Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطريق إلى المدرسة تتعدد السبل والأخطار واحدة

طلاب يذهبون إليها بالحافلة وآخرون بـ "التوك توك" وبينهم من يواجه القرود في الغابات

مع بداية المدارس تتعد المخاوف على الطلاب في طريقهم إليها  (أ ف ب)

ملخص

مدارس العالم أشكال وألوان ومعها تتنوع طرق وصول الطلاب إليها بما تتضمنه من حيل ومغامرات مميتة وهذه أغرب السبل إلى المدارس

يعتقد جايسون أن كل طلاب الصف الرابع على ظهر الكوكب يتوجهون إلى مدارسهم بحافلة مدرسية كتلك التي تقله من أمام باب البيت صباح كل يوم، وتتوهم ساندي أن مدارس كل طلاب الصف الخامس في بلدها والبلدان المجاورة وغيرها تبعد من محل سكنهم مسافة يمكن قطعها سيراً على الأقدام في 10 دقائق كحد أقصى، وعبر أرصفة ممهدة وشوارع يشرف على عبور الصغار فيها "سيدة المصاصة" أو Lollipop woman التي تضمن سلامة عبور طلاب المدرسة الصغار برفع شارة عليها علامة مستديرة لإيقاف السيارات حتى يعبر الصغار.

وفي الوقت نفسه يظن تامر أن أقرانه من طلاب المرحلة الابتدائية في العالم بأسره يركبون "توك توك" (مركبة بثلاث عجلات)، ثم "تمناية" (سيارة ثمن نقل) في رحلة تستغرق ساعة ليصلوا إلى مدارسهم.

المدارس أشكال

مدارس العالم أشكال وألوان، والوصول إليها أيضاً يتطلب أشكالاً وألواناً من الطرق والوسائل وأحياناً الحيل والمراوغات والمغامرات، ومع بداية كل عام دراسي يضع ملايين الأهالي أيديهم على قلوبهم طلباً لنجاة الصغار في طريقهم إلى المدرسة وعودتهم سالمين من دون إصابات بل ومن دون وفيات إلى بيوتهم.

رعب الطريق إلى المدرسة المرتبط ببداية العام الدراسي لم يعد كلاسيكياً، وعلى رغم أنه في كل عام يموت نحو 1.25 مليون شخص بسبب حوادث الطرق في العالم، ويعاني بين 20 و50 مليون شخص من إعاقات، وبمعنى آخر يموت يومياً نحو 2000 شخص على طرق العالم بينهم 500 طفل، أي أنه كل أربع دقائق يموت طفل على الطريق لا سيما أثناء العام الدراسي.

العام الدراسي الذي يستعد له الملايين بشراء الزي المدرسي والأحذية والكتب والحقائب وسداد المصروفات وحجز الدروس الخصوصية والتجهيز للرحلات المدرسية، هو نفسه العام الدراسي الذي يستعد له آخرون بإحكام شد الحبال والتأكد من سد ثقوب القوارب الخشبية وحياكة بدل السباحة التي يرتديها الصغار فوق ملابسهم لعبور البحيرة، وإحلال العمود الخشبي المتهالك بآخر قديم نصف متهالك يتشبث به الصغار لاجتياز المصرف وصولاً إلى المدرسة، ولذلك فإن الطريق إلى المدرسة ليس ممهداً دائماً، فلماذا؟

أحياناً لا يكون هناك طريق من الأصل، ففي بعض المناطق في كينيا يجد الصغار أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أسود وأفيال وقرود ونمور، ويتعرض زملاؤهم في مناطق أخرى للخطر من قبل قطاع الطرق أو عصابات، ومنهم من ينشط في أثناء العام الدراسي لتعظيم كمية المسروقات.

قوارب متهالكة

ومن الطلاب من يضطر إلى ركوب قوارب تقطع مسافة لا تقل عن 10 كيلومترات للوصول يومياً إلى المدرسة، ولأن القوارب متهالكة فإن القارب الواحد لا يتسع إلا لـ 10 طلاب في المرة الواحدة، ولا يمر شهر من دون وقوع حادثة غرق لمركب يقل طلاباً في طريقهم من وإلى المدرسة أثناء العام الدراسي، وأحدث هذه الكوارث كان قبل أيام قليلة حين غرق قارب يقل 35 طالباً في طريق عودتهم من المدرسة ونجوا بأعجوبة.

النجاة من المهالك في الطريق إلى المدرسة لا تعتمد فقط على القضاء والقدر، قدر من النجاة يكمن في قواعد ومعايير وضعها خبراء لأماكن بناء المدارس ومواصفات طرق الوصول إليها، و"سبل الوصول إلى المدرسة وبيئة التعلم" كتيب وضعته منظمة "يونيسف" يحوي قواعد متفق عليها عالمياً لمواصفات المدرسة والطريق الآمن إليها، لكن الطريق الآمن إلى المدرسة ليس بالضرورة قابلاً للتنفيذ من قريب أو بعيد، وفي دول مثل بريطانيا يتم قياس المسافة التي يقطعها الصغير من بيته إلى المدرسة بمسطرة على الخريطة، ويتم اختيار المدرسة الأقرب إلى السكن حماية للصغير من شرور الطريق وإهدار الوقت في طريق الذهاب والعودة.

وفي دول أخرى لا توجد خريطة ولا قياس لكن لحسن الحظ هناك مدرسة، أما الوصول إليها فمعضلة لمن اعتاد قياس الطريق لمدرسة الصغار على الخريطة، حيث الجبال والهضاب أو السهول والمنخفضات أو مناطق تغطيها الثلوج وأخرى ترتفع حرارتها لدرجة لا يحتملها بشر يجتازها الصغار في مناطق عدة حول العالم بلا حافلة آمنة أو وسيلة انتقال تضمن سلامتهم.

السلامة رفاهية

ضمان السلامة في نظر بعضهم يمكن حله بتوفير وسائل مواصلات مؤمنة وطرق معبدة وجسور مشيدة بمقاييس تضمن السلامة، لكن كل ما سبق رفاهية وترف لا طاقة لموازنات دول بأكملها بها، ففي مقاطعة سيتشوان وتحديداً في مدينة غولو الصينية توجد على مرتفعات الجبال إحدى أبعد المدارس من طلابها في العالم، ويقطع الطالب مسافة تستغرق نحو خمس ساعات على طرق بالغة الضيق على الجبال، يركب كل منهم على ظهر حمار.

ويبدو أن الصين عامرة بالطرق المحفوفة بالأخطار في الطريق إلى المدرسة، ففي قرية زيوان يتسلق الصغار عشرات السلالم الخشبية للوصول إلى المدرسة القابعة على قمة الجبل، وجبال أخرى تشهد رحلات محفوفة بأخطار كبرى في الطريق إلى المدرسة، وفي جبال الهيمالايا وتحديداً في منطقة زانسكار الهندية يستغرق الطريق إلى المدرسة خمسة أيام، لذلك لا يذهب الصغار ولا يعودون إلا أربع مرات في العام، وذلك بعد ما حلت إدارة المدرسة المشكلة وجعلتها مدرسة داخلية نظراً لوعورة الطريق الشديدة.

وفي الجبال نفسها في نيبال يعبر الصغار الطريق بين منطقتين جبليتين بالتعلق بحبال أو بقايا جسور مهدمة لاختصار الطريق بدلاً من أن يسلكوا طرقاً أكثر خطورة في الجبال، وفي مناطق أخرى في نيبال أيضاً تتعرض حياة مئات الأطفال للخطر بصفة يومية طوال أيام العام الدراسي وهم يعبرون الطريق بين ضفتي نهر تريشولو عبر كابل يتم تشغيله يدوياً بينما يقف الطلاب على علبة خشبية معلقة في الهواء، وفي عام 2011 انقطع الكابل وسقط خمسة أشخاص في النهر فلقوا حتفهم.

القفز والتوازن والمشي على الحبل

أن يلقى طالب حتفه لأن الطريق إلى المدرسة لا يليق إلا بلاعب متمرس في الأكروبات أو رياضي فذ يتقن القفز والتوازن والمشي على الحبال أمر يعتبره بعضهم مدعاة للعجب، لكن الآخر يتعامل معه وكأنه قدر لا مفر منه نظراً لعدم وجود بدائل.

وفي إندونيسيا تكثر الجسور المعلقة وكذلك تلك التي لم تكن معلقة ولكن صارت معلقة بفعل فيضانات وانزلاق التربة وزلازل وبراكينـ، وكثير من هذه الجسور يتم استخدامه من قبل الطلاب كوسيلة تسهل الذهاب والعودة من المدرسة حتى لو كان الجسر موشكاً على الانهيار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشهد الطلاب والطالبات الصغار وهم يتعلقون ببقايا الجسر مرتدين الزي المدرسي باللونين الأبيض والأحمر مع جوارب بيضاء وأحذية سوداء وحقيبة معلقة على الأكتاف يبدو جديراً بالصدمة والدهشة للزوار، لكنه من مشاهد الحياة اليومية العادية طوال أيام العام الدراسي، وأيضاً طوال أيام العام الدراسي يعبر الصغار في كولومبيا نهر نغرو في الطريق من وإلى المدرسة عبر التعلق بكابل من الفولاذ طوله 800 متر على ارتفاع نحو 400 كيلومتر وسط طبيعة خلابة من الغابات والأشجار التي لا يعكر جمالها وروعتها سوى دقات القلوب المتسارعة المتخوفة من مصير الطلاب المنزلقين ذهاباً وإياباً من المدرسة.

"توك توك" المدرسة

الذهاب والإياب من وإلى المدرسة على ظهر "توك توك" يعتبره نصف العالم وسيلة بالغة الخطورة، فيما يعتبره الآخر وسيلة بالغة الاعتياد للصغار، ومن الهند وفيتنام إلى تايلاند وكمبوديا وكذلك غواتيمالا وكوبا والفيليبين لم يسلم كثير من الدول من اعتبار الـ "توك توك" (مركبة بثلاث عجلات) وسيلة نقل مدرسية يحتمل التكديس ويتسع للجميع، و"توك توك المدرسة" لم تعد عبارة غريبة أو وسيلة مستهجنة لتوصيل الصغار من وإلى المدرسة، وفي هذه الأيام وبينما استعدادات العام الدراسي الجديد تجري على قدم وساق، تجري تعاقدات شعبية واتفاقات أهلية حيث "توك توك المدرسة" الذي يتسع عادة لشخصين لا ثالث لهما لخمسة وستة وربما سبعة أطفال مكدسين فوق بعضهم بعضاً، أما القائد والقيادة فحدث ولا حرج، ولسبب ما فلا يجمع بين الغالبية العظمى من قادة هذه المركبة في مشارق الأرض ومغاربها إلا التهور والرعونة، ولهذا لا ينتج منه عادة إلا بعض الحوادث، بعضها مميت يجعل من كل طالب مشروع ضحية في الطريق إلى المدرسة.

تسرب الصغار

والطريق إلى المدرسة حين يكون محفوفاً بالأخطار ربما يؤدي إلى تسرب الصغار، لا سيما الإناث من المدرسة في سن صغيرة، فأخطار المشي لـ 10 كيلومترات وأكثر وسط مزارع شاسعة أو مناطق مهجورة تدفع كثيراً من الأهل في دول عدة إلى منع بناتهم من مواصلة التعليم، وأحياناً يكون بداية العام الدراسي من الأصل أمراً مشكوكاً فيه، إذ قد تقرر السلطات منع الصغيرات والمراهقات على حد سواء من سلك الطريق إلى المدرسة المحفوف بالأخطار من الأصل، وللعالم في حكومة "طالبان" في أفغانستان عبرة.

وهناك عبرة أخرى تطرحها في كل عام الصراعات المسلحة مهما طال أمدها، وتصور السكان أنهم اعتادوا أجواءها وتعايشوا مع أخطارها، وفي الدول التي ضربتها الصراعات منذ أعوام بعضها يزيد على نصف قرن، يشكل الطريق الأكثر خطورة للطلاب والطالبات.

من غزة إلى سوريا ومنها إلى اليمن وكذلك السودان وليبيا وأحياناً إلى لبنان بين وقت وآخر والعراق لأعوام وتنضم أوكرانيا للمجموعة، يشكل الوصول إلى المدرسة في مثل هذا الوقت من كل عام طريقاً محفوفاً بالأخطار، ففي بداية العام الدراسي وبينما تقف "سيدة المصاصة" وهي تلوح للسيارات للتوقف حتى يعبر الصغار الطريق صوب المدرسة، يقف صغار في مناطق أخرى ينتظرون دورهم للتعلق في حبل أو ركوب الحمار أو تسلق الجبل أو التكدس في "توك توك" على أمل الوصول إلى المدرسة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات