Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المراوغة سلاح المواجهة ضد الهجمات الروسية في شرق أوكرانيا

يسود المدن المحيطة بالجبهة الأمامية شعور عارم بالفخر بسبب نجاحها في ردع قوات بوتين لكن الثمن هو تكبد خسائر فادحة

عامل إغاثة يبحث عن ناجين داخل مبنى سكني تهدّم جزئياً في أعقاب القصف الروسي على سلوفيانسك (أناتولي ستيبانوف/أ ف ب عبر غيتي)

ملخص

تستمر حصيلة الضحايا بالارتفاع في دونباس ومعاناة الأهالي تتفاقم وثمن الصمود والمواجهة كبير

قطع الصاروخ الذي أطلقته القوات الروسية باتجاه مكتب العمدة مسافة 55 ميلاً خلال نحو 64 ثانية بحسب التقديرات قبل أن ينفجر ويتحول إلى شظايا وألسنة لهب.

لكن لحسن حظ أوليكساندر غونشارينكو، عمدة كراماتورسك - القريبة من الجبهة في شرق أوكرانيا- سقط الصاروخ على بُعد 200 متر من هدفه المرجوّ، داخل حديقة عامة.

نُقل مقر البلدية على عجل إلى مبنى آخر لدواعٍ أمنية. لكن ما لبث ذلك المبنى أن تعرّض هو الآخر للقصف، فنقل مرة جديدة إلى مكان آخر لتجنّب الصواريخ القادمة من مدينة هورليفكا التي سقطت بأيدي قوات فلاديمير بوتين. 

ويقول العمدة غونشارينكو المتحصّن داخل مكتبه في قبو محمي بأكياس رمل "إن الفارق بين محاولة الروس ضرب كراماتورسك انطلاقاً من مناطق محتلة وبين غيرها من المدن الأوكرانية مثل دنيبرو مثلاً، هو أنّ الصواريخ تصلنا بسرعة فائقة. لا أعرف كم نظام مضاد للصواريخ من الأنظمة الموجودة هنا قادر على التصدي لصواريخ تتحرك بهذه السرعة".   

وسوف يستمر غونشارينكو، الذي تولّى القيادة العسكرية كذلك الآن، بنقل موظفيه في محاولة لإحباط الهجمات الروسية المتوقعة والاستمرار بتسيير العمل في المدينة.

ويقول "ينفّذ الروس غارات صاروخية كثيرة. وهدفهم تدمير البنية التحتية - من مبانٍ حكومية ومصانع إلى جانب الأهداف العسكرية. وهم كما رأينا، لا يمتنعون عن قتل المدنيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتعرض سكان منطقة دونباس لتهديد مستمر من قوات روسيا. التقيت غونشارينكو الصيف الماضي، داخل مكتبه الواسع في مبنى البلدية التاريخي في المدينة. كان ينظّم عملية إجلاء جماعية من مدينتين من المدن الرئيسية في دونباس هما كراماتروسك وسلوفيانسك المجاورة لها، اللتان كانتا معرّضتين للسقوط أمام المدرعات الروسية القادمة من جهتين.

ويقول غونشارينكو "طلبنا من السكان الرحيل، فلم يكن هناك خيار آخر. لكن قواتنا تمكنت من الصمود لحسن الحظ وبدأنا باسترجاع بعض الأراضي". 

ويتابع بقوله "بعد ذلك، واجهتنا معركة أخرى هي التعامل مع الشتاء. كان الوضع صعباً للغاية لكننا استطعنا الحصول على غاز من خاركيف بعد تحرير الجزء الأكبر من المنطقة وهذا ما ساعدنا كثيراً. ما زلنا نتعرض لهجمات من الجو ومن المدفعية التي يستخدمونها قرب الجبهة. لكن الروس لا يتقدمون مع أنهم يحاولون ذلك. يستخدمون الصواريخ البالستية والأسلحة الثقيلة وغيرها - إنهم محبطون ولا يتقدمون".

تستمر حصيلة الضحايا بالارتفاع في دونباس- قُتل ثلاثة أشخاص بنيران المدفعية قرب مدينة ليمان الأسبوع الماضي. كانت سيدتان ورجل، ثلاثتهم من المسنّين، يجلسون على مقعد في قرية تورسكه ويتجاذبون أطراف الحديث تحت أشعة الشمس عندما وقعت القذائف. وجُرح شخصان آخران.

وتقول جارتهم سفيتلانا فاسيلييفا "لم يرغبوا بالرحيل عن منازلهم وعن هذه القرية. اعتادوا أن يلتقوا طلباً للصحبة والمواساة. لكن حتى هذا سُلب الآن".

لقي ثلاثة عشر شخصاً من بينهم ثلاثة أطفال مصرعهم إثر سقوط صاروخين على مطعم بيتزا في وسط مدينة كراماتورسك أخيراً: وجُرح 56 غيرهم. وكان من بين القتلى فيكتوريا أميلينا البالغة من العمر 37 سنة، التي كانت تحقق في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان على يد القوات الروسية. 

ومنذ أسبوعين، نفّذ الروس هجوماً "مزدوجاً" على مدينة أخرى في دونباس تُدعى بوكروفسك، أودى بحياة تسعة أشخاص وأصاب 82 بجروح. دوّى انفجار تلاه آخر عند وصول أجهزة الطوارئ. وشملت الأهداف فندقاً يستخدمه عمال الإغاثة والمتطوعون المدنيون كثيراً.

 

تقبّل سكان دونباس في النهاية حتمية وقوع المزيد من الهجمات الفتاكة مع استمرار القتال، فيما تُطلق الضربات الجوية والمدفعية إلى ما بعد الجبهات التي علقت قوات الطرفين فيها في جمود دامٍ.

في الليلة التي تعرّض فيها مطعم البيتزا للقصف، كان من المفترض أن تحضر الطالبة ألونا البالغة من العمر 23 سنة إلى المكان. وتقول "كانت المناسبة عيد ميلاد فتاة أخرى اسمها فيوليتا لكنني شعرت بعدم الارتياح طوال النهار وأقنعتها بنقل الاحتفال إلى مكان آخر. تساورني هذه المشاعر منذ طفولتي ولا يمكنني أن أفسرها فعلاً [يخفى علي معناها]. ساورني شعور قوي جداً بشأن مطعم البيتزا. لا شك بأنني لم أكن لأذهب شخصياً وأنا سعيدة لأنني أقنعت أصدقائي بعدم الذهاب إلى هناك".

واستعادة ذكرى مجازر مسألة شائعة هنا إلى حد كبير [هي لسان حال السكان]. أمر بوتين بتنفيذ ضربات جوية على كل المناطق الأوكرانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي انتقاماً لتفجير على جسر كيرش الذي يربط بين شبه جزيرة القرم المحتلة وروسيا. وفي سلوفيانسك، وقع أخ وأخته ضحية هجوم صاروخي، بعدما هربا من منزلهما القريب من الجبهة واستقرا مع عائلة جديدة.  

توفيت كاترينا، 25 سنة، إلى جانب شخصين من عائلة سودوفا التي تبنتها فيما دُمر منزلهم. وقعت أرواح بريئة ضحية الوحشية الروسية. نجا أخوها، رسلان، 12 سنة، لكنه أصيب بجروح خطيرة. اعتادت كاترينا أن تعزف على الكمان في الشارع، من أجل الترفيه عن السكان الذين تعبوا من الحرب. قُتلت الشابة برفقة إيلينا وأوليكسي سودوفا.

كذلك أطاح عصف انفجار الصاروخ الذي يعتقد بأنه بعيد المدى من طراز "أس- 300"، المنزل الواقع في الجهة المقابلة من الشارع، فقتل زويا ميختييفا، وهي معلمة في الكلية التقنية المحلية، عمرها 45 سنة، واعتادت أن تشغل أوقات فراغها بأعمال تطوعية. كانت زويا تسكن في منزل شقيقتها. ويتذكر زوج شقيقتها، فلاديمير تشوماك، ذلك اليوم المريع فيقول "تغيّر كل شيء. فقد أشخاص كثيرون حياتهم من دون مبرر. هل فكّر من أطلقوا الصاروخ ولو دقيقة واحدة في ما كانوا يفعلون؟".

لا شك في أن عدد الأرواح التي أُزهقت خلال غزو روسيا المستمر من 18 شهراً هائل. لكن كل قصة وراءها عائلة مضطرة لتحمّل عبء ذكرى الخسارة والحزن.

وقعت لودميلا سوكولوفا ضحية إحدى أسوأ الضربات الجوية التي استهدفت مدنيين في هذه الحرب. في أبريل (نيسان) من العام الماضي، بعد شهرين من بداية الغزو، ضرب صاروخا "توشكا يو" محطة القطار في كراماتورسك، بعد إطلاقهما من شاختارسك في "جمهورية دونيتسك" الانفصالية المدعومة من روسيا. أودى الهجوم بحياة 63 مدنياً من بينهم تسعة أطفال وأصاب 151 آخرين بجروح.

 

كانت لودميلا، 70 سنة، تنتظر داخل المحطة برفقة أسرتها المكوّنة من سبعة أفراد من بينهم حفيدان، عندما وقع الصاروخان. وعانت من أصابات بالغة في رجليها فيما أصيب حفيدها وحفيدتها بشظايا. وكانت ابنتها المتزوجة، سفيتلانا، من بين القتلى. 

وتقول لودميلا والدموع تسيل على خديها اللذين حفرتهما تجاعيد عميقة "لا يمرّ يوم عليّ من دون أن أذكر ذلك النهار: ما زالت كوابيس عن الحادث تطاردني في الليل. يا ليت الله أخدني بدل ابنتي. حرمت تلك القنبلة صبياً وفتاة صغيرين من أمهما". 

تعيش لودميلا وحدها. وتقول "تسكن بقية الأسرة في ريفنه. لدى كل واحد من بينهم مستقبل أمامه. فما الداعي كي يعيشوا بخطر هنا؟ أنا كبيرة في السن ووضعي الصحي غير سليم وأعاني من آلام مستمرة بسبب إصابتي. سوف أبقى وأتقبّل ما يحصل. إن الأمور لا تسير على ما يرام أليس كذلك؟ لكننا لا نزال في أوكرانيا. ونحن ممتنون لذلك".

يسود المكان شعور عارم بالارتياح جرّاء منع الروس من اقتحام هذه المنطقة- وشعور عظيم بالاعتزاز بمقاومة الجيش وسكان دونباس [مقاتلو منطقة دونباس الانفصالية]. لكن يشعر كثيرون كذلك بالتعب بعد 18 شهراً من الحرب المتواصلة.  

ويقول يوري ميلنيك، 24 سنة، من سلوفيانسك "أصبح السكان هنا في الشرق أكبر سناً منذ بداية الحرب. وسوف يزداد عدد المسنين عند صدور قوانين التعبئة الجديدة التي يتحدثون عنها. سوف يُستدعى المزيد من الشباب مثلي للالتحاق بالجيش".

"انظر، أفهم ما يشعر به هؤلاء المسنون. كانت حياتهم الماضية شاقة وكان من حقهم أن يعيشوا بقية عمرهم بسلام. ومن المؤسف جداً أنهم يكابدون هذه الظروف. إنما علينا القتال في سبيل بلادنا وعلينا الاستمرار بالتقدم. سوف تستمر هذه الحرب لمدة طويلة بعد".

تتكلم يلينا، 64 سنة وأنتونينا، 83 سنة، عن آمالهما بانتهاء الحرب قريباً، فيما تجلسان معاً على مقعد في بلدة دروجكيفكا.

مع دويّ صفارات الإنذار مرة جديدة، ترفع يلينا ذراعيها في الهواء تعبيراً عن يأسها. وتقول "لا شك أن أحدهم، إما السياسيون أو الحكومات الأجنبية، قادر على وضع حد لهذا القتال. إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع بعد؟". تطرق رأسها وتضيف "ربما هذا هو قدرنا. لكنه قدر قاس". 

تعيش أسرتا السيدتين بعيداً من هنا منذ بداية الحرب. وتقول أنتونينا "كان من الضروري انتقال الأولاد إلى مكان أقل خطراً. لكنني أشتاق لعائلتي وأحفادي وأبنائهم. أشعر بوحشة كبيرة الآن وأودّ قضاء بعض الوقت معهم قبل أن أموت". 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات