Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريو جيمس آجي عن القنبلة الذرية الذي لم يتمكن شابلن من أفلمته

ماذا لو أن الانفجار دمر العالم ولم يترك سوى حفنة من البشر بينهم شارلو وشبح شرطي يطارده؟

تشارلي شابلن متقمصاً صعلوكه الشهير (موقع الفنان)

ملخص

ماذا لو أن الانفجار دمر العالم ولم يترك سوى حفنة من البشر بينهم شارلو وشبح شرطي يطارده؟

ترى هل سنعرف يوماً السبب الذي جعل تشارلي شابلن يتخلى عن فكرة تحقيق فيلم سينمائي عن تأثير تفجير قنبلة نووية مبيدة على النوع الإنساني، بعدما كتب صديقه جيمس آجي أحد ألمع الكتاب الأميركيين في ذلك الحين، ذلك السيناريو حول الموضوع منجزاً إياه بعد أشهر من تفجيري هيروشيما وناغازاكي اللذين أذهلا العالم وأرهباه. لقد كان شابلن وراء الفكرة التي استندت كما يبدو إلى ما كتبه ألبير كامو من أن "البشرية مع ذينك التفجيرين قد دخلت أقصى مستويات وحشية يمكنها أن تصل إليه"، لكن السيناريو الذي كتبه آجي، صاحب جائزة بوليتزر الأدبية الأميركية الرفيعة عن روايته "موت في العائلة" وكاتب اثنين من السيناريوات الأسطورية في تاريخ السينما الأميركية، "ليلة الصياد" و"الملكة الأفريقية"، ذلك السيناريو لم يكن في صيغته فجائعياً ولا كارثياً، بل كان سيناريو هزلياً على الطريقة الشابلينية التي تجمع الكارثة بالتهريج وتخلط الدمع بالضحك. وتقول الحكاية إن شابلن همس في أذن آجي الذي أتى يودعه في الميناء الأميركي، حيث كان شابلن يستقل الباخرة في طريقه للرحيل إلى أوروبا هرباً من الماكارثية، بأن يعجل من إنجاز الكتابة لضرب "الحديد وهو حامٍ".

تحت وقع الكارثة

لقد كان العالم كله يعيش آنذاك تحت وقع الكارثة الإجرامية وهولها. وبالفعل أنجز آجي السيناريو وأرسله إلى صديقه السينمائي الذي لم يبخل أمام خلصائه في مدحه ثم... لا شيء. ففي عام 1947 الذي أوصل فيه آجي السيناريو المنجز بعنوان "الصعلوك في عالم جديد" إلى السينمائي، كان "الصعلوك" قد تحول إلى سيد بورجوازي يعيش على أموال نساء يقتلهن في فرنسا، وذلك في فيلم "مسيو فيردو". فنُحّيَ مشروع آجي وعالم القنبلة الذرية جانباً ليطويه النسيان ولا يعود أحد إلى الحديث عنه حتى بدايات الألفية الجديدة حين عثر على نصه الكامل بين أوراق آجي فنشر ومن ثم ترجم إلى الفرنسية وغيرها ليصبح واحداً من أشهر "الأفلام – الأشباح"، أي تلك المشاريع الكبرى التي لا تتحقق أبداً. وشابلن نفسه لم يعد على أية حال يذكره بعد أن فقد التواصل مع آجي الذي لم يلبث أن رحل في عالم 1955 دون أن يعود هو الآخر للتحدث عن صعلوكه، لكن المفاجأة أتت حين نشر النص وقرئ على نطاق واسع، فاكتشف القراء من خلاله عملاً أدبياً رفيعاً، بل نصاً عرف كيف يجمع بين كل تلك السمات التي دائماً ما ارتبطت بشخصية شارلو وهواجسه، ولكن دون أن تفارق ولو لحظة عوالمه التهريجية، بل تستقي منها السمات الأساسية للعمل. كان من الواضح أن الكاتب استوعب بقوة وإدراك نادر تلك الشخصية السينمائية المدهشة، ولكن في ارتباطها بالعصر. ومن هنا لم يكن غريباً أن يرى النقاد أن هذا المشروح لو تحقق لكان من شأنه أن يضاف إلى قمم السينما الشابلينية، ولا سيما في مضمار تصويره لأحوال العالم. فكيف فوت شابلن على نفسه تلك الفرصة؟

الجواب مستحيل!

ذلكم سؤال من الواضح أن أحداً لن يجيب عنه. ومهما كان رأي النقاد الذين اكتفوا بالحديث عن القيمة الرفيعة للنص الذي كتبه جيمس آجي (1909 – 1955) الذي ظل حتى أيامه الأخيرة يعتبر "الطفل المعجزة للإبداع المعاصر في أميركا" هو الذي عرف كشاعر وروائي وكاتب سيناريو، لكنه عرف أكثر من ذلك خاصة عبر الكتاب الأيقوني "فلنثن الآن على رجال كبار" الذي تحدثنا عنه في هذه الزاوية قبل أسابيع مشيرين إلى أنه يعتبر عادة بنصوصه التي كتبها آجي وصوره الفوتوغرافية التي تحمل توقيع واكر إيفانز كتاب التاريخ المرير لفترة الكساد الاقتصادي الأميركي بتصويره القلمي والفوتوغرافي معاً لتأثيرات تلك الكارثة الاقتصادية على بؤساء الجنوب الأميركي. المهم أن آجي لا يمكن اعتباره مجرد ظاهرة عابرة في تاريخ الإبداع الأميركي في القرن العشرين. وهو عرف سينما شابلن وأولع بها باكراً وكتب عدداً كبيراً من مقالات النقد عنها حتى قبل أن يلتقي صاحبها ويرتبط معه بتلك الصداقة التي أوصلتهما إلى الاتفاق حول ذلك المشروع المشترك الذي يمكننا موافقة أولئك الذين يتحسرون على كونه لم يرَ النور أبداً... إلا على شكل كتاب. فكيف يعالج هذا الكتاب موضوعه الشائك؟

عالم أبادته القنبلة

ببساطة من خلال تصويره منذ بداية الفيلم عالماً مسحته القنبلة الذرية من الوجود ولم يبق من ناسه، لأول وهلة، سوى فرد واحد هو الصعلوك شارلو الذي يجد نفسه وحيداً في نيويورك يبحث عن باقين آخرين، إذ ما نفع كل ما ورثه من خيرات الأرض والأسواق والمصارف التي وجدها منتشرة في كل مكان، إن لم تستخدم للتبادل؟ وأي تبادل هو ذلك الذي ليس ثمة أطراف أخرى تشارك فيه؟ في نهاية الأمر هنا، وقبل أن يلتقي الصعلوك بمجموعتين من الناس، سنتحدث عنهما بعد قليل، سيلوح له أمل عارض – وسيخيل إليه بسرعة أنه أمل مرعب – من خلال ذلك الشرطي الذي كثيراً ما رأيناه يطارده في أفلام سابقة له. كعادته في الماضي إذا، يتخذ شارلو احتياطاته ويبدأ بالاستعداد لمنازلة الشرطي، بل نراه حتى يحاكي تلك المنازلة في مشاهد من المؤكد أنها لو صورت لكان من شأنها أن تكون تحفة سينمائية نادرة، لكنها حتى في صيغتها المكتوبة لن تقل عن ذلك، وبالتحديد، لأن ما خيل إلى الصعلوك أنه عدوه الدائم، رجل البوليس، ليس سوى أحفور في جدار أحد المباني، ولكن مقابل ذلك الشبح الذي يظهر له كنوع من الإنذار القبيح الخاطئ، لن يلبث الصعلوك أن يلتقي بجماعة من العلماء يقابلهم جماعة من الاشتراكيين المتحمسين وقد راحت كل مجموعة منهما تعد العدة للمثول في هذا العالم الجديد على طريقتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القضاء على الشعب

 فالعلماء ينظرون الآن إلى التفجير النووي وكأنه مستقبل العالم و... سعادته. وليس فقط لأنه يؤكد مكانة العلم في العالم وسطوته عليه، بل لأنه بات قادراً على أن يعيد خلق العالم من جديد. وتحديداً أن يخلق عالماً جديداً يكون وقفاً على العلم وقادراً على "تنظيف" هذا العالم من التفاصيل غير المفيدة بين الحين والآخر. وفي المقبل ها هم الاشتراكيون تحديداً – ولسنا ندري لماذا في الحقيقة – على طريقة الفرنسي ما – قبل – الماركسي شارل فورييه، يحتفلون بهذا العالم الجديد الذي يعتقدون أن من حسن حظهم أنه لم يعد يضم سوى أشباههم الذي سيخلقون معهم عالماً جديداً يقوم على أفكارهم وقد باتت منتصرة، ولو أنه انتصار على فراغ. فهم، وهذا ما يقوله جيمس آجي بوضوح من خلال السيناريو، لا يهمهم الجنس البشري، بل فرض أفكارهم على من يريد أن يبقى في هذا الكون منهم. ترى ألم يقول بريخت ذات يوم متهكماً: إذا ثار خلاف بين الفكر والشعب، من الأفضل القضاء على الشعب؟

في الواقع أن سيناريو آجي يطفح بمثل هذه الأفكار التي يبدو واضحاً أنه أراد من خلالها أن يقدم خلاصة لفلسفته الساخرة من معظم الأفكار التي تشغل هذا العالم. ولعل اللافت في ذلك كله كيف أن الكاتب في مجال وضع مثل تلك الأفكار في مواجهة بعضها بعضا، نسي الموضوع الأساس الذي بنى عليه عمله ككل. ويبدو أن هذا الجانب من السيناريو هو الذي أثار حذر شابلن دون الإمعان في الاشتغال، تنفيذاً، على المشروع، إذ رأى – كما قد يخيل إلينا - أن الفيلم الذي كان يفترض به أن ينبه الإنسانية إلى تلك الكارثة النووية، على غرار ما كان عليه الأمر، مثلاً في فيلمه "الأزمنة الحديثة" بالنسبة إلى تشييء العمال واستلابهم، وما كان عليه "الديكتاتور الكبير" من تنبيه العالم ضد هتلر ونازيته، هذا الفيلم، وعلى رغم روعة السيناريو وعمق أفكاره وتعلقه بالأساليب الشابلينية دون تردد، يجازف بأن يكون انعكاساً لصراعات فكرية قد لا يكون له بها أية علاقة حقيقية. ومهما يكن من أمر ليست هذه هنا سوى فرضية بين فرضيات عديدة يمكن إيرادها في محاولة إيراد جواب عن تساؤلاتنا حول ما جعل السينمائي الكبير يستنكف عن أفلمة سيناريو الكاتب المبدع.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة