Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دونالد ترمب يحمّل نفسه أكثر من طاقته في الحرب التجارية مع الصين

لا يبدو أنّ أياً من البلدين سيتنازل عن شيء وهذا سيء للجميع بمن فيهم قاعدة الرئيس الشعبية

لا يودّ ترمب أن يتزحزح عن موقفه ولعلّ حساباته تجعله يظن أنّه سيستفيد سياسياً من خلال عدم التوصل إلى اتفاق (رويترز)

لعلّ أكثر ما يلخّص المقاربة الأميركية للحرب التجارية مع الصين مثل صيني يتحدّث عن التسبّب بالألم للجميع بلا نهاية أو حلّ يلوحان في الأفق.

أو هو كما يقول دونالد جون ترمب، الذي ينطق بالحكمة بانتظام : "عندما يحين الوقت الصحيح سنبرم اتفاقاً مع الصين. لاحدود لاحترامي الرئيس (الصيني) شي جينبينج وصداقتي معه ولكن، كما أخبرته في مرات عدة من قبل، لا بد أن يكون ذلك اتفاقاً عظيماً للولايات المتحدة وإلا فإنّه لن يكون له أي معنى".

وكان ترمب قد غرّد كثيراً بشأن الصين في الآونة الأخيرة، ولكنّه فعل أكثر من مجرّد التغريد. فخلافاً لما يراه أغلب الاقتصاديين، وبشكل خاص الجمهوريين أنصار التجارة الحرة، قرر الرئيس فرض رسوم جمركية بقيمة 200 مليار دولار على السلع الصينية وهدّد برفع تلك الرسوم إلى 300 مليار دولار. وردّت الصين بالمثل مستهدفةً منتجات على غرار الخضار المثلجة والغاز الطبيعي المسال.

وتشكّل هذه المناوشات جزءاً من الحرب التجارية التي بدأت الربيع الماضي. في تلك المرحلة، كان فول الصويا واحداً من المنتجات التي استهدفتها الصين عمداً، ولاسيما أنه من انتاج مزارعي الغرب الأوسط الذين صوّت كثيرون منهم لصالح الرئيس عام 2016.

وراجت انتقاداتٍ متكررة جاء فيها أنّ ترمب لا يفهم كيفية عمل الرسوم. ويشير الاقتصاديون إلى أنّ الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية تدفعها الشركات والمستهلكون الأميركيون وليس الصين نفسها. صحيح أنّه يتمّ زيادة أموال الخزينة ولكن تلك الأموال تأتي من الأميركيين أنفسهم. وقال ديفيد فرانش المتحدث بإسم الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة أخيراً إنّ "الرسوم الجمركية هي ضرائب يدفعها المستهلكون الأميركيون والأعمال الأميركية وليس الصين". وأورد موقع "أكسيوس" Axios أنّ ترمب يعتقد فعلاً أنّ الرسوم تعمل في الاتجاه المعاكس. إن كان ذلك صحيحاً فهذا يدعو للقلق.  

صحيح، بكل تأكيد، أن ترمب يعتقد كما يبدو أنّ بوسعه الفوز من خلال إظهار الصلابة. وكان قال للمراسلين في البيت الأبيض أنّه اعتقد بأنّ الحرب التجارية ما هي سوى "شجارٍ صغير". وأضاف  "أظن أنّ الأمر سينتهي بشكلٍ جيد. أننا في موقعٍ قوي للغاية. اقتصادنا متين على عكس اقتصادهم."

ويعتقد معظم الاقتصاديون أنّ الرسوم تضرّ بالجميع. فالأمر أصعب بالنسبة للشركات الصناعية التي تعتمد على السلع المستوردة كالحديد الصيني وهو أيضاً صعب بالنسبة للذين يصدّرون السلع وعليهم التعامل مع الرسوم التي تفرضها الصين على سبيل الانتقام. وفي المقابل، يؤثّر ذلك أيضاً على كلّ من المصنّعين والمورّدين الصينيين.

والحقيقة الأخرى هي أنّ بكين مستعدّة بشكلٍ أفضل للمباراة الطويلة أكثر من أيّ طرفٍ آخر. مع نيل الرئيس شي جينبينج منصباً قوياً فريداً من نوعه، يصبح بالتالي أقلّ قلقاً لاتشغل باله مسائل أخرى كالفوز في إعادة الانتخاب أو إغضاب أعضاء من حزبه. (حتى أنّ ميتش ماكونل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ أكد هذا الأسبوع:" في النهاية، لا أحد يفوز في حرب تجارية"). بالطبع، فإن السياسيين الأميركيين الذين يتحتّم عليهم أن يواجهوا الناخبين عام 2020 يجدون أنفسهم في موقفٍ مختلفٍ تماماً عن موقف الرئيس الصيني.

وبحسب وكالة أسوشييتد برس، أعلن كانغ هوي مذيع الأخبار الصيني على قناة "سي سي تي في" CCTV الرسمية: "إن أردتم حرباً تجارية فإننا سوف نقاتلكم حتى النهاية. بعد خمسة آلاف عام من الرياح والأمطار، ما الذي لم تهزمه بعد أمة الصين؟"

ويعتبر بعض المعلّقون أنّ الرئيس يتصرف هكذا لأنه واقع تحت تأثير القليل من المنطق والكثير من الانفعالات الغريزية. وقال بيتر غودمان المراسل الاقتصادي في صحيفة نيويورك تايمز إنّ ترمب كان يلعب على وتر مشاعر العديد من المؤيدين الذين يشعرون أن الصين تتلاعب بالولايات المتحدة.

وأضاف أنّه من شأن أي تحليلٍ لمن هي الجهة التي كسبت أكثر بسبب العولمة أن يشير إلى الولايات المتحدة، غير أنّ ذلك لا يعني أنّه تمّ توزيع تلك المكاسب بطريقةٍ عادلة. نتيجةً لهذا، بوسع ترمب أن يستفيد من المخاوف نفسها التي يشعر بها العمّال في الغرب الأوسط ممن رأوا أعمالهم تذهب إلى أشخاص في الخارج،  ويتلاعب بموقفه لجعله يبدو كموقفٍ أشمل وأكثر وطنية. أي أننا سنشهد المزيد من حملات "أميركا أولاً" America First.

وكانت صحيفة الاندبندنت قد تطرّقت إلى هذه المسألة في الربيع الماضي، مع اندلاع الحرب التجارية. ولدى تحدّث الصحيفة مع مزارعي فول الصويا في ميسوري الذين تشكّل الصين أكبر أسواقهم، لمست بوضوح القلق الكبير في أوساطهم جرّاء تأثير الحرب على سبل العيش ومخاوف من أنهم قد يخسرون المزارع التي توارثتها عائلاتهم من جيلٍ إلى جيل.

في الوقت نفسه، شعر كثيرون أنّ ترمب كان يقف بوجه بكين.

وقال مزراع، 40 عاماً، طلب التعريف عنه بإسمه الأول، آدم: "أعتقد أنّه تمّ التغلّب علينا في التجارة. أعتقد أنّ الآخرين يلعبون المباراة بطريقةٍ أقسى ممّا نفعل."

والنتيجة أننا حالياً في وضع المواجهة مع الصين. لا يودّ ترمب أن يتزحزح عن موقفه، ولعلّ حساباته تجعله يظن أنّه سيستفيد سياسياً من خلال عدم التوصل إلى اتفاق. في الوقت نفسه، ورغم أنّ الصين ليست بمنأى عن الألم الذي لحق بشعبها، فهي لا تودّ التزحزح قيد أنملة أيضاً.

ماذا يقول المثل عن كلّ ذلك؟

© The Independent

المزيد من آراء