Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتراض الحكومة التونسية من السوق المحلية يثير المخاوف

البلاد تتجه إلى تجاوز تقديرات التمويل الداخلي بقيمة تتخطى 3 مليارات دولار مع انعدام الموارد الخارجية

تتطلع الحكومة بالقرض الوطني لسنة 2023 إلى تعبئة 900 مليون دولار من طريق الاكتتاب في أربعة أقساط (رويترز)

وسط انتقادات محلية تستعد الحكومة التونسية لفتح باب الاكتتاب في القسط الثالث من القرض الوطني، الأربعاء المقبل، لجمع نحو 700 مليون دينار (225 مليون دولار) لدعم بنود الموازنة العامة للدولة.

يأتي الطرح الجديد بعد تعبئة الحكومة القسطين الأول والثاني العام الحالي في ظل توجه جديد للاقتراض من السوق المحلية بدأت تونس اعتماده في السنوات الثلاث الماضية، مع تزايد حاجات الموازنة العامة للتمويلات العاجلة في ظل تراجع مستوى الاقتراض الخارجي، تزامناً مع شدة الضغوط لإيجاد تمويلات لاستيراد المواد الأساسية ومنتجات الطاقة، وسط تحذيرات من تداعيات الافراط في هذا النوع من الاقتراض التي تحيد بالمصارف عن مهمتها الأساسية، وهي تمويل الاقتصاد.

إلى ذلك، جمعت الحكومة التونسية تمويلات خارجية محدودة في العام الحالي، إذ وقعت مع البنك الدولي على قرض بقيمة 120 مليون دولار لفائدة الشركات الصغرى والمتوسطة، ثم حصلت على قرض من البنك الأفريقي للتوريد والتصدير لتمويل ميزانية الدولة بقيمة 500 مليون دولار، كما تمكنت من الحصول على قرض ميسر قدمته السعودية بقيمة 500 مليون دولار.

في المقابل بلغت تقديرات الحكومة للاقتراض الخارجي في موازنة العام الحالي تصل إلى 14.8 مليار دينار (4.75 مليار دولار) من إجمالي الحاجات المالية للعام المالي بقيمة 24.3 مليار دينار (7.81 مليار دولار)، والتي تتضمن 9.5 مليار دينار (3.05 مليار دولار) تقديرات للاقتراض داخلي.

قروض من المصارف التونسية

تمكنت تونس من تعبئة موارد اقتراض بقيمة 1.08 مليار دينار (347 مليون دولار) منها 715مليون دينار (229.9 مليون دولار) قروضاً داخلية حتى مارس (آذار) الماضي، في حين لم يزد حجم القروض الخارجية التي تمت تعبئتها 374.5 مليون دينار (120.4 مليون دولار) مقابل 1.5 مليار دينار (482 مليون دولار) حتى مارس 2022، وهو ما يشير إلى تقلص حجم الموارد الخارجية.

في غضون ذلك، قامت الخزانة العامة بالاقتراض داخلياً بقيمة مليار دينار (321 مليون دولار) في منتصف يونيو (حزيران) 2023، بعد طرح الاكتتاب في سندات خزانة قصيرة الأجل بنسبة فائدة تساوي 8.69 في المئة. كما فتحت باب الاكتتاب في الشهر نفسه في سندات خزانة قصيرة الأجل لتعبئة 130 مليون دينار (41.8 مليون دولار)، علاوة على تعبئة 163.5 مليون دينار (43.9 مليون دولار) بعد إصدار أذون خزانة بنسبة فائدة تناهز 8.4 في المئة. كما جمعت الحكومة 10 ملايين دينار (3.2 مليون دولار) في شكل سندات خزانة بنسبة فائدة تساوي 9.9 في المئة، يحل موعد أجل سدادها في مارس 2031، وسجل إجمالي سندات الخزانة قصيرة الأجل ارتفاعاً ملحوظاً في منتصف يونيو 2023، إذ وصل إلى 8 مليار دينار (2.57 مليار دولار) مقابل 4.2 مليار دينار (1.3 مليار دولار) في الفترة نفسها من سنة 2022، بينما بلغ إجمالي سندات الخزانة طويلة الأجل 16 مليار دينار (5.14 مليار دولار)، إضافة إلى تعبئة موارد بالعملات بقيمة 133 مليون دولار من 12 بنكاً محلياً لدعم الموازنة.

يشار إلى أن السندات تمثل ديناً مستحقاً على الدولة تتم تعبئته على غرار مختلف أصناف الديون الداخلية لدى البنوك والمؤسسات والوسطاء في البورصة.

أساليب مستحدثة

بخلاف سندات وأذون الخزانة انتهجت تونس أسلوباً جديداً للاقتراض من السوق الداخلية تحت اسم "القروض الوطنية" لتمويل الموازنة من جانب، كما يوفر للأطراف غير القادرة على النفاذ إلى سندات الخزانة فرصة الاكتتاب مثل الأشخاص الطبيعيين من جانب آخر.

في الأثناء، تتطلع الحكومة من خلال القرض الوطني لسنة 2023 إلى تعبئة قيمة 2.8 مليار دينار (900 مليون دولار) من طريق الاكتتاب في أربعة أقساط، في تكرار لتجربة العام الماضي بعد أن أثبتت نجاحاً باهراً بنسبة استجابة من المواطنين في حدود 212 في المئة بعد أن جمعت 2.9 مليار دينار (932 مليون دولار) على أربعة أقساط في 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي فبراير (شباط) 2023، نجحت الحكومة في جمع نحو 715 مليون دينار (229.9 مليون دولار) من طريق الاكتتاب في القسط الأول للقروض الوطنية لعام 2023، وكانت البنوك في طليعة المكتتبين بنسبة 52 في المئة، في حين مثلت مؤسسات التوظيف الجماعي نسبة ثلاثة في المئة، بينما استحوذ مكتتبون آخرون على نسبة 45 في المئة. كما حقق القسط الثاني نجاحاً كبيراً بعد جمع 844.3 مليون دينار (271.4 مليون دولار)، وإن بدت فيها مساهمة الأشخاص الطبيعيين ضعيفة، إذ لم تتجاوز 7.2 مليون دينار (2.3 مليون دولار) بنسبة 0.46 في المئة، مما تم تجميعه بالقسطين، بينما تبين أن صناديق الادخار أكبر مكتتب في هذه القروض.

الإيفاء بالالتزامات

واضطرت الحكومة إلى الاقتراض من السوق الداخلية مع نضوب الموارد الخارجية بعد تراجع التصنيف السيادي لتونس.

في غضون ذلك، خفضت وكالة التصنيف المالي اليابانية "رايتنغ آند إنفستمنت" التصنيف السيادي لتونس، الثلاثاء الماضي، من "ب " إلى "ب سلبي" مع الحفاظ على آفاق سلبية، في حين خفضت وكالة "موديز" تصنيفها لتونس مند أوائل السنة إلى "Caa2"، بينما استقر التصنيف لدى وكالة "فيتش" عند (ccc) ، ويتزامن تراجع التصنيف السيادي لتونس مع تعثر ملفها لدى صندوق النقد الدولي، ما دفع إلى تراجع الاتفاقيات الثنائية للاقتراض التي اشترطت توقيع اتفاقية تمويل مع الجهة المانحة.

من جهته، رأى المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم أن "الحكومة الحالية تجد في الاقتراض من السوق المحلية ملاذاً في ظل انغلاق أبواب الاقتراض الخارجي بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض منه على خلفية تدني التصنيف السيادي، إذ تبلغ الكلفة 35 في المئة"، مضيفاً أن "تونس مجبرة على تعبئة موارد تحت وطأة تنامي النفقات وعجز الموازنة الذي بلغ 7.5 مليار دينار (2.4 مليار دولار) وسط تراجع نسبة النمو التي لم تتجاوز 2.4 في المئة سنة 2022 و0.6 في المئة في الربع الثاني من السنة الحالية". وتابع "في حين تفاقم قائم الدين ليصل إلى 124.5 مليار دينار (40 مليار دولار) ما يعادل 80.2 في المئة من نسبة الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة المالية".

وأشار سويلم إلى أن "الحكومة تواجه وطأة ارتفاع خدمة الدين بنسبة 46.9 في المئة"، لافتاً إلى أن "تونس تمكنت من الإيفاء بالتزاماتها المالية الخارجية في السنة الحالية حتى أغسطس (آب) الماضي، بعدما سددت القرض الياباني المقدر بـ22.4 مليار ين (160.77 مليون دولار)، كما "سددت تونس نحو 42 في المئة من القروض المطالبة بتسديدها حتى يوليو (تموز) الماضي"، مضيفاً أن "قيمة خدمة أصل الدين العام للسنة الراهنة تصل إلى 15.7 مليار دينار (5.04 مليار دولار)".

وقال سويلم إن "جميع هذه المعطيات تزيد حاجات التمويل، إذ إن ارتفاع النفقات وخدمة الدين فرض عليها اللجوء إلى الاقتراض الداخلي في ظل استحالة الحصول على الموارد المالية من الخارج"، واستدرك "لكن حجم الاقتراض الداخلي لم يبلغ مستويات مرتفعة، إذ لا يتجاوز قائم سندات الخزانة 24.5 مليار دينار (7.8 مليار دولار)، ما يناهز 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي"، مؤكداً أن "ضغط النفقات هو الأسلوب الأمثل لخفض مستويات التداين بخلق توازن بين الإيرادات الذاتية والنفقات، خصوصاً كتلة الأجور التي تمثل 14 في المئة من الناتج الإجمالي".

في المقابل، حذر المتخصص في الشأن الاقتصادي ووزير المالية السابق حسين الديماسي من تداعيات الإفراط في الاقتراض من السوق المحلية التي تحيد بالمصارف عن مهمتها الأساسية، وهي تمويل الاقتصاد، قائلاً إن "البنوك حادت عن دورها التقليدي والأساسي باتجاهها لتمويل عجز الموازنة"، مضيفاً أن "البنوك تلجأ إلى البنك المركزي للحصول على السيولة اللازمة"، موضحاً أنه "حتى لوفرها بنسب فوائد معلومة، فهي في آخر المطاف تتسبب في ضخ كتلة نقدية موظفة لتمويل الخزانة"، مشيراً إلى أنها أموال غير موجهة لخلق الثروة والرفع من مستوى النمو، بل لسد العجز، مما يترتب عنه تفاقم التضخم بسبب الاختلال بين العرض والطلب، بالتالي تهديد لأسعار صرف العملة الوطنية".

اقرأ المزيد