Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رواية "الرجل الذي رأى كل شيء" لـ ديبورا ليفي أشبه بأحجية مستعصية الحل

مثلما يتمازج الماضي والحاضر، تتداخل الاشتراكية والجنس أيضاً

  الروائية ديبورا ليفي وغلاف روايتها الصادرة مؤخراً "الرجل الذي رأى كل شيء" (إندبندنت)

هذا الشهر، يكون قد مر خمسون عاماً على التقاط الصورة الشهيرة التي يظهر فيها فريق البيتلز وهم يقطعون شارع آبي رود في لندن من معبر المشاة المخطط بالأبيض. وتفتتح ديبورا ليفي روايتها الجديدة في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1988 عندما يحاول سول أدلر أن يعبر من فوق ممر المشاة نفسه. وفي شهر يوليو (تموز) عام 2016 يعاود المحاولة. وهناك احتمال أن يكون قد تعرض للدهس بسيارة في المرتين. فإن تركيب الأحداث التي رأيتها بالضبط مع بعضها البعض ليس بالأمر السهل دائماً في هذا الكتاب الأشبه بأحجية مستعصية الحل أو لغز مكعب روبيك الميكانيكي.  

يتأمل كتاب "الرجل الذي رأى كل شيء" قوة الصورة لالتقاط لحظة من الزمن، أو لالتقاط شخص ما. يتعلق الأمر بكيفية رؤيتنا - أو فشلنا في رؤية - أنفسنا والآخرين، من خلال العيون وعدسات الكاميرات ورقابة الدولة للجماهير. يدور الكتاب أيضاً حول كيفية "رؤيتنا" للماضي بجانب - أو بالأحرى ضمن- حاضرنا. وهو في حقيقة الأمر، عكس ما تقوم به الصورة الفوتوغرافية، التي تثبّت لحظة واحدة من الزمن.

في عام 1988، في النصف الأول من رواية ليفي، نتابع سول، المؤرخ الوسيم، صاحب العينين الزرقاوين الثاقبتين، الذي كان في سن الثامنة والعشرين حينها، يواصل سيره وهو ينزف، كي يزور حبيبته المصوّرة الفوتوغرافية جينيفر مورو، التي منعته من وصف جمالها الشخصي. فقد الاثنان أمّيهما عندما كانا صغيرين (تماماً مثل جون لينون وبول مكارتني عضوي فريق البيتلز). نسمع أن جينيفر معجبة بافتتاحية "البيان الشيوعي" لكارل ماركس، التي تقول إن الشيوعية هي "شبح يطارد أوروبا"، وأنها تعتقد بوجود شبح داخل كل صورة ضوئية أيضاً. بالتأكيد ستستمر هاتان الفكرتان وسيكون الكتاب مسكوناً بهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والد سول توفي مؤخراً. لقد كان اشتراكياً وأراد أن يوارى رماده الثرى في ألمانيا الشرقية، وكان قاسياً على ابنه الأكاديمي، الذي يرتدي مجوهرات من اللؤلؤ وصاحب الميول الجنسية المزدوجة. يكتب سول رسالة تربط بين طغيان الآباء وطغيان الدكتاتوريين: لقد تعرض ستالين للتخويف من قِبل والده، وقام كذلك بترهيب أولاده.

يمارس سول وجينيفر الجنس. يطلب سول يدها، لكهنا ترفضه، متهمة إياه بعدم الاكتراث بما يكفي بفنها. يولي سول اهتماماً  أقل بمقاصدها مقارنة بموضوعها - أي هو نفسه.  إذ يعتقد أنه مصدر إلهامها.

وبينما يلملم سول جراحه، يذهب في رحلة بحثية إلى ألمانيا الشرقية. وينسى أن يأخذ علبة من الأناناس كان قد وعد بها. ويتبين أن العائلة التي يقيم معها في برلين قد استشاطت غضباً من جراء فعلته الرعناء هذه، والتي تدفع بطريقتها الخاصة إلى سلسلة من الأمور المفصلية التي تغير مجرى الأحداث.

ونتعرف على مترجم سول الواثق والحيوي والتر مولر. ولا يستطيع والتر أن يتوقف عن النظر إلى سول - كرجل قد أُغرم به، وكجاسوس لموطنه الاستبدادي، في آن معاً. في هذه الأثناء، تقوم لونا، شقيقة والتر، الراقصة المتوترة للغاية وتحب فريق البيتلز وتريد الهروب بأي ثمن -  بالتقرب إلى سول.

كل ذلك - حتى لو كان كان مجرد ملخص بسيط للحبكة - يبدو ناضجاً وغنياً، أليس كذلك؟ وهو: أن ليفي، التي رُشحت مرتين لنيل جائزة البوكر الأدبية عن رواية "السباحة إلى الوطن" القصيرة، ورواية "حليب ساخن"، تكتب بثقة رائعة وغنية هنا. إنه كتاب عصري: مكتوب بتدبير متسارع ونابض بالحياة، وتبرز غرابة أطوار شخصياتها من الورق. إنه كتاب طريف: إن رواية "سول" النرجسية مليئة بالتفاصيل الفظة عن الغطرسة الفتية، والإحراج الاجتماعي. إنه مثير: تكتب ليفي بشدة عن الانجذاب المركب والاستياء، وكيف تمنح شخصياتُها عطايا من الجنس والعطف وتسحبها. إنه عمل سياسي: تكشف الرواية عن النفاقات التي تصاحب الإيديولوجية الجامدة، ولكنها تتساءل أيضاً كيف يمكن للفرد أن يعيش بنزاهة إذا كان يعيش فقط من أجل نفسه.

هناك أيضاً أشياء من أنواع أخرى مختلفة تحدث في النصف الأول، بكل الأحوال- إنها أشياء يستحيل أساساً فهمها. تدخلات غريبة. أسماء غير مفسرة. وبطريقة ما، يعرف سول بالضبط متى سيسقط جدار برلين. و تقاطعنا صور من "جغرافيا أخرى، وزمان آخر".

من المستحيل أيضاً أن أقدم مراجعة بقية الكتاب دون الإفصاح عن تفاصيل قد تفسد متعة القراءة، لذلك وجب التحذير. ولكن إذا كان النصف الأول يبدو كلغز لم تصِلْ في حله إلى أي نتيجة، فقد شعرتُ بخيبة أمل في البداية مما وصلتْ إليه الأحداث: لقد تعرض سول  لحادث سيء في شارع آبي رود، بينما تدور أحداث النصف الثاني في المستشفى. ولو أردتم إلقاء اللوم على المورفين، أو على إصابته، فإن ماضيه ليس مختلطاً فقط بحاضره الآن في عام 2016، لكننا ندرك أن الجزء الأول من الكتاب كان ذاكرته لعام 1988 بصورته التي أفسدها الحاضر. يبدو أن أشباحه تعمل على قدم وساق.

في كلا النصفين، تظهر أزهار عباد الشمس وفهود الجاغوار وقطار دمية، في سياقات مختلفة. تتحول شخصية كانت عميلة لأمن الدولة في ألمانيا الشرقية عام 1988 إلى ممرضة رحيمة في عام 2016. إنه قريب للغاية من فكرة "استيقظ، كل ما مر كان حلماً". أو سيكون الأمر كذلك إذا لم تكن كتابة ليفي جيدة جداً، إذا لم يستمر تطور سردها الذي يجبرنا على قلب الصفحة ومتابعة القراءة حتى النهاية. ومعها، تتطور صورة سول أدلر لدى القارئ.

فقط مع وصول كتاب "الرجل الذي رأى كل شيء" إلى نهايته، يظهر العديد من الذكريات المختلفة بوضوح، والتي نراها كلها نتيجة لإهماله وأنانيته وكيف أثرت خياراته المهملة و الأنانية على الآخرين بطرق شتى. فقط عندما نرى سول من خلال عيون الآخرين - من خلال عدسة كاميرا مختلفة، لو شئتم - فإننا أخيراً، نرى كل شيء!

كتاب "الرجل الذي رأى كل شيء" صادر عن دار هيميش هاميلتون للنشر ويباع في المملكة المتحدة بسعر 14.99 جنيهاً استرلينياً للنسخة الواحدة.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب