Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال السودان بين فكي المرض والتجنيد

تشتتهم الحرب ويترصدهم الجوع وسوء التغذية

يحتاج 14 مليون طفل سوداني لمساعدات إنسانية عاجلة (أ ف ب)

ملخص

أطفال شاهدوا آباءهم يُقتلون أمام أعينهم، وأمهاتهم أو شقيقاتهم يتعرضن للضرب والتحرش والاغتصاب، فضلاً عن التداعيات النفسية لرعب دوي الأسلحة الثقيلة

مع دخول حرب الخرطوم أسبوعها الأول من الشهر الخامس، تتعمق مع كل يوم يمر مأساة وجراح أطفال السودان بمعدل ضحية كل ساعة، وتتزايد باضطراد معدلات الخطر لمن هم عالقين مع أسرهم داخل العاصمة السودانية، يكافحون من أجل العيش والبقاء على قيد الحياة، أما الذين نجحوا في الفرار من نيران الخرطوم فما زالت الحرب تلاحقهم، يطاردهم الجوع ويفتك بهم سوء التغذية داخل دور إيواء مناطق النزوح.

استشراء الجوع

وفق منظمة الـ"يونيسف"، فإن "حجم تأثير النزاع في أطفال السودان يستعصي على الفهم"، إذ يحتاج 14 مليون طفل سوداني لإنقاذ ومساعدات إنسانية عاجلة، منهم تسعة ملايين ما زالت تحاصرهم الاشتباكات، بينما يقف ستة ملايين سوداني على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وفق تحذير المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين في وقت رفعت الحرب مستوى معدلات الفقر في البلاد إلى أكثر من 80 في المئة، بحسب وزارة التنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم.

وحذر متخصصون من الارتفاع الملحوظ لحالات الجوع المستمر وأمراض سوء التغذية وسط الأطفال والوفيات الناجمة عنها في مناطق عدة وولايات شرق السودان، بما فيها داخل معسكرات إيواء النازحين الفارين من الحرب في الخرطوم، مناشدين المنظمات الدولية والوطنية والمجتمعات المحلية والخيريين، سرعة التدخل لتوفير الدعم والعلاج لتلافي تفاقم أوضاع أطفال السودان بأكثر مما هي عليه.

وكشف عبدالقادر أبَّو، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة بالسودان، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، عن معاناة متفاقمة للأطفال في مناطق عدة شرق البلاد، نتيجة الجوع وسوء التغذية بخاصة وسط الأطفال النازحين، فضلاً عن أطفال المجتمع المحلي الهش والضعيف الذين قاسموهم النزر اليسير المتوفر من المقدرات والموارد المحلية الشحيحة، منتقداً في هذا الجانب العمل "الضعيف جداً" للمنظمات الدولية.

أوجه المعاناة

يتابع "نحن في المجلس القومي للطفولة نرى أنه آن الأوان للمنظمات الدولية أن تتحلى بالعزم والجدية للتدخل بصورة إنسانية عاجلة على الأقل في الولايات التي تعاني من وطأة النازحين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المنابر وكل الجهات ذات الصلة والمجتمعات المستضيفة نفسها، عليها أن تتكاتف وتتحرك سوياً رأفة بهؤلاء النازحين من النساء والأطفال للتخفيف من مأساتهم".

أوضح أبَّو أن الأطفال في منطقة الحرب بالخرطوم يعيشون معاناة كبيرة متعددة الأوجه، بعضها من الحرب عامة، وأخرى خاصة ناتجة من انتهاكات مارسها مسلحون في عديد من مناطق العاصمة القومية الثلاث في الخرطوم وبحري أم درمان، حيث اقتحمت أعداد كبيرة منهم بيوت المواطنين وقاموا بترويع أهلها وإخراج سكانها منها عنوة، وإهانة أرباب الأسر من الآباء والأمهات أمام أطفالهم.

ويشير أمين المجلس القومي إلى أن مأساة الأطفال لم تنقطع بتمكنهم من الفرار مع أسرهم إلى ولايات البلاد الأخرى الأكثر أماناً، بل تواصلت معاناتهم بما واجهته أسرهم من زيادة في أسعار الإيجارات في الولايات التي استقبلت أكبر أعداد من النازحين، الأمر الذي تأثر به الأطفال سلباً بلجوئهم إلى السكن في المدارس والمؤسسات التربوية وغيرها من دور الإيواء، وهي غير مؤهلة في كثير من جوانبها.

قسوة وهزات

ويتابع "هذا النوع من الإرهاب يعد نوعاً من العنف له عواقبه وآثاره بالغة السوء في الأطفال الذين شاهدوا آباءهم يُقتلون أمام أعينهم، وأمهاتهم أو شقيقاتهم يتعرضن للضرب والتحرش والاغتصاب، فضلاً عن التداعيات النفسية لرعب دوي الأسلحة الثقيلة بمختلف أنواعها، كلها مؤشرات على معاناة تلقي بظلالها النفسية والاجتماعية على الأطفال طوال تواجدهم أيام الحرب داخل الخرطوم.

وأشار أبَّو إلى أنه على رغم ما بذله ولاة الولايات المتأثرة بالنزوح من جهود لتخفيف حالة الجوع المستمر وتفشي سوء التغذية وسط الأطفال، لكنهم لم يستطيعوا الإحاطة بحجم المأساة أو تغطية الاحتياجات المطلوبة، بسبب شح الموارد في ظل هذه الظروف الاستثنائية والأزمة الاقتصادية الخانقة، التي ألقت بظلالها القاتمة على شريحة الأطفال في شكل معاناة متعددة الجوانب صحية ومعيشية وتربوية تعليمية.

وأعلن أمين رعاية الطفولة عن وضع خطة عملية للطوارئ الإنسانية خاصة بالأطفال، لكنها تفتقر إلى الموارد لتمويلها حتى يتمكن المجلس من التحرك الفعال هنا وهناك، مناشداً المنظمات الإنسانية والمجتمعات المحلية كافة بالتدخل العاجل.

سرطان وسوء تغذية

وبحسب مصادر صحية في ولاية القضارف، بلغت حالات الإصابة بسوء التغذية في مستشفى الأطفال القضارف حوالى 365 حالة خلال الفترة الممتدة من مطلع أبريل (نيسان) حتى نهاية يوليو (تموز) الماضي، فيما بلغت حالات الوفاة نحو 132 حالة، منها 33 حالة خلال شهر أبريل الماضي و41 حالة خلال مايو (أيار) و24 حالة في يونيو (حزيران) مقابل 34 حالة في يوليو الماضي، وبلغت نسبة الوفيات وسط الأطفال بسبب أمراض سوء التغذية 20 في المئة من إجمالي الحالات التي يستقبلها مستشفى الأطفال بالقضارف.

على نحو متصل، تعيش شريحة الأطفال (مرضى السرطان) محنتها الخاصة بعد أن نقلوا من الخرطوم بعد مضي شهر من اندلاع الحرب، إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة خوفاً على حياتهم، بعدما هاجم مسلحون المراكز الخاصة بأطفال مرضى السرطان المعروفة ونهبوا محتوياتها.

وتسبب عدم توفر الأدوية وانقطاع جرعات العلاج الكيماوي بولاية الجزيرة في وفاة أربعة أطفال من مصابي السرطان، وتعاني مؤسسات خيرية ترعاهم وتقدم لهم العلاج الكيماوي من عدم توفر الجرعات اللازمة للعلاج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعزى النقص في الجرعات إلى شح التبرعات والارتفاع الكبير في أسعارها، إذ بلغ ثمن علبة الدواء الواحدة ما يعادل 290 دولاراً أميركياً، بينما يتراوح ثمن جرعة العلاج الكيماوي التي تحتوي على مليغرام واحد وتستخدم للحقن، ما بين 150 إلى 400 دولار أميركي، في السوق السوداء.

ونتيجة للنقص الحاد في العلاج الكيماوي، اضطر معظم مرضى السرطان من كل الولايات للتوافد على ولاية الجزيرة للعلاج بمركز مدينة ود مدني لعلاج الأورام، لكن إلى جانب نقص الجرعات تسبب الضغط الكثيف على مركز مدني، بتوقف أجهزة العلاج الإشعاعي عن العمل، علماً بوجود ثلاثة مراكز كبيرة في السودان يتلقى فيها مرضى الأورام العلاج الإشعاعي وكذلك جرعات الكيماوي، في كل مدن الخرطوم، مروي بالولاية الشمالية وود مدني بالجزيرة.

فقر وفرار

من جانبه، أكد وزير الرعاية الاجتماعية في ولاية الخرطوم، صديق حسن فريني، أن التقديرات تشير إلى أن الحرب تسببت في نزوح حوالى خمسة ملايين من سكان العاصمة السودانية إلى ولايات البلاد الأخرى، وارتفعت معدلات الفقر إلى 80 في المئة، لافتاً إلى أن النزاع تسبب في تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة مستوى الفقر، ما يضاعف المسؤولية مستقبلاً على الحكومة من ناحية اجتماعية عند انجلاء الحرب.

وأضاف فريني في تصريحات صحافية، أنه مع ارتفاع حجم المعاناة نتيجة الدمار الذي طال مؤسسات الدولة، تمت مسوحات اجتماعية في مناطق غرب وجنوب مدينة الخرطوم الأكثر كثافة، بغرض توفير المساعدات الإنسانية، مع السعي إلى إعادة تشغيل بعض مواقع توفير الدعم الاجتماعي للمواطنين عبر ديوان الزكاة والمعاشات.

وأوضح مدير عام التنمية الاجتماعية أن المساعدات التي توفرها حكومة الخرطوم في الوقت الراهن عقب إجازة خطة إسعافية، تتركز بشكل أساسي على توفير المساعدات الإنسانية والعلاجية من الأدوية المنقذة للحياة بعد خروج نحو 90 في المئة من المرافق الصحية عن الخدمة.

كان جيمس إلدَر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، قد وصف وضع الأطفال خلال هذه الحرب بأنه بات أسوأ مما توقعته المنظمة العالمية لرعاية الطفولة، وقال في كلمة أمام الصحافيين في جنيف قبل نحو شهر، "تماماً كما كنا نخاف ونخشى، فقد أصبح الوضع في السودان قاتلاً بشكل مخيف لعدد كبير من الأطفال"، متوقعاً أن يكون الواقع الفعلي أسوأ من ذلك بكثير.

تجنيد القُصر

وأعلنت قيادة المنطقة العسكرية في جنوب دارفور، القبض على عناصر قُصَّر تم تجنيدهم بمساعدة زعماء عشائر لم تسمهم.

وعلى رغم أن العقدين الماضيين شهدا تحسناً في مستوى معيشة الأطفال الذين يشكلون نصف إجمالي عدد سكان السودان، ومؤشرات انخفاض عدد وفيات الأطفال دون سن العام من العمر، وتزايد معدلات الالتحاق بالمدارس ونسب التطعيم العالية التي قضت على مرض شلل الأطفال، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، لكن لا يزال ملايين الأطفال يعانون من تبعات الصراع المزمن، والكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض، ما جعل السودان يصنف كواحد من أسوأ البلدان في العالم من حيث نقص التغذية.

كما خلفت المعارك والقتال المحتدم بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، منذ 15 أبريل الماضي، في العاصمة السودانية ومدن أخرى في ولايات كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وضعاً إنسانياً كارثياً، فيما يعيش من بقي حتى الآن من سكان الخرطوم، أوضاعاً إنسانية متفاقمة في ظل عدم توفر خدمات الكهرباء والمياه ونفاد المؤن الغذائية والأدوية، يهددهم الجوع فهم محاصرون تحت رحمة القصف العشوائي الجوي والمدفعي الثقيل المتبادل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير