ملخص
يشكل واحد من كل 8 مساكن مستأجرة من القطاع الخاص خطراً صحياً جدياً على قاطنيه في حين تتلقى فيه الحكومة مطالبات بتطهير وضع قطاع الإسكان الذي شبه بـ "الغرب الأميركي المتوحش" من خلال ملاحقة مالكي منازل "الأحياء الفقيرة": الكشف في بريطانيا عن فضيحة يواجه فيها مستأجرون أخطاراً قاتلة في منازلهم
يواجه مستأجرون في المملكة المتحدة ظروفاً معيشية صادمة في وقت كشفت فيه أرقام جديدة عن أن مسكناً من كل ثمانية مساكن مستأجرة بعقد خاص يشكل خطراً محتملاً مهدداً لصحة الأفراد القاطنين فيه.
وشابت قرابة 615 ألف عقار عيوب خطرة كالرطوبة والعفن والملوثات ومشكلات هيكلية وأخطار حدوث حرائق، عرضت صحة ساكنيها للخطر العام الماضي، وذلك بزيادة مقدارها 50 ألف وحدة مقارنة بالعام الذي سبق.
ورأى ناشطون أن الأرقام تكشف بشكل متزايد عن الظروف المروعة التي يواجهها المستأجرون على رغم ارتفاع بدلات الإيجارات، متهمين مالكي عقارات "العشوائيات" باستغلال المستأجرين و"الانتفاع من منازل غير آمنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي هذه الإحصاءات المثيرة للصدمة بعد سلسلة تحقيقات أجرتها "اندبندنت"، كشفت فيها عن الانعكاسات السيئة لأزمة الإسكان الآخذة في التدهور في المملكة المتحدة، بما فيها إجبار مستأجرين من أصول أفريقية وآسيوية على تحمل وطأة الظروف المروعة، بدءاً من الإهمال ووصولاً إلى الإخلاء القسري والنقص المخزي في وحدات الإسكان الاجتماعي، بعدما فشل أكثر من نصف عدد السلطات المحلية في بناء منزل واحد مخصص لهذه الغاية العام الماضي.
يأتي ذلك بعد وفاة الطفل أواب إسحاق (عمره سنتان) التي تبين أنها ناجمة عن مرض تنفسي نتيجة تعرضه لـ "عفن شديد" في شقة عائلته في روتشديل، وأثارت وفاته غضباً شعبياً من ترك مالكي العقارات أسراً تعيش في ظروف سكن غير صالحة.
وقد تعهد حزب "العمال" البريطاني (في حال وصوله إلى السلطة) بإنهاء هذه الظروف المعيشية الصادمة وغير المقبولة التي يعانيها المستأجرون، متهماً حكومة حزب "المحافظين" بالفشل في ضبط مالكي العقارات في القطاع الخاص الذي شبهه بـ "الغرب المتوحش" Wild West (مصطلح كان يطلق في الثقافة الشعبية على الفوضى وغياب القانون اللذين سادا في الغرب الأميركي خلال القرن الـ 19).
وتبين من تحليل أجراه حزب "العمال" المعارض لـ "مسح الإسكان الإنجليزي" English Housing Survey الذي يغطي السنة المالية 2021 - 2022 - (تجريه وزارة الإسكان في إنجلترا لجمع معلومات عن ظروف السكن) وجود أخطار من "الفئة 1" Category 1 hazards التي تعد الأكثر جدية، مع احتمال التسبب بوفاة أشخاص أو فقدان أحد أطرافهم في نحو 14 في المئة من المساكن الخاصة المستأجرة، وشكل هذا الرقم ارتفاعاً عن العام الذي سبق وكان في حدود 13 في المئة.
وبحسب بيانات السنة 2021 - 2022 فقد أخفق نحو 990 ألف منزل مستأجر من القطاع الخاص (23 في المئة) في الوفاء بـ "معايير المنازل اللائقة"، وهي نسبة أعلى من تلك المسجلة في قطاع الإيجار الاجتماعي (10 في المئة) والمنازل التي يعيش فيها مالكوها (13 في المئة).
وأظهر تحليل لأحدث الأرقام السنوية أن 11 في المئة من المنازل المستأجرة من القطاع الخاص تحوي رطوبة بزيادة عن نسبة 10 في المئة في العام الذي سبق، وبما يشكل قفزة كبيرة عن النسبة المسجلة خلال السنة المالية 2019 - 2020 عندما كانت في حدود سبعة في المئة.
وزيرة شؤون الإسكان في حكومة الظل "العمالية" ليزا ناندي قالت لـ "اندبندنت" إن "قطاع الإيجار الخاص يشبه بشكل متزايد أوضاع “الغرب المتوحش”، بحيث يضطر عدد كبير للغاية من الشباب والأسر للعيش في ظروف مروعة وغير مقبولة، وفي الوقت نفسه يدفعون بدلات إيجار أكثر ابتزازاً من أي وقت مضى".
وفي إطار السعي إلى القضاء على هذه المشكلة تعهدت السيدة ناندي بأن تعتمد حكومة لحزب "العمال" ما سمته ميثاقاً جديداً متيناً لحماية المستأجرين، يفرض معايير المنازل اللائقة في قطاع الإيجارات الخاصة، إضافة إلى وضع لائحة من الممارسات الجديدة لوكلاء تأجير المنازل.
في المقابل أشارت أرقام حصلت عليها "اندبندنت" بشكل منفصل إلى أن مشكلات العفونة والرطوبة تزداد سوءاً في قطاع الإسكان، وقد ارتفع عدد التبليغات المرفوعة إلى "خدمة التحقيق في شكاوى الإسكان" Housing Ombudsman Service )منظمة مستقلة تتعامل مع الشكاوى والنزاعات المتعلقة بقضايا الإسكان (في ما يرتبط بهذا الجانب بنسبة 35 في المئة.
وتلقت الهيئة الرقابية العام الماضي 5398 شكوى متعلقة بمشكلات الرطوبة والعفن وتسربات في المساكن، بارتفاع عن العام الذي سبق وكان عدد الشكاوى خلاله من هذا النوع 3530، وتبين للوكالة أن مجموع 632 شكوى كانت صحيحة ومبررة مقارنة بـ 456 شكوى في العام السابق.
يشار إلى أن وزير الإسكان البريطاني مايكل غوف وصف في وقت سابق من هذا العام وفاة الطفل أواب الذي كان عمره سنتان بأنها "مأساة غير مقبولة"، وتعهد بضمان محاسبة المالكين على الوحدات السكنية غير الصالحة.
وفي شهر مايو (أيار) الماضي كشفت "اندبندنت" عن أن الطفلة زينب حامد (4 سنوات) نقلت إلى المستشفى بعدما عاشت في شقة يطغى عليها العفن، وبعد التحقيق الذي أجريناه تم نقلها وأفراد أسرتها من مسكن في ويستمنستر تديره مؤسسة مالكة لمساكن اجتماعية هي "بيبادي تراست" Peabody Trust.
وقد أبلغ مستأجرون "اندبندنت" عن الأخطار الصحية الجسيمة التي تعرضوا لها من جانب أصحاب العقارات الخاصة، ومنها ما واجهته سينثيا آرافين التي أدخلت إلى المستشفى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 بعدما هوى عليها السقف في مطبخ شقة استأجرها لها "مجلس نيوهام" المحلي من مالك خاص، لتكون مسكناً موقتاً لها.
وتؤكد السيدة آرافين أن حياتها انقلبت رأساً على عقب وبشكل لا رجعة فيه منذ وقوع الحادثة، ولا تزال تعاني من إصاباتها ولم تتمكن من مواصلة عملها كفنانة، وقالت "كان سقف المطبخ رطباً نتيجة تسرب المياه من الغرفة العلوية، ولم يقم مالك المسكن بإصلاحه، فهبط السقف على رأسي ونقلت بسيارة إسعاف إلى المستشفى".
وأضافت، "أصبت بجروح في إحدى فقرات عنقي وكنت مسمرة في الفراش لأشهر عدة، ولا أزال حتى الآن أستعين بعصا كي أتمكن من المشي، وأعاني ألماً شديداً في ظهري وصداعاً قوياً ودواراً بسبب الطريقة التي هوى بها السقف عليّ".
وخلصت إلى القول إن حادثة كهذه "يمكن أن تغير حياة أي شخص بطريقة لم تخطر على باله من قبل، حتى في أسوأ كوابيسه".
ليام ميلر من "اتحاد المستأجرين في لندن" London Renters Union ، وصف الزيادات التي طرأت أخيراً على الإيجارات بأنها "مثيرة للصدمة"، نظراً إلى المصاعب التي يواجهها المستأجرون في حمل أصحاب العقارات على إجراء التصليحات الضرورية، ولفت إلى أن "استغلال المستأجرين أثناء ترك منازلهم في حال من اليأس بات أمراً شائعاً، بحيث أن تعبير “مُلاك الأكواخ” يشكل وصفاً مناسباً في عدد من الأماكن".
ورأى الناشط أنه يتعين على الحكومة منح المجالس المحلية الموارد اللازمة لملاحقة أصحاب العقارات السيئين والسماح بفرض عقوبات أشد صرامة إذا ما فشل أصحاب العقارات في الامتثال للقواعد.
وقال نائب مدير منظمة "جينيريشن رينت" Generation Rent التي تقوم بحملات لتحسين ظروف الإيجارات، ويلسون كرو، إن أسوأ أصحاب المساكن في الأحياء الفقيرة "يتركون الناس في منازل غير آمنة"، بينما يجعلون ثمن الكراء باهظاً وغير محتمل على نحو متزايد.
ولفت الناشط إلى أن "بعض أصحاب العقارات يحققون أرباحاً من خلال رفع بدلات الإيجار، فيما يمعنون في تجاهل شكاوى المستأجرين المتعلقة بالمشكلات والظروف السيئة التي يواجهونها، وقد يكون من الصعب للغاية إقناع مالكي المساكن بإجراء التصليحات المطلوبة".
أما الرئيسة التنفيذية لجمعية الإيواء الخيرية "شيلتر" Shelter، بولي نيت فاعتبرت أنه "يجب ألا يجبر المستأجرون على العيش في منازل تنطوي على مشكلات تمثل خطراً حقيقياً عليهم".
ويأمل ناشطون في الحملات المتعلقة بتحسين ظروف الإسكان في أن يسمح "مشروع قانون إصلاح أوضاع المستأجرين" Renters’ Reform Bill وهو تشريع مطروح في الوقت الراهن على البرلمان من شأنه أن يحظر عمليات الإخلاء القسري للمستأجرين من دون مبررات وافية، لمستأجري المساكن بالطعن في قرارات أصحاب العقارات داخل الأحياء الفقيرة من دون أن يفقدوا منازلهم.
وتظهر أحدث الإحصاءات مدى أهمية التغييرات في مشروع القانون الإصلاحي، فقد ارتفع عدد إجراءات محكمة الإخلاء من دون مبرر في إنجلترا إلى أعلى مستوى لها منذ نحو ستة أعوام، وتم تقديم نحو7500 قضية إخلاء من هذا النوع أمام القضاء بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين، أي بزيادة 35 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ولا يزال حزب "العمال" وناشطو الإسكان يبدون استياء كبيراً من فشل حزب "المحافظين" في إدراج معايير المساكن اللائقة لقطاع الإيجار الخاص ضمن "مشروع قانون إصلاح أوضاع المستأجرين"، على رغم تعهد الحكومة بتقديم طرح ما "في أقرب فرصة ممكنة".
كما وعدت الحكومة ببدء مشاورات تتعلق باستحداث معايير جديدة لمعالجة مشكلات الرطوبة والعفن في إطار مراجعة أوسع لمعايير المنازل اللائقة.
وقال متحدث باسم وزارة تحسين أوضاع المناطق والإسكان والمجتمعات المحلية البريطانية إن "جميع الناس يستحقون العيش في منزل لائق خال من الرطوبة والعفن والاكتظاظ".
وأضاف، "لهذا السبب نحن ملتزمون بخفض عدد المنازل المستأجرة غير اللائقة بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030، إضافة إلى اعتماد معايير الإسكان المناسب لقطاع الإيجارات الخاصة التي ستضمن الحماية لعدد لا يحصى من مستأجري المساكن للمرة الأولى".
أخيراً ذكر متحدث باسم المجلس المحلي في نيوهام أن المجلس عازم على رفع معايير الجودة في جميع خيارات الإسكان، وقال "وضعنا سياسة متينة تحدد توقعاتنا المتوخاة من أصحاب المساكن الموقتة في قطاع الإسكان الخاص".
© The Independent