Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بريكس" يمكنها تهديد هيمنة مجموعة السبع والتحديات تضع حدا

دعوة الكتلة لأربع دول من الشرق الأوسط إلى الانضمام يسلط الضوء على الرياح الجيوسياسية المتغيرة بقدر ما يعكس فرصة لتحقيق تكامل اقتصادي أوثق

يقول مراقبون إن انضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة "بريكس" يضيف ثقلاً اقتصادياً مهماً للمجموعة (رويترز)

ملخص

أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في صعود مجموعة "بريكس" النمو الاقتصادي للهند والصين إذ يمر البلدان بمرحلة من التنمية الاقتصادية تتميز بزيادة الإنتاجية والأجور والاستهلاك.

خلال انعقاد قمة "بريكس" الخميس الماضي، انضمت ست دول جديدة إلى المجموعة المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ليبلغ عدد الدول الأعضاء 11 دولة، بينها السعودية وإيران والإمارات ومصر، إضافة إلى فتح الباب أمام ضم مزيد من الدول في المستقبل. 

عشية انعقاد القمة قال مسؤول صيني، طلب عدم الكشف عن هويته، بحسب الصحافة البريطانية "إذا قمنا بتوسيع مجموعة بريكس لتمثل حصة مماثلة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مثل مجموعة السبع، فإن صوتنا الجماعي في العالم سوف يصبح أقوى"، مما يعني صراحة أن الصين تسعى إلى جعل ذلك الكيان المكون من الأسواق الناشئة منافساً قوياً لـ"مجموعة السبع"، ويثير تساؤلات في شأن إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في العالم، لكن هل بإمكان ذلك الكيان الذي يستعد لاستيعاب مزيد من الدول، تهديد الهيمنة الاقتصادية لقوى "مجموعة السبع" التي أسهم الناتج الاقتصادي لها تاريخياً بنحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؟

"بريك" ثم "بريكس"

كان الاقتصادي جيم أونيل من بنك "غولدمان ساكس" هو أول من استخدم مصطلح "بريك BRIC" في ورقة بحثية عام 2001 الذي تطور لاحقاً إلى "بريكس" للإشارة إلى أربعة اقتصادات سريعة النمو في مراحل مماثلة من التنمية وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، وفي 2009 التقى قادتها وأضفوا الطابع الرسمي على علاقتهم، ثم دعوا جنوب أفريقيا لاحقاً إلى الانضمام عام 2010 لتتحول إلى "بريكس" وهي الأحرف الإنجليزية الأولى للدول الخمس. 

أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في صعود مجموعة "بريكس" النمو الاقتصادي للهند والصين، إذ يمر البلدان بمرحلة من التنمية الاقتصادية تتميز بزيادة الإنتاجية والأجور والاستهلاك التي كانت تتمتع بها معظم دول "مجموعة السبع" في العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالمية الثانية، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تشكل دول "بريكس" بحلول عام 2028 ثلث الاقتصاد العالمي. 

تقدم المجموعة كتلة بديلة للاقتصادات الناشئة التي ربما عانت برامج التكيف الهيكلي والتقشف التي وضعها صندوق النقد الدولي، وعلاوة على ذلك تتحدى هذه الكتلة هيمنة "مجموعة السبع" وتقدم بدائل تجارية لإنشاء البنية التحتية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وهذه الاستراتيجيات جذابة ليس فقط للكتلة، بل أيضاً للدول الأخرى التي ربما تتفاوض معها. 

في هذا الإطار ترى الأستاذة في الجامعة الكاثوليكية بسانتا ماريا في بيرو ياسمين كالميت أن "مجموعة السبع" ربما تنظر إلى "بريكس" باعتبارها تهديداً وشيكاً لأنها تتحدى هيمنتها في العلاقات الدولية، إذ كان شبح تنامي القوة الصينية والروسية مثار قلق خاص في الاجتماع الأخير لـ"مجموعة السبع" في مايو (أيار) الماضي، فخلال تلك القمة هُمشت قضايا الجغرافيا السياسية العالمية وانعدام الأمن الغذائي وحتى تغير المناخ وجرى التركيز على العقوبات الاقتصادية المستمرة ضد روسيا وكيفية إبطاء التوسع السياسي والاقتصادي للصين في المناطق ذات الأهمية الاقتصادية الاستراتيجية لـ"مجموعة السبع".

ثقل عربي

وفق مراقبين فإن انضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة "بريكس" يضيف ثقلاً اقتصادياً مهماً للمجموعة التي تضم الآن عدداً من الأعضاء المهمين في منظمة البلدان المصدرة للبترول إضافة إلى روسيا، مما يمنحها أهمية في الجغرافيا السياسية لسوق النفط العالمية.

ويمكن للسعودية والأرجنتين وهما عضوان في "مجموعة العشرين"، مساعدة "بريكس" في تنسيق وجهات نظر معظم أعضاء "مجموعة العشرين" في شأن الأسواق الناشئة، وبهذا المعنى يقول الزميل لدى مركز الاقتصادات الجيولوجية التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن هونغ تران، "من الممكن أن تعمل بريكس كنظير غير رسمي لمجموعة السبع التي تنسق مواقف البلدان المتقدمة قبل اجتماعات مجموعة العشرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين يشير آخرون إلى أن دعوة "بريكس" لأربع دول من الشرق الأوسط إلى الانضمام لصفوفها هي السعودية والإمارات ومصر وإيران تسلط الضوء على الرياح الجيوسياسية المتغيرة وتعكس فرصة لتحقيق تكامل اقتصادي أوثق مع تلك الدول، فبالنسبة إلى السعودية والإمارات إن الانضمام إلى المجموعة ربما يكون أمراً تكافلياً، إذ إنهما تتطلعان إلى الدخول وتعميق التعاون مع الدول غير الغربية وتنويع شراكاتهما الاقتصادية كتحوط إضافي ضد الولايات المتحدة. 

يقول مدير مبادرة "سكوكروفا" لأمن الشرق الأوسط في واشنطن جوناثان بانيكوف إنه من المحتمل أن تنظر الرياض وأبو ظبي إلى قرار الانضمام باعتباره تعزيزاً لهدفهما المتمثل في أن يُنظر إليهما ليس على أنهما قادة إقليميين مهمين فحسب، بل على أنهما قادة عالميين أيضاً، وبالنسبة إلى دول "بريكس" فإن إدراج السعودية والإمارات من شأنه أن يجلب فرصاً استثمارية وتجارية جديدة بحيث تسعى الأولى إلى تنويع اقتصادها وتوسيعه بسرعة عبر مجموعة من الصناعات الجديدة غير الأحفورية، فيما الأخيرة هي موطن لمركز مالي رائد في المنطقة حيث دبي.

وتهدف موسكو وبكين إلى تعزيز علاقاتهما بالقاهرة أملاً في تحقيق استفادة استراتيجية من الأصول المصرية في العقود المقبلة، إذ ربما تنظر مجموعة "بريكس" إلى الموقع الاستراتيجي الرئيس للقاهرة وقناة السويس وحقول الغاز المكتشفة حديثاً على أنها عناصر مربحة اقتصادياً وسياسياً على مدى العقود المقبلة.

يرى بانيكوف أن قرار ضم إيران كان مدفوعاً من قبل روسيا والصين، بحيث من المرجح أن تكون احتياطات الغاز والنفط الهائلة في البلاد بمثابة نقطة قوة تستخدمها بكين في إقناع برازيليا وبريتوريا ونيودلهي بالموافقة على الدعوة التي حتماً ستزيد التوترات مع واشنطن، ويضيف أن مجموعات مثل "بريكس" لديها القدرة على تقويض قوة واشنطن عندما يتعلق الأمر بمعاقبة أو عزل البلدان التي تنتهج سياسات تتعارض مع المصالح الأميركية، خصوصاً إذا كانت تسعى إلى أنظمة وطرق بديلة للتجارة والمدفوعات التي تفتقر واشنطن إلى ذلك النفوذ الذي تمتلكه اليوم عبر نظام "سويفت" (SWIFT).

لا عداء للغرب

من وجهة نظر دول "بريكس"، فإن الحد من النفوذ الاقتصادي والمالي العالمي للولايات المتحدة من شأنه أن يخلق ساحة لعب أكثر تكافؤاً، في حين تنظر دول مثل إيران إلى ذلك على أنه وسيلة للحد من تأثير العقوبات، وبالنسبة إلى واشنطن يجب أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار بأن الحاجة إلى تعزيز وتجديد العلاقات مع الحلفاء باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالعالم الناشئ قد يكون متعدد الأقطاب ولكن بعض الأقطاب ستكون أقرب من غيرها. 

ومع ذلك، فإن وجود محور قوي بين الصين وروسيا وإيران وحتى انضمام دول مثل فنزويلا وبيلاروس قد ينتهي بالمجموعة إلى الضغط من أجل اتخاذ مواقف مناهضة للغرب والذي لا ترغب فيه حتماً الدول الأعضاء الأخرى، لا سيما الهند وهي حليفة للولايات المتحدة، فعلى رغم استمرار نيودلهي في شراء الأسلحة من موسكو، إلا أنها تعمل على تنويع علاقاتها العسكرية وتشتري مزيداً من أميركا وفرنسا، وفي حين يرغب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في تقليص ما يعتبره دور أميركا المهيمن في العالم ومن هنا كانت حماسته لمجموعة "بريكس"، فإنه يدرك في الوقت نفسه الحاجة إلى علاقات جيدة مع الغرب الذي يشكل مصدره الرئيس للاستثمار الأجنبي المباشر والأسلحة. 

في الفترة التي سبقت القمة التي عقدت في بريتوريا مؤخرا اشتبكت نيودلهي مع بكين حول عملية توسع المجموعة، فوفقاً لأشخاص مطلعين تحدثوا إلى صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تتصاعد التوترات حول ما إذا كان ينبغي أن تكون مجموعة "بريكس" نادياً لعدم الانحياز للمصالح الاقتصادية للدول النامية، أو قوة سياسية تتحدى الغرب بشكل علني، وفي وقت سابق من الشهر الجاري قالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور إنه "من الخطأ للغاية" رؤية التوسع المحتمل لدول "بريكس" باعتباره خطوة مناهضة للغرب. 

تحديات في الداخل

وإضافة إلى ذلك، ثمة مجموعة تحديات تواجه "بريكس"، خصوصاً أن المجموعة شديدة التنوع وتشهد نمواً غير متكافئ ومصالح متنافسة، فأهمية الصين التي تمثل 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة هي بمثابة مشكلة بالنسبة إلى الهند التي تعتبر نفسها منافسة لبكين على قيادة الجنوب العالمي، واستغلت رئاستها لـ"مجموعة العشرين" هذا العام لتضخيم مخاوف البلدان النامية في ما يتعلق بتمويل المناخ والمؤسسات الدولية ولن تقبل بدور ثانوي في الجهود الصينية لقيادة هذه المجموعة. 

كما تسعى بعض دول "بريكس" بما في ذلك جنوب أفريقيا إلى إنقاذ علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة ولا تريد الانجرار إلى استراتيجية الحرب الباردة التي تنتهجها روسيا، ويقول الزميل لدى مركز أوروبا راما ياد إنه مع العضوية الجديدة لأنظمة واقعة تحت العقوبات الدولية مثل إيران، يبرز السؤال التالي، هل يحتاج الأفارقة حقاً إلى جلب مشكلات الشرق الأوسط إلى هذه المجموعة؟ إذا كانوا يريدون التعامل مع إسرائيل، فماذا ستقول إيران؟ 

ويتفق مراقبون على أن مجموعة "بريكس" تعاني الفوضى الاقتصادية والسياسية، فإضافة مزيد من الأعضاء لن تؤدي إلا إلى التأكيد على هذه الحقيقة، وبالنسبة إلى الاختلافات الاقتصادية تشير مجلة "إيكونوميست" إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند يبلغ نحو خمس نظيره في الصين وروسيا، وفي حين تمتلك بكين وموسكو فوائض في الحساب الجاري، يعاني الأعضاء الثلاثة الآخرين عجزاً، ومع أن البرازيل وروسيا، وهي عضو مهم في منظمة "أوبك+"، مصدران صافيان للنفط، فالثلاثة الأخرون يعتمدون على الواردات، وتدير الصين بنشاط سعر صرف عملتها لكن الأربعة الآخرين يتدخلون بشكل أقل، ومن ثم فإن هذه الاختلافات تُعقد محاولة الكتلة لتغيير النظام الاقتصادي العالمي. 

كما يعتقد مراقبون بأن عملة الاحتياط المشتركة لدول "بريكس" التي ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الكتلة تعمل عليها قبل عام سوف تنهار عند أول تعامل مع الواقع ولن يتخلى أي عضو عن السلطة التي يتمتع بها بنكه المركزي.

 كذلك، يحرص الأعضاء بانتظام على سلطتهم في المؤسسات الاقتصادية ورُفضت جهود جنوب أفريقيا لزيادة التمثيل الأفريقي في مجلس إدارة صندوق النقد، فالصين تمتلك نحو 40 في المئة من حقوق التصويت في الصندوق بما يتماشى مع إسهامها في رأس المال وأصرت على وضع حد لما يمكن أن تحصل عليه أي دولة في غياب برنامج صندوق النقد الدولي.

بداية غير موفقة

يتحدث آخرون عن البداية البطيئة لـ"بنك التنمية الجديد"، النظير المفترض للبنك الدولي، إذ يبلغ إجمالي القروض التي منحها البنك التابع لـ"بريكس" منذ عام 2015 ثلث ما التزمت به مجموعة البنك الدولي عام 2021 وحده، ويشير دانييل برادلو من جامعة بريتوريا في جنوب أفريقيا إلى أن البنك الدولي أكثر شفافية وخضوعاً للمساءلة من بنك التنمية الجديد، كما أن قيام بنك التنمية الجديد بإصدار القروض بالدولار الأميركي أو اليورو في الغالب يقوض إلى حد ما ادعاء الدول الأعضاء بأنها تحاول الحد من قوة الدولار، وهناك قاعدة تضمن احتفاظ الأعضاء الخمسة المؤسسين بنسبة 55 في المئة من حقوق التصويت، مما يدحض انتقاداتهم في شأن تفاوت سلطة اتخاذ القرار في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويقول برادلو "هذا لا يشير إلى وجود بنك عالمي تقدمي حقيقي بين بلدان الجنوب".

والمجموعة مختلفة من الناحية السياسية أيضاً، فروسيا والصين "دولتان استبداديتان"، وعلى النقيض من ذلك تعتبر البرازيل والهند وجنوب أفريقيا ديمقراطيات وإن كانت معيبة، ونتيجة لذلك أصبح لدى الثلاثي سبب أكبر للقلق على صعيد الرأي العام، وقد أظهر استطلاع للرأي نشره مركز "بيو" للأبحاث، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، في الـ 27 من يوليو (تموز) الماضي أن وجهات النظر السلبية تجاه الصين أصبحت أكثر شيوعاً منذ 2019، ففي جنوب أفريقيا، كانت لدى 40 في المئة من المشاركين وجهة نظر سلبية تجاه بكين مقارنة بـ 35 قبل أربعة أعوام، وفي البرازيل والهند وصلت المشاعر السلبية إلى أعلى مستوياتها، فارتفعت النسبة في البرازيل من 27 في المئة إلى 48 في المئة وفي الهند من 46 في المئة إلى 67 في المئة.

وكان الهجوم الروسي على أوكرانيا سبباً في ترسيخ الصدوع الدبلوماسية بطرق أخرى، إذ إن تركيز الكتلة القوي على منطق السيادة الذي كان في الأصل وسيلة لإبراز تناقض ضمني مع الغرب يبدو صورياً عندما تهاجم موسكو جارتها، ولا تؤيد الصين ولا روسيا الإصلاحات التي تقترحها الأطراف الأخرى بإضافة مزيد من الأعضاء إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكلتاهما من الأعضاء الدائمين فيه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير