Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبدالمنعم سعيد: في مصر مشروعان لا ثالث لهما السيسي والإخوان

عبر عن دعمه المطلق لاستمرار السيسي في منصبه واعتبره "أعظم بان" لمصر بعد الخديوي إسماعيل وأكد أن "التقدم" الذي أنجزه "جعل الجميع يتحدث في الأولويات" ورضا الناس لا يبني أمماً

المفكر المصري وعضو مجلس الشيوخ عبد المنعم سعيد (اندبندنت عربية - أحمد الشيمي)

ملخص

عبر عن دعمه المطلق لاستمرار السيسي في منصبه واعتبره "أعظم بان" لمصر بعد الخديوي إسماعيل وأكد أن "التقدم" الذي أنجزه "جعل الجميع يتحدث في الأولويات" ورضا الناس لا يبني أمماً

مع بدء تشكل ملامح المشهد الانتخابي المصري نحو الاستحقاق الرئاسي المرتقب أوائل العام المقبل، وفي وقت يمضي فيه قطار الحوار الوطني نحو محطته الأخيرة، تزداد حدة الأصوات المتقابلة حول عنوان أبرز هو "الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي"، بين من يرون في استمراره بمنصبه لولاية ثالثة "ضرورة وطنية" لاستكمال مشروعه الذي بدأه منذ عام 2014، وآخرون يعتبرون أن في التغيير "حتمية" يفرضها "الواقع وتحدياته"، الذي تعيشه البلاد على المستويين الاقتصادي والسياسي، وإعمالاً لأهمية "تداول السلطة".

تلك "المبارزة السياسية" وإن بدت في ظاهرها "صحية"، وتؤشر وفق بعضهم على حيوية المجتمع واستمراريته، لا تخلو من "تبادل الاتهامات والتخوين" بين المؤيدين والمعارضين، حول "أولويات وضرورات المرحلة"، بينما يسود الترقب الشارع المصري الذي تتعاظم أمامه التحديات الاقتصادية اليومية، التي انعكست في انهيارات متتالية لسعر صرف العملة الوطنية وارتفاع نسب التضخم، فضلاً عن تراجع مستوى الاستثمارات الأجنبية، والشكاوى المستمرة من مزاحمة القطاع العام، لا سيما مكونه السيادي لنظيره الخاص في مسيرة التنمية.

"في مصر مشروعان كبيران لا ثالث لهما: مشروع الإخوان المسلمين، ومشروع الرئيس السيسي، الأول يشبه المشروع الإيراني، والثاني يمثل إعمار مصر"، بكثير من التفاؤل وقليل من الارتكان إلى المفاهيم النظرية والأطروحات المنادية بأهمية فتح المجال العام وإطلاق الحقوق والحريات والسماح بالتعددية، يختصر المفكر والكاتب وعضو مجلس الشيوخ المصري عبدالمنعم سعيد الآراء المتباينة على الساحة السياسية في بلاده في هذين الاتجاهين، معبراً عن "دعمه المطلق لاستمرار السيسي في رئاسة البلاد فترة رئاسية ثالثة"، ومشدداً في حوار مع "اندبندنت عربية" على أن "التقدم والإنجاز الذي جرى خلال السنوات الـ10 الماضية في البلاد هما ما دفع كثيرين إلى التحدث عن الأولويات".


سعيد (74 سنة)، وهو مفكر مصري بارز، تولى رئاسة مجلس إدارة كبرى الصحف المصرية، على رأسها "الأهرام" في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعينه الرئيس السيسي نائباً في مجلس الشيوخ (ضمن قائمة الـ100 المعينين في عام 2020 من بين 300 عضو)، أعرب في حواره عن رغبته في أن "يستمر الرئيس السيسي في منصبه حتى 2030 عبر ولاية رئاسية ثالثة لاستكمال تجربته"، معتبراً إياه "أعظم بان لمصر بعد الخديوي إسماعيل (حكم البلاد في الفترة ما بين 1863 إلى 1879، وأخذ عليه إغراق البلاد في الديون على رغم الدفعة القوية للمعاصرة التي أحدثها)"، مشيراً إلى ضرورة أن يتحمل المواطنون تبعات البناء والإصلاحات الاقتصادية الجارية، قائلاً "الناس لن تقبل سوى بأن تدخل الأموال إلى جيوبهم، أليست الجملة المتداولة دائماً على الألسن من المواطنين ’أنا أخدت من دا إيه‘؟ الشيء الطبيعي أن الإنسان أناني، إنما الأمم لم تخرج عن طريق الجماهير".

الحوار الوطني و"المسكوت عنه"

بينما يمضي قطار الحوار الوطني في مصر الذي انطلق فعلياً مايو (أيار) الماضي، بعد أكثر من عام من الدعوة الرئاسية إلى عقده، وسط تباين في الرؤى وتساؤلات حول "جديته"، بعد أن تجنب النقاش كل ما هو متعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية ودستور البلاد، وتأجيل إنهاء ملفي المحبوسين احتياطياً والحقوق والحريات، يحمل عبدالمنعم سعيد رؤية مغايرة للحوار، فهو من وجهة نظره "حوار يتضمن تعريف القضايا ومعرفة التجارب المختلفة للتعامل معها، وكذلك إحساس مهم أن في نهاية الأمر هناك قرار، والقرار معناه السياسة، والسياسة تعني زمناً وثمناً. زمن كي يؤخذ القرار، وثمنه المادي أو البشري".

يقول سعيد "الحوار جزء من حقيقة وجود المجتمعات، والحوار الدائر في مصر له عناصر توجد في المجتمع وأن لكل مجتمع قضايا، في بريطانيا مثلاً انشغل المجتمع على مدار ما يزيد على ثلاثة عقود بهل يجوز أن يكون رئيس الوزراء من أصل هندي؟ وفي أميركا توجد مواضيع عالقة منذ سنوات طويلة مثل الإجهاض. كل مجتمع له قضاياه العالقة التي يتحاور فيها، ويتداخل فيها الدين والتقاليد، وفي مصر توجد قضايا عالقة أيضاً استدعت الحوار الوطني".

ويتساءل عضو مجلس الشيوخ المصري، "التساؤل الرئيس في الحوار الوطني هو: هل نحن لدينا حوارات رديئة أم جيدة؟"، ليجيب "أحياناً المجتمع في لحظات فارقة يقرر أننا بحاجة إلى التحاور. أوقات الثورات على سبيل المثال، في مصر وعقب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، أجرينا حوارات وتبعها إقرار دستور 2012 و2014 الذي عدل في 2019، هذا جزء من السخونة الموجودة في المجتمع التي تحتاج إلى تلك الحوارات لمعالجة القضايا المطروحة".

ووفق سعيد فإن "المجتمعات تجد نفسها في مثل هذه الأوقات بحاجة إلى التوقف للتحاور والتفكير بشكل جمعي في القضايا والتحديات التي تواجهها، وهذا ما تجسد في الحوار الوطني المصري، لذا وفي اعتقادي أن الحوار الوطني في مصر انطلق بعد عام من الدعوة إليه، بعدما أخذ قوة الدفع اللازمة".

ويضيف "الكتلة المحورية التي ذهب إليها الحوار لا تكون مصادفة، مثل العفو عن المعتقلين، الذي شكلت لجنة خاصة به لاحقاً، وبعد ذلك جرى الحديث عن قوانين الانتخابات، والأمور السياسية أخذت إضاءات أكثر، هذا ما عرفناه، وهناك أيضاً أمور خاصة بالاقتصاد".

يشار إلى أن الأشهر القليلة الماضية شهدت الإفراج عن عشرات من المحبوسين، عبر لجنة العفو الرئاسي التي أعيد تشكيلها لهذا الغرض، وذلك تزامناً مع دعوة الرئيس المصري للحوار. غير أن قوى معارضة اعتبرت الأعداد التي أفرج عنها غير مرضية، ولم تعكس بعد جدية السلطات في الحوار الذي أطلقته.

وكان لافتاً إشارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمة له بالمؤتمر الوطني للشباب، خلال يونيو (حزيران) الماضي، في معرض رده على المطالبين بالإفراج عن المعتقلين، قائلاً "ده (هذا) إنقاذ وطن اللي هيحاسبني عليه مش أنت، اللي هيحاسبني عليه ربنا هيقولي ضيعت 100 مليون، واتشردوا في كل حتة. أنا مابخفش أبداً ولو خفت كنت كلكم زمانكم في خراب ودمار".

ودائماً ما تنفي السلطات المصرية وجود معتقلين سياسيين، وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2021 أطلقت الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بهدف النهوض بهذا الملف من خلال تعزيز احترام وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، وفي المقابل تقدر منظمات حقوقية وجود آلاف السجناء السياسيين في البلاد، فضلاً عن تصنيف مصر في مراتب متأخرة على مستوى الحقوق والحريات لدى هذه المنظمات.

ويتابع سعيد تقييمه لمسار الحوار الوطني بقوله إن هناك عدداً من القضايا "مسكوت عنها" في نقاشاته الدائرة، "المسكوت عنه في الحوار الوطني ثمن الإرهاب، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. مع الأسف الشديد لم يصل إلى الناس أن مصر خاضت معركة كبيرة"، موضحاً "أنتمي إلى الجيل الذي كانت حرب بلاده الأساسية ضد إسرائيل 1956 و1967 و1973 وما بعدها، الجيل الذي سبقني كانت قضيته خروج الإنجليز من مصر، إنما الجيل الحالي من بعد 2010 كانت قضيته الإرهاب، هل نسينا ما كان يحدث مع مديريات الأمن في مصر وما كان يحدث في سيناء من إرهاب؟".

ويمضي عضو مجلس الشيوخ المصري، في الحديث "الأصل في رشادة المجتمعات أن يكون هناك حوار دائم، لكن علينا أن نفرق بين الحوار وما يدور على السوشيال ميديا الذي لا يمكن وصفه بالحوار"، مشيراً إلى أن مصر "لديها قضايا عالقة يجب الالتفات إليها، مثل التعامل مع المحليات وقانون الحقوق الشخصية، وهناك قضايا أخرى تواجه مقاومة مجتمعية مثل قانون الإصلاح التعليمي في مصر".

وتساءل سعيد "لماذا فشلت تجربة وزير التعليم السابق طارق شوقي في إصلاح التعليم؟"، ثم يجيب "لأن الشعب والمجالس النيابية قاومت التجربة، وكثير من المفكرين والكتاب الذين يتخذون التعليم قضيتهم الأساسية لما بدأنا نعمل الإصلاح واجهنا منهم مقاومة أيضاً، على رغم أن طارق شوقي كان جاداً، وحين عرض قانون الثانوية العامة رفض، على رغم أنه في البرلمان المصري لا توجد قوانين كثيرة تواجه بالرفض، إذ من المفترض أن حواراً يسبق القرار ولجاناً تتحدث وتتشاور، فمعظم القوانين حينما تصل إلى مرحلة التصويت يبقى هناك شبه إجماع عليها إما بالتأييد أو الرفض، في حال طارق شوقي حصل توافق على الرفض".


وأضاف "توجد تحديات تمثل أولوية في مصر، مثلاً الزيادة السكانية. منذ 2010 إلى اليوم مصر زادت نحو 20 مليون نسمة، إضافة إلى 15 مليون لاجئ، ماذا نفعل مع اللاجئين؟ هذه قضية أساسية أخرى، وموضوع يقلق كل الدول المتقدمة في العالم، وهنا أقول للذين يتحدثون عن فقه الأولويات هذه القضية أولوية".

وفي أواخر أبريل (نيسان) من العام الماضي دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إجراء "حوار وطني حول مختلف القضايا"، واستغرق الإعداد والتمهيد له أكثر من عام، إذ انطلقت أولى جلساته الفعلية في الثالث من مايو (أيار) الماضي، مركزة بشكل رئيس على ثلاثة محاور: سياسية واقتصادية ومجتمعية.

أنين وأوجاع ورضا الشارع

وحول مدى تعاطي وتفاعل الشارع المصري مع حال الحوار بين الأحزاب والنخب السياسية في البلاد، قال عبدالمنعم سعيد "الشارع دائماً في حال حوار، وبين حالتين إما الانبساط وإما الأنين. إما يشعر بالسعادة مما يجري، وإما أنه موجوع"، مشيراً إلى أن مصر "تعاني نقصاً في ما يتعلق باستطلاعات الرأي العام، نحن بحاجة إلى استطلاع الرأي العام، كي نحلل ما يراه الشعب، كل ما لدينا هو مجرد قراءة لمجموعة الأشخاص المحيطين بنا ليس أكثر"، معتبراً أن في مصر "تشويهاً منبعه وسائل التواصل الاجتماعي".

وأبدى عضو مجلس الشيوخ أسفه على الإعلام المصري، لأنه ينساق وراء ما تتداوله منصات التواصل الاجتماعي، "مع الأسف الإعلام يتبنى ذلك، معظم مقدمي البرامج السؤال الأهم لديهم: ماذا يدور اليوم في السوشيال ميديا؟ كي يرد عليه أو يقبله أو يرفضه. رأيي أن هذا يحدث تشوهاً شديداً في أي حوار بالمجتمع، غالبية الممارسين على السوشيال ميديا أشخاص عاديون، يعبرون عن يأسهم أو آمالهم المفرطة في الطلب، بمعنى إنهم يسألون ماذا يحقق هذا الحوار الوطني لي؟ وفي اعتقادي أن هذا معوق شديد جداً".


ويتابع عبدالمنعم سعيد "أنتمي إلى الفلسفة الكلاسيكية في السياسة التي تعلمناها من أفلاطون وأرسطو، وعليه الحوار لا بد أن يكون بين نخبة تتمتع بالحصافة وهدوء الأعصاب والتفكير والحكمة. الحكماء قادرون على قراءة الشارع، الأزمة أن الغالبية يظنون أن الشارع والنخبة كل منهم له رأي من دون أن نتحدث، الحكيم أصبحت معرفته ليست محدودة بفعل الانفتاح المعلوماتي، اليوم نعرف نسب الفقر في مصر، أماكن الفقراء وتجمعات الأغنياء وأنماط الاستهلاك. اليوم أيضاً لدينا قصور في الرأي في الاستفادة من الأدوات الموجودة فعلياً، مثلاً الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري في رأيي من أعظم الأجهزة الموجودة في مصر، يقدم للناس معدل التضخم والبطالة، ومع ذلك قليل ما نجد ذلك في السوشيال ميديا، بالتالي نحن حينما نرد على السوشيال ميديا نرد بطريقتهم نفسها ونعلق على الآراء الموجودة بها بالطريقة نفسها".

ويستطرد سعيد في سرد بعض التناقضات وفق رؤيته التي يحملها المغردون على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى تلك التي بين ما يطلبه الجماهير وما تقتضيه الإدارة والسياسة، "على سبيل المثال الجماهير تطالب بقطع العلاقات مع صندوق النقد (على خلفية الشروط المفروضة من جانبه على الاقتصاد المصري)، إنما أنت لا تقدر على العيش بعيداً من قوانين الاقتصاد".

ووفق رؤية عبدالمنعم سعيد، فإن مصر الآن في منتصف الطريق نحو رؤية 2030 التي بدأت منذ 2015، وعليه "من الطبيعي وأنت في منتصف الطريق أن تجري حواراً، لتقييم ما مضى، وتستكمل الرؤية للمستقبل، لن نعرف التحول الذي سيحدث من دون حوار وتجربة"، معتبراً أن "التقدم الذي حدث في مصر جعل كثيرين يتحدثون عن الأولويات".

وأعرب عضو مجلس الشيوخ المصري عن اندهاشه من "المعارضة خصوصاً التي في الخارج من أنها لا ترى ما حدث في مصر من تقدم. الآن لدينا واقع ملموس، والخطوة التالية هي ماذا نفعل بعد إنجاز هذا الواقع؟ ماذا كان مطروحاً من قبل؟ وهنا دور الذين يقدمون أطروحات ودراسات، لكن الحوار الوطني دشن على طريقة أننا نريد جبهة وطنية واسعة متداخل فيها مثقفون وأحزاب وقطاعات، وبمجرد أن تبدأ تلك الحكاية وقتها ما كان مؤسساً عند أفلاطون على فكرة الحكمة، أصبح الآن قائماً على فكرة التجربة"، على حد وصفه.

أمام بعض "التململ الشعبي" من واقع التحديات الاقتصادية المتفاقمة، التي أثرت بشكل مباشر في دخول الأفراد والقوة الشرائية للعملة الوطنية، اعتبر عبدالمنعم سعيد أن "رضا الناس أمر مركب، لو سألناهم هل أنتم راضون أم لا؟ في رأيي أن الناس لن تقبل سوى بأن الأموال تدخل إلى جيوبهم". وتابع "أليست الجملة المتداولة دائماً على الألسن من المواطنين: (أنا أخدت من دا إيه؟). الشيء الطبيعي أن الإنسان أناني، إنما الأمم لم تخرج عن طريق الجماهير".

ويمضي سعيد في توضيح فكرة أن الجماهير لا تصنع الأمم، "عندما خرجت الجماهير في الثورة الفرنسية (استمرت 10 سنوات، وكانت ضد الملكية المطلقة والامتيازات الإقطاعية للطبقة الارستقراطية والنفوذ الديني الكاثوليكي) دمرت فرنسا. وعادوا لحكم آل بوربون (أسرة ملكية) مرة ثانية، وبعدها جاؤوا بديكتاتور اسمه نابليون. وحين خرج المصريون إلى الشوارع والميادين في عام 2011، كانوا في منتهى الرضا والثورة، لكنهم في ذلك التوقيت لم يأتوا بمشروع يشرحوا من خلاله رؤيتهم لمصر؟ ورأيي هذا هو السؤال الأساس المفروض على النخبة. عاوزين (نريد) مصر تبقى إيه؟ هذا هو السؤال الجوهري".

ويضيف "بالنسبة إلي أحتاجها دولة عظيمة، لا تقل عن الدول التي أصبح لها شأن في ناتج الإنتاج العالمي وفي التطور التكنولوجي، لا أحد لديه ما تمتلكه مصر من تراث تاريخي على سبيل المثال، ولا الموقع الجغرافي. أحتاج مصر دولة عظيمة، وهذه العظمة التي نريدها لا بد لها من كلفة، والكلفة تعني الجهد والعمل".

وبحسب عضو مجلس الشيوخ المصري فإن هناك مصريين بالفعل حققوا هذه المعادلة، "لدينا مصريون أنجزوا هذا، على سبيل المثال 6 ملايين مصري الذين عملوا في مشاريع الدولة المختلفة خلال السنوات الثماني الماضية، عملوا تحت ظروف غير طبيعية من حرارة الطقس والجهد، حفروا أنفاقاً تحت قناة السويس، لكم أن تتخيلوا البحران الأحمر والمتوسط يتلاقيان فوق رأسك، لو أن هناك ملي خطأ ما كيف ستكون الكارثة في أهم منشأة اقتصادية في البلاد وللتجارة الدولية؟ لكن مع الأسف يرى المواطنون تلك المشاريع بعد انتهائها ولا يعيرون مراحل إنجازها أي اهتمام. من يحتاج إلى دولة عظيمة لا بد أن تكون لديه مقدرة على تقدير كيف تكون العظمة"، مشدداً على أن التساؤل الرئيس الذي يجب أن يلتفت الجميع إلى الإجابة عنه هو: "أي نموذج نحتاج إلى أن تكون عليه الدولة؟".

"دعم مطلق" للرئيس

وانتقالاً من الحوار الوطني في البلاد إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة أوائل العام المقبل، التي ينظر إليها كثير من قوى المعارضة بكثير من "التشكيك"، لا سيما "جدية السلطات في ضمان شفافيتها ونزاهتها"، يقول عبدالمنعم سعيد "تأييدي الرئيس السيسي بدأ حينما سمعته في حديث له في أول معركة انتخابية حينما قال: (أنا مش هخليكم تناموا الليل)، وقتها قلت نحن على الطريق الصحيح".

ويضيف "لو نحن نحب مصر ونرغب في أن تكون دولة عظيمة لا ننام الليل، أقصد نشتغل ونعمل. فرنسا ظلت تجرب في خمس جمهوريات، أميركا أجرت 26 تعديلاً في الدستور، كل تعديل منها كان معركة، منها حرب أهلية، مات فيها أكبر عدد من الأميركان، أكثر من الحرب العالمية الأولى والثانية. قتلوا بعضهم بعضاً كي تجرى ثلاثة تعديلات دستورية 15 و16 و17، هنا نرى كيف للمجتمعات أن تعمل فترات طويلة كي تجني"، مسترجعاً "مسألة الرضا وعدم الرضا"، مؤكداً أن "الدول لو قامت على رضا الناس فليس ضرورياً أن تؤدي بك إلى الطريق الصحيح".


ويوضح عضو مجلس الشيوخ المصري، "في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية. أنا مراقب للتاريخ في هذه المسألة، أتمنى الاستمرار لتجربة السيسي، تجربة جيلي كانت فيها فكرة النكوص عالية جداً، نتقدم الأمام ثم نعود للخلف. لا بد أن نكمل التجربة التي نحن فيها إلى نهايتها 2030، هذا أمر مهم. لكن ماذا حصل؟ وماذا نتعلم من الأزمة الاقتصادية الحالية؟ وهل كان من الممكن أن يكون أداؤنا أفضل؟ كل هذه أمور من الممكن أن نناقشها. وجزء من العملية الانتخابية فيها تحفيز على ذلك، القضية الكبرى في مصر هي كيف أن نصل بمعدل النمو خلال السنوات المقبلة إلى سبعة أو ثمانية في المئة، هنا التساؤل كيف نصل إلى هذا المعدل، صناعياً وزراعياً وحتى على مستوى التعليم".

ويكرر سعيد دعمه لبقاء السيسي في الحكم، "أرى أن يستمر الرئيس عبدالفتاح السيسي فترة رئاسية جديدة، لأنه هو من أنجز كل ما نحن فيه الآن، وفي رأيي أنه أعظم بان لمصر بعد الخديوي إسماعيل".

يذكر أن الخديوي إسماعيل هو خامس حكام مصر من الأسرة العلوية، تولى السلطة عام 1863 إلى أن خلعته إنجلترا عن العرش في 1879، وخلال حكمه أعطى مصر دفعة قوية نحو التحديث، إلا أن البلاد غرقت في الديون.

ووفق عبدالمنعم سعيد فإن إحدى أكبر الإشكالات في مصر هو "عدم وجود حزب سياسي حاكم، يوجد تجمع لأناس، ثورات مثل يناير 2011 أو يونيو 2013 لم تفرز تياراً حزبياً رئيساً له علاقة بمستقبل مصر".


وبينما لا تزال الضبابية تحيط بالجدول الزمني للاستحقاق الرئاسي المرتقب، وحتى بشخوص من ينتوون الترشح، سوى إعلان النائب السابق أحمد طنطاوي (معارض) ورئيسي حزب الشعب الجمهوري والوفد وهما من المؤيدين للرئيس السيسي، كما لم يعلن الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي موقفه الرسمي بعد، على رغم توقع كثيرين أن يخوض الانتخابات المقبلة ليمدد فترة بقائه في الحكم حتى 2030، يقول عبدالمنعم سعيد "الدستور المصري واضح في عملية انتخابات الرئاسة، لدينا الهيئة العليا للانتخابات والقوانين المنظمة لعملها، لكن مع الأسف نحن نبدأ الحديث عن انتخابات الرئاسة بنقطة أننا لا نعلم عنها شيئاً، بالعكس نحن نعلم، علينا أن نرجع إلى الدستور المصري، والقوانين الموجودة التي تحدد موعد انتهاء الفترة الرئاسية الحالية هو الـ30 من يونيو 2024".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار عضو مجلس الشيوخ المصري إلى أن "أجواء ما قبل الانتخابات أصبحت موجودة الآن. حزب الوفد مثلاً اجتمعت الهيئة الخاصة به لترشيح رئيس الحزب (عبدالسند يمامة)، وكذلك هناك أحزاب أخرى، ولدينا شخص مستقل جاء من لبنان وقال إنه ينتوي دخول الانتخابات، والصحافة تتابع تصريحاته، وهو يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الناس"، في إشارة إلى المرشح المحتمل أحمد طنطاوي.

وتنص المادة 140 من الدستور المصري المعدلة عام 2019 على أن "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين، وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بـ120 يوماً في الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بـ30 يوماً في الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة".

وفي أبريل (نيسان) الماضي أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية (تضم مجموعة من الأحزاب المدنية)، ما قالت إنه "ضوابط ومعايير لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة مع قرب الانتخابات الرئاسية" التي من أبرزها إتاحة فرص متكافئة لجميع المرشحين، وحرية وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، وحياد مؤسسات الدولة ووقوفها على مسافة واحدة من كل المرشحين، وخضوع العملية الانتخابية برمتها للمتابعة من هيئات ومنظمات محلية ودولية مشهود لها بالحياد والموضوعية، واستقلال ونزاهة وشفافية الهيئة المشرفة والمديرة للعملية الانتخابية.

ويضيف عبدالمنعم سعيد "المعلومة الكاملة عن انتخابات الرئاسة في مصر موجودة ومتاحة في الدستور، لكن ما أتمناه ممن يعلنون عزمهم الترشح أن يعلنوا ما سيفعلونه للبلد، وأن يجيبوا عن التساؤل الذي طرحته من قبل حول كيف تصبح مصر عظيمة؟". ثم تابع "أميل إلى التجربة الآسيوية مثل كوريا الجنوبية، وفيتنام التي عانت ويلات الاستعمار الفرنسي ثم الأميركي لكنها أعادت بناء الدولة، كما فعلنا نحن في السنوات القليلة الماضية، هم بنوا طرقاً وجسوراً ومحطات كهرباء، وجرى تشغيل الناس، وهذه التجربة أخذنا جزءاً منها، إذ أصبح لدينا 6 ملايين مصري مختلفين عن بقية المصريين، كل من اشترك في مشاريع الدولة مختلف عن بقية المصريين، عمل ثماني ساعات بجد، ووجد رئيس الجمهورية على رأسه صباح يوم الجمعة، ونحن نعرف متى بدأ المشروع ومتى انتهى. انتهى عصر المشاريع المعلقة".

ويستكمل "الآن نعيش في مصر زمن السرعة في إنجاز المشاريع، عشت زمن بناء كوبري السادس من أكتوبر في 30 سنة، وبناء هياكل خاصة بالمستشفيات من دون أن تكتمل، لماذا؟ لأن كل تلك المشاريع كانت تعتمد على موازنة الدولة. أما الآن لدينا جرأة في الاقتراض، وجرأة في الإنفاق، وكذلك البنية الأساسية، هذه كلها علامات من التجربة الآسيوية. لكن ما ليس موجوداً في التجربة الآسيوية هو اقتصاد السوق، نحن لدينا نظام برلماسي، دائماً لدينا فكرة الخلط بين شيئين كي ننال الاستفادة منهما في وقت واحد، وهذا ليس أمراً حكيماً، وأنا لا أفضل هذا الخلط، لا شيء اسمه تقنين الخطأ، في مصر نعرف أن هذا الإجراء خاطئ لكننا نقننه، مثلما حدث مع العشوائيات وقانون تقنينها بالمصالحات، هذا تصرف مصري بأنك تحتاج إلى التوصل إلى حل وسط في مشكلة ما فتلجأ إلى ذلك الخلط".

جمال مبارك لن يترشح

وفي شأن حنين كثيرين إلى عصر الرئيس الراحل حسني مبارك الذي أطاحته ثورة شعبية في يناير (كانون الثاني) 2011، وتزايد الحديث عن احتمالات أن يخوض نجله الأكبر جمال مبارك (60 سنة) الانتخابات الرئاسية المقبلة مع انتشار عديد من الصفحات التي تدعمه على مواقع التواصل الاجتماعي، قال عبدالمنعم سعيد، "في ما يتعلق بجمال مبارك أعرفه وهو إنسان جيد، ومسألة ترشحه هو من يحسمها لا نحن، غير ذلك هو نوع من الفضول"، رأيي أن جمال مبارك لن يترشح، ثم هل له حق الترشح من الأساس؟ هذا أراه محاولة لخلق قضية (سوشيال ميداتوية) إن جاز التعبير، لا أكن لها احتراماً كثيراً".


يشار إلى أنه في الفترة الأخيرة تعالت الأصوات المطالبة بترشح جمال مبارك، وذلك في وقت يرجح فيه بعضهم أن الحكم الذي طاوله وشقيقه علاء ووالده في عام 2015 بالسجن ثلاث سنوات في القضية المعروفة إعلامياً في مصر بقضية "القصور الرئاسية"، "قضية مخلة بالشرف"، مما يمنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة. لكن يجادل آخرون بإمكان حصول جمال مبارك على حكم قضائي بـ"رد الاعتبار" لممارسة حقوقه السياسية، وذلك بعد مرور المدة القانونية عقب الحكم الذي صدر في حقه.

مشروعان كبيران متضادان

وأمام تباين الرؤى والأطروحات في شأن مستقبل مصر السياسي والاقتصادي، يقول عبدالمنعم سعيد "مصر بها مشروعان كبيران، مشروع الإخوان المسلمين ومشروع الرئيس السيسي. مشروع الإخوان هو مشروع إيران، انظر إلى برنامج الإخوان عام 2007. في تفاصيل المشروع سلاح نووي، وصناعات مرتبطة بالتسلح، وميليشيات في الدول المجاورة، هذا هو مشروع الإخوان. أما مشروع الرئيس السيسي فهو إعمار مصر".

ومشيداً بما سماه "مشروع إعمار مصر"، يعتبر عبدالمنعم سعيد أن أحد أبرز الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة هو "ربط الجغرافيا بالديموغرافيا"، أي توسيع رقعة الانتشار السكاني على الجغرافيا المصرية، التي كانت متركزة بالأساس في نحو سبعة في المئة من إجمالي مساحة الدولة.

وأشار إلى أن أحداً لا يتحدث عن العجز الرئيس في مصر، وهو علاقة الجغرافيا بالديموغرافيا في مصر، "هذه هي القضية الأساسية في مصر. لدينا مليون كيلومتر مربع، و105 ملايين شخص، كيف نوفق بينهما؟ علينا أن نقرأ جيداً تجربة الدول التي تقدمت ونطبقها ونقبل ثمنها، هذه هي وظيفة القيادة السياسية".

وتابع "بعد أن كنا نعيش على سبعة في المئة من أرض مصر عام 2010، أصبحنا نعيش على 15 في المئة من مساحة مصر، أعتقد أن هذا بداية الطريق الذي يجب أن يستمر ليصل إلى 25 في المئة أو 30 في المئة من مساحة مصر".

"تشغيل التغيير"

وبينما يؤمن عبدالمنعم سعيد بوجود "طفرة" على مستوى بناء الدولة في السنوات الماضية أحدثها الرئيس السيسي منذ توليه منصبه، أوضح أن الحاجة الآن باتت في "تشغيل التغيير"، يقول "ما جرى تغييره علينا تشغيله، الكهرباء والمناطق الصناعية والطرق. لدينا زيادة تقريباً 50 في المئة في مساحة الأرض المزروعة، في بلد كانت منطقة الأرض المزروعة تخسر كل عام ما يعادل 60 ألف فدان. من أواخر السبعينيات لاحظنا نحراً في الأراضي الزراعية. لدينا أصول غير مفعلة، وتشغيل الأصول عملية تحتاج إلى تدريب".


ويضرب عضو مجلس الشيوخ المصري أمثلة على ذلك، "لدينا إعادة استكشاف جديد لمنطقة الأهرام والمتحف المصري الكبير (يجري إنشاؤه بمنطقة الأهرام)، من الممكن أن تكون منطقة من أهم المناطق الاقتصادية في العالم".

وعن حال حرية الرأي والتعبير في مصر، يقول عبدالمنعم سعيد "لا يوجد كلام أحب أقوله ولم أقله. تفكيري في الأساس إصلاح، لكن يجب التفرقة بين دوري وبين من يريد أن يتحدث فقط بغرض إلحاق الوجع (الأذى) بالسلطة السياسية. أرى كذلك الأخطار الموجودة في مصر، وأمامنا ما يحدث في السودان، ظلوا يقولون المكون المدني، وعملوا حرية جبارة، وانتهى الموضوع بتقسيم البلد إلى نصفين، وأحد النصفين يوشك على التقسيم مجدداً. لا أريد ذلك لمصر، شاهدت ميدان التحرير من خارج الميدان. كانت الحرية مطلقة، لكن لم تكن هناك فكرة واحدة خاصة ببناء مصر، ولا بناء شارع، ولا ذهاب إلى الانتخابات. ذهبوا إلى شارع محمد محمود (أحد الشوارع الرئيسة المتفرعة من ميدان التحرير بوسط القاهرة، وكان شاهداً على أحداث عديدة لما جرى خلال أحداث يناير 2011)، بينما كان الإخوان يدبرون كيف يحصلون على أغلبية البرلمان ومجلس الشورى. هل هذا ما نريده من حرية الرأي؟".


وينهي سعيد الحوار "الرئيس السيسي هو المسؤول عن الدولة، وأول المسؤولية هو أمنها. مصر عاشت غلياناً شديداً لبضعة أعوام، وفي المقابل تحاول منصات التواصل الاجتماعي أن تقود البلاد، على رغم أنه من السهل التحكم فيها، ومستقبل الدولة وحمايتها هو مسؤولية الرئيس".

المزيد من حوارات