Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجاسوسية عند المصريين القدماء

سموها العلم السري وعملية "الطابور الخامس" لتحتمس الثالث أول مهمة استخبارية تاريخياً

الملك رمسيس الثاني أحد ملوك القدماء المصريين ممن اهتموا بأعمال التجسس (أ ف ب)

ملخص

كيف أصبح المصريون القدماء أول من أسسوا استخبارات في التاريخ البشري؟

تستخدم الأجهزة الاستخبارية طرقاً سرية لمحاولة الحصول على معلومات تفصيلية حول أنشطة وخطط وقدرات الدول أو المؤسسات أو الأفراد، وعادة ما تجمع المعلومات من خلال التواصل المباشر مع الأشخاص، ومن أبرز مصادر الاستخبارات البشرية السرية "العملاء".

والعميل هو أي مصدر بشري له القدرة على تقديم تقارير سرية عن الهدف المراقب، ويزرع في المكان المناسب، بحيث يتمكن من إرسال التقارير حول ما يجري بالفعل.

لكن هل هذه الرؤية حديثة، أم أنها عينها التي استخدمتها الأمم والشعوب القديمة بهدف الحفاظ على حضورها الإمبراطوري عبر الزمان والمكان، وطوال بضعة آلاف من السنين؟

بالعودة لأضابير التاريخ القديم، نجد أن الرؤية واحدة لم تتغير، وأن جل ما يتبدل ويتعدل هو الميكانيزمات والأدوات المستخدمة عبر العصور والأزمنة.

غير أنه وفي كل الأحوال، تبقى هناك علاقة وثيقة بشكل أو بآخر بين أعمال الجاسوسية من جهة، ووجود قوات مسلحة لدولة بعينها من جهة ثانية.

ببساطة تحتاج الجيوش عبر التاريخ إلى أعين نافذة، لها قدرة واضحة على متابعة ما يجري من حولها، بهدف تكوين رؤى وتوقعات استشرافية، تمنع الصواعق من أن تضربها ذات مرة، ومن هنا يتكسب العمل الاستخباري أهميته.

هل بدأت قصة الاستخبارات تاريخياً من عند حدود مصر القديمة، الفرعونية كما يسميها بعضهم تجاوزاً؟ المؤكد أنه لا يمكننا الغوص في عمق الجواب، قبل أن نكتشف لو بصورة عابرة قصة الجيوش المصرية القديمة، وبخاصة عند تكوين بناء الدولة الموحدة في عهد الملك مينا موحد القطرين وصاحب التاجين، تاج الوجهين القبلي والبحري، أي شمال مصر وجنوبها.

قبل 3 آلاف عام

يحتاج الحديث عن الجيوش المصرية النظامية إلى قراءات معمقة قائمة بذاتها، ولعله قبل أن يوحد الملك مينا القطرين، كان للمملكتين الشمالية والجنوبية تجارب عسكرية مختلفة، إلا أن أول جيش نظامي عرفته مصر القديمة كان بحدود عام 3200 قبل الميلاد.

بعد حرب التوحيد التي خاضها مينا، ويقال له أيضاً "نعرمر" أول ملوك الأسرة الأولى، أسس عاصمة تتوسط المملكتين وسماها القلعة البيضاء أو "ممفيس".

اتسعت الإمبراطورية المصرية القديمة، وامتدت من تركيا شمالاً إلى الصومال جنوباً، ومن العراق شرقاً إلى ليبيا غرباً، مما خلق حاجة إلى وجود جيش مصري قوي، قادر على حماية هذه الحدود المترامية الأطراف.

عرف المصريون منذ وقت مبكر، أنواعاً من التصنيف والتوصيف للفرق العسكرية، فكان لديهم الجيوش البرية، ومنها المشاة والعربات التي تجرها الخيول، كما عرفوا أنواعاً أولية من الصواريخ العابرة، عبر السهام المميزة المصنوعة من نبات الخيزران الذي ينبت حول جانبي نهر النيل.

ولعله ليس من الغريب أن يكون لمصر أسطولاً بحري منظم ومدرب على أعلى مستوى، وهو أمر يتسق وحدود البلاد الشمالية والشرقية التي تحدها المياه، ويواكب نهر النيل الذي يمر بها من شمالها لجنوبها والعكس.

ولعله ليس مثيراً أن كثيراً من الخطط العسكرية المصرية القديمة لا تزال تدرس في أكاديميات العالم العسكرية، وبخاصة كل ما يتعلق باسم القائد الإمبراطور تحتمس الثالث، صاحب الأرصدة الهائلة في الانتصارات العسكرية، وفي القلب منها معركة "مجدو الشهيرة".

تحتمس الثالث (1425 ق.م.) هو سادس فراعنة الأسرة الـ18، ويعتبر مؤسس الإمبراطورية المصرية الحديثة في ذلك الوقت، ظلت تلك الإمبراطورية حتى نحو عام 1070 قبل الميلاد لغاية عهد رمسيس الـ11.

اهتم تحتمس الثالث بالجيش وجعله نظامياً وزوده بالفرسان والعربات الحربية، كما في عهده أتقن المصريون القدماء بفضله صناعة النبال والأسهم.

هل بدأت فنون الاستخبارات في الإمبراطورية المصرية القديمة من عند "تحتمس الثالث تحديداً"؟

الحاجة إلى فنون التجسس

تعتبر الإمبراطورية المصرية القديمة أقدم مثال على الإمبراطورية عالمية الأبعاد، فبعد انتهاء الحروب الكثيرة مع البلدان المجاورة لها، وعقب تأسيس "الدولة الحديثة بحدود عام 1532 قبل الميلاد، توغلت الإمبراطورية المصرية في بلاد النوبة وإثيوبيا جنوباً وليبيا في الشمال الغربي، ونشرت سلطانها شرقاً، فتوغلت في سوريا وتمددت في حوض الفرات ووسعت سلطانها في الشمال".

غير أن علامة الاستفهام المثيرة للدهشة، "كيف كان بالإمكان حكم هذه الإمبراطورية الشاسعة الأبعاد والمتعددة الأعراق طوال قرون كثيرة من الزمن؟".

ليس ثمة مجال للشك في أن القوة العسكرية الممولة من خلال ما كان عند الدولة من ثروات اقتصادية عظيمة كان أمراً لا بديل عنه أبداً، بيد أن من حقائق الأمور أيضاً أن القوة العسكرية لم تكن وحدها العامل الحاسم.

لقد تزامن هذا العامل مع أدوات حكم متعددة يمكن مقارنتها بمبادئ الإدارة الحديثة المتبعة في تسيير مفاصل الدولة، فكان لكل إقليم من أقاليم البلاد حاكم يدير شؤونه ويدير مرافقه، مستنداً في ذلك إلى العون الذي تقدمه له ثكنات عسكرية محلية.

على صعيد آخر بدت المعلوماتية تتجلى في مسيرة قيادة البلاد، إذ كان من الضروري والملزم أن يقدم حكام الأقاليم تقارير عن الأوضاع في أقاليمهم، وعن ولاء النخب المحلية والملوك الثانويين.

من ناحية أخرى ظهر ما يعرف اليوم بمهمات الدبلوماسيين في دول العالم، والجميع يدرك أن نسبة بالغة من هؤلاء عادة يتولون أعمال جمع المعلومات لأهداف استخبارية. حمل هؤلاء اسم "مراسلو الفرعون"، وكانوا يتمتعون بحماية عسكرية، ولديهم موظفون يرافقونهم في حلهم وترحالهم.

وجرى العرف أن يتنقل هؤلاء في طول الإمبراطورية وعرضها، لجمع المعلومات عن المناطق الحدودية والشعوب المجاورة، وأخبار مواطني الإمبراطورية، خصوصاً من الأجناس غير المصرية.

هل كان هؤلاء جواسيس بالمعنى الحصري المتعارف عليه اليوم؟ الشاهد أن ذكر هؤلاء جميعاً ورد في عديد من البرديات المصرية القديمة، وفي كثير من الأحجار الغرانيتية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان المصريون يطلقون عليهم تارة لقب "الساسة الأقدم لعربات الملك"، وتارة ثانية "مشاة القطرين، أي مصر السفلى ومصر العليا، وتارة ثالثة مندوبي الملك إلى جميع البلدان".

غير أنه من مسلمات الأمور أن هؤلاء الأفراد كانوا يتقلدون مناصب عالية المنزلة في مفاصل الدولة وعلى رغم هذه الحقيقة، فإن البرديات وأحجار الغرانيت تكتفي بالإشارة إلى أن عمل هؤلاء الموظفين كان يكمن في جباية الضرائب، ولا تبوح بمعلومة حول نشاطهم في مجال التجسس وجمع المعلومات لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أنهم كانوا يتبادلون التجسس وجمع المعلومات مع التجار والمسافرين بمعية القوافل المختلفة، ومع كثير من ربابنة السفن، وأنهم دأبوا كما هو مبين من شذرات البرديات والشواهد الحجرية على أن يثبتوا في سجلاتهم كل رسالة مهمة، وكل وثيقة حكومية ذات شأن كبير، كما درجوا على توثيق كل اتصالاتهم المهمة.

هل كانت هذه هي اللبنة الأولى في العملية الاستخبارية للدولة المصرية القديمة، رغم الظروف كافة التي مرت بها، من صعود إلى معارج المجد، وهبوط عبر مزالق الانكسار؟

أول جهاز استخبارات

سؤال آخر يطرح نفسه، هل كان تحتمس الثالث هو صاحب أول جهاز استخبارات في مصر العتيقة جداً، وربما أول جهاز استخبارات في العالم برمته؟

المؤكد أننا لا يمكننا بحال من الأحوال أن نقدم جواباً عن علامة الاستفهام المتقدمة، ما لم نلم ولو بشيء يسير عن حملاته العسكرية.

تبين لنا مراجعة البرديات المصرية عن تلك الفترة، أنه بمجرد اعتلاء تحتمس الثالث العرش، وجد نفسه مضطراً إلى التصدي لحركات عنف ثورية اضطرمت في بعض الولايات المصرية في قطاعات جغرافية آسيوية، وكان ذلك عقب وفاة الملكة المصرية الشهيرة حتشبسوت التي سبقته في حكم مصر.

بدا التمرد ضد مصر بقيادة أمير قادش، مما اضطر تحتمس الثالث إلى القيام بما لا يقل عن 17 حملة عسكرية قبل أن ينجح في السيطرة على الأوضاع المتأزمة، وكان هدف المصريين رد الآسيويين الذين يهددون حدودهم ومطاردتهم بعيداً قدر استطاعتهم.

مرت المجابهة بين المصريين والمتمردين الآسيويين بمراحل خمس، يمكن متابعتها من خلال الحوليات التي نقشها تحتمس الثالث في معبد آمون رع على مقربة من مقصورة المركب المقدس.

كان لتدوين هذه النصوص هدفان، الأول تذكاري والآخر عملي، فهي سرد للأحداث وفقاً لأسلوب درامي ارتبط بالروايات الملكية التقليدية يصاحبه بيان تفصيلي بالمغانم التي جلبتها الجيوش المصرية - بعد كل حملة على حدة التي كرست لآمون رع.

يسطر التاريخ لـ"تحتمس الثالث" تنفيذه أول عملية استخبارية معروفة ومسجلة في برديات، إذ حاصر ذات مرة جيشه مدينة يافا، التي رفضت الاستسلام واستبسل القائمون عليها في الدفاع عنها، مما جعل عملية فتح ثغرة في جدرانها عملية مستحيلة.

هنا تفتق ذهن الفرعون العسكري بامتياز عن فكرة لا تمت للصراعات العسكرية التقليدية، وإنما تمتد إلى عالم الدهاء الذي سيعرف لاحقاً بالاستخباري.

خطرت لتحتمس فكرة مثيرة تكاد تكون صورة بشكل أو بآخر من فكرة حصان طروادة عند الإغريق، وذلك عبر إدخال فرقة من جنود إلى قلب المدينة المحاصرة، مهمتهم ما نعرفه اليوم بفكرة "الطابور الخامس".

تمثلت الفكرة في إشاعة هؤلاء الفوضى والارتباك في المدينة، ومن ثم العمل على فتح ما يمكن أن يفتحوه من أبواب في المدينة المحاصرة.

 

 

وكما دخل مقاتلو طروادة عبر الحصان الخشبي، كلف تحتمس ضابط استخباراته الهمام "توت" بإعداد 200 جندي من عتاة المقاتلين ووضعهم دخل أكياس الدقيق، وشحنها تالياً على ظهر سفينة اتجهت بالجند وقائدهم إلى ميناء يافا التي تحاصرها الجيوش المصرية، وهناك تمكنوا بالفعل من دخول المدينة، ثم نفذوا الخطة المعدة مسبقاً، مما مكنهم من فتح الأبواب ودخول الجيوش المصرية.

تبدو هذه العملية وكأنها نقطة الانطلاق التي راكم من فوقها المصريون القدماء عمليات التجسس داخلياً وخارجيا، وبدأ تنظيم جهاز احترافي لخدمة الدولة.

على أن هناك جزئية مثيرة في جدلية العلاقة بين تحتمس الثالث وتنظيم أول جهاز استخبارات في العالم، ذلك أنه رغم ما حققه من انتصارات استخبارية، إلا أنه من الواضح عدم رضاه عنها بقدر افتخاره بنجاحاته العسكرية، وانتصاراته في المعارك وإلحاق الهزائم بالأعداء شرقاً وغرباً.

يكتب المؤرخون أن تحتمس الثالث كان رائد الجواسيس المصريين القدماء، والأب المؤسس لاستخبارات مصر القديمة، غير أن المثير أنه ربما كان ينظر لهذه الأعمال بنوع من الاحتقار معتبراً أنها أعمال تجري تحت جنح الظلام، وتمثل طعنات في الخفاء، بخلاف مجد المعارك العسكرية.

سجل تحتمس على جدران المعابد التي بنيت في عهده، الغالبية إن لم يكن كل الأعمال التي قام بها، من بناء مدن، إلى إنشاء صوامع غلال، وأعطى قدراً واضحاً من الاهتمام لمعاركه العسكرية... كل هذا كتبه بخطوط هيروغليفية عريضة وواضحة.

إلا أنه حين جاء على ذكر معاركه الاستخبارية، نقشها بأحرف هيروغليفية صغيرة، وأخفاها بين السطور، بعد أن أطلق عليها لفظة "العلم السري"، مفضلاً أن يذكره التاريخ بمنجزاته العمرانية والحربية والإدارية، وما أداه من أجل رفاهية شعبه من دون الإشارة إلى براعته في بلورة سطور أو استراتيجية استخبارية مصرية.

جاسوس مصري وسط شعب كوش

هل كانت عملية يافا، العملية الاستخبارية الوحيدة الفريدة من نوعها في تاريخ مصر القديمة؟

في كتابه السابق الإشارة إليه "تاريخ الاستخبارات... من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي الأميركية"، يخبرنا المؤلف المؤرخ الألماني "وولغانغ كريغر" قصة مثيرة تبين عمق حضور فكر التجسس والاستخبارات في مصر الفرعونية.

تقول القصة، التي استقاها الكاتب من نقش حجري عثر عليه في محافظة أسوان بجنوب مصر، إن تمرداً خطراً اندلع في جنوب الإمبراطورية المصرية، وإن "شخصاً ما أخبر جلالة الملك أن شعب كوش - المقيم في شمال السودان حالياً - أعلن تمرده، غير أن أبناء مصر الخاضعين لسلطان سيد القطرين (أي المصريين المقيمين في النوبة) فضلوا سلامة مواشيهم، فنقلوها إلى خلف الجدار الذي شيده أبوهم الفرعون خلال واحدة من حملاته العسكرية، وذلك للقضاء على المتمردين.

يحق لنا هنا أن نتساءل، "ترى من الشخص الفرد" الذي نقل لجلالة الملك أخبار التمرد؟ وفقاً لأغلب الظن ليس ذلك الشخص إلا الموظف المكلف تنفيذ نشاطات تجسسية، أي إنه كان أحد عيون الملك.

كما نلاحظ أن الإشارات الأخرى أيضاً لا تحدد بنحو واضح وأكيد - في سياق حديثها عن مصدر الأخبار المهمة - ماهية المقصود بأن "شخصاً ما" نقل إلى حاكم البلاد أخبار ما استجد في البلاد من أحداث.

تتميز تلك الشواهد التاريخية بأن بعضها انطوى على إشارات إلى ماهية الجماعات أو الشعوب الموالية لحاكم البلاد، والملاحظ أن هذه الإشارة ترد هناك على وجه الخصوص، إذ يكون من الأهمية بمكان إمعان النظر في ميزان القوى المحلية، وثمة إشارات مشابهة تتحدث عن اضطرابات اندلعت كذلك في فلسطين وسوريا.

انكسارات إخناتون الاستخبارية

وكشأن سائر الأمم والشعوب، التي تعرف طريقها للانتصارات، عسكرياً تارة، واستخبارياً تارة ثانية، تجد الشعوب والدول ذاتها أيضاً، وفي أوقات الضعف أمام انتكاسات مختلفة، منها ما له طابع عسكري، ومنها الاستخباري، وهذا ما حدث في مصر القديمة في زمن الفرعون الشهير "أمنحتب الرابع" المعروف باسم "إخناتون".

من هذا الفرعون المثير لكثير من الدهشة والشقاق والفراق في حياة المصريين؟

يعتبر أخناتون الذي حكم مع زوجته نفرتيتي، من أشهر الأسماء في تاريخ المملكة المصرية القديمة، منذ عام 1369 قبل الميلاد.

تعني كلمة أخناتون، "الجميل مع قرص الشمس"، وحاول توحيد آلهة مصر القدمية بما فيها الإله آمون رع في شكل الإله الواحد أتون.

نقل إخناتون العاصمة من طيبة إلى عاصمته الجديدة أخت أتون بمحافظة المنيا في صعيد مصر، وفيها ظهر الفن الواقعي ولا سيما في النحت والرسم، وظهر أدب جديد يتميز بالأناشيد للإله الجديد آتون، أو ما يعرف حالياً بنظام تل العمارنة.

انشغل الملك أخناتون بإصلاحاته الدينية، وانصرف عن السياسة الخارجية وإدارة الإمبراطورية الممتدة حتى أعالي الفرات والنوبة جنوباً. من هنا كانت سلسلة الانتكاسات العسكرية والسياسية للبلاد، فانفصل الجزء الآسيوي منها.

يقول المؤرخون إن هذا المصلح العظيم، الذي أقدم على إصلاح ديانة ومجتمع مصر القديمة، تعرض في كابادوكيا (الأناضول في تركيا حالياً)، لهزائم فادحة في صراعه مع الحيثيين الذين كانوا يقطنون في آسيا الصغرى وقتذاك، الذين حاولوا الاستيلاء على عديد من الدويلات التابعة للإمبراطورية المصرية، مستخدمين على ما يبدو سياسة ماهرة، لجمع المعلومات وللتأثير في السياسة المصرية بالنحو الذي يخدم نواياهم، أي إنهم نجحوا في الاستيلاء على الدويلات الواقعة في الطرف الشمالي من حدود الإمبراطورية المصرية من خلال تنفيذهم أساليب تجسس بارعة.

هل كان الحيثيون بدورهم مهرة في عالم الاستخبارات؟ غالب الظن أن ذلك صحيح، فمن خلال تقرير يتناول حملة رمسيس الثاني، ويستعرض معركة قادش عام 1275 ق.م، يتبين بجلاء أن كثافة التحالفات التي عقدها الحيثيون مع عديد من الشعوب والجماعات المختلفة فاجأت المصريين فعلاً.

 

 

إضافة إلى هذا فقد نجح جاسوسان في دفع الفرعون من خلال معلومات ملفقة إلى الزحف على المدينة بنحو متسرع، أي في وقت لم يكن مناسباً تماماً.

لاحقاً وقف المصريون على تفاصيل الخدعة بعدما نجحوا في إماطة اللثام عن جاسوسين آخرين اعترفا بكامل الحقيقة بعد تعرضهما لأقسى صنوف التعذيب، هكذا أدرك المصريون أنهم وقعوا في فخ محكوم، ونجح الحيثيون في استخدام معبر لنقل ألف عربة حربية للمشاركة في هجوم مباغت، وسرعان ما قضي على الفرقة المصرية الثانية، وبناء على هذا التطور رأى رمسيس نفسه مجبراً على سحب قواته، وبشق الأنفس تمكن رجال حرسه الخاص من الحيلولة دون وقوع فرعونهم في الأسر، ومن ثم وافق على هدنة دائمة وعلى التنازل عن سوريا.

غير أنه ولتعزيز سلطاته الداخلية، وخوفاً من أن تتعرض البلاد لمزيد من الاختراقات الجاسوسية من الأعداء، سواء كانوا من الحيثيين أم من غيرهم، استعان رمسيس الثاني بالوسائل الدينية، فكان يعتبر ابن إله الشمس، وتمتع بصفته هذه بعون قدمته له طغمة الكهنة.

أضف لذلك أن هذا الفرعون كانت له عيون وآذان، أي كان هناك موظفون كبار يكنون له عظيم الولاء ويطيعون أوامر الوزير الذي يراقب من كثب وبنحو مستمر الجهاز الحكومي وطرائق صيانة الأمن وإحكام أساليب التجسس.

من هنا يمكن أن نقول إن المصريين القدماء عرفوا طريقهم في عهد رمسيس الثاني الفرعون الكبير والعظيم، لنشوء وارتقاء نوع من أنواع أجهزة مكافحة التجسس في الداخل، صوناً للأمن القومي المصري.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات