Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هونغ كونغ... أي خيارات أمام بكين لوأد مظاهرات المستعمرة البريطانية السابقة؟

أوراق قد تلجأ إليها الصين... ضغط سياسي واعتقالات جماعية وتصعيد العنف وعقوبات اقتصادية ضد الشركات

تصاعدت حدة الفوضى المتواصلة منذ أسابيع في المستعمرة البريطانية السابقة، هونغ كونغ، إلى أن وصلت إلى مطارها الذي شُلت حركته خلال اليومين الأخيرين، قبل أن يعود إلى العمل مجددا، فيما لا تزال كرة الثلج يتجاذبها المتظاهرون المطالبون بالديمقراطية في وجه سلطتهم المحلية، فيما تتحسّس بكين بحذر خياراتها لمواجهة تلك الموجة غير المسبوقة.

وعلى مدار أسابيع، شهدت المدينة، التي تعد مركزا ماليا عالميا، تظاهرات ضمّت ملايين المحتجين، ونشبت مواجهات عنيفة بشكل متزايد بين محتجين والشرطة، فيما أُلغيت رحلات من مطار المدينة، الذي يعد الثامن في العالم من حيث عدد مسافريه (74 مليون مسافر عام 2018). فما الذي يحدث في تلك المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي، تحت إدارة الصين منذ 1997، وأي خيارات تبقى لبكين في مواجهة تصعيد شعبي غير مسبوق رفضا لمقترح قانوني لم تتخلَ عنه بعد سلطات هونغ كونغ الموالية لبكين، والقاضي بتسليم المطلوبين إلى الصين؟

ما الذي يحدث؟

في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء غادر المتظاهرون المؤيدون للديموقراطية مطار هونغ كونغ الدولي بعد يومين من تجمّعات حاشدة اتخذت منحى عنيفاً وأغرقت المدينة التي تُعتبر مركزاً مالياً دولياً في مزيد من الفوضى.

وجاءت مغادرة المتظاهرين غداة إلغاء مئات الرحلات بعد إغلاق المتظاهرين لمحطتين في المطار خلال اليوم الثاني للاعتصام داخله، في أحدث تصعيد للأزمة السياسية المستمرة منذ 10 أسابيع في المدينة، حيث منع المتظاهرون المسافرين من الوصول إلى طائراتهم طوال فترة ما بعد الظهر، قبل الاشتباك مع شرطة مكافحة الشغب خارج المبنى في وقت لاحق عند المساء، لكن بحلول الساعات الأولى من صباح اليوم، غادرت الغالبية العظمى من المحتجين المبنى وعاودت الطائرات إقلاعها بشكل منتظم.

وأظهر الموقع الإلكتروني للمطار إقلاع عشرات الرحلات الجوية، إضافة إلى عشرات أخرى من المقرر أن تقلع في وقت لاحق، على الرغم من تأخر الكثير منها، بحسب ما نقلت "أ.ف.ب.".

وإثر ذلك، تأثر عشرات الآلاف من المسافرين بهذه الخطوة الاحتجاجية الجديدة، بينما كثّفت الصين التهديد بتدخّل عبر مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام رسمية تُظهر قوات أمنية تتجمّع على حدود المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي.

وكان المتظاهرون رفعوا في المطار لافتات كتب عليها "هونغ كونغ ليست آمنة"، و"عار على الشرطة"، التي يتهمونها باللجوء إلى العنف المفرط لقمع الاحتجاجات. وشهد التحرك الاحتجاجي في الأسابيع الأخيرة تصاعد أعمال العنف خلال المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، وذلك في أسوأ أزمة سياسية منذ إعادتها إلى الصين عام 1997، والتي بدأت في مطلع يونيو (حزيران) بتظاهرات رافضة لمشروع قانون يتيح تسليم مطلوبين إلى الصين، ثم تحولت إلى احتجاجات مطالبة بمزيد من الحريات ومنددة بتدخل بكين.

هونغ كونغ وكرة الثلج

في الوقت الذي تمسك فيه الاتحاد الأوروبي بالدعوة للهدوء وضبط النفس، جاء الردّ الأميركي على لسان رئيسها دونالد ترمب "حذرا" من نقد السلطات الصينية، على حد رأي خصومه، فيما واصلت بكين انتقادها وتحذيراتها للمتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في هونغ كونغ، معتبرة أفعالهم "شبه إرهابية"، وذلك إثر تعرض صينيَين اثنين للضرب في مطار هذه المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي.

ومكررةً إداناتها، قالت بكين على لسان مسؤوليها ووسائل إعلامها، إن أفعال المتظاهرين العنيفين مؤشرات على "إرهاب". والاثنين الماضي، قال المتحدث باسم مجلس شؤون هونغ كونغ، وماكاو يانغ غوانغ، في مؤتمر صحافي، إن "المتظاهرين المتطرفين في هونغ كونغ استخدموا مراراً أدوات شديدة الخطورة للهجوم على عناصر الشرطة"، مضيفاً أن ذلك "يشكل أساساً جريمة عنيفة وخطيرة، لكن أيضاً يعدّ أول المؤشرات على إرهاب متصاعد"، معتبرا أن في ذلك "تخطيا عنيفا لحكم القانون والنظام الاجتماعي في هونغ كونغ".

وغداة تلك التصريحات، حذرت كاري لام، رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ المعينة من قبل بكين، من العواقب التي ستترتب على هونغ كونغ، إلا أنها استبعدت مرة جديدة أي تنازل للمتظاهرين. وقالت في مؤتمر صحافي إن "العنف سيدفع هونغ كونغ إلى طريق اللاعودة".

وبالتوازي مع ذلك، وصفت وسائل إعلام صينية رسمية المتظاهرين بأنهم "غوغاء" ولوّحت بشبح تدخّل قوات الأمن الصينية، ما بدا أنه وسيلة لتصعيد التهديد بتدخل في هونغ كونغ لمواجهة التظاهرات.

ونشرت صحيفتا "الشعب" اليومية، و"غلوبال تايمز"، التابعتان مباشرة للحزب الشيوعي الصيني، مقاطع فيديو تُظهر آليات مدرعة لنقل الجنود متوجّهة إلى شينزين على الحدود مع هونغ كونغ.

وفيما دعت بريطانيا، الضامن للاتفاق الذي نقل هونغ كونغ إلى الصين عام 1997، إلى الحوار، ونددت بالعنف، وكذلك الاتحاد الأوروبي، الذي حث جميع الأطراف المنخرطة في المواجهات داخل مطار المدينة إلى التحلي بضبط النفس، وتهدئة الوضع بشكل عاجل، دعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، سلطات هونغ كونغ إلى ضبط النفس والتحقيق في الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن ضد المتظاهرين.

من جانبه، يواجه الرئيس الأميركي ترمب انتقادات من كل الأطراف في الولايات المتحدة بسبب موقفه من التظاهرات في هونغ كونغ وتجنبه انتقاد بكين في إطار هذه الأزمة غير المسبوقة في المدينة.

ورغم إعلان ترمب أمس الثلاثاء استناداً إلى معلومات استخباراتية أميركية أن الجيش الصيني ينتشر "على الحدود مع هونغ كونغ"، إلا أنه جدّد دعواته "للجميع" بالتزام "الهدوء والأمن"، دون توجيه أي تحذير واضح للسلطات الصينية. وقال ترمب "آمل أن يكون هناك حل سلمي" وألا "يقتل أحد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثار الحذر الأميركي في التعاطي مع مظاهرات هونغ كونغ، على الرغم من الحرب التي تخوضها واشنطن منذ أشهر مع الصين في مجال التجارة ومنافسة دبلوماسية عسكرية معها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخلافات على مستوى حقوق الإنسان، تساؤلات لدى المراقبين حول ما إذا كان الملياردير الجمهوري مستعد لتجاهل قمع صيني محتمل لتظاهرات هونغ كونغ مقابل تحقيق تقدم في المفاوضات التجارية، لا سيما بعد أن اعتبرت واشنطن أن التهم المتعلقة بتدخل وشيك من الصين "سخيفة"، وحرصت على ألا تقف إلى جانب أي طرف في هذه الأزمة.

وبحسب السيناتور الأميركي الجمهوري، ريك سكوت، فإن "الولايات المتحدة، وكل الأمم المحبة للحرية حول العالم، عليها أن تتحضر للتصرف سريعاً دفاعاً عن الحرية إذا انخرطت الصين في تصعيد النزاع في هونغ كونغ". فيما رأى السيناتور الجمهوري، ليندزي غراهام، أن أزمة هونغ كونغ "لحظة حاسمة بالنسبة إلى العلاقات الأميركية الصينية"، وأكد "بعد 30 عاماً على أحداث ساحة تيان انمين، كل الأميركيين يدعمون المتظاهرين السلميين في هونغ كونغ".

في المقابل، هاجم الديموقراطيون من جهتهم ترمب، حيث قال النائب جيم ماك غوفرن إن الرئيس يستخدم لغة "خطرة" قد "تؤدي إلى سوء تقدير"، مشددا أنه على الرئيس الأميركي "تحذير بكين من عواقب وخيمة إذا قمعت التظاهرات السلمية".

وعلى الرغم من عودة هونغ كونغ للحكم الصيني عام 1997، فإن لديها نظاما تشريعيا منفصلا حتى عام 2047 تحت مبدأ "دولة واحدة ونظامان".

أي خيارات تفكر فيها بكين؟

وسط تصاعد الأحداث التي تشهدها هونغ كونغ، تبقى بكين حائرة أمام خياراتها لمواجهة تلك الفوضى المتصاعدة في تلك المدينة المالية والتجارية الشهيرة، فمع التمسك برفض تحركات المتظاهرين في الشارع، والتلويح بخيار التدخل عسكريا لقمع المتظاهرين، تتباين مواقف بكين إزاء التطورات المتسارعة في هونغ كونغ.

وتحت عنوان "هل تتحرك الصين المتباهية بقواتها العسكرية في هونغ كونغ؟"، كتبت إيما غراهام هاريسون، في صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن رسائل بكين إلى المتظاهرين في هونغ كونغ "تنذر بالسوء بشكل متزايد".

وبحسب هاريسون "من اللقطات التدريبية لجنود صينيين بدوا وكأنهم يتدربون على قتال مكثف داخل مدينة فيما يشبه حرب أهلية، إلى اللقطات التي تظهر فيها مركبات عسكرية مدرعة تجوب الحدود بين البلدين، وبثّ وسائل إعلام صينية صور ناقلات لقوات الشرطة العسكرية المحتشدة على الحدود مع هونغ كونغ، إضافة إلى تصاعد خطاب بكين، ووصفها للاحتجاجات بأنها تحمل مؤشرات إرهاب، ووعدها بالرد بـ(قبضة حديدية)، تتزايد التحركات التي تدعو للقلق من رد بكين على ما يحدث في هونغ كونغ".

وتابعت أن السؤال الذي يطرحه الكثيرون في هونغ كونغ الآن هو ما إذا كان ذلك قد يشمل إرسال قوات صينية إلى شوارع المدينة، أو أن بكين تحاول ببساطة تخويف المحتجين للتراجع عن طريق التباهي علناً بعضلاتها العسكرية.

من جانبه، يقول ستيف تسانغ، مدير قسم الدراسات الصينية في كلية الدراسات الشرقية بجامعة لندن (سواس)، إن "اللقطات والإشارات التي تبثها الصين خلال الأيام الأخيرة هي محاولة واضحة للتخويف، لكن من المحتمل أيضاً أن ينفذوها بالفعل"، وتابع "إذا كانوا يعتبرون حقاً أن ما يحدث في هونغ كونغ ثورة ملونة، فسيفعلون كل ما يتطلبه الأمر (لإيقافها)، ولهذا السبب أشعر أن الوضع أكثر خطورة مما كان عليه قبل بضعة أسابيع"، بحسب ما نقلت عنه "الغارديان".

وفيما يقول بعض الخبراء القانونيين في هونغ كونغ إن بكين ربما تمهّد الطريق لاستخدام قوانين مكافحة الإرهاب لإخماد التظاهرات، يوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة هونغ كونغ، كينيث تشان، إن "نشر قوات جيش التحرير الشعبي بغضّ النظر عن قدرتها على السيطرة سيعني نهاية هونج كونغ، وبالتالي من المرجح أن بكين تعتبر ذلك هو الحل الأخير".

وتابع تشان "سيكون لذلك آثار سيئة على الصين نفسها، خصوصاً أن معدل النمو الاقتصادي هذا العام وصل إلى أدنى مستوى له منذ 30 عاماً. ولذلك فمن المتوقع أن تبحث بكين عن طرق أخرى لسحق الاحتجاجات، من خلال مزيج من الضغط السياسي والاقتصادي، والاعتقالات الجماعية وتصاعد عنف الدولة ضد الناشطين والمتظاهرين، إضافة إلى عقوبات اقتصادية ضد الشركات، وغيرها من أساليب الضغط الخفية".

في المقابل، وفيما يتأرجح الموقف الأميركي، دون دعم أي من الأطراف، أو حتى انتقاد بكين علانية لردها على تظاهرات هونغ كونغ، قال السفير الأميركي السابق والأستاذ في هارفارد، نيكولاس برنز، إن ترمب تنقصه "الشجاعة" ولذلك "يدعم الطرفين"، موضحاً "يجب أن تكون الولايات المتحدة إلى جانب طرف واحد، طرف الحقوق الديموقراطية لشعب هونغ كونغ"، وهو موقف منسجم كذلك مع مواقف العديد من الخبراء والنواب الأميركيين. وبحسب توماس رايت، من مركز بروكينغز للدراسات، فإن ما يثير القلق أن تصريحات ترمب "تعطي الضوء الأخضر للرئيس الصيني، شي جين بينغ، لقمع التظاهرات".

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات