الكثير من الديون ولكن لا يوجد هيمنة عالمية من قبل أميركا.
وكانت الديون الفيدرالية للولايات المتحدة قد استغرقت نحو 193 عاماً لبلوغها مستوى تريليون دولار، حيث من المتوقع أن يتم إضافة هذا الرقم إلى السنة المالية الحالية. وكان هذا الأمر الذي تم تأييده من قبل الحزبين أدى إلى خفض الديون، حيث خفّض الجمهوريون الديون في السابق، وخلال عام 1836 أزال أندرو جاكسون الديون من على أميركا.
ومع تولي دونالد ترمب مقاليد الحكم في أميركا خلال الفترة الحالية من المنتظر أن يصل عجز الميزانية إلى تريليون دولار، وجاء هذا الأمر بالتزامن مع خفض الولايات المتحدة الضريبة وإلغاء الإنفاق وعدم سداد قروض الطلاب.
وأوضح التقرير "أن معدل الدين يصل إلى 106 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الأميركي خلال الفترة الحالية، بسبب نمو الدين بنسب أسرع من نسب نمو الاقتصاد". ويسجل الدين العام الأميركي نمواً بنحو 8.8 في المئة بشكل سنوي، ولكن يمثل نحو 6.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدى الولايات المتحدة، حيث أن الديون تبلغ نحو 22 تريليون دولار مقابل اقتصاد يبلغ قيمته نحو 20 تريليون دولار.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة أصبحت مثل اليونان، حيث أن أميركا تتجه نحو أزمة ديون سيادية.
وعلى الجانب الآخر، يمكن للبنك المركزي الأميركي أن يدعو إلى اجتماع لإعلان أن سعر الذهب قد بلغ مستوى 5 آلاف دولار للأونصة، حيث إن هذا الأمر من الممكن أن يحدث عن طريق استخدام الذهب المملوك لوزارة الخزانة في "فورت نوكس"، وبالتالي يكون البنك المشتري للذهب في حالة وصوله إلى مستوى 4950 دولاراً للأونصة أو إذا وصل إلى 5050 دولاراً للأونصة، على أن يتم طباعة النقود عند الشراء وتقليص المعروض النقدي، الأمر الذي يترتب عليه استهداف البنك الفيدرالي أسعار الذهب بدلاً من رفع أسعار الفائدة.
ويعني قرار ارتفاع سعر الذهب من 1230 دولاراً للأونصة إلى 5 آلاف دولار للأونصة، انخفاضاً كبيراً في قيمة الدولار الأميركي مقارنة بسعر الذهب.
الأزمة سوف تطال الجميع
وذكر رضا، "أنه في حال انفجار أزمة الديون الأميركية السيادية، فإن الأزمة سوف تطال جميع الدول، خصوصا أن جميع دول العالم لها معاملات مالية مع السوق الأميركية، ليس فقط على المستوى الرسمي، ولكن قطاع الشركات على مستوى العالم سوف يتأثر أيضاً وربما تنهار بعض الشركات الكبرى".
وقال "إن استمرار ارتفاع الديون الأميركية سوف يعمل على تقليص معدلات النمو الاقتصادي، ومع التقارير التي تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، فإن الأزمة ستكون أكبر في السوق الأميركية، ثم تنتقل منها بعد ذلك إلى جميع الأسواق، وأيضاً سوف تتأثر الدول العربية والخليجية في حال انفجار أزمة الديون الأميركية خصوصا أن الدول العربية والخليجية تستثمر مبالغ ضخمة في سندات الخزانة الأميركية، وبالتالي سوف تتأثر هذه الدول بشكل مباشر".
كما تأتي الدول المصدرة والمستوردة من وإلى السوق الأميركية على رأس قائمة المضارين في حال انفجار أزمة الديون الأميركية، لكن ما يجب فعله في الوقت الحالي هو التعامل بحذر مع هذا الملف، بخاصة في ظل تحركات الإدارة الأميركية لاحتواء الأزمة من خلال افتعال الحروب التجارية والدفع بأزمات أخرى حتى يصبح الجميع في أزمات أكبر من تلك التي تواجهها الولايات المتحدة.