Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحابة العالم الافتراضي... "الوسط الموازي" للفن المصري

سببه البطالة وسيطرة "الشللية" وساحته "السوشيال ميديا" وبعضهم حقق نجومية كبيرة

الشاب أحمد رمزي قدم نفسه أولاً من خلال السوشيال ميديا ثم حقق شهرة في مشروعات عرضت تلفزيونيا (مواقع التواصل)

ملخص

طفرة كبيرة تشهدها فيديوهات هواة التمثيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بل إن بعضهم بات على قدر كبير من الاحترافية وينافس أصحاب المشروعات الفنية الضخمة

خلال السنوات الثلاث الماضية أعلن أكثر من 10 ممثلين مصريين اعتزالهم العمل الفني، وعلى رغم أن عدداً منهم تراجع في ما بعد عن هذا القرار، إلا أن الأسباب التي ترددت في أغلب الحالات هي "عدم وجود فرص، وسيطرة الشللية على الوسط، واقتصار الأدوار الرئيسة على مجموعة بعينها".

تلك الشكوى باتت متكررة من شريحة ملحوظة من نجوم التمثيل الذين حتى وإن لم يعلنوا رسمياً ابتعادهم من المهنة، لكنهم دون حيلة منهم وجدوا أنفسهم يجلسون في منازلهم بلا فرصة عمل على رغم شهرتهم وموهبتهم وتاريخهم الفني الناجح.

في المقابل باتت الأبواب تفتح بصعوبة للوجوه الجديدة، وإذا وجد أحدهم طريقة لعرض موهبته بمساحة دور معقولة في موسم ما، فإنه لا يضمن أن تستمر الأبواب مفتوحة على الدوام وأن يحصل على معاملة عادلة.

على جانب آخر، اتخذ آخرون قرارهم باستعراض مواهبهم على طريقتهم وبشروطهم من دون انتظار فرص قد لا تأتي وإن جاءت قد لا تستمر، وإن استمرت ربما تظل هامشية بلا مساحة مؤثرة، فتحولت منصات السوشيال ميديا بالنسبة إلى البعض ساحة لممارسة هوايتهم في التمثيل، وهي المنصات التي أثبتت نجاحها في أن تكون بديلاً فعالاً وأكثر يسراً من برامج المواهب التي تراجع زخمها خلال السنوات الأخيرة، ولم تعد ضمانة لمن يظهرون بها ويحصدون ألقابها على الاستمرارية.

اللافت أن بعضاً ممن حركهم عشقهم للتمثيل لتقديم مواهبهم مباشرة للجمهور لفتوا بالفعل الأنظار، بل إن عدداً منهم جاءتهم فرص حقيقية في أعمال عرضت على المحطات الفضائية.

الموبايل "شركة إنتاج"

الشاب أحمد رمزي من مواليد 1997 فتحت له صفحته على "فيسبوك" المليئة بالإنتاجات الدرامية التي يقف عليها هو وزملاؤه الباب أمام أكثر من فرصة جذبت إليه الأنظار وكان موعده مع جمهور شاشات التلفزيون من خلال مسلسل "في بيتنا روبوت" بجزأيه.

يقول رمزي إنه يعشق التمثيل بالتالي فضل أن يعرض موهبته على الجمهور، نظراً لأنه يعد وجهاً جديداً ولم يرغب في أن ينتظر طويلاً خصوصاً في ظل الطريقة المعتمدة لسير الترشيحات في الوسط الفني، فعلى رغم تفاؤله الشديد ولكنه قد لا يضمن أن يأتي ما يبحث عنه بسرعة، بالتالي كانت السوشيال ميديا هي وسيلته، حيث أكد أنه حقق شهرة كبيرة عليها أولاً، كما أنه تميز في تقديم فيديوهات عبارة عن محاكاة ساخرة لأعمال فنية شهيرة لكبار النجوم، وحقق نجاحاً في هذا الصدد.

وتابع الممثل الشاب، الذي عرض له أخيراً فيلم "رهبة" مع أحمد الفيشاوي، "السوشيال ميديا بالنسبة إلى مسرح، أقدم عليها ما لدي والجمهور من كافة الطبقات والتوجهات يصله المحتوى الفني الذي أعمل عليه، وله الحكم في النهاية، إذ نقف وراء الأفكار والإخراج واختيار الفريق ونتمكن من التحكم في كل التفاصيل من توقيت عرض والشكل النهائي والأسلوب ليكون المنتج متكاملاً وفق رؤيتنا الخاصة".

قد تكون فرص أحمد رمزي في التعامل مع الوسط الفني أفضل كونه في الأساس يدرس في معهد الفنون المسرحية، لكن هناك عشرات غيره لا يأتون من خلفية أكاديمية ويعتبرون أن موهبتهم وشغفهم بالتمثيل هما السلاح الوحيد ويقومون بالإنتاج والتأليف والإخراج واختيار الفريق والمونتاج، ثم يعرضون منتجهم، ومن خلال التجربة يخطئون ويصيبون ويصنعون هويتهم الفنية فقط باستعمال كاميرا هاتف ذكي، حتى لو لم تعترف به المؤسسات والنقابات.

اللافت أن منهم من يحقق عشرات الملايين من المشاهدات عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وبينهم عمر رأفت الذي يقدم مشاهد من الحياة اليومية وتتميز فيديوهاته التمثيلية بالطابع الاجتماعي، الذي أثنت الفنانة سلوى محمد علي على إصراره وتطور مستوى الأعمال التي يقدمها ويشارك فيها عدد من الممثلين الهواة من مختلف الأعمار.

رحابة العالم الافتراضي

السهولة التي تجري بها الأمور على مواقع التواصل الاجتماعي مقابل التعقيدات التي تواجه ممثلين محترفين جذبت كثيرين من راغبي التمثيل بغض النظر عن تفاوت مستوياتهم وأفكارهم، فهذا التوجه قد يكون اضطرارياً في ظل المعاناة المستمرة لعدد من المشاهير الذين يشكون من قلة الفرص.

الفنانة نشوى مصطفى كتبت مراراً تدوينات تتحدث فيها عن رغبتها في استثمار موهبتها وتمثيل أدوار متنوعة استناداً إلى تاريخها، فيما هناك قائمة من الأسماء التي أعلنت اعتزالها المهنة مثل مجدي صبحي وميرهان حسين ولقاء سويدان ونهى عابدين وإنجي خطاب ونهى العمروسي حسني شتا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأسباب تتمحور في الغالب حول الشعور باليأس والإحباط بسبب سيطرة مبدأ الشللية "أي ترشيح الأصدقاء والمقربين والمعارف فقط للأدوار" على اختيارات صناع الأعمال الفنية وأيضاً لعدم القدرة على معرفة المعايير التي يتم على أساسها إسناد الشخصيات الرئيسة، إذ إنها على ما يبدو تبتعد من الموهبة والأفضلية والخبرة.

يتلقى المعتزلون نصائح باستثمار وقتهم وأموالهم وجهودهم في أي عمل تجاري يؤمن لهم معيشتهم وهو بالفعل ما قام به كثيرون، سواء من تلك القائمة أو نجوم آخرين لم يعلنوا اعتزالهم رسمياً، لكنهم غائبون عملياً عن الظهور في أعمال فنية حديثة أو أصبحت مشاركاتهم في الأقل نادرة على رغم أنهم لا يزالون في عز عطائهم الفني، وفي حين أن مجموعة من الفنانين الذين قرروا الاعتزال تراجعوا بعد ضغوط إلا أنهم لم يعترفوا بتحسن الأوضاع، كما أن تراجعهم بدا وكأنه على الورق فقط فلا يزال ظهورهم قليلاً جداً أو منعدماً.

البطالة الفنية

لدى نقابة المهن التمثيلية نفسها اعتراف صريح بأن هناك بطالة حقيقية بين خريجي المعاهد الفنية والكليات المتخصصة، وذلك من خلال تصريحات كان قد أدلى بها الفنان أشرف زكي نقيب الممثلين الذي انتخب للمرة الثالثة على  المقعد نفسه مطلع مارس (آذار) الماضي، في جلسة ضمن جلسات الحوار الوطني للجنة الثقافة والهوية والوطنية، إذ أكد أن نسبة البطالة بينهم وصلت إلى 80 في المئة.

وأشار زكي إلى أن المجال الفني محدود جداً في مقابل أعداد الخريجين، بالتالي هناك مشكلة في سوق العمل، إذ تحاول النقابة بطرق شتى تحسين الأوضاع بخاصة بعد أن تعددت الأزمات بين مشاهير التمثيل الذين عبروا عن أسفهم جراء ما يحدث، ومن ضمن الخطط كان بروتوكول التعاون الذي تم توقيعه بين مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ونقابة الممثلين، بهدف تشغيل أعضاء النقابة في الأعمال التي تنتجها المؤسسة.

 

 

وهو البروتوكول الذي كان قد رحب به أشرف زكي واعتبره بمثابة حماية للمهنة، ووسيلة لتشغيل أعضاء النقابة، مؤكداً أنه يهدف للعدالة الفنية حين قال وقتها إنه بموجب هذا البروتوكول لن يعمل في إنتاجات الشركة المتحدة سوى أعضاء النقابة أو من يحصلون على تصريح منها.

لكن في النهاية حجم المشروعات في شركات الإنتاج كافة لن يكفي في ظل تعاقد عدد محدود جداً من الممثلين على غالبية الأعمال وبقاء غيرهم من دون فرصة واحدة لأعوام، وهي أمور لا يمكن تقنينها على أرض الواقع ولا إرغام القائمين على العملية الإنتاجية على تفاديها، فالضغط والأعباء على النقابة تزداد بخاصة أنها منوطة بأن تعطي العضوية لكل من توافرت لديه الشروط مهما كان تخصص دراسته طالما أنه موهوب ويستوفي الشروط للقيد بجداولها وبينها العمل بالمهنة وحسن السمعة والأهلية.

وبحسب القانون تضم نقابة المهن التمثيلية "جميع المشتغلين بفنون التمثيل والسينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة والإخراج المسرحي وإدارة المسرح والمكياج والتلقين وتصميم المناظر، والملابس المسرحية والفنون الشعبية والباليه ومؤدى ولاعبي العرائس وغيرهم ممن تنص عليهم اللائحة الداخلية للنقابة".

ربح مادي سريع

إذاً من حق كل من تنطبق عليه البنود أن يكون أيضاً ضمن أعضاء النقابة بمن فيهم نجوم الفيديوهات التمثيلية الهواة الذين يطمحون للاحتراف، إذ إن كثيرين منهم يحاولون تطوير أنفسهم وتنظيم عملهم بصورة أكثر جذباً، وبينهم محمد أبو مسلم الذي بدأ قبل ثمان سنوات بفيديوهات كوميدية بسيطة.

وعام بعد عام يعمل أبو مسلم مع الفريق التمثيلي الذي يشاركه تقديم السيناريوهات للوصول إلى مستوى أعلى، سواء على مستوى المعدات المستخدمة أو طول الفيديو نفسه وكذلك أفكار المحتوى، وهو يطمح إلى تقديم مسلسل على السوشيال ميديا يقوم عليه هو وزملاؤه، وليس مجرد لقطات عابرة تحقق الغرض منها وهو الإضحاك، وهو لديه خطة إنتاجية لهذا المشروع.

هناك نقاط مهمة عدة في هذا التوجه بشكل عام بينها ما هو متعلق بالنجومية السريعة لدرجة أن فئة كبيرة من الجمهور شديد المتابعة على السوشيال ميديا يتعامل مع هؤلاء على أنهم في وسط فني حقيقي، ومنها ما هو متعلق بالحرية التامة في اختيار جميع العناصر الفنية، فالأبطال هم من يختارون الأسلوب الذي يخرج به المنتج النهائي.

نقطة أخرى متعلقة بالعائد المادي فهو يصل لأصحابه مباشرة ولا يخضع لطرق شركات الإنتاج في الدفع وهذه بحد ذاتها قصة أخرى لأن عشرات من نجوم الفن لديهم أزمات كبرى مع الشركات المنتجة التي تؤجل دفع أجورهم أو حتى تتهرب من تلك المسؤولية تماماً.

عن سبب الإقبال على تلك الطريقة في عرض الموهبة قال الناقد الفني محمد عبدالرحمن "فيديوهات السوشيال ميديا بمختلف منصاتها تعد وسيلة بالنسبة إلى هؤلاء الشباب توفر لهم دخلاً مجزياً، فكثير من تلك الفيديوهات يكون عليها إعلانات تحقق أرباحاً مباشرة لهم، كما أنها تكون مدخلاً لعالم الدعاية لعلامات تجارية مختلفة وبينها المطاعم ومراكز التسوق المختلفة فيحصلون منها على مقابل مادي أيضاً ومن هنا يتحقق الدخل غير المباشر المعتمد على شهرتهم التي حققوها في أوساط مستخدمي الوسائل".

وهم أعداد المتابعين

وأوضح عبدالرحمن أن من يخلص فيهم للمهنة بالفعل ويكون هدفه التمثيل بحد ذاته وليس مجرد التسلية أو تفريغ الطاقة أو حتى "البيزنس" لا يكتفي أبداً بتلك المنصات لأنه يعلم يقيناً أن الاعتراف الحقيقي بموهبته يأتي حينما يقف أمام كاميرا المخرجين المحترفين وليس كاميرا الموبايل، ضارباً المثل بأحمد رمزي ومحمود السيسي، حيث إن كلاً منهما يظهر في أعمال فنية احترافية بعيدة من شخصيتيهما المعروفتان على وسائل التواصل الاجتماعي.

 وأضاف "قبل سنوات كنا نقول مثلاً إن ممثلاً ما بدأ حياته على خشبة المسرح ثم حقق نجومية في الدراما التليفزيونية أو السينمائية، لكن بات من الطبيعي اليوم أن نقول إن فناناً بعينه لفت الأنظار بموهبته أولاً من على السوشيال ميديا ثم حقق النجومية التلفزيونية والسينمائية".

لكن الملاحظ أن بعض أبطال تلك الإنتاجات المحدودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون بالفعل على عدد من الأدوار من منطلق أن لهم قاعدة جماهيرية بالفعل، يمكن استغلالها وهو المنطق الذي يتبناه جانب من الصناع الذين لجأوا لهم من أجل الاستفادة من متابعيهم المتفاعلين لضمان نجاح العمل الفني.

وهو ما يعلق عليه عبدالرحمن "بالطبع هذا يعطي خيارات أكبر للمنتجين أن يختاروا من بين المرشحين للأدوار من الوجوه المعروفة بالفعل التي تتمتع بحضور لدى الجمهور في العالم الافتراضي مما يضمن الرواج لأعمالهم، لكن العيب هنا أن البعض يذهب لهم بهدف الاستفادة من متابعيهم فقط من دون النظر لأي اعتبارات أخرى، فحتى وإن نجحت تلك الحيلة مرة لن تتكرر مرة أخرى وسيكون العمل الفني هو الخاسر".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون