Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أصبحت بريطانيا "رجل الغرب المريض" اقتصاديا؟

تعليقات المحللين تزداد تشاؤماً حول الوضع الذي تمر به البلاد وسط دعوات إلى التخلي عن الاعتقاد بأنها دولة غنية

وضع الاقتصادي البريطاني يجعل استمرار الاقتراض عبر إصدار السندات وغيرها غير مستدام (اندبندنت عربية)

ملخص

ارتفاع معدلات الفقر في بريطانيا بشكل لا مثيل له في الدول الغربية الأخرى 

على رغم تباين مؤشرات الاقتصاد الكلي في بريطانيا وأحدثها نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني بأعلى من التوقعات، إلا أن الحديث عن تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد وصل إلى مرحلة لا يخرجها فقط من تصنيف الدول الغنية المتقدمة، بل يضعها بالفعل في خانة الدول النامية والفقيرة، حتى أن بعض الأرقام والبيانات التي تبدو إيجابية تؤكد أن الاقتصاد البريطاني في وضع غاية السوء فعلاً.

لم تزد نسبة النمو للربع الثاني على 0.2 في المئة، بينما كانت التوقعات بنمو شبه منعدم عند 0.1 في المئة، وعلى رغم تباطؤ نمو معدلات التضخم إلا أن نسبته تبقى الأعلى بين الدول الصناعية المتقدمة، كما أن أسعار الغذاء في بريطانيا ترتفع بمعدلات توازي أضعاف نسبة الزيادة في مؤشر أسعار المستهلكين.

في مقالة له بصحيفة "الأوبزرفر" أمس الأحد، كتب ويل هاتون، تحت عنوان "لنتوقف عن خداع أنفسنا بأننا بلد غني ونواجه الواقع... بريطانيا أفلست".

وقبلها بيومين كتب جون بيرن - مردوخ مقالة تساءل في عنوانها "هل بريطانيا حقاً أفقر من ولاية ميسيسيبي؟"، وهي ولاية جنوبية تعتبر الأفقر بين الولايات الـ50 في أميركا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ذلك إضافة إلى مقالات ودراسات أخرى من مراكز بحوث اقتصادية تجمع كلها على أن بريطانيا في وضع غير مسبوق وأنها وصلت إلى حالة "رجل الغرب المريض" اقتصادياً.

تدهور مستمر

في كل الأزمات الاقتصادية السابقة التي تعرضت لها بريطانيا، تمكنت من تخطيها بالتقشف الحكومي أو خفض قيمة الجنيه الاسترليني، مستعينة بعلاقات تجارية قوية تستند إلى وضعها كإمبراطورية في السابق أو كعضو سابق في الاتحاد الأوروبي، وحدث ذلك في أزمة العملات عام 1931 وفي الأزمات التالية في عام 1949 وفي عام 1976 وفي عام 1992 وحتى الأزمة المالية العالمية الأخيرة في عام 2008.

أما الآن، فلم تعد هناك التجارة الواسعة عبر دول الإمبراطورية السابقة ولا حتى الاتحاد الأوروبي بعد الخروج منه (بريكست)، ولم تعد الحكومة قادرة على التدخل للإنقاذ كما فعلت في الأزمة المالية العالمية الأخيرة حين كان الحساب الجاري للخزانة يسمح.

في السابق كانت الأصول البريطانية في الخارج تتجاوز التزامات البلاد المالية، وكان الدين السيادي في وضع جيد وأغلبه سندات طويلة الأجل يمكن تدبر خدمتها من فوائد وأقساط. هذا إضافة إلى أن القاعدة الصناعية البريطانية كانت ما زالت في وضع جيد، وبالتالي كانت الثقة الائتمانية في بريطانيا جيدة.

ذلك ما جعل محافظ بنك انجلتر السابق مارك كارني يقول جملته الشهيرة قبل سنوات بأن بريطانيا "تعتمد على كرم الغرباء" لدعم الجنيه الاسترليني، والقصد هو شراء المستثمرين الأجانب لسندات الخزانة البريطانية، لكن ثقة هؤلاء المستثمرين في السندات تتدهور باستمرار بعدما تجاوزت التزامات الحكومة للمقرضين الأجانب حجم الأصول البريطانية بنسبة 30 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وتواصل تلك الفجوة الارتفاع.

أما القاعدة الصناعية البريطانية فتواصل العجز المستمر وتجاوز عجز الحساب الجاري للصناعة منذ عام 2000 مبلغاً إجمالياً وصل إلى 1.5 تريليون جنيه استرليني (نحو تريليوني دولار) وتضاعف الدين العام البريطاني ثلاث مرات في عقدين من الزمن، في أسرع نمو له منذ الحرب العالمية الثانية.

وتجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 100 في المئة، وهي نسبة ليست بهذا القدر سوى في عدد قليل من الدول المدينة في العالم، كما أصبح ربع هذا الدين في شكل سندات قصيرة الأجل ومرتبطة بمعدل التضخم وأسعار الفائدة المتغيرة، وهكذا أصبحت خدمة الدين تساوي ما نسبته 10 في المئة من موارد الخزانة من الضرائب، وهي أعلى نسبة في الدول الصناعية المتقدمة ومجموعة الدول السبع.

أفقر من مسيسيبي؟

على رغم حجم الاقتراض الهائل، الذي أصبح غير قابل للاستدامة الآن مع فقدان الثقة الائتمانية في بريطانيا، فليس هناك تراكم للثروة، بل إنه بحسب ويل هاتون "أصبحت بريطانيا بلداً فقيراً. فإنتاجية العامل عند أدنى مستوياتها ومعدلات النمو في اضمحلال مستمر، وإذا تم استثناء العاصمة لندن فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو الأدنى بين كل الدول الصناعية في الغرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب تحليل جون بيرن – مردوخ، فقبل تسع سنوات كان اقتصاد بريطانيا بالمقارنة مع الولايات الأميركية يأتي في المرتبة 49، أي يتقدم فقط على اقتصاد ولاية ميسيسيبي أفقر الولايات الأميركية، أما الآن فتراجعت بريطانيا لتصبح في وضع لا يزيد على أفقر ست ولايات أميركية، وأما المشكلة فهي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يتركز في العاصمة لندن، فإذا استبعدت لندن يكون الوضع أسوأ بكثير.

ويضرب بيرن – مردوخ مثالاً بأن استبعاد أمستردام مثلاً عن بقية هولندا لن يكون الفارق في نسبة الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد منه أكثر من خمسة في المئة، أما استبعاد المدينة الصناعية الأغني في ألمانيا ميونيخ، فلن يشكل سوى فارق بنسبة واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما استبعاد لندن عن بقية بريطانيا يعني انخفاضاً بنسبة 14 في المئة، لذا نجد أنه في بقية بريطانيا، هناك في الأقل مليونا نسمة لا يجدون الطعام ليوم على الأقل في الشهر بحسب أحدث المسوحات الاقتصادية، ويعاني أطفال بريطانيا سوء تغذية لا مثيل له في أي بلد مماثل، ويعيش ثلث الأطفال البريطانيين في مستوى الفقر.

يكاد يجمع المعلقون والمحللون على أن كل السياسات الاقتصادية وطرح الحلول لا تؤدي إلى وقف التدهور، وذلك لأن النخبة بشكل عام ما زالت تفكر بطريقة أن بريطانيا بلد غني وأن العالم سيواصل إقراضه، ويرى معظم هؤلاء أن بداية الحل هي في التوقف عن هذا التفكير والتسليم بواقع أن بريطانيا أصبحت بلداً فقيراً يواجه تحديات مماثلة لما تواجهه الدول النامية في العالم.